يوشع بن نون :
صلاة الجمعة ٢٠٢١/١٠/٢٩
○○○○○○○○○
صلاة الجمعة لخليفة المسيح الموعود السادس سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام بتاريخ ٢٠٢٠١/١٠/٢٩
يقول سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته . أذان .
قام بلال اليوسفيين برفع الأذان :
الله اكبر الله اكبر
الله اكبر الله اكبر
اشهد ان لا اله الا الله
اشهد ان لا اله الا الله
اشهد ان محمدا رسول الله
اشهد ان محمدا رسول الله
حى على الصلاة
حى على الصلاة
حى على الفلاح
حى على الفلاح
الله اكبر الله اكبر
لا اله الا الله
ثم قام سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام خطيبا فقال : الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد ومن تبعه من انبياء عهده وبعد ; لدينا اليوم إكمال لحديث المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام من كتاب التبليغ يقول الامام المهدي الحبيب : والآن أيها الأعزة.. أبيّن لكم بعض حلمي ومكاشفاتي، رأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما رأيته في مستطرَف الأيام، فجعلني كالعِرْدام، وأعدّني للاصْلِخْمام، لأحارب الفراعنة والظالمين. لأحارب الفراعنة والظالمين.
أيها السادة.. إني رأيته مرات، بعد ما وجدت منه بركات وثمرات، فالآن أبيّن بعضها لكم لعلكم تتفكرون في أمري، ولعلكم تنظرون إليّ بعين المبصرين. فإن القوم فرّوا مني كثور الوحش، وتركوا شِطاط الإنسانية وحِزامتها، وكانوا كجذوة ملتهبة، وقاموا بفَديدٍ سَبُعِيٍّ وطبعٍ قِذَمٍّ كوَجينٍ. وأرَوني سُهوكةَ ريّاهم، وسهومةَ محيّاهم، واتفقوا على إيذائي وازدرائي ببغي وطغيان، وسابقوا في الافتراء كفرسَي رهان، لكي لا يكونوا في إخوانهم من المقرَعين. فلما رأيت أرضهم قَفْرًا، وسماءهم مصحِية، فلما رأيت أرضهم قَفْرًا، وسماءهم مصحِية، أعرضت وجئت حضرتكم بمائي المَعين.
أيها الأعزة والسادة.. جئناكم راغبين في خيركم بهدية فيها لبن أثداء الأمهات الروحانية، فتعالوا لشربه وأتوني ممتثلين. والآن أبين الرؤيا إراحةً للسامعين.
أيها الكرام.. رأيت في المنام كأني في حلقة ملتحمة، ورفقة مزدحمة، وأبـين بعض المعارف بجأش متين، ولسان مبين للحاضرين. ورأيت أن المكان رَبع لطيف نظيف، ينفي التَّرَحَ رؤيتُه، ويسرّ الناظرين هيئته، وكنت أخال أنه مكاني، فحبذا هو من مكان، رأيت فيه سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. ورأيت عندي رجلا من العلماء.. لا بل من السفهاء.. جاثيا على ركبته، ينكر علي لغباوته، ويكلب علي اللجاج لشقاوته، ورأيته كالحاسدين.
فاشتد غضبي وقلتُ: تعسًا لهؤلاء العلماء.. إنهم من أعداء الدين. فقلت: هل من امرئ يخرجه من هذا المقام، كإخراج الأشرار واللئام، ويطهر المكان من هذا القرين الضنين؟ فقام رجل من خدامي، وهَمّ بإخراجه من أمام عيني ومقامي، ليؤمنني من ذلك الطنّين. فرأيت أنه أخذه وجعل يدفعه ويذُبّه ويذأَطه من المكان، ولـه رطيط وكرب وفزع مع الاردمان، حتى أُخرج فأصبح من الغائبين.
فرفعت نظري فإذا حِذَتَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم، وكأنه كان يرى كل ما وقع بيننا مواريا عيانَه. فأخذني هيبة من رؤيته، ونهضت أستقري مكانا يناسب شأنه، وقمتُ كالخادمين. فإذا دنوت منه صلى الله عليه وسلم ونظرت إلى وجهه، فإذا وجهٌ قد رأيته من قبل.. ما رأيت وجهًا أحسن منه في الدنيا، فهو خاتم الحسينين والجميلين، كما أنه خاتم النبيين والمرسلين. ورأيت في يده كتابًا فإذا هو كتابي "المرآة"، الذي صنّفته بعد "البراهين". وكان قد وضع إصبعًا على محل فيه مدحُه، وإصبعًا على محل فيه مدح أصحابه، وقد قيّد لَحْظَه بهما وهو يتبسم ويقول: هذا لي، وهذا لأصحابي، وكان ينظر إليه كالقارئين. ثم انحدرت طبيعتي إلى الإلهام، فأشار الرب الكريم إلى مقام من مقامات "المـرآة"، وقال: "هذا الثناء لي". ثم استيقظت، فالحمد لله رب العالمين. ((( طبعا الكتاب اسمه كتاب " مرآة كمالات الاسلام " تمام. هذا هو الكتاب المقصود في الرؤيا الذي اعجب النبي صلى الله عليه وسلم، والذي اعجب الله سبحانه وتعالى وفي الرؤيا ان خادم من خدام المسيح الموعود يشد علي المشايخ الكافرين، ويعرفهم قدرهم . فهكذا ينبغي ان يكون اتباع المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، مستعلين على المشايخ اللئام، مبينين كفرهم ولئمهم وضلالهم ونفاقهم فهذا هو المنهج الحق، وارى انني هو ذا الخادم، الذي يذئط اولئك المشايخ ويعرفهم قدرهم ))) يقول الامام المهدي الحبيب : ورأيت في منام آخر كأني صرت عليًا ابن أبي طالب رضي الله عليه وسلم ، والناس يتنازعونني في خلافتي، وكنت فيهم كالذي يُضام ويُمتهَن ويغشاه أدران الظنون وهو من المبرّئين. فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلي.. وكنت أخال نفسي أنني منه بمنـزلة الأبناء وهو من آبائي المكرمين. فقال وهو متحنن: "يا علي..دَعْهم وأنصارهم وزراعتهم". فعلمت في نفسي أنه يوصيني بصرف الوجه من العلماء وترك تذكرهم والإعراض عنهم وقطع الطمع والحنين من إصلاح هؤلاء المفسدين. فإنهم لا يقبلون الإصلاح، فصرف الوقت في نصحهم في حكم إضاعة الوقت، وطمعُ قبول الحق منهم كطمع العطاء من الضنين. ورأيت أنه يحبّني ويصدّقني، ويرحم عليّ، ويشير إلي أن عُكّازته معي وهو من الناصرين. ((( وهذه رؤيا عظيمة جدا تدل ان سر النبي صلى الله عليه وسلم وقوته مع الامام المهدي الحبيب ويشير الى ان عكازته اي عكازة النبي صلى الله عليه وسلم معي اي مع الامام المهدي وهو من الناصرين. كذلك تلقيت المكالمة التالية : ( ابو تراب عملو معاه كدا برضو يا ريّس ) هكذا هو ايه ؟ سلوك المجرمين مع المبعوثين انهم يحسدونهم وينازعونهم مقامهم، كما نازع السفهاء خلافة عليّ رضي الله عنه ))).
يقول الامام المهدي الحبيب : ورأيتني في المنام عين الله، ورأيتني في المنام عين الله، وتيقنت أنني هو، ولم يبق لي إرادة ولا خطرة ولا عمل من جهة نفسي، وصِرت كإناء منثلم بل كشيء تأبَّطَه شيءٌ آخر وأخفاه في نفسه حتى ما بقي منه أثر ولا رائحة وصار كالمفقودين. وأعني بعين الله رجوع الظل إلى أصله وغيبوبته فيه، كما يجري مثل هذه الحالات في بعض الأوقات على المحبين. كما يجري مثل هذه الحالات في بعض الأوقات على المحبين.
وتفصيل ذلك أن الله إذا أراد شيئًا من نظام الخير جعلني من تجلياته الذاتية بمنـزلة مشيّته وعلمه وجوارحه وتوحيده وتفريده، لإتمام مراده وتكميل مواعيده، كما جرت عادته بالأبدال والأقطاب والصديقين. فرأيت أن روحه أحاط علي واستوى على جسمي، ولفّني في ضمن وجوده حتى ما بقي مني ذرة وكنت من الغائبين. ونظرتُ إلى جسدي فإذا جوارحي جوارحه، وعيني عينه، وأذني أذنه، ولساني لسانه. أخذني ربي واستوفاني وأكد الاستيفاء حتى كنت من الفانين. ووجدت قدرته وقوته تفور في نفسي، وألوهيته تتموج في روحي، وضُرِبت حول قلبي سرادقات الحضرة، ودقق نفسي سلطانُ الجبروت، فما بقيتُ وما بقي إرادتي ولا مُناي، وانهدمت عمارة نفسي كلها، وتراءت عمارات رب العالمين. وانمحت أطلال وجودي، وعفت بقايا أنانيتي، وما بقيت ذرة من هويتي، والألوهية غلبت عليّ غلبة شديدةً تامةً، وجُذِبتُ إليها من شعر رأسي إلى أظفار أرجلي، فكنت لُـبًّا بلا قشور، ودُهنًا بغير ثُفْل وبذور، وبُوعِدَ بيني وبين نفسي، فكنت كشيء لا يُرى، أو كقطرة رجعت إلى البحر، فستره البحر بردائه وكان تحت أمواج اليم كالمستورين.
فكنت في هذه الحالة لا أدري ما كنتُ من قبل وما كان وجودي، وكانت الألوهية نفذت في عروقي وأوتاري وأجزاء أعصابي، ورأيت وجودي كالمنهوبين. وكان الله استخدم جميع جوارحي، وملَكها بقوة لا يمكن زيادة عليها، فكنت من أخذه وتناولـه كأني لم أكن من الكائنين. وكنت أتيقن أن جوارحي ليست جوارحي، بل جوارح الله تعالى، وكنت أتخيل أني انعدمت بكل وجودي، وانسخلت من كل هويتي، والآن لا منازع ولا شريك ولا قابض يزاحم. دخل ربي على وجودي، وكان كل غضبي وحلمي، وحلوي ومرّي، وحركتي وسكوني لـه ومنه، وصرت من نفسي كالخالين.
وبينما أنا في هذه الحالة كنت أقول: إنا نريد نظامًا جديدًا.. سماءً جديدة وأرضًا جديدة. فخلقتُ السماوات والأرض أولا بصورة إجمالية لا تفريق فيها ولا ترتيب، ثم فرقتها ورتّبتها بوضع هو مراد الحق، وكنت أجد نفسي على خلقها كالقادرين. ثم خلقت السماء الدنيا وقلت: إنا زَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح. ثم قلت: الآن نخلق الإنسان من سلالة من طين.
ثم انحدرتُ من الكشف إلى الإلهام فجرى على لساني: "أردتُ أن أستخلف فخلَقتُ آدم، إنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، وكنا كذلك خالقين".
وألقي في قلبي أن الله إذا أراد أن يخلق آدم فيخلق السماوات والأرض في ستة أيام ويخلق كل ما لا بد منه في السماء والأرضين. ثم في آخر اليوم السادس يخلق آدم، وكذلك جرت عادته في الأولين والآخرين.
وألقي في قلبي أن هذا الخلق الذي رأيته إشارة إلى تأييدات سماوية وأرضية، وجعلِ الأسباب موافقة للمطلوب، وخلـقِ كل فطرة مناسبة مستعدةً للحوق بالصالحين الطيبين. وألقي في بالي أن الله ينادي كل فطرة صالحة من السماء ويقول: كوني على عُدّة لنصرة عبدي وارحلوا إليه مسارعين. ورأيت ذلك في ربيع الثاني سنة 1309ﻫ. فتبارك الله أصدق الموحين.
ولا نعني بهذه الواقعة كما يعنى في كتب أصحاب وحدة الوجود، وما نعني بذلك ما هو مذهب الحلوليين، بل هذه الواقعة توافق حديث النبي صلى الله عليه وسلم، أعني بذلك حديث البخاري في بيان مرتبة قرب النوافل لعباد الله الصالحين.
((( واقول أن هذه الرؤيا تبين مقدار وقدر العبد الرباني الذي اذا كان خالصا مخلصا متقربا لله عزوجل كان هو يده التي يبطش بها، وهو قدمه التي يمشي بها، وهو عينه التي يبصر بها، وهو اذنه التي يسمع بها، فيكون في الله ويكون الله فيه، وهكذا رأيت في الرؤيا انا رأيت في الرؤيا انني في الله وان الله فيّ، فهذا الرؤى على سبيل الاستعارات والمجاز ليبين الله سبحانه وتعالى انه في إراده عبده وأن عبده في إرادته فيكون له من الناصرين .))) يقول الامام المهدي الحبيب :
أيها الأعزة.. الآن أقص عليكم من بعض واقعات غيبية أظهرني ربي عليها ليجعلها آيات للطالبين. فمنها أن الله رأى أبناء عمي، وغيرهم من شعوب أبي وأمي، المغمورين في المهلكات، والمستغرقين في السيئات، من الرسوم القبيحة والعقائد الباطلة والبدعات، ورآهم منقادين لجذبات النفس واستيفاء الشهوات، والمنكرين لوجود الله ومن المفسدين. ووجدهم أجهلَ خَلْقِه بما يهذّب نفوسهم، وأَلَدَّهم للدنيا الدنية، وأذهلَهم عن ذكر الآخرة، وأغفلَهم عن جلال الله وسطوته وقهره وجوده وأمور العاقبة، والعاكفين على طواغيت الرسوم، الغافلين عن عظمة الله القيوم، ((( العاكفين على طواغيت الرسوم يعني أن ايه ؟ يهمهم فقط المظاهر والرياء وماذا قال الناس عنا، وماذا سيقولون عنا، فيما فعلنا وفي ما سنفعل، وفيما نفعل فكل همهم الرياء وقول الناس فتلك هي طواغيت الرسوم ))) يقول الامام المهدي الحبيب : والعاكفين على طواغيت الرسوم، الغافلين عن عظمة الله القيوم، والمنكرين للنبي المعصوم، ومن المكذبين. ورأى أنهم يأمرون بالمنكر والشرور، وينهون عن المعروف والخبر المأثور، ويطيلون الألسنة بتوهين رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستخفاف به، وصاروا للإلحاد والارتداد من المتشمرين. ورأى أنهم يسعون تحت الآثام إلى الآثام، ولا يخافون غضب الله الملك العلام، ولا يتوبون من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانوا عليه من المداومين. وكانوا لا يحفظون فروجهم، ولا يتركون دَوْرَقَهم ودُروجهم، وكانوا على هجو الإسلام من المصرين. وكانوا يغضبون غضب السباع مع ظلمة المعاصي والظلم والإيقاع، كأنهم سحاب ركام فيه شغب الرعد والبرق والصاعقة، ولا يخرج قطرة وَدَقٍ من خلاله، فنعوذ بالله من شر المعتدين.
ثم جلس سيدنا يوسف بن المسيح قليلا ثم تابع الخطبة فقال : الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد ; يقول الامام المهدي الحبيب : وبينما هم كذلك إذ اصطفاني ربي لتجديد دينه، وإظهار عظمة نبـيه ونشر رَيّا ياسمينه صلى الله عليه وسلم، وأمرني لدعوة الخلق إلى دين الإسلام، وملة خير الأنام، ورزقني من الإلهامات والمكالمات والمخاطبات والمكاشفات رزقًا حسنًا، وجعلني من المحدَّثين. فبلغ هذا الخبر وهذه الدعوة وهذا الدعوى أبناءَ عمي وكانوا أشد كفرًا بالله ورسوله ومنكرين لقضاء الله وقدره ومن الدهريين. فاشتعل غضبهم حسدًا من عند أنفسهم، فطغوا وبغوا، واستدعوا الآيات استهزاءً، وقالوا لا نعلم إلـهًا يكلم أحدًا، أو يقدر أمرًا، أو يوحي إلى رجل وينبئ من شيء، إن هو إلا مكر مستمر قد انتاب من الأولين. وكله كيدٌ وخَتْرٌ وذَلاقةُ لُسْنٍ، فليأتنا بآية إن كان من الصادقين. وكانوا يستهزئون بالله ورسوله ويقولون - قاتلهم الله - إن القرآن من مفتريات محمد (صلى الله عليه وسلم) وكانوا من المرتدين. وكان القوم كله معهم، ولا يمنعونهم من هذه الكلمات ولا يراجعون، فكانوا يزيدون يومًا فيومًا في كفرهم وطغيانهم، ولم يكونوا من المزدجرين.
فاتفق ذات ليلة أني كنت جالسًا في بيتي، إذ جاءني رجل باكيًا، ففزعت من بكائه فقلت: أجاءك نعي موت؟ قال: بل أعظم منه. إني كنت جالسًا عند هؤلاء الذين ارتدوا عن دين الله، فسبّ أحدهم رسولَ الله رسول الله صلى الله عليه وسلم سبًّا شديدًا غليظًا ما سمعت قبله من فم كافر، ورأيتهم أنهم يجعلون القرآن تحت أقدامهم، ويتكلمون بكلمات يرتعد اللسان من نقلها، ويقولون إن وجود البارئ ليس بشيء، وما من إله في العالم، إن هو إلا كذب المفترين. قلـتُ: أوَ لم حذّرتك من مجالستهم.. فاتق الله ولا تقعد معهم وكن من التائبين.
وكذلك سدَروا في غَلَواتهم، وجمحوا في جهلاتهم، وسدَلوا ثوب الخيلاء يومًا فيومًا حتى بدا لهم أن يشيعوا خزعبلاتهم، ويصطادوا السفهاء بتلبيساتهم، فكتبوا كتابًا كان فيه سبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبّ كلام الله تعالى، وإنكار وجود البارئ عز اسمه، ومع ذلك طلبوا فيه آيات صدقي مني وآيات وجود الله تعالى، وأرسلوا كتابهم في الآفاق والأقطار، وأعانوا بها كفرة الهند، وعتَوا عُتُوًّا كبيرًا، ما سمع مثله في الفراعنة الأولين.
فلما بلغني كتابهم الذي كان قد صنفه كبيرهم في الخبث والعمر، ورأيتُ فيه سبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سبّا ينشق منه قلب المؤمنين، وتتقطع أكباد المسلمين، ورأيتُ فيه كلمات الأراذل والسفهاء، وتوهين الشريعة الغراء، وهجو كلام الله الكريم، فغضبت أسفا، ونظرت فإذا الكلماتُ كلمات تكاد السماوات يتفطرن منها. فتحدرت عبرات من مَذارف مآقي، وتصعدت زفراتي إلى التراقي، وغلب علي بكاء وأنين. فغلّقت الأبواب، ودعوت الرب الوهاب، وطرحت بين يديه، وخررت أمامه ساجدًا، وقرِمتُ إلى نُصرته متضرعًا، وفعلتُ ما فعلتُ بلساني وجناني وعيناي ما لا يعلمها إلا رب العالمين. وقلتُ: يا رب.. يا رب انصر عبدك واخذل أعداءك. استجبني يا رب استجبني. إلامَ يُستهزأ بك وبرسولك؟ وحتّامَ يكذّبون كتابك ويسبّون نبيك؟ برحمتك أستغيث يا حي يا قيوم يا معين.
فرحم ربي على تضرعاتي وزفراتي وعبراتي، وناداني وقال: إني رأيت عصيانهم وطغيانهم، فسوف أضربهم بأنواع الآفات، أُبيدهم من تحت السماوات، وستنظر ما أفعل بهم، وكنا على كل شيء قادرين. إني أجعل نساءهم أرامل، وأبناءهم يتامى، وبيوتهم خرِبةً، ليذوقوا طعم ما قالوا وما كسبوا، ولكن لا أهلكهم دفعة واحدة، بل قليلا قليلا لعلهم يرجعون، ويكونون من التوابين. إن لعنتي نازلة عليهم وعلى جدران بيوتهم وعلى صغيرهم وكبيرهم ونسائهم ورجالهم ونزيلهم الذي دخل أبوابهم، وكلهم كانوا ملعونين. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وقطعوا تعلقهم منهم، وبعُدوا من مجالسهم، فأولئك من المرحومين.
هذه خلاصة ما ألهمني ربي، فبلّغت رسالات ربي، فما خافوا وما صدقوا، بل زادوا طغيانًا وكفرًا، وظلّوا يستهزئون كأعداء الدين. فخاطبني ربي وقال: إنا سنريهم آيات مُبكية، وننـزل عليهم همومًا عجيبة، وأمراضًا غريبة، ونجعل لهم معيشة ضنكًا، ونصبّ عليهم مصائب فلا يكون لهم أحد من الناصرين.
فكذلك فعل الله تعالى بهم وأنقض ظهورهم بأثقال الهموم والديون والحاجات، وأنزل عليهم من أنواع البلايا والآفات، وفتح عليهم أبواب الموت والوفاة، لعلهم يرجعون أو يكونون من المتنبهين. ولكن قست قلوبهم، فما فهموا وما تنبهوا وما كانوا من الخائفين.
ولما قرب وقت ظهور الآية اتفق في تلك الأيام أن واحدًا من أعزّ أعزّتهم الذي كان اسمه "أحمد بيـﮓ"، أراد أن يملك أرض أخته التي كان بعلها مفقود الخبر من سنين، وكان هو ابن عمي، وكانت الأرض من ملكه، فمال أحمد بيـﮓ أن يخلص الأرض من أيدي أخته ويستخلصها، وأن يستخرجها من قبضتها ثم يقتنصها، وأرادت هي أن تهبها وتمنّ على أخيها. وكنا لها ورثاء جميعًا على سواء، فرضي أبناء عمي لوجه بهذا، بما كانت أختهم تحته وبما كانوا لـه أقربين. كذلك. نعم، قد كان لي حق غالبًا عليهم، ولأجل ذلك ما كان لهم أن يهبوا الأرض قبل أن أرضى وأكون من الرّاضين.
فجاءت امرأة أحمد بيـﮓ تطرح بين يدي لأترك حقي، وأرضى بهذه الهبة، ولا أكون من المنازعين. فكدتُ أرحم عليها وأهب الأرض لها تأليفًا لقلوبهم لعلهم يتوبون ويكونون من المهتدين. ثم خشيت شر الاستعجال، في مال الغائب الذي هو مفقود الخبر والحال، فخوّفني تَبِعةُ أثماره وما فيه من الوبال. فاستحسنتُ استفتاء العليم الحكيم، وترقُّب إعلام الرب الرحيم، لأكون بَرِيًّا من غصب حق غائب، ولا أكون من ضيمي كقائبٍ، وأخرج من الذين يظلمون شركاءهم ويتركونهم كخائب، وكانوا في حقوقهم راغبين، ولا يخافون أن يأخذوهم مفاجئين. فارتدعت عن الهبة ارتداع المرتاب، وطويت ذكره كطيِّ السجلّ للكتاب، وكنت لحكم الله من المنتظرين.
وكنت أظن أن هذا يوشك أن يكون، وما كدت أن أظن أنها قضية قد أراد الله بها ابتلاء قوم كانوا من المعتدين، الذين غلبت عليهم المجون والخلاعة والإباحة والدهرية، والتحقوا بالكفار بل كانوا أشد كفرًا منهم وكانوا قومًا فاسقين. فقلت لامرأة أحمد بيـﮓ: ما كنت قاطعًا أمرا حتى أؤامر الله تعالى فيه، فارجعي إلى خِدْرك، وبلّغي ما سمعت أبا عُذْرك، وستجدينني - إن شاء الله - من المخلصين.
فذهبت، وأتى بعلها يسعى، فألح عليّ كالمضطرين، وكان يخبِط كخبط المصابين، حتى أبكاه كُرْبتُه، وذوَتْ سكينته، وفاءَ إلى التضرع والاقشعرار، وكان أحشاؤه قد التهبت بطَوَى العَقار، وكان يتنفس كالمخنوقين. ووجدته بوَجْدِه المتهالك كأنّ الهم سيجدِله، والغم يُفيح دمه، ويصول عليه الحزن كمغتالين. فلما رأيت صَغْوَه وحزنه قد بلغ مراتب كماله، أخذني التحنن على حاله، وأشفقت على عينه ومبكاها، وقصدتُ أن أُريه يد النصرة وجدواها وعدواها، فأسرعت إلى تسليته كالمواسين. فقلت لـه: والله ما زاغ قلبي وما مال، وما أنا من الذين يحبون المال، بل من الذين يتذكرون المآل والآجال، ولستُ شحيحًا على النعم كالذين هم كالنَّعم، وإنني أرحم عليك وسأُحسن إليك، وأعلم أن أنفَسَ القربات تنفيس الكربات، وأمتَنَ أسباب النجاة مواساة ذوي الحاجات، وكنت لنصرتك من المتأهبين. ولكن أيم الله، لقد عاهدت الله على أنني لا أميل إلى أمرٍ فيه شبهة، ولا أضع قدمًا في موضع فيه زلـة، ولا أتلو المتشابهاتِ حتى أؤامر ربّي فيها، فالآن أفعل كذلك وأرجو من الله خيرًا، فلا تكوننّ من القانطين. وإني أرى أن المؤامرة أقرب للتقوى، لأن الوارث مفقود، وما نتيقن أنه مات أو هو حي موجود، فلا يجوز أن يستعجل في ماله كمال الميتين. فالأولى أن تقصُر عن القيل والقال، حتى أؤامر ربي عالم الغيب ذا الجلال، وأستقري سبل اليقين. قال: ما مني خلاف، فلا يكن لوعدك إخلاف. قلت: كل وعدي مشروط بأمر رب العالمين. فذهب وكان مِن وجده الذي تيّمه كالمعتلّين.
((( نكمل إن شاء الله القصة الصلاة القادمة بأمر الله تعالى . )))
وأقم الصلاة.
ثم قام بلال اليوسفيين بإقامة الصلاة وصلى نبي الله الجمعة ركعتين وقرء في الركعة الأولى سورة الفاتحة ومن سورة الفرقان .
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ * إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ * ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ * صِرَ ٰطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ .
(أَرَءَیۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَیۡهِ وَكِیلًا أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ یَسۡمَعُونَ أَوۡ یَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَـٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِیلًا أَلَمۡ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَیۡفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوۡ شَاۤءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنࣰا ثُمَّ جَعَلۡنَا ٱلشَّمۡسَ عَلَیۡهِ دَلِیلࣰا ثُمَّ قَبَضۡنَـٰهُ إِلَیۡنَا قَبۡضࣰا یَسِیرࣰا وَهُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّیۡلَ لِبَاسࣰا وَٱلنَّوۡمَ سُبَاتࣰا وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُورࣰا وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ طَهُورࣰا لِّنُحۡـِۧیَ بِهِۦ بَلۡدَةࣰ مَّیۡتࣰا وَنُسۡقِیَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَاۤ أَنۡعَـٰمࣰا وَأَنَاسِیَّ كَثِیرࣰا وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَـٰهُ بَیۡنَهُمۡ لِیَذَّكَّرُوا۟ فَأَبَىٰۤ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورࣰا وَلَوۡ شِئۡنَا لَبَعَثۡنَا فِی كُلِّ قَرۡیَةࣲ نَّذِیرࣰا فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ وَجَـٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادࣰا كَبِیرࣰا )
وقرء في الركعة الثانية سورة الفاتحة وسورة العصر .
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ * إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ * ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ * صِرَ ٰطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ .
(بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ وَٱلۡعَصۡرِ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِی خُسۡرٍ إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلصَّبۡرِ)
=============
ثم جمعَ صلاة العصر .
والحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق