بحر
الرؤيا ...
:
هو
بحرٌ ليس كأيّ بحر , هو بحرٌ دافيءٌ , حين تخرج منه إلى شاطئه تحس كأنك في لحظات
الانتعاش التي تشعر بها فور استيقاظك من نوم عميق , تشعر بصفاء الذهن و حضور العقل
, صفحتك كالمرآة صافية صفاء صفحة ذلك البحر , أمّا و أنت فيه و بين أمواجه , تشعر
أنّ عقلك يخضع لجلسات علاج و تغذية , جلسات لقاح و تقوية . بحر الرؤيا , ياله من
بحرٍ أخّاذ , هو بحر ليس كأيّ بحر , هو بحرٌ دافيء , تشعر فيه بالأمان شعورك
بالدفء , تشعر فيه أنّك مع عائلتك و مقربيك و تقشعرُّ نسمات جلدك و جذور شعرك من
دغدغة الوجدان , تعلوا و تهبط خفقات قلبك لكنها تعود للانتظام المستمر . تسري في
جسدك كهرباء الوحدة و سيال التسيار و العبور , وحدتك مع عالم الروح و الملكوت , تبتسم
روحك و تهدا على أثر ذلك نفسك و ينطق لسانك بترجمات ما رأيت لتوصله إلى عالمك ,
ترى و تسمع لغات لم تعرفها من قبل فصيحة و عامية , فتكون وسيطا بين عالمين .
مترجمٌ و واصفٌ لحياة من حياة .تقطر من جسدك قطرات ذلك البحر . تبلل بأقدامك مكان
تسيارك , تترك آثاراً لك في عالمك من عالمك ,عالمٌ و عالم , و الترجمة بينهما
وظيفتك . بحر الرؤيا بحرٌ دافيء , لكنه بأمواجه هادئة مرة و جبارة أخرى , على
صفحته صورة انعكاس الشمس وقت الغروب و انعكاس آخر و قت شروقها , القمر يرسم على
صفحته هيكله و نوره , كل ليلة له مطلع و زمان , و تتعدد الأزمنة في الرؤيا و تكتظّ
الأبراج خضوعا , فترى كل الأزمنة , ترى الصبح و الضحى و الظهر و العصر و المغرب و
العشاء , ترى بين الصلوات و خطوط الحياة , ترى الألوان كيف نشأت و الأصوات كيف
استقرّت , ترى المرايا و ترى الثقوب , ترى الملاءة و ترى الانقضاء , ترى المعاني و
الأجساد , ترى التمثلات و رموز الكلمات . تسمع الأصوات و ترى الصور و تتعاقب على
عينك و أذنك المشاهد بتداخل و انفصال , بانسجام و اضطراب , بسرعة و ببطء . تجرب كل
السرعات العقلية , و تركب أنواع المراكب , و لا تزال موجات بحر الرؤيا تهدهد قاربك
و أنت تقوم بالاتزان , حتى إذا اختلّ توازنك , سقطت في بحر الرؤيا الدافيء .اختلّ
توازنك من كثرة ضغط المادّة و الفيزياء , فتغمسك أجنحة الروح القدس في ذلك البحر
المنعش المهيب , ذلك البحر الذي هو أحد أقطاب الوحي النبوي للمكلفين , في بحر
الرؤيا : يأتيك من أنباء الغيب المستقبل و تأتيك خطة الحاضر و تفهم عن حالات
الماضي و الماضي السحيق . في بحر الرؤيا : يرسل الله بدايات النظريات العلمية . في
بحر الرؤيا : يفسر الله للطالبين و المختارين بدايات الخلق و أصل النشأة . في بحر
الرؤيا : يردّ الله على استخارات المستخيرين , في بحر الرؤيا : يظهر لك صدق
الصادقين و مكر الكاذبين , في بحر الرؤيا : تأخذ خطابات و رسائل معنونة لترسلها
لأصحابها , في بحر الرؤيا : أنت ساعي بريد و أنت مصطفى و أنت حي و أنت طالب علم و
أنت قطرة ندى . في بحر الرؤيا : أنت مترجم المترجمين من المكلفين و سيف الزمن و صاحب المكان و المكانة . في بحر
الرؤيا : ترى ما لا يُرى و تطأ بقدميك أماكن بكر في عالم التمثّل , في بحر الرؤيا
: ترى اللحم الميت كيف يحيى و ترى المحيين , في بحر الرؤيا : أنت تكون من المحيين
.
الحق
و الحق أقول : إنّ المكان الذي يراه الرائي في رؤياه , ثمّ إذا استيقظ ذهب إليه و
رآه , فإنّ ذلك المكان يخاف منه و يرهبه و يهابه , ذلك أنّه كان قد اطّلع الرائي
فيه على سرّه . د محمد ربيع , مصر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق