الاثنين، 17 يوليو 2017

ذكرياتُ الصوتِ و الرئحةِ .



ذكرياتُ الصوتِ و الرائحةِ .
:::::::::::::::::

إنّ الوجدان البشري عميقٌ جداً و مُركّب . تفاصيله دلالة تفاصيل خلقه و تصويره من لدن حكيمٍ خبير .
و من أعماق الوجدان ترى الذكريات , تراها بأذنك او بأنفك كذلك , و هي أقوى المرئيات في الذكريات القابعة في خليج الشعور عميقا في بطن الوجد .
من الممكن أن ترى شيئا فتتذكر شيئا , من الممكن أن تلمس شيئا فتتذكر شيئا , كذلك أيضا من الممكن أن تتذوق شيئا فتتذكر شيئا , شيئا حلوا أو مراً , شيئا له أثر رقيق حلو و آخر له خدش و جرح مر .
لكنّ أقوى الذكريات على الإطلاق هي التي تعبر إلى مخيلتك من خلال السمع أو الرائحة . لانّ السمع خفي و كذلك الرائحة خفية . فهما أكثر ملائمة للذكرى المتوارية خلف حجب السنين و الأيام , فكلاهما من جنسٍ واحد . فتجد الكفيف قد فقد الرؤية لكنه اكتسب الرؤيا . رؤيا الذكريات بالصوت و الرائحة و يبصر في الرؤيا و يتذوق و يلمس , من فقد حواسه تعود له مؤقتا في الرؤيا فيستمتع بها كثيرا .
لقد كنتُ أنفض ثوبي الذي في جيبه مفاتيحي فسمعتُ صوت نفضة الثوب و المفاتيح معا , لقد ذكرني ذلك الصوتُ بأبي , لقد كان نفس الصوت يصدر عن حركة مماثلة , ثم مرت أيام و شممتُ رائحة في مرهم طبي تشبه رائحة الvكس و هو مرهم كان أبي يدهن به مفاصله بسبب الروماتيزم , فلما ان شممتُ تلك الرائحة مؤخرا كذلك تذكرت أبي بعمق , ذكرى حلوة .
إذا شممتُ رائحة الاوراق القديمة المعتقة تذكرتُ أوراق أبي و مستنداته و اوراقها القديمة و جلدات الكتب الطبيعية  . تذكرتُ أبي , ذكرى حلوة .
كلما سمعتُ صوت دويّ القطار , تذكرتُ فترات السفر للدراسة , ذكرى حلوة فيها عدم استقرار , لكنه واجب العلم .
كلما شممتُ رائحة أوراق الكافور تذكرتُ أيامي في بلاد الحرمين فقد كانت منتشرة في حي النسيم الذي كنا نسكن فيه .
كلما سمعتُ صوت صافرة أو زمارة الألعاب المطاطية التي يصدر عنها كلما ضغطنا عليها تذكرت شيئا من طفولتي , لماذا المرهفون يحبون الآثار القديمة و يحبون السياحة فيها , لانها من امهات الذكريات المرئية و لكنهم لو استطاعوا ان يحفظوا ذكريات صوتية او شمية لتلك الحضارات السابقة لصاروا اكثر شغفا بها , ربما يصدر اختراع مبتكر في مستقبل الايام يعيد لنا صوت و رائحة الحضارات الفائتة , الا انني الان استطيع سماع صوتها و شم رائحة تاريخها الذي اثره في وجدي اشد و اقوى !!!
كلما شممتُ رائحة النيل أو البحر تذكرتُ رائحة الخليج العربي في البحرين , ذكرى حلوة و مرة .
رأيتُ كثيرا فتذكرت, و لمستُ كثيرا فتذكرت , و تذوقتُ كثيرا فتذكرت , لكنّ ذكرى الصوتِ و الرائحة لهي أعظم أسباب الذكرى .
كلما سمعتُ صوت عبد الباسط عبد الصمد في تلاوته للقرآن تذكرتُ أبي لما ان كان يشغل كل يوم شريطا من شرائطه في الكاسيت , ذكرى حلوة .
أتذكر صوت أبي المسيح الموعود في الرؤيا مخاطبا لي , اتذكر صوت الرسول محمدا في الرؤيا في جلسة تعليم حضرتها مع اثنين جلوسا على الرصيف . أتذكر صوتيهما و طعم طعام اكلته في الرؤا , اتذكره جيدا , اتذكر العبق و الملمس و الذوق و الرائحة و المنظر و الصوت .
أتذكر كذلك ذلك الراديو الصغير المستطيل الذي كان ابي يشغله لنا كل يوم قبل الذهاب للمدرسة صباحا ,
صوته و ذبذباته تخالجني الآن . و هذه الكلمات تفيد اي اب في ان يخلق لابنائه ذكريات جميلة يستعيدونها في مستقبل الايام فان ذلك من البر بالابناء فحافظوا على زرع ذكريات جميلة في نفوس ابنائكم كما تحافظون على صور لهم و متحركات . حاولوا ان تجعلوهم في كبرهم قريبين من اماكن صباهم و طفولتهم لا كما حدث معي لان ذلك يعطيعم سعادة الذكرى و الذكريات فلا يستقرون لها فقط في المخيلة بل يدأبون على النظر لها كل يوم فترقص قلوبهم فرحا و سعادة .
أتذكر انه كان لدي زجاجة عطر صغيرة بكرة صغيرة في اعلاها , كلما شممتها تذكرت مرحلة الثانوية العامة , في بلاد الحرمين . و في بيتنا هناك كنت انا مسؤول المياه و الخبز . املأ ماء باردا و اجلب خبزا طازجا من الرابية , لقد ربت ذكرياتي في اعماق وجداني و حركت قلمي بحروف الشعور و الحنين . د محمد ربيع , مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق