الأحد، 14 فبراير 2016

بحرُ الرؤيا ...




بحر الرؤيا ...
:

هو بحرٌ ليس كأيّ بحر , هو بحرٌ دافيءٌ , حين تخرج منه إلى شاطئه تحس كأنك في لحظات الانتعاش التي تشعر بها فور استيقاظك من نوم عميق , تشعر بصفاء الذهن و حضور العقل , صفحتك كالمرآة صافية صفاء صفحة ذلك البحر , أمّا و أنت فيه و بين أمواجه , تشعر أنّ عقلك يخضع لجلسات علاج و تغذية , جلسات لقاح و تقوية . بحر الرؤيا , ياله من بحرٍ أخّاذ , هو بحر ليس كأيّ بحر , هو بحرٌ دافيء , تشعر فيه بالأمان شعورك بالدفء , تشعر فيه أنّك مع عائلتك و مقربيك و تقشعرُّ نسمات جلدك و جذور شعرك من دغدغة الوجدان , تعلوا و تهبط خفقات قلبك لكنها تعود للانتظام المستمر . تسري في جسدك كهرباء الوحدة و سيال التسيار و العبور , وحدتك مع عالم الروح و الملكوت , تبتسم روحك و تهدا على أثر ذلك نفسك و ينطق لسانك بترجمات ما رأيت لتوصله إلى عالمك , ترى و تسمع لغات لم تعرفها من قبل فصيحة و عامية , فتكون وسيطا بين عالمين . مترجمٌ و واصفٌ لحياة من حياة .تقطر من جسدك قطرات ذلك البحر . تبلل بأقدامك مكان تسيارك , تترك آثاراً لك في عالمك من عالمك ,عالمٌ و عالم , و الترجمة بينهما وظيفتك . بحر الرؤيا بحرٌ دافيء , لكنه بأمواجه هادئة مرة و جبارة أخرى , على صفحته صورة انعكاس الشمس وقت الغروب و انعكاس آخر و قت شروقها , القمر يرسم على صفحته هيكله و نوره , كل ليلة له مطلع و زمان , و تتعدد الأزمنة في الرؤيا و تكتظّ الأبراج خضوعا , فترى كل الأزمنة , ترى الصبح و الضحى و الظهر و العصر و المغرب و العشاء , ترى بين الصلوات و خطوط الحياة , ترى الألوان كيف نشأت و الأصوات كيف استقرّت , ترى المرايا و ترى الثقوب , ترى الملاءة و ترى الانقضاء , ترى المعاني و الأجساد , ترى التمثلات و رموز الكلمات . تسمع الأصوات و ترى الصور و تتعاقب على عينك و أذنك المشاهد بتداخل و انفصال , بانسجام و اضطراب , بسرعة و ببطء . تجرب كل السرعات العقلية , و تركب أنواع المراكب , و لا تزال موجات بحر الرؤيا تهدهد قاربك و أنت تقوم بالاتزان , حتى إذا اختلّ توازنك , سقطت في بحر الرؤيا الدافيء .اختلّ توازنك من كثرة ضغط المادّة و الفيزياء , فتغمسك أجنحة الروح القدس في ذلك البحر المنعش المهيب , ذلك البحر الذي هو أحد أقطاب الوحي النبوي للمكلفين , في بحر الرؤيا : يأتيك من أنباء الغيب المستقبل و تأتيك خطة الحاضر و تفهم عن حالات الماضي و الماضي السحيق . في بحر الرؤيا : يرسل الله بدايات النظريات العلمية . في بحر الرؤيا : يفسر الله للطالبين و المختارين بدايات الخلق و أصل النشأة . في بحر الرؤيا : يردّ الله على استخارات المستخيرين , في بحر الرؤيا : يظهر لك صدق الصادقين و مكر الكاذبين , في بحر الرؤيا : تأخذ خطابات و رسائل معنونة لترسلها لأصحابها , في بحر الرؤيا : أنت ساعي بريد و أنت مصطفى و أنت حي و أنت طالب علم و أنت قطرة ندى . في بحر الرؤيا : أنت مترجم المترجمين من المكلفين  و سيف الزمن و صاحب المكان و المكانة . في بحر الرؤيا : ترى ما لا يُرى و تطأ بقدميك أماكن بكر في عالم التمثّل , في بحر الرؤيا : ترى اللحم الميت كيف يحيى و ترى المحيين , في بحر الرؤيا : أنت تكون من المحيين .
الحق و الحق أقول : إنّ المكان الذي يراه الرائي في رؤياه , ثمّ إذا استيقظ ذهب إليه و رآه , فإنّ ذلك المكان يخاف منه و يرهبه و يهابه , ذلك أنّه كان قد اطّلع الرائي فيه على سرّه .  د محمد ربيع , مصر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق