يوشع بن نون :
صلاة الجمعة ٢٠٢١/١/٢٩
================
صلاة الجمعة لخليفة المسيح الموعود السادس سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام بتاريخ ٢٠٢٠١/١/٢٩
يقول سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته . أذان .
قام شهاب اليوسفيين برفع الأذان :
الله اكبر الله اكبر
الله اكبر الله اكبر
اشهد ان لا اله الا الله
اشهد ان لا اله الا الله
اشهد ان محمدا رسول الله
اشهد ان محمدا رسول الله
حى على الصلاة
حى على الصلاة
حى على الفلاح
حى على الفلاح
الله اكبر الله اكبر
لا اله الا الله
ثم قام سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام خطيبا فقال : الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد : نكمل في هذا اليوم حديث المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام من كتاب نور الحق يقول الإمام المهدي الحبيب : "
إعلان
نرجو أن تتوجه الدولة البريطانية بمراحمها العظمى إلى هذا الإعلان، وتُحَمْلقَ بعَدْلِها إلى الصِّلِّ الذي يلدَغ نُصحاءَها ويتنضنضُ نَضْنَضةَ الثعبان
يا قيصرة الهند! صانَكِ الله عن الآفات، وكان لطفه معك في كل إرادات الخيرات، وحفِظك عن الدواهي والحادثات، جئناكِ مستغيثين بما أُوذينا من لسان رجلٍ وكَلِمِه المُحفِظات. وقد سمعنا أنك تحلّيتِ بمحاسن الأخلاق، وتخلّيتِ في عدلك مما يسمè بالأخلاق، وما زلتِ آخذةً نفسَك بالرحم والإشفاق، ولا ترضى بجور الجائرين.
هذا خُلُقكِ، ونحن - مع ظل حمايتك - نُلدَغُ مِن شر بعض المعادين، ونُعَضُّ من أنياب العاضّين، ويصول علينا كلُّ ضُلٍّ بن ضُلٍّ ويسُبُّ نبيَّنا الكريم كلُّ جهولٍ مَهينٍ، ويسعى أن نُعَدّ من الباغين.
وأما تفصيل هذا المجمل فاعلم يا قيصرة.. تزايَدَ إقبالُك وباركَ الله في دنياك وأصلحَ مآلَك.. أن رجلاً من الذين ارتدوا من دين الإسلام ودخلوا في الملّة النصرانية، أعني النصراني الذي يُسمّي نفسه "القسيس عماد الدين"، أَلّف كتابًا في هذه الأيام لِخَدْعِ العوام، وسمّاه "توزين الأقوال"، وذكر فيه بعض حالاتي بافتراءٍ بحتٍ لا أصل له، وقال إن هذا الرجل رجل مفسد ومن أهل العداوة، وإني وجدت في طريقةِ مشيِه آثارَ البغاوة، وليس من نصحاء الدولة، وأتيقّن أنه سيفعل كذا وكذا وأنه من المخالفين.
فالملخّص أنه حثَّ الحكومة في ذلك على إيذائي، ومع ذلك فرّغ إناءه في سّبي وازدرائي، وأفرغ قذر لسانه على بعض أحبائي، وأكثر القول في ديانتنا المقدسة، وشتَم خيرَ الرسل صلى الله عليه وسلم وبالَغَ في التوهين. وتكلّمَ بكلمات ترتجف منها القلوب، وتهيِّج في الأفئدة الكروب، وسوف نكتب قليلا منها ونجوّبُ أستار الجاهلين.
والآن ننبّه الدولة العالية مما افترى علينا وزعم كأنّا من أعداء الدولة البرطانية، فليعلم الدولة أن هذه المقالات كلها من قبيل صوغ الزور ونسج الشرور، وليس فيها رائحة الصدق مثقال ذرّة، وما حمله على ذلك إلا بعض المصالح التي رأى في نفس تلك المكائد، ولِيَسُرَّ بها أكابرَ القسيسين. والحمد لله أن كلماته المفتريات شيء لا تخفى على الدولة حقيقتُه، فنحن في مأمن من شره، ونرى خدماتنا اللامعة للردّ عليها كالشهب للشياطين. ولا يخفى على الحكّام طريقتي وشأني، ولا أمشي مُواريًا عنهم عِياني، بل الحكومة البرطانية تعرفني وتعرف آبائي، وتنظر مَهْيَعي ومدّعائي، وتعرف أصلي ومنبعي، ولا تجهل بيتي ومربعي، وتعلم أنّا لسنا من المفسدين المعادين ولا الباغين الطاغين. وما خرجتُ الآن من مغارة لتكون الدولة من أمري في غرارة، بل الدولة على أمثالنا من المباهين. ومن توسّمَ أقوالنا واستشفَّ أفعالنا فلا تخفى عليه أعمالنا وإنّا من الصادقين. والدولة تغوص إلى أعماقنا وليس عليها الخفاء، ولها أفكارٌ عادياتٌ لا تُواهِقُها وَجْناءُ، إذا ما تركض آراؤها في أرض مقاصدها فتفري أديمَ الأرضين، وكلُّ عقل عندها إلا عقل الدين. ونرجو أن يفتح الله عليها هذا الباب أيضا كما فتح أبوابا أخرى، والله أرحم الراحمين.
ولا يخفى على هذه الدولة المباركة أنّا من خُدّامها ونُصحائها ودواعي خيرها مِن قديم، وجئناها في كل وقت بقلب صميم، وكان لأبي عندها زُلفى وخطاب التحسين. ولنا لدى هذه الدولة أيدي الخدمة ولا نظن أن تنساها في حين. وكان والدي الميرزا غلام مرتضى ابن ميرزا عطاء محمد القادياني من نُصحاء الدولة وذوي الخُلّة وعندها من أرباب القُربة، وكان يُصدَّر على تكرمة العزة، وكانت الدولة تعرفه غاية المعرفة. وما كُنّا قطُّ من ذوي الظِّنّة، بل ثبت إخلاصنا في أعين الناس كلهم وانكشف على الحاكمين، ولْتسطلع الدولةُ حكّامَها الذين جاءونا ولبثوا بيننا كيف عشنا أمام أعينهم وكيف سبقْنا في كل خدمة مع السابقين.
ولا حاجة إلى تفصيل هذه الحقائق، فإن الدولة البريطانية مُطّلِعة على مراتب خلوصنا وشؤون خدماتنا والإعانات التي كانت ترى منّا وقتًا بعد وقت وفي أيام فساد المفسدين. وتعلم الدولة أن أبي كيف أمدّها في حينِ محارباتٍ مشتدّةِ الهبوب وفتنٍ مشتطّةِ اللهوب، وأنه آتى الدولة خمسين خيلا مع الفوارس مددًا منه في أيام المفسدة، وسبَق السابقين في إمدادات المال عند حلول الأهوال، مع أيام العُسر والإقلال، وذهابِ عهد الإمارات الآبائية وانقلاب الأحوال. فلينظر من كان له نظر صحيح أو قلب أمين.
ولم يزل كان أبي مشغوف الخدمات حتى شاخ وجاء وقت الوفاة ووجب الارتحال، ولو قصدنا ذكر خدماته لضاق بنا المجال، وعجزنا عن التدوين. فالملخص أن أبي لم يزل كان شائِمَ برقِ الدولة، وقائمًا على الخدمة عند الضرورة، حتى أعزّته الدولة بمكاتيب رضائها، وخصّته في كل وقت بعطائها، وأسمحت له بمواساتها، وتفضلت عليه بمراعاتها، وحسبته من دواعي الخير ومن المخلصين. ثم إذا تُوفي أبي فقام مقامه في هذه السِّيَر أخي الميرزا غلام قادر، وغمرته مواهب الدولة كما غمرت والدي، وتُوُفي أخي بعد أبي في بضع سنين. ثم بعد وفاتهما قفوتُ أثرهما واقتديتُ سِيَرَهما وذكرت عصرهما، ولكني ما كنت ذا خصب ونعمة وسعة وثروة ولا ذا أملاك وأرضين، بل تبتّلتُ إلى الله بعد ارتحالهما ولحقتُ بقوم منقطعين. وجذبني ربي إليه وأحسن مثواي، وأسبغ علي من نعماء الدّين. وقادني مِن تدنسات الدنيا إلى حظيرة قدسه، وأعطاني ما أعطاني، وجعلني من الملهَمين المحدَّثين. فما كان عندي من مال الدنيا وخيلها وأفراسها، غير أني أُعطيتُ جِياد الأقلام ورُزقتُ جواهر الكلام، وأُعطيتُ مِن نورٍ يؤمّنني العثار، ويبيّن لي الآثار. فهذه الدولة الإلهية السماوية قد أغنتْني، وجبرت عَيْلتي وأضاءتني ونوّرت ليلتي، وأدخلتني في المنعَمين. فقصدت أن أعين الدولة البرطانية بهذا المال وإن لم يكن لي من الدراهم والخيل والبغال، وما كنت من المتموّلين. فقمتُ لإمدادها بقلمي ويدي، وكان الله في مددي، وعاهدت الله تعالى مُذ ذلك العهد أن لا أؤلّف كتابا مبسوطا مِن بعد إلا وأذكر فيه ذكرَ إحساناتِ قيصرة الهند وذكرَ مننِها التي وجب شكرها على المسلمين. ومع ذلك كان في خاطري أن أدعو القيصرة المكرمة إلى الإسلام، وأهديها إلى الرب الذي هو خالق الأنام، فإنها أحسنت إلينا وإلى آبائنا، وما كان جزاء الإحسان إلا أن ندعو لها في الدنيا دعاء الخير والإقبال وفوز المرام، ونسأل الله لعقباها أن تُرزَق توحيد الإسلام، وتنتهج سبل الحق وتؤمن بعظمة المليك العلاّم، وتعرف الرب الذي أحدٌ صمدٌ ما ولد وما وُلِد، وتُعطَى نعماء أبد الآبدين.
فألّفتُ كُتبًا وحرّرتُ في كل كتاب أن الدولة البريطانية مُحسنة إلى مسلمي الهند وتنتجعها ذراري المسلمين، فلا يجوز لأحد منهم أن يخرج عليها ويسطو كالباغين العاصين، بل وجب عليهم شكرُ هذه الدولة وإطاعتها في المعروف، فإنها تحمي دماءهم وأموالهم وتحفظهم مِن سطوة كل ظالم، وقد نجّتْنا من أنواع الكروب وارتجاف القلوب، فإن لم نشكر فكنا ظالمين. فالشكر واجب علينا دينًا وديانة، ومن لا يشكر الناس ما شكر الله، والله يحب المقسطين. وإنّا لن ننسى أياما وأزمنة مضت علينا قبلها، ووالله ما كان لنا أمنٌ فيها إلى دقيقتين فضلاً عن يوم أو يومين، وكنا نُمسي ونصبح متخوّفين."
((( طبعا الإمام المهدي بيذكر اضطهاد المسلمين الذي كان يحدث في الهند قبل دخول الهند تحت حكم بريطانيا كان الهندوس وكان السيخ يضطهدون المسلمين ويقتلونهم شر قِتلة وكانوا يمنعون الأذان ويمنعون المسلمين من الصلاة ومن ذبح الأبقار ومن إقامة شعائرهم ولكن عندما دخلت هذه الدولة البريطانية إلى الهند سُمح للمسلمين بإن يؤدوا شعائرهم للمرة الأولى منذ مئات السنين فكانت هذه مرحمة عظمى من الله سبحانه وتعالى ساقها بقانون التدافع فوجب على الإمام المهدي الحبيب أن يشكر الحكومة وقتها لأنها كانت سببا من الله عزوجل في نجاة المسلمين وكتب هذا الإعلان لكي يحجب أي شبهة عنه وعن جماعته في إخلاصه للحكومة وقتها لأن هناك كان بعض الواشين يريدون أن يفسدوا بينه وبين الدولة فهنا واجب الإمام المهدي أنه يبين للحكومة مقصد الإمام المهدي وأفعاله ونيته الحسنة تجاه بريطانية .)))
يقول الإمام المهدي الحبيب : " فأشعتُ تلك الكتب المحتوية على تلك المضامين في كل ديار وفي أناس أجمعين، وأرسلتها إلى ديار بعيدة من العرب والعجم وغيرها، لعل الطبائع الزايغة تكون مستقيمة بمواعظها، ولعلّها تكون صالحة لشُكر الدولة وامتثالها، وتقلّ غوائل المفسدين، ولعلهم يعلمون أن هذه الدولة محسنة إليهم فيحبونها طائعين.
هذا عملي وهذه خدمتي، والله يعلم نيتي، وهو خير المحاسبين. وما فعلت ذلك خوفًا من هذه الدولة أو طمعًا في إنعامها وإكرامها، إن فعلتُ إلا لله وامتثالا لأمر خاتم النبيين. فإن نبينا وسيدنا ومولانا حبيب الله وخليله محمدا المصطفى ص قد أمرَنا أن نثني على المنعِمين، ونشكر المحسنين، فلأجل ذلك شكرتها ونصرتها ما استطعتُ، وبثثتُ مِنَنَها وأشعتُها في كل بلدة مِن مُلكنا المعلوم إلى بلاد العرب والروم، وحثثتُ الناس على إطاعتها. ((( طبعا القرآن الكريم سبق الإمام المهدي في ذلك عندما انتصر للروم ضد الفرس لأن الروم أهل كتاب والفرس هم قوم وثنيون وكانت عاطفة سيدنا محمد ص تميل لإنتصار الروم على الفرس ونقرأ ذلك في سورة الروم والهند كانت تحت سيطرت السيخ والهندوس وهم أقرب إلى الوثنية منهم إلى السماوية فانتصر المسلمون وانتصر الإمام المهدي الحبيب للروم اللي هما بريطانية ضد الوثنيين لأن واحد منهم هيحكم يا الهندوس والسيخ أو بريطانيا فمن أحسن ...؟ كان بريطانيا وهذا من باب السياسة الشرعية توزين المصالح والمفاسد وتقديم المقاصد الشرعية بالترتيب الذي ذكرته في غير موضع )))
يقول الإمام المهدي الحبيب : " ومن كان في شك فليرجع إلى كتابي "البراهين"، ((( أي البراهين الأحمدية ))) وإن لم يكفِ لِشَكِّه فلينظر كتابي "التبليغ"، وإن لم يطمئن فليقرأ كتابي "الحمامة"، وإن بقي مع ذلك شك فليُفكّر في كتابي "الشهادة"، وليس حرام عليه أن ينظر في هذه الرسالة أيضا ليتضح عليه كيف أعلنتُ بصوت عالٍ في منع الجهاد والخروج على هذه الدولة وتخطئة المجاهدين.
ثم جلس سيدنا يوسف بن المسيح قليلا ثم تابع الخطبة فقال : الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد : " فلو كنتُ عدوًّا لهذه الدولة لفعلتُ أفعالا خلاف ذلك، وما أرسلتُ هذه الكتب وهذه الاشتهارات إلى ديار العرب وبلاد إسلامية، وما قدّمتُ قدمي لهذه النصائح. فانظروا يا أولي الأبصار، لِمَ فعلتُ هذه الأفعال، ولِمَ أرسلتُ هذه الكتب التي فيها منع شديد من الجهاد لهذه الدولة في ديار العرب وفي غيرها من البلاد؟ أكنتُ أرجو إنعاما من سكان تلك البلاد أو كنت أعلم أنهم يرضون عني بسماع تلك الكلمات ويزيدون في الأخوّة والاتحاد؟ فإن لم يكن لي غرض من هذه الأغراض، بل كانت النتيجة البديهة سخط القوم وغضبهم عليَّ وطَعْنَهم بالألسنة الحِداد، فبعده أيُّ شيء حملني على ذلك؟ أكانت لنفسي فائدة أخرى في إرسال تلك الكتب إلى ديار ليست داخلة تحت الحكومة البريطانية، بل هي ممالك الإسلام ولهم خيالات دون ذلك كما لا يخفى على الخواص والعوام؟ فإن كانت فائدة مخفية فليُبيّن لي من كان من المرتابين والمعترضين عليَّ إن كان من الصادقين. حاشا، ما كانت فائدة من غير إظهار الحق. بل إني سمعت أن أقوالي هذه قد أحفظتْ بعضَ العلماء، وكفّروني كالجهلاء، فما باليتُهم بعد تفهُّم الحق وانكشاف طريق الاهتداء، ورأيت أن هذا هو الحق فبيّنتُها ولو كان قومي كارهين. فإذا ثبت خلوصي إلى هذا المقدار، وبرهنتُ عليه بقدرٍ كافٍ لأولي الأبصار، فمن يظن ظن السوء في أمري بعدُ إلا الذي خبُث عِرقه كالفُجّار، وتدرّبَ بالشر واللَّذْعِ والأَبْرِ وسِير الأشرار، وترَك سِير الصالحين.
وما كان تأليفي في العربية إلا لمثل هذه الأغراض العظيمة، ولم يَخْلُ تنتاب العربيِّين كتبي حتى رأيت فيهم آثار التأثير، وجاءني بعض منهم وراسلني بعض، وبعضهم هجّنوا، وبعضهم صلُحوا ووافقوا كالمسترشدين.
وإني صرفتُ زمانا طويلا في هذه الإمدادات حتى مضت عليَّ إحدى عشر سنة في شغل الإشاعات، وما كنت من القاصرين. فلي أن أدّعي التفردَ في هذه الخدمات، ولي أن أقول إنني وحيد في هذه التأييدات، ولي أن أقول إنني حِرْزٌ لها وحصنٌ حافظٌ من الآفات، وبشّرني ربي وقال "ما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم". فليس للدولة نظيري ومثيلي في نصري وعوني، وستعلم الدولة إن كانت من المتوسّمين.
وأمّا الذين دخلوا في الملة النصرانية تاركين دين الإسلام، وباعدين عن ظل خير الأنام، فما نجدهم قائمين لخدمة الدولة والمخلصين لهذه الحضرة، بل نجدهم مداهنين منافقين، وما دخلوا أكثرُهم في دينهم إلا ليستطبّوا لوجعِ الجوع، وليُفعِموا كأس الولوع، فسينتشرون ذات بُكرة إذا رأوا أنهم أُخرجوا من روض الرتوع، ويعجبون الناس من وشك الرجوع. ونحن نراهم مذ أعوام مناجين للإخفار كلئام، ولا نجد فيهم شيئا من الأوصاف إلا عشق الصَّعْف والصِّحاف وإلْفِ الجيفة كالغُداف، وما نجدهم إلا مترَفين، وسيعلم الدولة البريطانية كم منهم من المخلصين الصادقين. ووالله إنّا نشاهد بأعيننا أن أكثرهم قد خرجوا من الإسلام ودخلوا في النصارى من التكاليف النفسانية وأثقال الدَّين ولَهَبِ الأجوفَين، وكان المسلمون مطّلعين على عَرِّهم وشَرِّهم، فما بالَوهم لاطّلاعهم على سبب مفرّهم، فتوجهت هذه الطائفة إلى قسّيسين بما رأوا بصيصَ إقبالهم وزينة دنياهم وكثرة مالهم، ومع ذلك وجدوهم غافلين من مقاصدهم كحمقى، وحسبوا الأديار بُقعة النوكَى، فتمايلوا عليها خادعين. وما كان لمسلمي ديارنا أن يربّوا تلك الكسالى، ويكفلوهم في مآكلهم ومشاربهم ولبوسهم ويتركوهم معذورين مستريحين كالحبالى، ويحملوا نفقاتهم على أنفسهم، ويتركوهم ليأكلوا ويتمتعوا فارغين، فإن المسلمين قوم ضعفاء مُعسِرين، ولا يَفضُل عنهم ما يصرفون إلى غيرهم، فمن أين وكيف يُفعِمون وِعاءَ البطّالين؟ فلما رأوا أن أهل الإسلام لا يحملون أثقالهم ولا يبالون إقلالهم، توجهوا إلى قسيسين مصطادين.
فاجتمعوا في الكنائس مِن داء الذئب والخَوَى المذيب طمعًا في أموالهم، وطموحا إلى إقبالهم، وأخذوا يسرّونهم بإغلاظ الكلام في شأن خير الأنام، ويُطْرِفون في التوهينات واختراع الاعتراضات، ليُروهم أنهم متنفرين من الإسلام وفي التنصر متشددين، وليحصل لهم قُرْبتهم بوسيلتها وليقضوا أوطارهم بتوسطها ويكونوا في أعينهم صالحين متنصّلين. وكذلك صابت سهامهم وحصل مرامهم، فترى كيف اصطادوا أكابرهم ونهبوا أموالهم وختلوا جُهّالهم، فأحبّوهم وأحسنوا إليهم كأنهم فوج المتقين. وفرضوا لهم في صدقاتهم حصّة، وجعلوا لهم وظائف، فيأخذ كل أحد منها ويأكلها بطّالا ضُجَعةً نُوَمةً، وتراهم كيف يتبخترون بالارتداد كتبختُرِ المطلَق من الإسار، ويهتزّون هزّة الموسِر بعد الإعسار، ويُتلِفون أموال الناس متنعمين. فليت شعري لو بُنِيَتْ من هذه الأموال التي تُسكَبُ كالماء في تنعّمات السفهاء جسرٌ للعابرين أو خانٌ للمسافرين، لكان خيرًا وأولى وأنفع للناس مِن أن يُبذَل على هذه الطائفة مَظاهرِ الخنّاسِ التي أتلفتْ نفائسَ أموال الناس في الخَضْم والقَضْم، وما مسَّهم فكرُ الدنيا ولا فكر الآخرة، وما أخرجهم من الإسلام إلا أسباب معدودة، وأكبرها كثرة الحمق وقلة التدبّر. ثم مع ذلك سببُ ارتداد الأكثر منهم اضطرامُ الأحشاء والاضطرار إلى العَشاء، وشُحُّ مطائبِ الطعام، وحرصُ كأس المُدام، والرغبةُ في الغِيد، والتوقُ إلى الأغاريد، والميلُ إلى مغاداة الغادات ومقاناة القينات وغيرها من الهنات، فسقطوا لأجل ذلك على الدنيا بالقلب الشحيح، كالذباب على المخاط والقيح، وكانوا من العقبى غافلين. ما بقي لهم شغل من غير شرب الصهباء، وإسبال ثياب الخيلاء، وأكل الخبز السميذ، ومَلْءِ قِرب البطون بكأس النبيذ، وتوهين المقدّسين. أرى المُدام سكنهم، والغبوق خدينهم، والبطن دينهم، ونسوا عظمة الله مجترئين. لا تتحامى لُسْنُهم من الزور والدجل والمَين، ولا يتقون دَرَنَ الكذب والشَّين. هذه أعمالهم ثم يسُبّون المعصومين.
وأقم الصلاة.
ثم قام شهاب اليوسفيين بإقامة الصلاة وصلى نبي الله الجمعة ركعتين وقرء في الركعة الأولى سورة الفاتحة والوجه الأول من سورة يس .
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ * إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ * ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ * صِرَ ٰطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ .
(بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ یسۤ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡحَكِیمِ إِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ عَلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ تَنزِیلَ ٱلۡعَزِیزِ ٱلرَّحِیمِ لِتُنذِرَ قَوۡمࣰا مَّاۤ أُنذِرَ ءَابَاۤؤُهُمۡ فَهُمۡ غَـٰفِلُونَ لَقَدۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَىٰۤ أَكۡثَرِهِمۡ فَهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ إِنَّا جَعَلۡنَا فِیۤ أَعۡنَـٰقِهِمۡ أَغۡلَـٰلࣰا فَهِیَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَیۡنِ أَیۡدِیهِمۡ سَدࣰّا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدࣰّا فَأَغۡشَیۡنَـٰهُمۡ فَهُمۡ لَا یُبۡصِرُونَ وَسَوَاۤءٌ عَلَیۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكۡرَ وَخَشِیَ ٱلرَّحۡمَـٰنَ بِٱلۡغَیۡبِۖ فَبَشِّرۡهُ بِمَغۡفِرَةࣲ وَأَجۡرࣲ كَرِیمٍ إِنَّا نَحۡنُ نُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُوا۟ وَءَاثَـٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَیۡءٍ أَحۡصَیۡنَـٰهُ فِیۤ إِمَامࣲ مُّبِینࣲ)
وقرء في الركعة الثانية سورة الفاتحة وسورة العصر .
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ * إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ * ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ * صِرَ ٰطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ .
(بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ وَٱلۡعَصۡرِ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِی خُسۡرٍ إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلصَّبۡرِ)
ثم جمعَ صلاة العصر .
===============
والحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق