الأحد، 21 فبراير 2021

صلاة الجمعة 19=2=2021

 
 
يوشع بن نون :
 
صلاة الجمعة ٢٠٢١/٢/١٩
================
صلاة الجمعة لخليفة المسيح الموعود السادس سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام بتاريخ ٢٠٢٠١/٢/١٩
يقول سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته . أذان .
قام بلال اليوسفيين برفع الأذان :
الله اكبر الله اكبر
الله اكبر الله اكبر
اشهد ان لا اله الا الله
اشهد ان لا اله الا الله
اشهد ان محمدا رسول الله
اشهد ان محمدا رسول الله
حى على الصلاة
حى على الصلاة
حى على الفلاح
حى على الفلاح
الله اكبر الله اكبر
لا اله الا الله
ثم قام سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام خطيبا فقال : الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد : يقول الإمام المهدي الحبيب في كتاب نور الحق : "
إلى الدنيا أوَى حزبُ الأجاني
وحسبوها جَـنًى حُلْوَ المجََاني
نسوا مِن جهـلهم يوم المعادِ
وتركوا الدين مِن حُبّ الدِّنانِ
تراهـم مائلـين إلى مُـدامٍ
وغِـيدٍ والغـواني والأغـاني
وكمْ منـهم أسارى عَينِ عِينٍ
ومشـغوفين بالبِيـض الحِسانِ
لهنَّ عـلى بعـولتهن حُـكمٌ
ترى كُلاًّ كمنـطلق العِـنانِ
دماء العاشقـين لهـنَّ شغـلٌ
بعينٍ أخجلتْ ظَبْـيَ القِـنانِ
ومِن عَجَبٍ جُفـونٌ فاتراتٌ
أرينَ الخَـلْق أفعـالَ السنانِ
بنـاظرةٍ تصـيد النـاسَ لمحًا
تفـوق بلحظها رُمْحَ الطِّعانِ
وأَنَّى الأمـن من تلك البلايا
سوى الله الـذي مَلِكِ الأمانِ
فعشّـاق الغـواني والمثـاني
أضاعوا الدين مِن تلك الأماني
يصُـدّون الورى مِن كل خيرٍ
ويغـتاظون من تخلـيصِ عاني
عِمـايات الرجال تزيد منهم
وفـتن الدهر تنـمو كل آنِ
وما من ملـجأ من دون ربٍّ
كريم قـادر كهف الزمـانِ
فنشكو هـاربين من البـلايا
إلى الله الحفيـظ المستعانِ
جرتْ حزنًا عيـونٌ من عيوني
بما شاهدتُ فتـنًا كالـدخانِ
فهل وجدتْ ثكالى مثلَ وجدي
أذًى أم هل لها شأن كشـانِي
وكم مـن ظالم يبغـي فسادًا
وقسيـسين أصـل الافـتنانِ
تفاحُشـهم تجـاوزَ كل حدّ
كأن غـذاءهم فحشُ اللسانِ
فكنتُ أطالعَـنَّ كتابَ سابٍّ
وتمـطُر مُقْلَـتي مثل الرَّثانِ
رأينا فيه كلِـمًا مُحفِـظاتٍ
وسبَّ المصطـفى بحرَ الحنانِ
صبرتُ عليه حتى عِيلَ صبري
ونار الغـيظ صارت في جَناني
وتـأتي ساعـةٌ إن شـاء ربي
أُقِرُّ العـينَ بالخـصم المُـهانِ
أخـذْنا السبَّ منهم مثلَ دَينٍ
وعـزّتُنا لـديهم كالـرِّهانِ
سنَغْـشاهم ببرهـان كعَضْبٍ
رقيـقِ الشفـرتين أَخِ السنانِ
بفـأسٍ نخـتلي تلك الخَـلاتا
ورمـحٍ ذابـل ٍ وقَنا البـيانِ
بِجمجمة العدا قد حلَّ غُولٌ
فنُـخرجـه بآيـات المـثاني
لنـا دين ودنيـا للنصارى
ومَقْتُ الضرّتـين من العِـيانِ
سئمنا كلَّ نوعِ الضيم منهم
ولكن سَبَّـهم صلَّى جـناني
سعوا أن يجـعلوا أسدًا نِعاجًا
ولـيثُ الله لـيثٌ لا كضانِ
ووَثْبَـتُهم كسِرْحانٍ ضَـرِيٍّ
وصورتهم كـذي حُبٍّ مُقانِ
وباطنهم كجوف العَير قَفْرٌ
من التقوى وبطنٌ كالجِـفانِ
أرى وَغْلاً جَهولاً وابنَ وَغْـلٍ
يُرِي كالمرهَفات لَظَى اللسانِ
هريرُ الكلب لا يحـثو بنـبحٍ
على البدر المطـهَّر مِن عُـثانِ
ألا يا أيها اللِّـحْزُ الشحـيحُ
هوَيتَ كذي اللُّـبانة في الهوانِ
وما تدري الهدى وحملتَ جهلاً
أناجيلَ النصارى كالأَتانِ
تُنَضْنِضُ مثلَ نضنضة الأفاعي
وتهـذي مثل عـادات الأداني
هـلمّ إلى كتـاب الله صدقًا
وإيمـانًا بتصـديق الجـنانِ
شُغِـفتم أيها النوكَى بشوكٍ
وأعرضـتم عن الزهر الحِسانِ
وآثرتم أمـاعِزَ ذاتَ صـخرٍ
على مخضـرّةٍ قـاعٍ هِجـانِ
ومـا القـرآن إلا مثـلَ دُرَرٍ
فرائـدَ زانَها حسـنُ البـيانِ
ومـا مسّتْ أكفُّ الكاشحينا
معـارفَه التي مـثل الحَـصانِ
به ما شئتَ مِن عـلم وعقـل
وأسـرارٍ وأبـكار المعـاني
يسكِّت كلَّ مَن يعـدو بضغنٍ
يبكّت كلَّ كـذّاب وجـاني
رأيـنا دَرَّ مُـزْنتِـه كثـيرًا
فـدَينـا ربَّنـا ذا الامتـنانِ
ومـا أدراك ما القرآن فيضًا
خفـيرٌ جـالبٌ نحو الجِـنانِ
لـه نورانِ نورٌ من علـوم
ونورٌ مـن بيـان كالجُـمانِ
كلامٌ فائق ما راقَ طرفي
جـمـالٌ بعـده والنَّـيِّرانِ
أَياةُ الشمس عند سَناه دَخْنٌ
وما لِلَّعْـلِ والسِبْت اليمـاني
وأين يكون للقـرآن مِثـلٌ
وليس لـه بهذا الفـضل ثاني
ورِثنْا الصُّحْفَ فاقتْ كلَّ كُتْبٍ
وسبقتْ كلَّ أسفـار بشانِ
وجاءت بعدما خـرّتْ خيامٌ
وخُـرّبت البيوت مع المباني
محَتْ كلَّ الطرائق غيرَ بِرٍّ
وجذّتْ رأسَ بدعات الزمـانِ
كأنّ سيوفـها كانت كـنارٍ
بها حُرقتْ مَخـاريق الأداني
إذا اسـتدعى كتابُ الله مثلاً
فعَيَّ القومُ واستـتروا كفانِ
وسُلبتْ جرأةُ الإسناف منهم
مِن الهـول الذي حلّ الجَنانِ
فمِن عجبٍ أكـبّوا مثلَ مَيْتٍ
وقد مرَنوا على لطف البيـانِ
وأنـزلَـه مهيـمنُنا حُـدَيًّا
ففـرّوا كلـهم كالمستـهانِ
وصارت عُصْـبُهم فِرقًا ثُبَينًا
فمنـهم من أتى بعد الحِرانِ
ومنهم من تلبّبَ مستشـيطًا
لحرب الصـادقين وللطـعانِ
فأنتم قد سمعـتم ما أصيـبوا
بضعضعة السيوف من الهـوانِ
وكان جزاء سَلِّ السيف سيفًا
فذاقـوا ما أذاقـوا كالجـبانِ
إذا دارت رحى البلوى عليهم
فكانوا لُهْوَةً فوق الدِّهانِ
فطفقـوا يهربون كمثل جبنٍ
فأُخـذوا ثم قُتلوا مثل ضانِ
إذا ما شاهـدوا قتـلَى كقُنَنٍ
فرفـعوا طاعـةً عَلَـمَ الأمانِ
سـراةُ الحي جاءوا نادمينا
فرحِم المصطـفى بحـرُ الحنانِ
وأما الجاهـلون فما أطـاعوا
فأعدمَـهم فؤوسُ الاحتفانِ
سُقـوا كأس المنـايا ثم سيقوا
إلى نارٍ تلـوِّحُ وجـهَ جـانِ
فهـذا أجرُ جهـل الجاهلينا
من الرحمـن عند الاسـتنانِ
وما كان الرحيـم مُـذِلَّ قومٍ
ولكـن بعد ظلـم وافتـنانِ
وهل حُـدِّثتَ مِن أنبـاء أممٍ
رأوا قبـحًا بأفعـالٍ حِسانِ
وكل النـور في القـرآن لكنْ
يمـيل الهـالكون إلى الدخانِ
بـه نلنـا تُراثَ الـكاملـينا
به سِرْنا إلى أقصـى المعاني
فقُـمْ واطلُبْ معـارفه بجهدٍ
وخَفْ شرَّ العواقب والهوانِ
أتخـطُب عـزّةَ الدنيا الدنيّةْ
أتطلب عيشها والعيش فانِ
أترضى يا أخي بالخان حمقًا
وتنسى وقت تبـديل المكانِ
على بستان هذا الدهر فأسٌ
فكم شجـر يجاح من الإهانِ
وكم عنـقٍ تكسّـرها المنايا
وكم كفٍّ وكم حسنِ البنانِ
ترى في سـاعةٍ سُـرَرًا لرجُلٍ
وفي الأخـرى تراه على الإرانِ
وإني ناصـح خِـلٌّ أمـينٌ
ويدري نـورَ علمي من يراني
يُكـرَّمُ جاهـلٌ قبـل ابتلاءٍ
وقـدرُ الحَـبْر بعد الامتحانِ
وكفّـرني عـدوّ الحـق حمقًا
فقلتُ اخْسَأْ، يراني من هداني
صوارمـه عـليّ مسـلَّلاتٌ
وإني نحـو وجـه الحِبِّ رانِ
وإني قـد وصلتُ رياض حِبّي
ويطلبني خصيـمي في المَحاني
هوَيتُ الحِبَّ حتى صار روحي
وأَرْنـاني جِـناني في جَـناني
بوجه الحِبّ لستُ حريصَ مُلكٍ
كفاني ما أرى نفسي كـفاني
عمود الخشْب لا أبغي لسقفي
وحِبّي صـار لي مثل الـبُوانِ
ورثنا المجـد من ذي المجد حقًّا
وصُبِّـغْنا بمحـبوب مُقـانِ
دخـلتُ النار حتى صرت نارًا
ونخـلي فاقَ أفـكارَ الأفاني
خمـوري منـتقاة غـيرُ كَدَرٍ
مُشَعْـشَعةٌ بمـاء الاقـترانِ
ولستُ مـواريًا عن عين ربي
وإن الله خـلّاقـي يـراني
يُدَهْـدِئُ رأسَ كـذّابٍ غيورٌ
ويُهلـكه كصـيدٍ مُستـهانِ
وإنـا النـاظرون إلى قديرٍ
قـريب قـادر حِبّ مُـدانِ
وإنا الشـاربون كـؤوس جدٍّ
وإنا الكاسرون فؤوس خـانِ
وإنا الواصـلون قصـور مجدٍ
وإنا الفـاصلون مـن الأداني
وأبـدَرَنا من الرحمـن بـدرٌ
فنحـن المبـدَرون ولا نُماني
ونحن الفـائزون كمـالَ فوزٍ
ونحـن المنعَـمون ولا نعـاني
وبارزْنـا العـدا متسلحـينا
ولسنا قاعـدين كمـثل وانِ
وما جئنا الورى في غير وقت
وذو حجر يرى وقت الرَّثـانِ
كخُذْروفٍ ندحرجُ رأسَ عجزٍ
وتُبْـنا من ملاعبِ صولجانِ
عريفٌ فرسُ نفسي عند حرب
ويدري السرّ مِن شدّ البِطانِ
مِكَـرٌّ ينـزلنّ كمـثل برق
ولا تمـضي علـيه دقيـقتانِ
وإنا سوف نُوجَـرُ مِن مليكٍ
ونُعطَى منه أجـرَ الامتـشانِ
وكأسٍ قـد شربنا في وِهـادٍ
وأخرى نشـرَبنْ فوق القِنانِ
وهـذا كله مِن فضـل ربي
ملاذي عاصـمي ممن جفاني
أرى أشجـار رحمتـه عظامًا
مفـرِّحةً كـزرع الزعـفرانِ
وقومي كفّـروني مِن عـناد
وإلحـادٍ وتحـريف البـيانِ
فيا لَعّانِ لا تهـلَكْ عَجولاً
ولا تهجُـرْ فترجِـعْ كالمُهانِ
ووشكُ البَـين صعبٌ عند حُرٍّ
وإن الحـر كالحـاني يقـاني
ولا تعجَبْ لقـولي وادّعـائي
وقد عُلّمتُ مِن أخفى المعـاني
وللـرحمن في كلِـمٍ رمـوزٌ
وكم قولٍ أسرَّ كمـثل كانِ
وكم كلِـمٍ مهفـهفةٍ دُقاقٍ
هضيمِ الكشح كالغِيد الحِسانِ
فيدري الضامراتِ ذوو الضمورِ
ولا يدري سفـيهٌ كالسِّـمانِ
فإن تبـغي الدقـائقَ مثل إبرٍ
فَلِـجْ في سَمَّها ودَعِ الأمـاني
وإن تستطـلِعنْ أنباءَ مـوتي
فمُتْ كالمحـرَقين وكُنْ كفانِ
وبذلُ الجـهد قـانون قـديم
مَنى للطـالبين قضـاء مـاني
وإني مسلـم والسِّلْـمُ ديـني
فلا تُكفِرْ وخَـفْ ربّ الزمانِ
وإن أزمعتَ تكفـيري وعذلي
فقُلْ ما شئت من شوق الجنانِ
ولا نخـشى سهام اللاعنـينا
ولا نغـتاظ من تكفـير خانِ
جنـحنا كاهـلاً منّا ذَلولاً
لأثقـال المطـاعن واللِّـعانِ
فـإن شاء المهيـمن ذو جلال
يـبرّئ رحمـةً ممـا تـراني
وفي فـمّي لسـانٌ غـير أني
أُحبّ جـوابَ ربٍّ مستـعانِ
وآخـر كلمـنا حمدٌ وشكرٌ
لرب محسـن ذي الامتـنانِ
ثم جلس سيدنا يوسف بن المسيح قليلا ثم تابع الخطبة فقال : الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد يقول الإمام المهدي الحبيب : "
ومن اعتراضات الواشي الضال، الذي ينوم بنعاس الضلال، اعتراضٌ بنى عليه عقيدته الباطلة في كتابه "التوزين". وتفصيله أنه رأى في القرآن الكريم آية: (يومَ يقومُ الروحُ والملائكةُ)، فتلقَّفَ لفظَ الروح كالشحيح، وأراد أن يستنبط منه نـزول المسيح، بل أن يثبت ألوهيته كالوقيح، فكتَبه مستدلا كالمبطلين الفرحين.
أما الجواب فاعلم أن هذه الآية لا تفيده أصلاً ولا يثبت منها شيء إلا حمقه وجهله وكونه من السفهاء المستعجلين. ولا يخفى على الفضلاء الأعلام أن تأويل الروح بعيسى في هذا المقام دجلٌ وافتراء، بل جاء في كتب التفسير أنه جبرائيل u، أو ملَكٌ آخر على اختلاف الروايات كما لا يخفى على الناظرين. ثم منطوق الآية يبدي بالتصريح ويحكم بالتنقيح أن هذه الواقعة متعلقة بالقيامة ولها كالعلامة، فإن الله تعالى ذكر هذه القصة في ذكر قصة الجنة ونعمائها العامة، ثم صرح بتصريح آخر وقال: (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ)، ولفظ (اليوم الحق) في القرآن بمعنى القيامة، ويعلمه كلُّ خبير أمين. فانظر كيف بيّن أنها واقعة من وقائع يوم الدين، ثم انظرْ كيف يفترون الذين في قلوبهم مرض ولا يخافون الله وما كانوا متقين.
فالحاصل أن الآية لا تؤيد زعم هذا الواشي بل تمزّقه، وبها يقع القول عليه وتجعله الآية من الكاذبين. فإنه يقول إن عيسى إله وابن إله، ويقول إن الروح هو الله وعينه، والآية تبدي أن هذا مَيْنُه، وتبدي أن الروح الذي ذُكر ههنا هو عبد عاجز تحت حكم الله وقدره، وما كان له خِيَرَةٌ في أمره، وإن هو إلا من الطائعين، وما كان له أن يشفع مِن غير إذن الله، لأن الله تعالى قال في هذه الآية: (يَومَ يقُومُ الرُّوحُ والملائكةُ صَفًّا لا يتكلّمُون إلا مَن أَذِنَ له الرحمنُ وقالَ صَوابًا)، وأُشير في آية: (عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّك مَقَامًا مَحمُودًا ) إلى أنه تعالى لا يعطي هذا المقام المحمود إلا نبيَّه وصفيَّه محمدًا المصطفى خير الرسل وخاتم النبيين. وأُلقِيَ في روعي أن المراد من لفظ الروح في آية (يَومَ يَقُومُ الرُّوحُ) جماعةُ الرسل والنبيين والمحدَّثين أجمعين الذين يُلقَى الروح عليهم ويُجعَلون مكلَّمين.
وأما ذِكرهم بلفظ الروح لا بلفظ الأرواح، فاعلم أنه قد يُذكَر الواحد في القرآن ويراد منه الجمع وبالعكس، سنّةٌ قد جرتْ في كتاب مبين. وذكرهم الله بلفظ الروح الذي يدل على الانقطاع من الجسم ليشير إلى أنهم في عيشتهم الدنيوية كانوا قد فنوا بكل قواهم في مرضاة الله، وخرجوا من أنفسهم كما يخرج الأرواح من الأبدان، وما بقي لهم النفس وأهواؤها، وكانوا لا ينطقون من الهوى بل بوحيٍ يوحى، فكأنهم صاروا روح القدس فقط لا نفسَ معه ولا أعراضَها.
ثم اعلم أن الأنبياء كنفس واحدة، لا يقال إنهم أرواح بل يقال إنهم روح، وذلك لشدة اتحادهم الروحانية وتناسُب جوهرهم الإيمانية، وبما أنهم فنوا من أنفسهم وحركاتهم وسكناتهم وأهوائهم وجذباتهم، وما بقي فيهم إلا روح القدس، ووصلوا الله متبتّلين منقطعين، فأراد الله أن يبين في هذه الآية مقامَ تجرُّدِهم ومراتبَ تقدُّسهم وتطهُّرهم من أدناس الجسم والنفس، فسماهم روحًا إظهارًا لجلالة شأنهم وطهارة جنانهم، وأنهم سيُلقَّبون بهذا اللقب في يوم القيامة ليُرِيَ اللهُ خَلْقَه مقام انقطاعهم، وليميز بين الخبيثين والطيبين. ولَعَمْر اللهِ إن هذا هو الحق، فتدبَّروا في كتاب الله ولا تنكروا مستعجلين.
وأما عيسى عليه السلام فأنت تعلم أن القرآن لا يسمّيه إلهًا ولا ابن إله، بل يبرّئه مما قيل، ويردّ الأقاويل إفراطًا كانت أو تفريطًا ويقيم عليه الدليل، ويبيّن أنه عبد ومن المقرّبين. وقال في مقام: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ..... وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)، واشترط قولَ الظالمين بلفظ (مِن دونه) ليُخرِج به قومًا أصبى الحبُّ قلوبهم وهيّج كروبهم حتى غلبت عليهم المَحْوِيّةُ والسُّكْر وجنونُ العاشقين، فخرجتْ من أفواههم كلماتٌ في مقام الفناء النظري والجذب السماوي، وورد عليهم وارد فكانوا من الوالهين؛ فقال بعضهم: ما في جُبّتي إلا الله، وقال بعضهم: إن يدي هذه يد الله، وقال بعضهم: أنا وجه الله الذي وجّهتم إليه، وأنا جنبُ الله الذي فرّطتم فيه، وقال بعضهم: أنا أقول وأنا أسمع، فهل في الدار غيري، وقال بعضهم: أنا الحق؛ فهؤلاء كلهم معفوون، فإنهم نطقوا من غلبة كمال المحوية والانكسار، لا من الرعونة والاستكبار، وحفّتْ بهم سُكْرُ صهباء العشق وجذبات الحب المختار، فخرجت هذه الأصوات من خوخة الفناء لا من غرفة الخيلاء، وما نقلوا الأقدام إلى دون الله بل فنوا في حضرة الكبرياء، فلا شك أنهم غير ملومين. ولا يجوز اتّباع كلماتهم وحرص مضاهاتهم، بل هي كلمٌ يجب أن تُطوَى لا أن تُروى، ولا يؤاخذ الله إلا الذين كانوا من المتعمدين المجترئين.
وعجبتُ للنصارى.. ولا عَجَبَ من المسرفين، أنهم يقرّون بأن عيسى كان عبد الله وابن آدم، وكان يقول إني رسول الله وعبده، وحثَّ الناسَ على التوحيد والاجتناب من الشرك، وانكسر وتواضع وقال لا تقولوا لي صالحا، ثم يجعلونه شريك البارئ ويحسبونه رب العالمين، ويقولون ما يقولون ولا يخافون يوم الدين. ويظنون أن المسيح صُلب ولُعن لأجل معاصيهم وأُخذ لإنجائهم وعُذّب لتخليصهم، وأن الخَلْق أحفظَ الأبَ بذنوبهم، وكان الأب فظًّا غليظ القلب سريع الغضب، بعيدا عن الحلم والكرم، مغتاظا كالحرق المضطرم، فأراد أن يُدخلهم في النار، فقام الابن ترحمًا على الفُجّار، وكان حليما رحيما كالأبرار، فمنَع الأبَ من قهره وزيادته، فما امتنع وما رجع من إرادته، فقال الابن يا أَبَتِ إن كنتَ أزمعتَ تعذيب الناس وإهلاكهم بالفأس، ولا تمتنع ولا تغفر، ولا ترحم ولا تزدجر، فها أنا أحمل أوزارهم وأقبَل ما أَبارَهم، فاغفِرْ لهم وافعَلْ بي ما تريد، إن كان قليلا أو يزيد. فرضِي الأب على أن يصلب ابنه لأجل خطايا الناس، فنجّى المذنبين وأخذ المعصومَ وعذّبه بأنواع البأس كالمذنبين.
هذا ما قالوا، ولكن العجب من الأب الذي كان نشوانًا أو في السُّبات أنه نسِي عند صليب ابنه ما كتب في التوارة وقال لا أُهْلِكُ إلا الذي عصاني، ولا آخذ أحدًا مكانَ أحد من العصاة، فنكَث العهد وأخلف الوعد، وترك العاصين وأخذ أحدًا من المعصومين. لعله ذهَل قولَه السابق مِن كبر السن وأرذل العمر وكان من المعمّرين!
والعجب من الابن أنه كان يعلم أن معشر الجن سَبَقَ الإنسَ في الخطأ ولا ينتهجون محجّة الاهتداء، بل تجاوزوا الحد في شباءة¨ الاعتداء، ثم تغافلَ من أمر سيآتهم، وما توجّهَ إلى مواساتهم، وما شاء أن ينتفع الجن من كَفّارته، ويكون لهم حياةٌ من إبارته، ونجاةٌ من نار أبدية التي أُعدّتْ لهم، فما نفعهم إبارته ولا كفّارته، وكانوا يؤمنون بالمسيح كما شهد عليه الإنجيل بالبيان الصريح، فكأن الابن ما دعا تلك المذنبين إلى هذا القِرى وتقاعسَ كبخيل وضنين. ومن المحتمل أن يكون للأب ابن آخر، صُلِبَ لتلك المعشر، بل من الواجبات أن يكون كذلك لتنجية العُصاة، فإن ابنًا إذا صُلِبَ لنوع الإنسان مع قلة العصيان، فكم مِن حريّ أن يُصلَب ابن آخر لنوعٍ جِنِّيٍّ الذي ذنبهم أكبر وأكثر، وإلا فيلزم الترجيح بلا مُرجِّح باليقين، ويثبت بخل الأب أو بخل البنين. ولا شك أن فِكْرَ مغفرة قوم عادين والتغافلَ من قوم آخرين، عُدولٌ صريح وظلم مبين، بل يثبت مِن هذا جهلُ الأب المنّان. أمَا كان يعلم أن المذنبين قومانِ، ولا يكفي لهم صليب بل اشتدت الحاجة إلى أن يكون ابنان وصليبان؟
لا يقال إن الابن كان واحدا فرضِي ليُصلَب لنوع الإنسان، وما كان ابن آخر لكفّارةِ أبناء الجانّ. لأنا نقول في جوابه إن الأب كان قادرا على أن يلد ابنا آخر، وما كان كالعاجز الحيران، فلا ريب أنه ترك الجنَّ عمدًا أو من النسيان، أو ما صلَب ابنًا ثانيًا مخافةَ بَتْرِه كالجبان. ومن المحتمل أن يكون الابن الآخر أحبَّ من الابن الأول إلى الأب التَّوْقان، وهذا ليس بعجيب عند ذوي الأذهان، فإنه قد يتفق أن الأصغر من الأبناء يكون أحبّ إلى الآباء. ففكِّرْ في هذه الآراء، وفي إله هو ذو بنات وبنين. وسبحان ربنا عما يخرج من أفواه الظالمين.
ثم بعد ذلك نرى أن آدم كان أول أبناء الله في نوع الإنسان، وقد أقرّتْ أناجيل النصارى بهذا البيان، ومن المعلوم أن الفضل للمتقدم لا للذي جاء بعده كالمضاهئين. وقد خلق الله آدم بيده وعلى صورته، ونفخ فيه روحه بكمال محبته، وأما المسيح فما كان لَبِنةَ أوّلِ الأساس، بل جاء في أخريات الناس، وكان من المتأخرين.
وأقم الصلاة.
ثم قام بلال اليوسفيين بإقامة الصلاة وصلى نبي الله الجمعة ركعتين وقرء في الركعة الأولى سورة الفاتحة والوجه الخامس من سورة الرعد .
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ * إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ * ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰ⁠طَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ * صِرَ ٰ⁠طَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ .
(ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَـَٔابࣲ ۝ كَذَ ٰ⁠لِكَ أَرۡسَلۡنَـٰكَ فِیۤ أُمَّةࣲ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَاۤ أُمَمࣱ لِّتَتۡلُوَا۟ عَلَیۡهِمُ ٱلَّذِیۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ وَهُمۡ یَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَـٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّی لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ مَتَابِ ۝ وَلَوۡ أَنَّ قُرۡءَانࣰا سُیِّرَتۡ بِهِ ٱلۡجِبَالُ أَوۡ قُطِّعَتۡ بِهِ ٱلۡأَرۡضُ أَوۡ كُلِّمَ بِهِ ٱلۡمَوۡتَىٰۗ بَل لِّلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ جَمِیعًاۗ أَفَلَمۡ یَا۟یۡـَٔسِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن لَّوۡ یَشَاۤءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰاۗ وَلَا یَزَالُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ تُصِیبُهُم بِمَا صَنَعُوا۟ قَارِعَةٌ أَوۡ تَحُلُّ قَرِیبࣰا مِّن دَارِهِمۡ حَتَّىٰ یَأۡتِیَ وَعۡدُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُخۡلِفُ ٱلۡمِیعَادَ ۝ وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَأَمۡلَیۡتُ لِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ثُمَّ أَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَیۡفَ كَانَ عِقَابِ ۝ أَفَمَنۡ هُوَ قَاۤىِٕمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۗ وَجَعَلُوا۟ لِلَّهِ شُرَكَاۤءَ قُلۡ سَمُّوهُمۡۚ أَمۡ تُنَبِّـُٔونَهُۥ بِمَا لَا یَعۡلَمُ فِی ٱلۡأَرۡضِ أَم بِظَـٰهِرࣲ مِّنَ ٱلۡقَوۡلِۗ بَلۡ زُیِّنَ لِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مَكۡرُهُمۡ وَصُدُّوا۟ عَنِ ٱلسَّبِیلِۗ وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادࣲ ۝ لَّهُمۡ عَذَابࣱ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ أَشَقُّۖ وَمَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقࣲ)
وقرء في الركعة الثانية سورة الفاتحة وسورة الإخلاص .
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ * إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ * ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰ⁠طَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ * صِرَ ٰ⁠طَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ .
(بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ۝ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ۝ لَمۡ یَلِدۡ وَلَمۡ یُولَدۡ ۝ وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ)
ثم جمعَ صلاة العصر .
===============
والحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق