الأحد، 30 مايو 2021

صلاة الجمعة 28=5==2021

 
 
يوشع بن نون :
 
صلاة الجمعة ٢٠٢١/٥/٢٨
○○○○○○○○○
صلاة الجمعة لخليفة المسيح الموعود السادس سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام بتاريخ ٢٠٢٠١/٥/٢٨
يقول سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته . أذان .
قام بلال اليوسفيين برفع الأذان :
الله اكبر الله اكبر
الله اكبر الله اكبر
اشهد ان لا اله الا الله
اشهد ان لا اله الا الله
اشهد ان محمدا رسول الله
اشهد ان محمدا رسول الله
حى على الصلاة
حى على الصلاة
حى على الفلاح
حى على الفلاح
الله اكبر الله اكبر
لا اله الا الله
ثم قام سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام خطيبا فقال : الحمد لله الحمد لله وحده الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد ; لدينا اليوم بداية كتاب مواهب الرحمن لسيدنا الامام المهدي مرزا غلام احمد القادياني الامام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام يقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في غلاف الكتاب :
هذا كتاب ألفته من تأييد رب المنان ووالله انه من قوة ربي لا من قوة الانسان وانه لآية عظيمة لمن فكر وخاف الديان وإني سميته " مواهب الرحمن " وانا عبد الله الأحد غلام أحمد عافاني الله وأيّد وجعل قريتي هذه قاديان دار الإسلام ومهبط الملائكة الكرام . آمين .
يقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام : أُحْلِفُ باللهِ كلَّ مَنْ بلغتْه هذه الأوراقُ
أَنْ يُشيعوها في جرائدِهم، وسيَجْزِيهم العَلِيم الخَلاقُ
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده ونصلي على رسوله الكريم
"اللِّواء".. وآيَةٌ مِنَ السّماء
قد اعترض علينا صاحب "اللواء"، عفا الله عنه وغفر له خطأه الذي صدر منه من غير عزم الإيذاء. قال: وردَت إلينا نشرة باللغة الإنكليزية متضمنة آراء المسيح الذي ظهر في بعض البلاد الهندية، وادعى النبوة، وادعى أنه هو عيسى، ليجمع الناس على دينٍ واحدٍ وليهديهم إلى سبيل التُّقى. وإنه زعم أنّ التطعيم ليس بمفيد للناس، واستدل بآيةٍ: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا)، فانظروا إلى سقم هذا القياس.
ثم بعد ذلك قال صاحب اللواء: إن هذا المدعي يزعم أن ترك الدواء هو مناط التوكل على واهب الشفاء. وليس الأمر كذلك.. فإن الاتكال على الله تعالى هو العمل بمقتضى سنّته، التي جرت في خليقته، وقد أُمرنا في القرآن أن ندرَأ الأمراض والطواعين بالمداواة والمعالجات، ولا نجد فيه شيئا مما قال هذا الرجل من الكلِم الواهيات. بل الاتكال بالمعنى الذي يظن هذا المدعي هو عدم الاتكال في الحقيقة، فإنه خروجٌ من السنة الجارية الـمَحْسوسةِ المشهودة في عالَـم الخَلْق، وخلافٌ لآية: (لا تُلْقُوا بِأَيدِيكُم إلى التَّهْلُكَة).
هذا ما قال صاحب "اللواء" وما تَظنَّى. فالأسف كل الأسف عليه أنه اعترض قبل أن يُفتّش وتَجنَّى. ولما قرأتُ ما أشاعَ وأَمْلَى، قلتُ: يا سبحان الله! ما هذا الكذب الذي على مِقْوَله جرَى؟ وإني ما تفوهتُ قطُّ بهذا فكيف إليّ هذا القول يُعزَى؟ يطلبني في نياط وأنا على بساط، ويُبيّن ما فُهْتُ به بصورة أُخرى.
فأقول: على رِسْلِك يا فتى.. ولا تَعْزِنِي إلى قولٍ ما أتعزَّى. ومن حُسْن خصائل المرءِ أن يُحققَ ولا يعتمد على كلّ ما يُروى. فاتق الله يا من يُجرّح جِلْدتي ويُشهّر منقصتي، وتعال أقصّ عليك قصتي، واسمع مني معذرتي، ثم اقض ما أنت قاض، واخْطُ خطوة التقى، واسلُكْ سبيل التقوى، ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم ولا تتبع الهوى.
إني امرؤ يكلّمني ربي، ويُعلّمني من لدنه، ويحسن أدبي، ويوحي إلي رحمة منه، فأتّبع ما يُوحى، وما كان لي أَنْ أترك سبيله وأَخْتارَ طُرقًا شَتّى. وكلّ ما قُلتُ قلت من أمره، وما فعلت شيئًا عن أمري، وما افتريت على ربي الأعلى، وقد خاب من افترى.
أتعجب من هذا؟ فلا تعجب من فعل القدير الذي خلق الأرض والسَّماوات العُلى، وإنه يفعل ما يشاء، ولا يُسْأل عما قضى. وعندي منه شهادات كثيرة، وإنه أرى لِي آياتٍ كُبرَى، وله أَسْرارٌ في أنباء وحيه الذي رزقني ورُموزٌ لا تُدركها عقول الورى. فلا تُمارِني في ترك التطعيم، ولا تكن كمثل من أغفل الله قلبه فاتّخذ أسبابه إلـهًا وكان أمره فُرُطًا. ولكلِّ سببٍ إلى ربّنا المُنْتهَى، ويَفْنى السبب بعد مراتب شتَّى. ثم تأتي مرتبة الأمر البحت لا يشار فيه إلى سبب ولا يومى، ويبقى الله وحده وتُقْطَع الأسباب وتُمحى. وليس للأسباب إلا خطواتٌ، ثم بَعْده قدرٌ بَحْتٌ لا يُدْرَك ولا يُرى، وخزائن مخفية لا تُحَدّ ولا تُحْصى، وبحرٌ لا ساحل له، ودَشْتٌ نَطْناطٌ لا يُمْسَح ولا يُطْوى. أعُطّلتِ القدرةُ البحتُ وبقي الأسباب؟ تلك إذا قسمة ضيزى!
أَلا تعلم كيف خلق الله آدم وعيسى، وتتلو ذكرهما في القرآن ثم تنسى؟ أنسيت قصة الكليم وفلق البحر العظيم، إِذْ أَجاز البحر وأُغرِقَ فرعون اللئيم؟ فبَيِّنْ لنا أي فُلْكٍ كان ركِبه موسى؟ وما قص الله هذه القصص عبثًا بل أودعها معارف عُظمى، لتَعلمُوا أَنّ قدرة الله ليستْ مُقيّدةً في الأَسباب، وليزداد إيمانكم وتفتح عيونكم وتنقطع عروق الارتياب، ولتعرفوا أن ربكم قديرٌ كاملٌ ما سُدَّ عليه باب من الأبواب، ولا تنتهي قدرته ولا تبلَى. ومن أنكر سعة قدرته وقيّدها بسببٍ لقلة فطنته فقد خرّ مِن ذُرَى الصدقِ وهوى، وكان خروره أصعب وأَدْهى. فلا تسُبّ الذين يتركون بعض الأسباب بأمر الله الوهّاب، ولا تُقيِّدْ سنن الله في دائرةٍ أضيق وأغسى.
اعلم أن الأسباب أصل عظيم للشرك الذي لا يُغْفَر، وأنها أقرب أبواب الشرك وأوسعها للذي لا يحذر، وكم من قوم أهلكهم هذا الشرك وأردى، فصاروا كالطبعيين والدهريّين، يضحكون على الدّين متصلفين ومستكبرين، كما تشاهد في هذا الزمان وترى. ولا نمنع من الأسباب على طريق الاعتدال، ولكن نمنع من الانهماك فيها والذهول عن الله الفعّال، ومَن تمايل عليها كل التمايل فقد طغى. ثم مع ذلك إن كان ترك الأسباب بتعليم من الله الحكيم، فهِيَ آية من آيات الله الجليل العظيم، وليس بقبيح عند العقل السليم، وقد سمعتَ أمثالها فيما مضى.
واعلمْ أن لأولياء الله بعضَ أفعال لا تدركها العقول، ولا يعترض عليها إلا الجهول. أنسيت قصّة رفيق موسى وهي أكبر من قصّتي كما لا يَخْفَى؟ إنّه قتل نفسًا زكيّةً بغير نفس، ومُنِع فما انتهى، وخرَق السفينة وظُنّ أنه يُغرق أهلها وجاء شيئا إِمْرا.
ثم ههنا نكتة لطيفة وهو أنّ الأسباب خُلقت للأولياء، ولو لا وجودهم لبطلت خواص الأشياء، وما نفَع شيء من حيل الأطبّاء، وأنهم لأهل الأرض كالشفعاء، وأن وجودهم حِرْزُهم، ولولا وجودهم لمات الناس كلّهم بالوباء. فليس الدواء في نفسه شيئا، بل يأتي الفضل من السماء، كما قال لي ربي في وحي منه: "لولا الإكرام لهلك المقام"، وإن في ذلك لعبرة لمن يخشى. ثم جرت عادة الله أنّ بعض الناس يُبْتَلون بكَلِمِ أوليائه ولا يتدبرون ولا يفهمون، ويُضل الله بهم كثيرا، ويهدي بهم كثيرا، وكذلك قَدَّر وقضى. ولا يَضلّون إلا الذين في قلوبهم كبرٌ فهُمْ لكبرهم ينطَحون، ولا يخافون يوم الحساب، ويصرّون على ما يقولون، وما لهم بِهِ علم ولا يتّقون، ويسبّون رسل ربهم بغير علم ويعترضون على قولهم الأَخْفى. ولا يُهْدَونَ إلى نورهم لِشقْوةٍ سبقت، ولذنوب كثرت، ولمعاصٍ بلغت إلى المنتهى. فلا يَرون إلا عيوبهم ولا يُوفَّقون، ويُغشّي الله أبصارهم لئلا يبصروا، ويُصمّ آذانهم لئلا يسمعوا، ويختم على قلوبهم لئلا يفهموا، فينظرون إليهم وهم لا يبصرون. ذلك بما قدمت أيديهم وبما تمايلوا على الدنيا، وداسوا تحت أقدامهم دَار العُقْبى. يسبّون ولا يظلمون إلا أنفسهم ويُبارِزون الله الأغنى. وإنْ سبُّهم إلا حسرةٌ عليهم وحفرةٌ من النّار، فيقربون الحُفرة ظلمًا وطغوى، ومن دنا منها فقد تردَّى.
يقولون ما رأينا من آية وما رأينا من أمرٍ عجيب.
يا سبحان الله! ما هذه الأكاذيب؟ ما لهم لا يخافون أيام الحسيب؟ وقد رأوا منّي أكثر من مائة ألفٍ آياتٍ وخوارقَ ومعجزاتٍ، فنَسِيَ كل منهم ما رأى. فكيف إذا سُئِلوا يوم القيامة وكُشِفَ ما كتموا، وأتوا ربهم بنفسٍ تتعرَّى؟ وإنّ لعن الصادقين المرسلين ليس بِهَيِّنٍ، فسوف يرون ثمرة ما يبذرون، ويرون من أُخِذَ ومن نجا. وإن الله يأتي ينقُص الأرضَ من أطرافها، فيُري الفاسقين ما أرى في قرونٍ أُولى. وإن لحوم أوليائه مسمومة، فمن أكلها بالاغتياب والبهتان عليهم فقد دعا إليه الردى. وسيبدي السمّ آثاره، ولا يفلح الفاسق حيث أتى. وإن الله غيور لنفوسهم كما هو غيور لنفسه، فلا يترك من عادى، فانتظروا المدى. وإنّ أَشقى الناس من عاداهم وإن أَسْعدَهم من وَالَى.
وإنّي والله من عنده، وهو لي قائم، فما رأيك أيها العزيز.. أتقبل أو تأبى؟ وما أنكرني إلا الذي خاف الناسَ، أو كان من الذين يستكبرون، أو ما فكّر حَقَّ فكره، فتخلَّفَ مع الذين يتخلّفون، أو لم يصبر على ما ابتلاه به الله، فعثر وصار من الذين يهلكون. (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُم لا يُفتَنون) وقد ردِف الابتلاء نفوسَهم وأموالهم وأعراضهم، ليعلم الله أنهم كانوا يصدُقون وما كانوا كحَطَبٍ يتشظى.
ثم اعلم أيها العزيز، أني لستُ كرجل يخالف الأسباب من تلقاءِ نفسه ويسلك مسلك الحمقى، بل أعلم أن رعاية الأسباب شيء لا يُتْرك ولا يُلْغَى إلا بعد إيحاء الله الوهاب، وما كان لبشر أن يترك الأسباب من غير وحي انجلى. فلا تعجَلْ عليّ من غير بصيرة، ولا تجعلني دَرِيّةً لرماحك وغرضًا لعائر يُرْمَى. إنك لا تعلم دخيلة أمري وخَبِيءَ باطني، فليس لك أن تَزْرِيَ قبل أَن تدري، وكذلك من السعداء يُرْجَى.
وقد أرسلني ربّي الذي لا يترك المخلوق سدى. وإنّي واللهِ صدوق وما كُنْتُ أن أتمنّى­، ففَكِّرْ وكذلك من الكرام أتمنَّى، ولا تجادِلْني في ترك التطعيم، وقُلْ رَبِّ زِدْنِيْ عِلْمًا. وللهِ تصرّفاتٌ في مخلوقه بالأسباب ومن دون الأسباب ويعلمها أولو النهى. بل هذا كاللُّب وذاك كالقشْر، فلا تقنع بالقشر كالقَدريّة، واطلُبْ سرَّ أقداره ليُعْطَى.
إنّ الله يفعل ما يشاء، ولا تُدْركه الأَبْصار، ولا تحدّه الآراء، ولا يحتاج إلى مادةٍ وهَيُولَى. وإنّه قادرٌ على أن يشفي المرضى من غير دواءٍ، ويخلق الوُلْدَ مِنْ غَيْرِ آباءٍ، ويُنْبِت الزّرع مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْقَى. وما كان لدواءٍ أن ينفع من غير أَمْر ربّنا الأَعْلى. يودع التأثيرَ فيما يشاء، وينـزع عما يشاء، وله الأمر في الأرض والسماوات العُلَى. ومن لم يؤمن بتصرفه التّام، ولم يعرف أمره الذي لم يَأْبَه ذرّةٌ من ذرّات الأنام، فما قدَره حق قدره، وما عَرفَ شأنه وما اهتدى. ومَن ذا الذي حَدَّ قوانينَ قدرته، أو أحاط علمُه بِسُنّته؟ أتعلم ذلك الرجل على الأرض أو تحت الثرى؟
أتقول كيفَ تُبْرَأُ المرضى بغير دواءٍ.. ذلك أَمْرٌ بعيد؟ وقد بَرَأَك الله ولم تكُ شيئًا، ثم يُفني ثم يُعِيد، وذاك فعلٌ قد جرى فيك فكيف عنه تحيد؟ فاتق الله ولا تُنكر قدرته العظمى. وإنّ الطاعون تَرمي بشررٍ يُقعِص على المكان، فبأيّ دواءٍ يُرْجى الأمان؟ وإنّ الدواء ظنون، والظنّ لا يغني من الحقّ يا فتيان. أتذكر التطعيم؟ وإنّه شيء لا يغني من لَهَبٍ بسَط جناحه على جميع البلدان، فما عندكم من تدبير يمنع قضاء السماء ويردّ هذا الثعبان. وإنها بليّة ترى القوم منها صَرْعى. وقد ضل الذين زعموا أنهم أحصوا سنن الله وأنهم بقوانينه يحيطون. سبحانه وتعالى عما يصِفون! وإن هم إلا كَالعُمْي أو أضَلُّ سبيلا. بل الحق أنّ سُنّته أَرفع من التحديد والإحصاء، وله عادات، فيخرق بعض عاداته للأحبّاء والأتقياء، ويُبدي لهم ما لا يُتصور ولا يُرى. ولولا ذلك لشَقِيَ طُلابُه، ونُكِّرَ جنابُه، ومات عُشّاقه في الحُجبِ والغشاءِ والعمَى. وواللهِ لولا خرق العادات لضاعت ثمرات العبادات، وماتت عبادُه تحت مكائد أهل المعاداة، ولصَار المنقطِعون خاسرين في الدنيا والأخرى، ولضاعت نفوسُهم مِنَ الهِجْران، وماتوا وما لهم عينان، وما كان أحد كمثلهم أَشقَى. وإنّ الله جَنّتهم وجُنّتهم، وإنهم تركوا له عيشهم وراحتهم، فكيف يترك الحِبُّ مَن كان له؟ بل يسعى فضله إلى من مشى. والخلق عُمْيٌ كلّهم لا يعرفون أولياءه، فيعرّفهم بآياتٍ يجلّيها كالضحى. ولو لا ترك العادات.. فما معنى الآيات؟ ألا تُفكّرون يَا وُلْدَ المسلمين وأمّةَ نبيِّنا المصطفى عليه سلامُ الله إلى يوم تَرى الناسَ فيه سُكارى ومَا هم بسُكارَى.
ثم جلس سيدنا يوسف بن المسيح قليلا ثم تابع الخطبة فقال : الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد يقول الإمام المهدي الحبيب : وإنّ إلهنا إِلَهٌ واحِدٌ قَديمٌ أزَليٌّ، وقد كفَر مَن شَكَّ وبالسوء تَظنَّى. ولكنه مع ذلك يتجدّد لأَصْفيائه، ويبرُز في حُلَلٍ جديدةٍ لأوليائه، كأنّه إله آخرُ لا يَعْرِفه أحَدٌ من الوَرَى، فيفعَلُ لهم أَفعالاً لا يُرى نظِيرُها في هذه الدنيا. ولا يخرق عادته إلا لِمَنْ خرَق عادته وتزكَّى، ولا ينـزلُ لأحدٍ إلا لِمن نزل من مركب الأمّارة ورَكِبَ الموتَ لابْتغاء الرضَى، وخرّ على حضرته وأحرق جذبات النفس ومحا. وإنّه يُبدِّل عاداته للمُبدِّلين، ويتجدّد للمتجددين، ويهَب وجودًا جديدا لمن فنَى. وهذا هو المطلوب لكل مؤمن.. ومن لم ير منه شيئا فما رأى. وإنه يتجلّى لِعبادهِ المنقطعين بقُدرةٍ نادرةٍ، ويقوم لهم بعنايةٍ مُبتكرة، فيُري لهم آياتٍ ما مَسَّها أحد وما دنا. وإذا أقبلوا عليه بتضرع وابتهال، سعى إليهم ونجّاهم من كلّ نكال ومِنْ كُلِّ مَن آذى. وإذا اسْتفتَحوا بجُهْدهم وإقبالهم على الحضرة، قُضِيَ الأَمْر لهم بخرق العادةِ، وخاب كلّ من آذاهم وما اتّقى. وكيف يستوي وليُّ الله وعدوّه.. ألا ترى؟ الذين طحِنتهم رحى المحبّة، ودارت عليهم لِحِبّهم أنواعُ دَورِ المصيبة، فهم لا يُهْلكون. ولا يجمع الله عليهم موتين.. موتٌ من يده وموتٌ من يد عدوّه.. لئلا يضحك الضاحكون، وكذلك مِن بَدْوِ خلقِ العالم قضى. إنْ يُهْلِكهم فهم عباده.. وإنْ ينصُرْهم فما العدوّ وعناده؟ وإنه كتب لهم العزّ والعُلَى. قوم أخفياء تحت ردائه، لا يعرفهم الخلق من دون إدرائهِ، واللهُ يعرفُ ويرى. فيقوم لهم كالشاهدين، ويُري لهم آياتٍ في الأرضين، ويهدي من يبتغي الهدى. ويتجالد لهم العدا، ويخلق لهم أسبابا لا يخلق لغيرهم، ويأمر ملائكه ليخدموهم بإِيصال خيرهم، فينصر عبده من حيث لا يُحْتسب ولا يُتظنّى.
أتلومني لترك الأسباب مع أنني أُمرتُ من رب الأرباب. فلا أعلم على ما تلومني.. ما لك تُبصر ثم تتعامى. وإني ما أمنع الناس من التطعيم، ولا ينفع تركه إلا إيّايَ ومن اتبعني بقلبٍ سليم، وعمِل عملا صالحًا لرضى الرب الرحيم، وانسلخ من نفسه كما تنسلخ الحيّة من جلدها، وبَعُدَ مِن كل إثم وأثيم، أولئك الذين حُفظوا من هذا اللظى. أنسيتَ عجائب أمره تعالى في خلقِ المسيح وحفظِ الكليم وخلقِ يَحْيى؟ أو تزعَمُ أن ربَّنا ليس بربٍّ كان في قـرونٍ أُولى؟ أتظنّ أنّ موسى عند عبوره من غير السفينة ألقى نفسه وقومه إلى التهلكة؟ ولا بد لك أَنْ تُؤمن بهذه الواقعة، وتقرّ بأنّ موسى ما ركب الفلك وما أوى إلى جَسْرٍ لرعاية الأسباب المعتادة العادية، وتَرَكَ محلّ الأَمَنة وترَك سُنَن اللهِ وعصَى. ففَكِّرْ أيها الذي سللتَ عليّ المُدى، أليس هذا محل الزراية كما أنت عليّ تتزرّى؟ أتعلم كم من سفائن جمَع موسى على البَحْر لرعاية الأسباب؟ فأَخْرِجْ لنا إن كنت قرأت في الكتاب، ولا تَهِمْ في وادي الهوى. ذلك ما عُلِّمْنا من كتاب الله، فلا أَعْلم إلى أَين تتمشَّى، ومِن أين تتلقَّى. ما نَجِدُ في صُحف الله بيانك وما نَرى.
أتعجب مِنْ آيات الله، وكان الله على كلِّ شيءٍ مُقْتدِرا؟ أَلا ترى أنّ نار الوباء مشتعلة، وموت الناس كالقلاص متتابعة، والطاعون في الاقتناص لا يغادر ذَكرًا ولا أُنْثَى؟ فلو كنتُ كذوبًا لأخذني رُعب العقوبة، وما اجترأتُ على مثل هذا عند هذه الطوائف المخدوبة والخليقة المشغوبة، ولو كنتُ متقوّلا ومزوّرا لإراءة الكرامة، ما كانت لي جرأة أن أتفوّه بكلمة عند قيام هذه القيامة. وإنّ غضب الله شديد ترتعد منه فرائص المَلأ الأَعْلَى، وما كان لكاذب أَن يَفْتَري على حضرةِ الكِبرياء، في وقتٍ تُرْمَى النّار مِنَ السَّماءِ، ويُقْعَص الناس على المَثْوى، ويُمسي إنسانٌ حيًّا ويصبحُ فإذا هو من الموتى. أَعند هذا القعاص يُفتي العقل أَنْ يقوم أحد كالخَرّاص، ويفتري على قديرٍ يعلم ويرى؟ أليس العذاب قام أمام الأعين وشاع في القُرَى؟ ودُعِيَ الناس من كل قوم لهذا القِرَى؟
وإنِّي بُشِّرتُ في هذه الأَيّام مِن ربّي الوهّاب، فآمنتُ بوعده ورَضِيت بترك الأسباب، وما كان لي أَن أَعصِيَ ربي أو أشكّ فيما أَوحى. ولا أبالي قول الأعداءِ، فإن الأرض لا تفعل شيئًا إلا ما فُعِلَ في السماءِ. وإنّ معي ربي فما كان لي أن أفكر فكرا، وإنّه بشّرني وقال: "لا أُبقي لك في المخزِيات ذكرًا"، وقال: "يعصِمك الله من عنده". وهو الولي الرحمـن، وإنْ يُعْزَ حُسنٌ إلى سوادٍ فيتراءى الحُسنانِ. هذا ربّنا المُستعَان، فكيف نخاف بعده أهل العدوان؟ فلا تُعيّرني على ترك التطعيم، وإنَّ رَبّي بكلّ خَلقٍ عليمٌ.
ألا تعلم ما جرى على أُمّ موسى إِذْ أَلْقت طفلها في البحر وقلبها تتشظّى، وآمنتْ بوعد ربها وما وهَنتْ كمَنْ تظنّى؟ أتعلم بأيّ دواءٍ كان عيسى يبرئ الأكمه والمبروص؟ فتصفَّحِ الفرقان والصحيحَينِ وأَرِنا النصوص، أو أَخْرِجْ لنا كتابًا آخر مِنْ كتُبٍ أُولى. أتكفيكَ هذه الشواهد أو نأتيك بأمثالٍ أُخرى؟ فَإِنْ فكّرتَ فيما تلوتُ عليك من الأمثال ذكرا، فستعلم أنّك قد بلَغت منّي عُذْرا، هذا.. وسأكشفُ علَيْكَ أمرًا لم تستطِعْ عليه صبرا.
وأقم الصلاة.
ثم قام بلال اليوسفيين بإقامة الصلاة وصلى نبي الله الجمعة ركعتين وقرء في الركعة الأولى سورة الفاتحة وسورة العاديات .
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ * إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ * ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰ⁠طَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ * صِرَ ٰ⁠طَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ .
(بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ وَٱلۡعَـٰدِیَـٰتِ ضَبۡحࣰا ۝ فَٱلۡمُورِیَـٰتِ قَدۡحࣰا ۝ فَٱلۡمُغِیرَ ٰ⁠تِ صُبۡحࣰا ۝ فَأَثَرۡنَ بِهِۦ نَقۡعࣰا ۝ فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا ۝ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودࣱ ۝ وَإِنَّهُۥ عَلَىٰ ذَ ٰ⁠لِكَ لَشَهِیدࣱ ۝ وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَیۡرِ لَشَدِیدٌ ۝ ۞ أَفَلَا یَعۡلَمُ إِذَا بُعۡثِرَ مَا فِی ٱلۡقُبُورِ)
وقرء في الركعة الثانية سورة الفاتحة وسورة الماعون .
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ * إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ * ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰ⁠طَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ * صِرَ ٰ⁠طَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ .
(بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ أَرَءَیۡتَ ٱلَّذِی یُكَذِّبُ بِٱلدِّینِ ۝ فَذَ ٰ⁠لِكَ ٱلَّذِی یَدُعُّ ٱلۡیَتِیمَ ۝ وَلَا یَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِینِ ۝ فَوَیۡلࣱ لِّلۡمُصَلِّینَ ۝ ٱلَّذِینَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ ۝ ٱلَّذِینَ هُمۡ یُرَاۤءُونَ ۝ وَیَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ)
ثم جمعَ صلاة العصر .
والحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق