السبت، 27 أغسطس 2016

من باب الإلزام العقلي ( الكائنات الثلاثة )




من باب الإلزام العقلي ( الكائناتُ الثلاثة ) .

::::::::::::

أذكرُ أنني قراتُ أنّ احد السلف كان يقولُ عليك ان تفر من المبتدعة و ألا تجالسهم و إن سددت اذنك و أغمضت عينيك عنه , و قال أحد السلف أنه ظل حزينا مكتئبا يوما كاملا فلما سالوه عن السبب قال : لقد ابتسمتُ في وجه مبتدع .
و أنا اقولُ : ما هذا القرف ؟ ما هذا القرف الذي اقترفه ضعفاء العقل و الحجة . ؟ أضعفاءٌ هم لهذا الحد ؟ أين الحجة بالحجة و إعمال الفكر ؟
كذلك سمعتُ رواية عن احمد بن حنبل أنه ضعف حفظه يوما بسبب رؤيته لكعب امرأة !!!!! ما هذه الروايات التافهة , و ما هذا التهافت و الضعف و السخافة ؟ اجعلونا نحسن الظن و نقول أنها رواياتٌ مردودة غير صحيحة في باب مبالغات قراء العصور الوسطى كما جرت عادتهم التي اكتسبوها من خطاطي الكتاب المقدس الإسرائيليين .

لماذا كلاب النار المستأسدين على الضعفاء هم ضعفاء لدرجة عدم قدرتهم على تحمل راي شبه مخالف لهم في غرفهم على البالتوك ؟!!!!

لماذا الملحدون أكثر صبرا منهم و اكثر قدرة على تحمل النقد و الجدال بالحجة حتى انهم لا يأبهون الى شاتميهم أو مكفريهم ؟ ألهذا الحد المتدينون ضعفاء و ساقطون ؟
أتدرون لماذا ؟ ذلك أنّ المتدينين الساقطين هم عبيد لشركاء كثر هم آلهة التراث و المرويات , أما الملحدون فيعبدون إلها واحدا و هو عقل الملحد ذاته و مسلمات العلم .
فالملحدون موحدون بالنظر إلى شرك كلاب النار و الوهابيين , فعبادة إله واحد افضل من آلهة كثيرة حتى و لو كان كلٌّ من الفريقين على حالةٍ باطلة .

و لنقم الآن بعمل فرضية عقلية للإلزام , فنقول لكل المتدينين المتعصبين في العالم , تعالوا جميعكم باختلاف آلهتكم و عقائدكم و أحبوا بعضكم و عاملوا بعضكم بإنسانية حتى ولو كان حب المخالف لكم هو من نواقض دينكم , و لكن دعونا جميعا نحب بعضنا و نتسامح فيما بيننا , لا أقول تزاوجوا من بعض , و لكن فليلقِ كلٌّ منكم على الآخر سلاما و إنسانية و رحمة , ثم تموتون كلٌّ في معاده , ثم تلتقون أمام الإله صاحب اليوم الآخر , ألن يخجل ذلك الإله منكم ؟ هل ستكون عنده حجة ليحاسبكم على رحماتكم . ؟ لو فعل ذلك وقتها لظهر بمظهر الشرير الدنيء و تكونون قد كشفتم زيفه و كذبه و ساديته و خبثه , و لو فكر ساعتها جمعٌ منكم : ليتنا أمتنا بعضنا البعض في الدنيا لنرضي ذلك الإله , سيرد عليكم جمعٌ آخرٌ  منكم  : ألا يكفيكم ما استرحتم به من سلامٍ نفسي في الدنيا لتكسروا به قلب ذلك الإله الشرير الحقود . فيكون بعضكم لبعضٍ باعثَ عزاءٍ و رثاءٍ و تسلية , و لو لم ينتقدكم ذلك الإله , ساعتها فانعم به من إله لم يرد لكم إلا السلام في الدارين , و أقول معقبا : لقد بلغ كلاب النار بقحطهم الروحيِّ ذلك أوج غيظهم و تطرفهم في خلة الشام و العراق و ما وصلوا لتلك البشاعة الا لقحط في قلوبهم أرادوا اروائه و انّا لهم ذلك , و سينهزمون عسكريا و نفسيا كي لا يكون للقوم حجة بعد البشر . و هو من تدبير الله كتجربة عملية أخرجت ما في صدورهم من عفن التراث و خبثه ليظهر جليا كيف يكون اندحاره و هزيمته أمام العالمين موثقا بالصورة والمنطق .
و سيكون بذلك اندحارا أشد من اندحار الكهنة عن اوروبا في العصور الوسطى و سيكون حدثا تاريخيا عظيما . و ستنكشف خدعة الخلافة الملوكية التي ينادون بها و كم من دماء ضاعت هبائا منثورا في سبيل تلك الخدعة الشيطانية الاثيمة الرجيمة . و من لم يقرا التاريخ ليتعلم فالآن لن تكون له حجة بعد هذا المشهد العلني العملي التاريخي .
إنّ كلاب النار هم اشبه بمصاصي الدماء الذين لا يظهرون الا في الظلام لا تنبض قلوبهم و يحترقون بشمس المعرفة كما تحكي الاساطير القديمة . انه تشبيه حقيقي و واقعي .

أما الملحدون فلا أقول لهم إلا رهان باسكال كإلزامٍ عقلي , يقول باسكال : انك أيها الملحد افترض أنّ الإله الحق موجود و قل  :  لو أنك موجود أيها الإله الحق فقد آمنت بك و فالتفويض هنا أسلم من الإلحاد الصريح , غير انّ باسكال لم يضع في اعتباره احتمال أنّ ذلك الإله قد يدخل حتى الملحدين إلى الجنة بعد فترة عقاب باعتبار أنّ رحمته و سعت غضبه , و لكن بما أنّ باسكال من خلفية مسيحية تؤمنُ بالنعيم الأبدي أو الجحيم الأبدي غير المنقطع و كذلك كثير من جهلاء المسلمين , فأقول أنّ رهان باسكال هو الاقرب لعقول الجموع الملحدة في العصر الحديث كإلزامٍ عقليٍّ جدليّْ .

و اعود و اقول : لقد سجن كلاب النار ربهم في أسوار عقولهم و زمانهم الماضي في تاريخ الشعوب , سجنوه داخل عقولهم الخربة فأخرجوه بصورة وحشٍ خبيثٍ داعر لا حياء عنده و لا أخلاق و لا مباديْ فملأوا بذلك العالم ظلما و جورا و هو أعظم الظلم و اشنع الجور .
و الحقيقة أنّ الإله الحق لا يحده زمن و مكث و لا عقل . بل من المفترض أنه يكون مبدأ كل خير و القاضي بنهاية كل شر .

و اعود مرة أخرى و أقول : هل السبي مذكور في القرآن ؟ أم أنه كان عادة قبلية و عُرفَ حروبِ الماضي بكل ثقافاته و اديانه كصفة مجتمعية وظاهرة سوسيولوجية ؟
فرقٌ بين الدين و العادة , فرقٌ بين العرف و العبادة . لقد تطورت الشعوب و المجتمعات و الثقافات  ,  و ما صارت ترضاه الإنسانية اليوم , يستحيل أن يناسب ثقافات الماضي , و قد يقول القائل : ماذا تفعل في آيات ذكرت ملك اليمين في القرآن ؟ ألا يدل ذلك على السبي ؟ فأقول : آياتُ ملك اليمين في القرآن جاءت في سياق الصيغة التقريرية الإخبارية لأمر جارٍ يحدث و عرف شائع في الحروب , و لكن هل جاءت صيغة ملك اليمين في القرآن بلهجة الحث عليها أم كانت بصيغة ثقافة مرحلة و لهجة مباح من مباحات العصر  و البيئة التي حث القرآن و الحديث على التخلص منها باعتاق الرقاب و عظيم أجر ذلك إما لتكفير ذنب أو لإرضاء رب .
لقد كان السبي و الاسترقاق من باب المعاملة بالمثل و العرف و قد كان في اوروبا كذلك و آسيا و بلاد فارس و غيرها وقتها . و لنفترض أنّ قائداً لمعركة قد انتصر و لم يأخذ نساءً أسرى , هل سيكون آثما أو معاقبا ؟ أم له ذلك بدون عقابٍ رباني ؟ و تذكروا انتصار علي رضي الله عنه بجيشه على عائشة رضي الله عنها , هل أخذ سبايا ؟
من هنا تتبين لنا دلالات العرف في كل عصر و تغير مفردات ثقافات الشعوب عبر الزمان و هو  أمرٌ معتبر لدى الإله .

و من جهةٍ مغايرة اقول للنصارى : لو أنّ دين محمد هو دين  الشيطان و انّ أحداث غار حراء كانت مسّاً من الشياطين ليكون محمدا رسول تعاليم إبليس , فلماذا حرّم ذلك الوحي الشيطاني كلَّ ما يُذهبُ العقل و أولها الخمور ؟
هل يريدنا الشيطان يقظين دائما نستعمل عقولنا ؟ هل يريدنا اقوياء الإرادة غير خائرين أمام الكحول , هل يريدنا إبليسُ متماهين مع الصعاب نحلها بجهد و مواجهة بدل ان نهرب إلى أوهام السكر و تغييب العقل ؟ ياله من شيطانٍ ناصح رائع . أين عقولكم يا نصارى ؟ إذهبوا و اوجدوا حلا لمشكلتكم مع الفلسفات الهلينية التي هزمت إيمانكم و جعلت توحيدكم ينهزم بلمس الأكتاف و بالضربة القاضية .
تذكروا معارك خليقدونية الفكرية و العقائدية , تذكروا شهود يهوة و الإريسيين و الإبيونيين .
لقد اتى محمدا مصدقا لنبوءات و لقد اخبر عن نبوءات تحققت و استُجيب دعاءه .

و نعود و نسأل : هل القرآن عنصري و طبقي ؟

{ الحر بالحر و العبد بالعبد و الانمثى بالانثى و الجروح قصاص }
{ و من قتل نفسا بغير نفسٍ فكأنما قتل الناس جميعا و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا }

أقول : لا ليس طبقيا و لا عنصريا لأنّ الآية الأولى من المتشابه و الآية الثانية من المحكم , فرُدُّوا الأولى إلى الثانية لتزول الشبهة و تظل الفكرة .
و الآية الاولى تفترض أنه لن يقابل الحر إلا الحر و لن يقابل العبد إلا العبد و لن يقابل الانثى الا الانثى مخاطبا طبيعة ذلك المجتمع القبلي الذي نزلت فيه تلك الآيات , لكنّ الآية الثانية وضعت الافتراض الحاصل حديثا و هو ذوبان الفوارق الطبقية و انّ النفس بالنفس قولا و فعلا , و هذا لا يمنع اقتصاص العبد من الحر و الأنثى من الرجل بكل تاكيد .  

و اقول معاودا : إنّ كلب النار هو الكائن المسخ و الملحد هو الكائن المُعَزّي و شاتم محمد هو الكائن الجاهل .
المسخ لانه انطبعت عليه آفات كتب التراث فصار مسخا لا طعم له و لا رائحة و لا يشعر بطعمٍ و لا رائحة و هو في اكتئاب و ضجر و سخط دائم و صدره في ضيق مستمر .
أما المُعَزّي فذلك لانه يرثي نفسه على ما فعله به الكائن المسخ فيسقط سقوطا حرا ليريح عقله ثم لا تلبث مرحلة الصعود الحر إلا أن تبدأ في جيله أو في متتاليات الأجيال من بعده .
أما الجاهل فلانه أمسك في السفاسف و المكذوبات و الموضوعات و كلمات و ثقافات الشعوب في زمانها و أسقطها على زمانه بكل جهل و رعونة وغباء فصارت صدا له و فتنة عليه جراء سوء الظن .

و مرة أخرى أعود و أتسائل : لماذا دائما تجار الدين من الشيوخ و الكهنة يكرهون الفلاسفة لدرجة تحريم تدريس علم الفلسفة في بلاد الوهابيين ؟
أقول : إنّ السبب في ذلك أنّ الفيلسوف ينظر نظرة نقدية شمولية اجتماعية لكل العقائد في الدنيا في كل الثقافات و كل الميثولوجيا التاريخية و يقارنها ببعضها ليكشف ضعفها و هشاشتها في مبدئه الذي يسير عليه و هو الخير و الحق و الجمال , فلا يجد في معظم الميثولوجيا التي في أيد الكهنة و المشايخ لا خير و لا حق و لا جمال فتصيرُ تعريةً لهم . كما انّ كهنة الدين و المشايخ يشعرون بالغيرة و البغض تجاه ذكر الفلاسفة لعقائد الاغيار من شعوب و حضارات و اعتقادهم ان مجرد ذكرهم في كتب التاريخ هو احياء لتلك العقائد و تمجيدا لها !!!!!
غير أنّ الإله الحق ما هو إلا نبع الخير و الحق و الجمال .
لذلك نجد كثيرا من الفلاسفة قد الحدوا و انكروا الإله , و نظروا إلى الميثولوجيا على انها ظاهرة نفسية عامة في شعوب الارض البشرية , لم يلمسوا بحواسهم النبوة و النبوءات و إجابات الدعاء في كل ميثولوجيا درسوها . لم يجدوا هدايات الإله بالخير و الحق و الجمال على النبوة و النبوءات و تحقق الدعاء .
فصاروا أعداءً للكهنة و صار الكهنة أعداءً لهم . غير أنّ الفلسفة على إطلاقها المجرد هي خير للإنسانية و لتطور آليات التفكير و الاستنتاج و التجرد للخير و الحق و الجمال المفترض أن يصل للنبوة و النبوءات و إجابات الدعاء . إنّ الفلسفة هي التفكير العميق و هي تلك الحلقة المفقودة بين أرباب الميثولوجيا و علماء الفلسفة , و لقد جئتُ هنا لاتمم لهم تلك الحلقة المفقودة و اجعلها موجودة و في مكانها و زمانها الصحيح .

إنّ رؤية النبوة و تحقق النبوءات و إجابات الدعاء و الوصال بالدرجات المختلفة للوحي لهو كفيلٌ ببعث الاستقرار و السلام النفسي المنشود في العالمين .  غير انّ هذا السلام النفسي إن لم يتوافر فإنّ الكائن المعزي يحاول أن يجده في إلحاده و لا يجده مستمرا , و الكائن المسخ يحاول ان يجده في عفن التراث و الجنس و العنف و لا يجده مستمرا , و الكائن الجاهل يحاول أن يجده بدس راسه في التراب كالنعام و لا يجده مستمرا .
الحق و الحق اقول :  إنّ كل الكائنات الثلاثة آنفة الذكر هي تائهة حتى ترجع تلك الحلقة بين الفلسفة و الدين و حتى ترجع تلك الوصلة بين الأرض و السماء , و على اية حال فإنّ الاتزان النفسي شيءٌ و السلام النفسي هو شيءٌ آخر تماما .

إنّ الاضطراب النفسي هو شيءٌ خارجٌ عن السيطرة , بينما الاتزان النفسي فهو رد فعل إرادي لمواجهة مصاعب الحياة و محاولة للاستمرار و العيش و التكيف , أما السلام النفسي فهو شيءٌ لا إراديّ يهبط عليك هبوط الوحي على النبيين .

إنّ كلب النار الكائن المسخ هو اشبه بمصاص دماء , لا يحيى إلا على القتل و هدر الإنسانية و نشر الكراهية .
إنّ الملحد الكائن المعزّي هو اشبه بذلك الإنسان الذي بلغ عقله الجهد و نهاية التحمل فاسقطه ( أي عقله ) سقوطا حرا ليرتاح ذلك العقل في عزاءٍ نفسيٍّ اليم .
إنّ شاتم محمدا هو الكائن الجاهل و هو أشبه بطالبٍ بليدٍ لا يريد أن يمتثل لدروسه ومدرسيه بل يريد دائما تبرير فشله و عجزه عن مجاراة تطورات السماء و أخبارها المتتالية التترا . و لا يريد أن يبذل جهد البحث و المقارنة و التفكير . تصده عقبات سطحية لا لب فيها . تصده همجية كلب النار و لوثة الرواية الكاذبة و اختلاط الفعل من عصرٍ إلى عصر دون اعتبار قواعد الثقافة و الزمن و المناط .

لقد ظلت الأرض تئنُّ عقودا , تئنُّ بكثيرٍ من الذين يئنّون ألما على فقدان اليقين  في الدين .
لقد أنّ كثيرون , منهم الملحدون و اللأدريون و اللادينيون و الربوبيون و اصحاب عقيدة الانتظار في الاديان كلها دون أن يجدوا من يكفكف آهاتهم ويزيل شكوكهم و يرفع الحجاب عن عيونهم , لقد أنّتِ الارضُ عقودا بعد أنّ كذّبَ العالمُ مسيحَ السماء المبعوث في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وبداية القرن الرابع عشر الهجري ,لقد ناحت الدنيا ألماً و همّاً على وفاته مع نهاية العقد الأول من القرن العشرين في الهند .

لكنّ تلك الدموع لن تظل كثيراً في محاجرها و ستهبط شوقا و فرحا , حبا و شغفا بتلك النسمات المسيحية المقدسة التي اختارتها السماء لتطيل عمر زمان الوحي إلى الدنيا مع نهاية الايام .  د محمد ربيع و مصر .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق