درس القرآن و تفسير الوجه السابع من أوجه سورة الأنعام .

درس القرآن و تفسير الوجه السابع من أوجه سورة الأنعام .

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::

محمد إبراهيم :

درس القرآن و تفسير الوجه السابع من أوجه سورة الأنعام .

يقول سيدنا يوسف بن المسيح ﷺ :

الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده , و بعد : لدينا اليوم الوجه السابع من أوجه سورة الأنعام , و نبدأ بأحكام التلاوة مِن إظهار و إقلاب .

أحكام النون الساكنة و التنوين : 

الإظهار : و حروفه مجموعة في أوائل كلمات الجملة التالية ( إن غاب عنّي حبيبي همّني خبره ) , فإذا جاءت النون الساكنة أو التنوين بعد هذه الحروف فنظهرهما أي النون الساكنة و التنوين تمام الإظهار , أي إظهارا حقيقيا . مثال : سلامٌ عليكم .

الإقلاب : و حرفه الباء . أي أنه إذا جاء حرف الباء بعد النون الساكنة أو التنوين تقلب النون أو التنوين ميما . ثم بعد ذلك يكون إخفاء شفوي . فالإقلاب حكمان في حكم واحد . مثال : منْ بعده .

                         •••••••   

ثم قال سيدنا يوسف بن المسيح ﷺ : 

إنّ هذا الوجه يشرح أمرا جميلا جدا في تفاصيل و خبايا المجرمين الكافرين و الذين تكبروا و ابتعدوا عن النبي و عن هدايات النبي , فهؤلاء كانوا من قبلُ مخالطين للمؤمنين قبل إيمانهم بالنبي , و تلك لدى الكافرين عقبة و أزمة نفسية يقول لسان حالها : هل من المعقول أن أولئك الذين كانوا أصحابا لنا و كنا نرى منهم بعض الأخطاء و بعض سوء الأخلاق أن يكونوا مؤمنين مفضّلين علينا نحن ؟!! فيجبهم لسان الحق : نعم فمن آمن و اتبع الرسول فهو أفضل منك . و إن هذه لفتنة , حين يكون شخص قبل إيمانه قد خالط شخصا كافرا إلى الآن , فيقول الكافر بناء على مشاهد في ذاكرته : أهذا الذي آمن و اتبع النبي ؟! إن فيه كل العبر و من المساوئ الكثر . و ربما كانا صاحبان مقرّبَين فَمَنَّ الله على أحدهما بالهداية و نعمة الوحي و ضل الآخر , إن هذا بحد ذاته عقبة , يقول الله سبحانه و تعالى في بداية الوجه :

( وَكَذَ ٰ⁠لِكَ فَتَنَّا بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لِّیَقُولُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ مَنَّ ٱللهُ عَلَیۡهِم مِّنۢ بَیۡنِنَاۤۗ أَلَیۡسَ ٱللهُ بِأَعۡلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِینَ )

لیَقُولُوۤا۟ : أي الكفار . أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ : أي المؤمنين . مَنَّ ٱللهُ عَلَیۡهِم مِّنۢ بَیۡنِنَاۤ : أي يقول الكافرون عن المؤمنين أهؤلاء الذين أنعم الله عليهم بنعمة الهداية ؟! , فيردّ الله عليهم و يقول : أَلَیۡسَ ٱللهُ بِأَعۡلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِینَ ! , فالله هو الأعلم بالقلوب التي اهتدت و قبلت الحق و الإيمان . و هناك أمثلة كثيرة في حياتنا اليومية عن مثل هذا الأمر . 

( وَإِذَا جَاۤءَكَ ٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِـَٔایَـٰتِنَا فَقُلۡ سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُمۡۖ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوۤءَۢا بِجَهَـٰلَةࣲ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ )

وَإِذَا جَاۤءَكَ ٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِـَٔایَـٰتِنَا فَقُلۡ سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُمۡۖ : أي من جاءك يا محمد مؤمنا فبشّره بالسلام , و السلام هو المغفرة بعد التوبة و الإصلاح . و لو أن أحدا أذنب بعد الإيمان و تاب و أصلح فيعطيه ربنا السلام . و نتساءل : كم من مرة للعبد أن يتوب و يصلح و يعطيه الله نعمة السلام ؟! فنقول إلى ما لا نهاية , إن الله لا يملّ حتى تملّوا و هي صفة من صفاته , و ربنا عزيز و كذلك كريم , عزيز بأن ينتظرك تأخذ المبادرة الأولى في التقرب إليه , كريم فلو أتيته تمشي أتاك هرولة و إن تقرّبت إليه ذراعا تقرّب إليك باعا , و الذراع و الباع مقياسان لتقريب الفهم كقولنا إن تقربت إليه مترا تقرب إليك مائة متر . الله عزيز و مع ذلك كريم . و هذا تشبيه للحال الحاصل . فَقُلۡ سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُمۡ : سيأتيكم سلام , نعمة , نعمة السلام , السلام النفسي و سلام المغفرة المستمرة , لكن بشروط فما هي ؟! : كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوۤءَۢا بِجَهَـٰلَةࣲ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ , فشرط السلام الآتي من بعد الذنب أنك تتوب و تصلح و تزكي نفسك . و الجهالةُ صفةٌ ملازمةٌ لأيّ ذنب . و ليست تعني أن المذنب يجهل ذنبه بل هو يعرف أنه ذنب و يفعله , و إنما الجهالة أن تخبو جذوة الإيمان قليلا أو نسيان الإيمان بعض الوقت و هذه هي الجهالة . و لو أن في قلبه جذوة الإيمان لَمَا أذنب , أي لو أنه مقشعر بالإيمان و في حال خشوع فلن يذنب أبدا , و مع ذلك ليس لأحد أن يبقى مقشعرا بالإيمان طيلة الزمن الذي يعيشه , حتى الأنبياء لكنهم تكون لهم فترة قشعريرة بالإيمان أكثر من غيرهم , ثم الأدنى فالأدنى . إذن ..الجهالة هي فترة خبوّ جذوة الإيمان . أما في حالة الإيمان و الاضطراب بالروح و تلقي الوحي و الخشوع فتكون متصلا بالله كأنك تراه و تراقب مراقبته لك بنسبة مائة في المائة , و كمثال : كأن الإيمان الذي فيك عبارة عن مائة مصباح , فلو كان المائة كلها مضيئة فلن تذنب , و لو أضاء منها سبعون مصباحا فمن الممكن أن تذنب قليلا , و لو أضاء منها خمسون و انطفأ خمسون فستذنب أكثر , و لو أضاء عشرة مصابيح فستذنب كثيرا جدا , أما إن انطفأت كلها و العياذ بالله فيكون بذاك منافقا نسي الإيمان و العياذ بالله . إذن , الجهالة هي صفة ملازمة لأي ذنب . بانطفاء أي عدد من المصابيح تكون جهالة , و بإضاءة كل المصابيح لا تكون جهالة . و تضيء المصابيح بالإيمان و الاضطراب بالروح و بالخشوع و بالوصال بالله عز و جل و بدورة الحياة فيك , دورة المياه العامة , و هي الاستقبال و الإرسال , أنْ نأخذ الوحي من الله و الوصال و الإيمان و الاضطراب بالروح و نعطي الله الدعاء و الشكر و الحمد و الذكر و الصلاة و الإلهام , و هي دورة المياه العامة و دورة الحياة العامة لأن المياه هي الوحي و الاتصال الذي هو الدعاء و الإلهام و الصلاة و الذكر , دورة كائنة ما بين الرب و العبد , يجب أن تكون فعّالة مكتملة على الدوام , أي أن تكون المائة مصباح مضيئة و لو أضاء تسعون منها فحصلت الجهالة و في جزء من يومك و وقتك يأتيك فيه ذنب قلبيّ أو فعلي أو قولي , فالذنب ليس كله فعل أو قول بل يكون كذلك في النية . و تاب أي عرف خطأه و ندِم , و مجرد الندم على الذنب توبة فأصبح يصلح نفسه فيجعل كل المصابيح تضيء . فَأَنَّهُۥ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ : قد قلنا أن صفات الله يولّد بعضها بعضا , غفور رحيم : ولّدت الرحمةُ الغفران . كما هو حكيم خبير : ولّدت خبرتُه حكمتَه , و كما أنه خبير حليم : فولّد حلمُه خبرتَه و هو الذي عنده الصبر على الأمور . فالحلم ولّد الخبرة , و الخبرة ولّدت الحكمة , و الرحمة ولّدت المغفرة , و هكذا . و ذلك على سبيل المثال و ليس على سبيل الحصر لأن هذا الأمر لا يُحصر . 

إنّ ربنا هنا يشرح لنا البغية و العلة و يذكر لنا هذه التفاصيل و الخبايا النفسية لكي نعرف كيفية التعامل معها في الدنيا . 

(وَكَذَ ٰ⁠لِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ وَلِتَسۡتَبِینَ سَبِیلُ ٱلۡمُجۡرِمِینَ)

وَكَذَ ٰ⁠لِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ : أي نشرح نفسيات البشر المؤمنين و الكافرين , الموحدين و المشركين , كما شرح في البداية موضوع الفتنة فتنة العلاقة بين الناس أنها ممكن أن تصد الناس عن الإيمان , أهذا الذي صار مؤمنا و اصطفاه الله نبيا فيجب أن نتبعه و قد كنا نختلف و نتعارض معه من قبل ؟!! , و هذه فتنة بحد ذاتها , حتى لو كانا رفيقان مقرّبَين فواحد آمن و أشرك آخر فلن يستمع المشرك للمؤمن و يقول هذا الذي هو صنو لي و لا يزيد عني و لا أنقص عنه فلماذا أستمع إليه ؟! , و ذلك أصله الذنب الأول ( الكِبْر ) ذنب إبليس , الكِبر , الذي يصد عن الله عز و جل . و الكِبر بأصوات الكلمات : الكاف انفكاك + بِر , أي انفكاك البِر عن ذلك المذنب فأصبح متكبرا لا يتصل به أي بر فلا يكون من الأبرار بل يكون من الأشرار عياذا بالله . ثم بعد ذلك يوصي الله نبيه بوصايا فيقول عز و جل :

( قُلۡ إِنِّی نُهِیتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱلَّذِینَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِۚ قُل لَّاۤ أَتَّبِعُ أَهۡوَاۤءَكُمۡ قَدۡ ضَلَلۡتُ إِذࣰا وَمَاۤ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِینَ )

ما هو المقصود في هذه الآية ذاك الذي يُعبد من دون الله و الذي وصّى الله النبي و المؤمنين بأن ينتهوا عنه و حذر الله منه الكافرين ؟!! , قد أظهر الله في هذه الآية شركا خفيا صنما خفيا يعبد من دونه و هو الهوى , عبادة الهوى , اتّباع الهوى , أي المزاج , و الهوى مخرج من مخرجات النفس الخبيثة و العياذ بالله , و هوى مِن يهوي أي السقوط في بئر الخيانة و المعصية . لكن الله حدد الطريق و قال هذا صراط مستقيم . 

وَكَذَ ٰ⁠لِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ وَلِتَسۡتَبِینَ سَبِیلُ ٱلۡمُجۡرِمِینَ * قُلۡ إِنِّی نُهِیتُ . . , و هذا من التفصيل أيضا , تفصيل الآيات . قُلۡ إِنِّی نُهِیتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱلَّذِینَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللهِ , فمن هم أولئك الذي تدعون من دون الله ؟! قُل لَّاۤ أَتَّبِعُ أَهۡوَاۤءَكُمۡ , إذن هم الأهواء , فمثّل الله الأهواء بأشخاص و قال عنهم "ٱلَّذِینَ" تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللهِ . فالهوى مخرج من مخرجات النفس شبهه الله بشخص , أو هو شيطانُ نَفْسِه خرج و تمثل كشخص يأطره إلى المعصية عياذا بالله . قُل لَّاۤ أَتَّبِعُ أَهۡوَاۤءَكُمۡ قَدۡ ضَلَلۡتُ إِذࣰا وَمَاۤ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِینَ , يقول لهم لو اتبعت أهواءكم لضللت , و كلمة ضل بأصوات الكلمات أي أتت فيه عللُ و أسبابُ التشتت الأليم الفظ , لأن اللام علة و سبب , و الضاد تشتت أليم فظ , تأملوا في كلمات أتى فيها حرف الضاد كضنين و ضال و ضآلين و ضنك و ضيق و ضياع , ضريع , عياذا بالله . قد ضللت إذا و ما أنا من المهتدين لو اتبعت أهواء الكافرين التي هي عبارة عن صنم خفي يعبدونه من دون الله عز و جل يعني شرك خفي . أما الشرك الأكبر فمعروف كعبادة شخص بدائي متخلف لصنم أمامه يسجد له و هذا غير موجود في معظم العالم إلا أماكن معينة عند الهندوس و البوذيين و غيرهم . لكن الشرك الأشد الأشمل و الذي تم التحذير منه بشكل كبير هو الشرك الخفي , الرسول حذرنا منه قائلا أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي , و هو على أنواع كثيرة جدا كاتباع الهوى , كبر , حسد , كذب , رياء , عجب , ذنوب الخلوات , و هكذا , و هو أنواع كثيرة .

(قُلۡ إِنِّی عَلَىٰ بَیِّنَةࣲ مِّن رَّبِّی وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِی مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦۤۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ یَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلۡفَـٰصِلِینَ) 

هنا وصايا الله للنبي و لأتباع النبي , يقول الله له : قُلۡ إِنِّی عَلَىٰ بَیِّنَةࣲ مِّن رَّبِّی , يأمره الله أن يكون واثقا من نفسه هو و أتباعه فبذلك يعطيهم الله الثقة للنبي و لكل نبي آتٍ و لأتباعهم . قُلۡ إِنِّی عَلَىٰ بَیِّنَةࣲ مِّن رَّبِّی وَكَذَّبۡتُم بِهِ : هنا يتجلى لنا معنى التسلية الذي قرأناه في وجه من الأوجه السابقة حينما قال الله للنبي إنهم لا يكذبونك بل إنهم يكذبونني أنا فلا تحزن . فإن هذا المعنى يتجلى مرة أخرى : قُلۡ إِنِّی عَلَىٰ بَیِّنَةࣲ مِّن رَّبِّی وَكَذَّبۡتُم بِهِ , أي كذبتم بالله و رسوله فجمع الله بينهما في هذا الأمر بما قال له الله ( فَإِنَّهُمۡ لَا یُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللهِ یَجۡحَدُونَ ) . ثم يقول تعالى : مَا عِندِی مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦۤۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ یَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلۡفَـٰصِلِینَ , فما هو الذي يستعجل به الكفار دوما ؟! يخبرنا به الوجه السابق فالقرآن يفصّل بعضُه بعضا ( قُل لَّاۤ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِی خَزَاۤئِنُ ٱللهِ وَلَاۤ أَعۡلَمُ ٱلۡغَیۡبَ ) و خزائن الله هي الأرزاق المادية و الروحية , و لا أعلم الغيب أي ليس بيدي انكشاف حجاب الغيب , فاستعجال الكفار يكون بالآيات المادية و انكشاف الحجاب , كبني إسرائيل أرادوا أن يروا الله جهرة و قالوا لموسى ( لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللهَ جَهۡرَةࣰ ) , فلن يكون ذلك لأن الله ليس على أهوائكم و أمزجتكم . إنّ أمر استعجالهم بالآيات المادية و انكشاف الحجاب خطير جدا لأن تبعاته خطيرة سنعرفها الآن و قد حصلت قبل ذلك و يحذر الله منها . إن انكشاف حجاب الغيب يعني أن يروا الله على حقيقته و يروا الملائكة على حقيقتهم و حينها لن يبق هناك إيمان لأنه ستكون مباشرة للحقيقة أي مواقعين لهذا الواقع و تلك الحقيقة كما الشمس و النجوم يراها الجميع فليس أحد يسأل أحدا هل تؤمن بوجود الشمس و النجوم ؟! فالإيمان حالة غيبية , و أس و مربط الفرس في الدنيا هو الإيمان المرتبط بالغيب و الحجاب , أمر محجوب نعرفه من خلال الإشارات مِن وحي و وصال و نبي . فلولا عدم انكشاف الحجاب في الدنيا بشكل كامل لما كان في الدنيا اختبار . إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ یَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلۡفَـٰصِلِینَ , إن الله هو الحاكم الذي يحكم بكشف و إسدال الحجاب كيفما شاء بحكمه و حكمته , و متى شاء يرسل بالآيات المادية و متى شاء لا يرسل بها . فالله هو الحكم و الحاكم , یَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلۡفَـٰصِلِینَ , هو الذي يظهر الحق و الصراط المستقيم : ما هي صفاته و ما هي معالمه ؟ , الإجابة  : و هو خير الفاصلين , مفصالة بين الحق و الباطل بين التوحيد و الشرك بين المؤمنين و الكافرين . ألا إن الله يحب المفاصلة لأنه ليس بإله محايد بل هو الحق في صف الحق لذلك قال وَهُوَ خَیۡرُ ٱلۡفَـٰصِلِینَ , هو الفاصل و هي صفة له يحبها سبحانه و يجب أن تكون فينا أيضا , و فيها معنى الولاء و البراء .  

( قُل لَّوۡ أَنَّ عِندِی مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦ لَقُضِیَ ٱلۡأَمۡرُ بَیۡنِی وَبَیۡنَكُمۡۗ وَٱللهُ أَعۡلَمُ بِٱلظَّـٰلِمِینَ )

قُل لَّوۡ أَنَّ عِندِی مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِ , أي الخزائن الإلهية و انكشاف الحجاب لَقُضِیَ ٱلۡأَمۡرُ بَیۡنِی وَبَیۡنَكُمۡ , فلا يعود بيني و بينكم مهلة و لانتهت التجربة و انتهى الامتحان و انتهى الاختبار و بذلك يحق العذاب عليكم و لن يُقبل منكم إيمان لأنه حينها لا ضرورة لإيمانكم بما أنكم رأيتكم كل شيء . ثم الله يصفهم بالظالمين بقوله وَٱللهُ أَعۡلَمُ بِٱلظَّـٰلِمِینَ , و هم المشركون لأنه كما قلنا أعظم الظلم الشرك و أعظم العدل التوحيد . إذن , فهذه هي خطورة الآيات المادية بأن يأتي بعدها العذاب , عياذا بالله .

(۞ وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَیۡبِ لَا یَعۡلَمُهَاۤ إِلَّا هُوَۚ وَیَعۡلَمُ مَا فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا یَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةࣲ فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبࣲ وَلَا یَابِسٍ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینࣲ )

ربنا يؤكد على أنه سبحانه و تعالى عنده كل علوم الغيب و كل علوم انكشاف الحجب و يعلم أي شيء في بحرِ و برِ أي كون , و أي ورقة تسقط يعرف مكانها و هو مثال على عظيم علمه سبحانه و تعالى . و نتفكر في قوله التالي : وَلَا حَبَّةࣲ فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبࣲ وَلَا یَابِسٍ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینࣲ , مثالٌ جميل له معان كثيرة , المعنى الظاهر أن الحبة تكون في ظلمات الأرض ثم تنبت فتكون ثمرة رطبة جميلة فيدور عليها الزمان فتيبس , و هي ضمن سنة إلهية كونية ثابتة لا تتغير يتابعها الله تعالى و هي سُنّة النبْت , و هي دورة حياة الإنسان في الأرض فيكون جنينا في ظلمات بطن أمه ثم يولد و يكبر حتى يصير شابا جميلا نضرا ثم يحول عليه الزمان فييبس أي تأتي عليه الشيخوخة و ذلك ضمن سنة إلهية كونية . كذلك للمثال معنى آخر في تفكير الإنسان و بحثه و خبرته في الدنيا كأنه حبة في الظلام , و قد قلنا أن أصل الأكوان الظلام , و النور هو الطارئ و هو الطارق , ثم تبدأ هذه الحبة تنبت و تزهر و تتحسن حتى تكون ثمرة رطبة , ثم فكره مع مرور الأيام يتحصّن فيكون يابسا أي قويا لا يتأثر بالمؤثرات .

                         •••••••

و طلب سيدنا الحبيب نبي الله يوسف ﷺ من رفيدة و مروان و أرسلان إعراب جمل قرآنية محددة من هذا الوجه و كانت إجاباتهم كالآتي :

إذ أعربت رفيدةُ قول الله سبحانه و تعالى ( كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ ) فقالت :

كتب : فعل ماضي مبني على الفتح .

ربكم : ربُّ : فاعل مرفوع و علامة رفعه الضمة , كم : ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه .

على : حرف جر .

نفسه : نفس : اسم مجرور بحرف على و علامة جره الكسرة و هو مضاف , الهاء : ضمير مبني متصل في محل جر مضاف إليه . 

الرحمة : مفعول به منصوب و علامة نصبه الفتحة .

و أعرب مروان قول الله تعالى ( قُل لَّاۤ أَتَّبِعُ أَهۡوَاۤءَكُمۡ ) فقال : 

قل : فعل أمر مبني على السكون و الفاعل ضمير مستتر تقديره أنت .

لا : أداة نفي .

أتبع : فعل مضارع مرفوع و علامة رفعه الضمة و الفاعل ضمير مستتر تقديره أنا .

أهواءكم : مفعول به منصوب و علامة نصبه الفتحة و هو مضاف , كم : ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه .

و أعرب أرسلان قول الله تعالى ( وَهُوَ خَیۡرُ ٱلۡفَـٰصِلِینَ ) فقال :

و هو : الواو حرف عطف , هو : ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ .

خير : خبر مرفوع و علامة رفعه الضمة و هو مضاف .

الفاصلين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم .

                         •••••••

ثم قال سيدنا يوسف بن المسيح عليهما الصلاة و السلام : 

و الآن نأخذ الحديث الذي انتظرناه من أحاديث رياض الصالحين في فضل باب الدعاء بظهر الغيب . و الدعاء بظهر الغيب أي أن يدعو أحد لأحد بغير علمه و هو أعظم البر , فكم أنت بار عندما تدعو لأحد بغير علمه بدعائك له , تريد له الخير , فأنت بهذا إنسان بارّ , قلبك مطهّر و نفسك مُزكّاة . و الدعاء بظهر الغيب هو أعظم درجات الدعاء و أعظم البر و أعظم الكرم و أعظم قلب طاهر يفعل ذلك فيدعو لشخص بغير علمه . و من الناس من يقول أنه الدعاء بظاهر الغيب و هو خطأ و الصحيح بظهر الغيب , كأن الغيب شخص أو حائط و أنت تدعو من ورائه أي من ظهره , و هو تشبيه . 

باب فضل الدُّعاء بظهر الغيب

• قَالَ اللهُ تَعَالَى: {والَّذِينَ جَاءوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بالإيمَانِ} [الحشر:11].

أي يدعون للمؤمنين الذين جاؤوا من قبلهم , و هو دعاء بظهر الغيب .

• و قال تَعَالَى: {واسْتَغْفِرْ لِذنْبِكَ وَلِلْمُؤمِنِينَ والمؤْمِنَاتِ} [محمد:20] .

أي أمره الله بأن يدعو بالغفران للمؤمنين و المؤمنات حاضرين و غائبين بغير أن يعلموا و هو دعاء بظهر الغيب .

• و قال تَعَالَى إخْبَارًا عَن إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم: {رَبَّنا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤمِنِينَ يَومَ يَقُومُ الحِسَابُ} [إبراهيم:42].

و هو دعاء لهم بظهر الغيب .

• و عن أَبي الدرداء رضي الله عنه : أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلمٍ يدعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ إِلا قَالَ المَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ». رواه مسلم.

• و عنه أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يقول:«دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ». رواه مسلم

و لك بمثل : أي لك خير و ثمرة و إجابة و ثواب ذات الدعاء الذي دعوت به لأخيك , و ذلك لأنك أظهرت لله كرما و برا و حسن نية و طهارة قلب و تزكية نفس , تلك لمّا أن أظهرتها أنت في العمل الخفي في الخلوات . و الخلوات أي عندما تكون لوحدك و تعمل عملا خفيا كقيام الليل أو الصيام تخفيه عن الناس , و الدعاء بظهر الغيب عمل خفي , و إن الله يحب أعمال الخلوات , لأن الأعمال الخفية تحارب و تضادّ الشرك الخفي . الخفي يُضادّ الخفي و الظاهر يضاد الظاهر . فلكي تطهر قلبك من الشرك الخفي اعملْ أعمالا حسنة في الخلوات مِن قيام ليل و صيام و دعاء بظهر الغيب و صدقة تخفيها , كل ذلك يطهر قلبك من الشرك الخفي . و قول الرسول : دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ , أي أنها أكيدة الإجابة ليس في إجابتها شك , مثل الكفّارات فلو أن أحدا حلف يمينا معقدة و يريد حلها فلها كفارات و فور ما يعمل الكفارة يتحلل منها بالتأكيد , و هذا غير اليمين الغَموس فليس لها كفارة بل لها توبة و هذا أمر مخيف جدا لأن التوبة ممكن قبولها و ممكن رفضها . فمن الأمور المضمون قبولها الدعاء بظهر الغيب فيقول لك الملك آمين و لك بمثل , و الكفارات من المضمونات و لذلك الله أقرها .  

في الجلسة القادمة , إن شاء الله , نأخذ من باب في مسائل الدعاء , كبعض شروط الدعاء و الأحوال و الأماكن التي يكون فيها الدعاء أقرب للاستجابة .

هذا و صل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم . و الحمد لله رب العالمين .

[٣:٢٦ م، ٢٠٢٠/٦/٨] د محمدربيع ،مصرحقيقةالوحي: رأيتُ في الرؤيا المقدسة وقت السحر 8\6\2020 أنني و ابني الحبيب أحمد في مكان غريب كشقة لا نعرفها نقوم بمحاصرة و مطاردة مجموعة من الفئران منها الكبير و منها الصغير  , كان الوقت في الرؤيا هو الضحى , و كنت انا في الصالة و كان سيدنا أحمد في الشرفة و كنا نساعد بعضنا البعض لإهلاك تلك الفئران ثم اندرجت لما بين النوم و اليقظة فشممت رائحة احتراق ثم استفقت و تجولت ماشيا لأجد مصدر تلك الرائحة فلم أجد لها أثرا فعلمتُ أنها من وراء الحجاب في عالم الغيب تشير إلى هلاك تلك الفئران و الذنوب و أنا أعرف من المقصود فالزموا تقوى الله . يوسف بن المسيح , مصر

=====================

[٧:١٠ ص، ٢٠٢٠/٦/٧] د مروةعبدالسلام: أخبرنا الحبيب يوسف بن المسيح صلوات ربي وسلامه  أن قشعر معناه من أصوات الكلمات : القاف قوة و شعر .أي شعر بقوة .شعر بقوة الايمان.
[٧:١٣ ص، ٢٠٢٠/٦/٧] د مروةعبدالسلام: وأن خشع  .خاء انتشاء .وشع وهو تحليل جزئي .أي شع نور الايمان وأحس بنشوة الايمان نتيجة ذلك الشيوع او الشعاع

د مروة عبد السلام :

حدثني يوسف بن المسيح صلوات ربي وسلامه عليه انه قرأ مقولة أعجبته لابن الجوزي رحمه الله " أن لا تحدث الناس عن ذهبك وذهابك ومذهبك "  وقدأبدى سيدي الغالي الحبيب عن اعجابه بتلك المقولة  صلوات ربي وسلامه عليه.والحمد لله رب العالمين.

رفيدة :

 رأيت اليوم ٧ يونيو 
أنني أسمع أحدا يقول  أن يوسف بن المسيح صلوات ربي وسلامه عليه  يتميز عن الإمام أحمد صلوات ربي وسلامه عليه
 في أمر ما


[١٢:٣٨ م، ٢٠٢٠/٦/٨] حازم مصطفى: رأيت ضحى اليوم سيدنا يوسف بن المسيح قائد عسكري وكان معه اسلحة كانت في وضع الإستعداد والقوة في الصالة الكبيرة وكان قائما .
ثم رأيتني اذهب واعود الى بيت يوسف بن المسيح واشرب ماء وهكذا رايح جاي حتى قلت في نفسي انا اقرب ليوسف بن المسيح من أهل مصر وأقرب من محمد الحاج ثم كأنني رأيت يوسف بن المسيح كثير الأذان يؤذن وكانت بيته جنة عظيمة الحمد لله الذي انعم على بزيارته في اوقات الضحى في الرؤيا والحمد لله رب العالمين.
[١:٣٩ م، ٢٠٢٠/٦/٨] حازم مصطفى: وكذلك مشهد آخر من الرؤيا وهو أن هناك شخص يخزّن قمح كثيرا في مستودعات وحتى في شقق منزلية .

[٥:٤٠ م، ٢٠٢٠/٦/٨] د محمدربيع ،مصرحقيقةالوحي: نعم هو كذلك يا حبيب اليوسفيين