درس القرآن و تفسير الفاتحة .
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
أسماء أمة البر الحسيب :
افتتح سيدي و حبيبي يوسف بن المسيح ﷺ هذه الجلسة المباركة ، و ثم قرأ أحد أبناءه الكرام من أحكام التلاوة ، و ثم قام نبي الله الحبيب بقراءة سورة الفاتحة ، و استمع لأسئلتنا بهذه السورة ، و ثم شرح لنا يوسف الثاني ﷺ هذه السورة المباركة .
بدأ نبي الله جلسة التلاوة المباركة بقوله :
الحمد لله ، الحمد لله وحده ، الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد ، لدينا اليوم سورة الفاتحة ، و نبدأ بأحكام التلاوة و أرسلان :
المدود الخاصة و تمد بمقدار حركتين ، و هي :
- مد لين مثل بيت ، خوف .
- مد عوض مثل أبدا ، أحدا
- مد بدل مثل آدم ، آزر .
- مد الفرق مثل آلله ، آلذكرين .
__
و ثم تابع نبي الله يوسف الثاني ﷺ الجلسة بشرح الوجه لنا فقال :
طيب ، إحنا/نحن انهاردة/اليوم عاوزين/نريد نقول إن احنا الحمد لله كنا فسرنا الفاتحة( سورة الفاتحة ) إلى الناس( سورة الناس ) ، الحمد لله تعالى و لكن الجزء بتاع الفاتحة و الجزء الأول من البقرة لم يتم تسجيله لا أوديو و لا فديو ، و من الجزء التاني من البقرة تم التسجيل فديو ، فديوهات لغاية نص/نصف المائدة كده ، الوجه التلتاشر/الثالث عشر ، و من أول الوجه الأربعتاشر/الرابع عشر ابتدينا/بدأنا نكتب و ابتدينا/بدانا نكتب بشكل أوفيشيالofficial يعني إيه؟ رسمي كده و بديباجة من أول إيه؟ سورة الأنعام ، يعني بشكل عام إحنا/نحن الحمد لله أتممنا تفسير القرآن و لكن هنعيد تاني عشان/حتى نسجل ، نسجل أوديو تفسيرات آيات القرآن الكريم لغاية إكتمال المائدة ، لغاية مانكمل/لنُكمل المائدة(سورة المائدة ) كاملةً بفضل الله عز و جل ، من الفاتحة إلى المائدة ، و يبقى كده تم التسجيل كله أوديو ، تمام ، و إيه؟ كتابةً يعني ، طبعاً هنتكلم عن سورة الفاتحة العظيمة دي/هذه كلام عام و هو عبارة عن تعليقات على تفسير الإمام المهدي الحبيب في كتاب (إعجاز المسيح) اللي/الذي هو كتبه عام ١٩٠٠ تقريباً ، و كان سبقه كتاب قبله مثلاً/تقريبا بسبع سنين ، كتاب إسمه (كرامات الصادقين) ، الكتاب ده/هذا كان جزء منه فيه تفسير الفاتحة ، يبقى كان التفسير الأشمل و الأعم للفاتحة من لدن الإمام المهدي الحبيب هو كتاب (إعجاز المسيح) ، فبالتالي هو ده/هذا اللي/الذي احنا/نحن نتبناه أثناء التفسير و هننقل النص بتاعه كامل في المدونة إن شاء الله مع التعليقات اللي/التي أنا قلتها عليه في صلوات الجُمعات اللي/التي كتبها مين/من؟ حازم ، تمام؟ و أنا طلبت منه إن هو يجمع نص و متن كتاب (إعجاز المسيح) من صلاة الجمعات ، طبعاً معاه/معه إيه؟؟؟ التعليقات بتاعتي/الخاصة بي ، طبعاً هو بيحط/بيضع التعليقات بتاعتي بين ٣ أقواس أو قوسين ، تمام؟ ، و إحنا هنقول برضو/أيضاً التعليقات دلوقتي/الآن مختصرة عامة على كتاب (إعجاز المسيح) و المرجع العام طبعاً هيكون لكلام الإمام المهدي الحبيب ، خلاص؟ ، و احنا زي/مثل ما عرفنا من قراءتنا لفهرس كتاب (الخزائن الحبيبة) إن الإمام المهدي الحبيب فسر آيات ، تمام؟ و فسر الفاتحة ، تمام كده؟ ، طبعاً الفديوهات اللي/التي احنا سجلناها من الجزء التاني من البقرة لغاية نص/نصف المائدة كده ، كتبها مين/من؟؟ جميلة و حازم و آسيا ، كتبوها ، يعني كده يُعتبر تفسير القرآن تقريباً مكتوب ماعدا الفاتحة و الجزء الأول من البقرة ، دي/هذه اللي هنعيدها تاني و نقولها أوديو ، بصوت يعني ، خلاص؟؟ .
بسم الله ، طبعاً إحنا دلوقتي بصدد إيه؟ بصدد الرعود السبعة ، في صدد إيه بقى؟؟ زبدة القرآن و خلاصة العرفان الإلهي ، في سورة الفاتحة ، الفاتحة دي/هذه شأنها عظيم جداً ، الفاتحة دي في حد ذاتها هي أُمة كاملة ، الفاتحة هي أساس أُمة الإسلام و هي أساس الصلوات و الفريضة ، الفاتحة دي شرف عظيم لأُمة الإسلام ، و الفاتحة دي مفخرة و هي دُرة التاج الإسلامي ، هي الحجر الثمين و النادر في التاج الإسلامي ، الفاتحة ، لذلك الإمام المهدي الحبيب لأنه إستشعر عظمة الفاتحة عَمَل لها كتاب مخصوص بل كتابين ، كتاب (إعجاز المسيح) سنة ١٩٠٠ ميلادي ، و قبله سبقه سنة ١٨٩٣ كتاب (كرامات الصادقين) ، كان جزء من كتاب (كرامات الصادقين) كده ، إيه؟ هو تفسير الفاتحة .
طيب ، الفاتحة دي/هذه بقى لها أسماء كتير زي/مثل ما المسيح الموعود الحبيب قال ، تمام؟ ، قال إيه الحبيب؟؟ الإمام المهدي الحبيب ، قال من ضمن أسماء الفاتحة : فاتحة الكتاب أي فاتحة القرآن الكريم ، و هي فاتحة الكون ، الكون الروحي يعني ، فاتحة الحياة الروحية على الأرض ، و هي الرعود السبعة ، أحد الأنبياء ، تقريباً أرميا -عليه السلام- غالباً يعني ، أحد أنبياء بني إسرائيل شاف/رأى في الرؤيا عن إيه؟ السِفر ده/هذا ، السِفر يعني كتاب ، السِفر دوت/هذا من سبع آيات سُميت في الرؤيا ، في رؤية ذلك النبي بالرعود السبعة ، كأنه يضع قدمه على البحر و إيه؟ يتلقى الرعود السبعة ، في نبي هييجي/سيأتي يتلقى الرعود السبعة دي/هذه ، اللي/الذي هو النبي محمد ﷺ ، ربنا اختصه بهذا الشرف العظيم و بالتالي إختص أُمته بهذا الشرف العظيم ، شرف تلاوة سورة الفاتحة ، و من ضمن أسماء سورة الفاتحة إيه؟؟ الحمد ، سورة الحمد و عرفنا طبعاً من التفسيرات و من الرؤى و من طريقكم معايا/معي إن الحمد هو سر الدين ، الحمد هو سر الدين و هو درجة أعظم من الشكر و الثناء و الإمتنان ، الحمد هو أعلى درجات الشكر و هو سر الدين ، و من الحمد أُشتق إسم محمد و أحمد ، و هنعرف دلوقتي إن محمد بيعبر عن الحالة الرحمانية ، و أحمد بيعبر عن الحالة الرحيمية ، و إن محمد هو الجلال ، و إن أحمد هو الجَمال ، كل دي/هذه أفهام عميقة و عرفان عميق للإمام المهدي الحبيب في كتاب (إعجاز المسيح) ، من أسماء الفاتحة برضو/أيضاً إيه/ماذا؟؟ أُم القرآن ، أم القرآن ، صح كده؟ ، و عرفنا إن المتصوفة و العارفين قالوا إن زبدة القرآن في الفاتحة ، و زبدة الفاتحة في البسملة و زبدة البسملة في الباء ، و عرفنا دلوقتي إيه؟ الفرق ما بين الباء/ب قلناه قبل كده و النون/ن ، النقطة اللي/التي تحت الباء/ب و النقطة اللي فوق النون/ن ، قلنا فلسفتها في إحدى دروس القرآن ، صح؟؟ ، كذلك من أسماء الفاتحة : أُم الكتاب ، و كذلك السبع المثاني ، و السبع المثاني دي/هذه فيها تفصيل ، سُميت المثاني أي من الثناء لأن الحمد ، سورة الحمد فيها ثناء على الله عز و جل و على أسماءه و صفاته ، صح كده؟ ، و فيها طلب للإيه؟؟ للإلتزام بالصراط المستقيم و فيها طلب إيه؟ تلقي نعمة النبوة إن هي النعمة ، و فيها طلب الإستعاذة من صراط إيه؟ المغضوب عليهم و الضآلين ، صح كده؟؟ طيب ، إذاً المثاني هي من الثناء ، كذلك سبع المثاني من الإستثناء ، تمام؟ إن احنا/أننا إيه؟ نسأل الله إن هو إيه؟ يستثنينا يُبعدنا من طريق الضآلين و إيه؟ المغضوب عليهم ، صح؟ ، كذلك السبع المثاني من التتالي ، مُثنى ، ثَنَّاها أي تتالي ، متتالي ، تمام؟ ، كذلك السبع المثاني ؛ أي سبع آيات ، سبع آيات صح؟ الفاتحة سبع آيات ، تعدل كل آية سُبع القرآن ، كل آية من سورة الفاتحة هي سُبع القرآن ، كذلك سُميت بسبع المثاني لأنه يُقابل كل باب من جنهم آية من آيات الفاتحة تصدها و تمنع المؤمن أنه يدخل من ذلك الباب ، من باب جهنم و العياذ بالله ، صح؟ إذاً كذلك السبع المثاني يُقابل كل باب من جهنم آية منها تدفعه و تمنع صاحبها من دخوله ، كذلك هي السبع المثاني التي تدفع و تمنع السبع الموبقات ، طبعاً عارفين حديث السبع موبقات ، صح؟ و هي السبع الكبائر الكبيرة ، كذلك سورة الفاتحة تحوي إيه بقى؟؟ أربعة علوم عامة كما ذَكَرَ الإمام المهدي الحبيب ، أول علم : سورة الفاتحة بتتكلم عن علم المبدأ ، البدايات يعني ، تاني حاجة : سورة الفاتحة بتتكلم عن علم المعاد ، العودة سواء كانت في الدنيا أو في الآخرة ، في الدنيا بالبعث النبوي يعني و في الآخرة بالبعث الأخروي إيه؟ للحساب ، كذلك الفاتحة تتحدث عن علم النبوة اللي/التي هي النعمة يعني ، كذلك الفاتحة تتحدث عن علم توحيد الذات و الصفات ، توحيد الله عز و جل من خلال أسماءه و صفاته ، بالنسبة لعلم المبدأ : الإمام المهدي الحبيب أشار إيه؟ إنها سبعة آلاف ، يعني من وقت إيه؟ بعث آدم يعني ، هو بيتحدث هنا عن علم المبدأ الروحي في الدنيا ، مبدأ إيه؟ الرسالات الإلهية هو مدته إيه؟ سبعة آلاف عام منذ آدم ، و قال إن الألف السابع الأخير هو ألف الضلال الكبير ، ألف إيه؟ تمكن المسيح الدجال من الأرض ، صح؟ طيب ، سورة الفاتحة تتحدث عن علم المعاد عندما تحدث الله عن صفة مالك يوم الدين ، مالك يوم الدين ، تمام؟ ، كذلك سورة الفاتحة تتحدث عن علم النبوة ، تمام؟ عندما تحدث القرآن عن صراط الذين أنعمت عليهم ، النعمة ، النعمة يعني إيه؟ البعث و النبوة ، كذلك الفاتحة تحدثت عن علم التوحيد بذِكر توحيد الله و أسماءه و صفاته ، تمام كده؟ ماشي .
بالنسبة لأعوذ بالله من الشيطان الرجيم عَلَّقَ عليه الإمام المهدي الحبيب و قال أن ذلك هو تقوي بالله على دجل الشيطان و وسوسته و دجل المسيح الدجال الرجيم ، و الرجيم أي المقتول بحربة المسيح الموعود ، حربة المسيح الموعود اللي/التي هي أنفاس المسيح الموعود ، يعني علم المسيح الموعود ، يعني قلم المسيح الموعود ، يعني حجج المسيح الموعود ، هي دي/هذه الحربة السماوية اللي/التي تقتل الدجال ، يعني تقتل الشيطان في أعلى بروزاته و تمثلاته ، و الإستعاذة بالله من الشيطان الرجيم هي إعضال و إعاقة للشيطان السارق المُضل ، و هي عبادة إنك بتعبد الله أي تستعيذ به سبحانه و تعالى على شر الشيطان ، إنت كده بتعبد الله ، تستعين بالله ، تمام؟ طيب .
بالنسبة للبسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) قال المسيح الموعود الحبيب : أن البسملة هي مشتقة من الوَسم ، بسم أي من الوسم ، أي العلامة و الأثر و الوصف ، كل ده/هذا معنى إيه؟ الوَسم ، كذلك كلمة الوسم هي تأتي على سبيل التفاؤل ، التفاؤل يقولك/يقول لك إيه؟ توسمت فيه الخير أي تفائل ، كذلك الوسمي ، كلمة الوسمي هو إسم يُطلق على بدايات مطر الربيع ، ليه/لماذا بقى تُسمى الوسمي اللي/التي هي بدايات مطر الربيع؟؟ لأن بدايات مطر الربيع هي دي/هذه اللي/التي بتدّي/بتُعطي الأثر في الأرض ، بتدّي/بتُعطي الأثر الأول في الأرض و على أساس الأثر ده/هذا الأمطار و المياه بتجري في المجاري التي تعملها الوسمي ، تمام؟ ، إذاً الوسمي هي أول مطر الربيع لأنه يَسِم الأرض و يؤثر فيها أول الأثر و ثم تتبعها التأثيرات على ذلك الأثر الأول ، تتبعه التأثيرات على أثر ذلك الأثر الأول ، كذلك بِسم أو الوَسم هو من إيه؟ مشتق من موسم ، مثل إيه؟ موسم الحج ، و كذلك الميسم الذي يُطلق على الحُسن و الجَمال ، يقول لك ميسمه أو جميل الميسم ، يُطلق على الحُسن و الجَمال ، المسيح الموعود الحبيب قال إيه؟ : "كان العرب لا يستعملون هذا اللفظ((الوسم يعني)) إلا في مناط الخير سواء في أمور الدين أو الدنيا" ، تمام؟ ماشي ، و كذلك إيه بقى؟ أسماء الله و صفاته ، تمام؟ أسماء الله و صفاته فيها إيه؟ وَسم من إسم ، تمام؟ ، عظيم جداً ، طيب .
{بسم الله الرحمن الرحيم ¤ الحمد لله رب العالمين} :
(الحمد لله رب العالمين) قلنا إن الحمد هو إيه؟ آآه سر الدين ، خلي بالك ، إحنا قلنا البسملة : بسم الله ، (الله) ده/هذا إسم الله الكامل الجامع لصفاته تعالى ، خلاص؟ ، ربنا جمع مع الإسم ده/هذا صفتين كرمهم في الإيه؟ في آيات الفاتحة لبيان إن الصفتين دول/هاتين هما المسيطرين على العرش ، على صفات الله عز و جل ، إيه/ما هما؟؟ (بسم الله الرحمن الرحيم) ، الرحمن الرحيم ، طبعاً عارفين إن الرحمن أشمل من الرحيم ، و ربنا قال في القرآن : (الرحمن على العرش استوى) استوى هنا يعني استولى ، مش/ليس استولى يعني سرقه ، لأ/لا ، استولى يعني أصبح له الولاية العظمى ، الصفة دي/هذه أصبحت لها الولاية الشاملة العظمى على كافة صفات الله ، لذلك ربنا كرر الصفتين دول/هاتين دون غيرهما في الفاتحة ، قال إيه؟ (بسم الله الرحمن الرحيم) خلي بالك (الحمد لله رب العالمين) إيه؟ (الرحمن الرحيم) يبقى كرر (الرحمن الرحيم) مرتين عشان/حتى يُشير لنا و يُشير لأفهامنا إن صفة الرحمة هي اللي/التي إيه؟ المسيطرة على صفات العرش ، يعني رحمة الله وسعت كل شيء ، "و رحمتي وسعت غضبي" كما وَرَدَ في الحديث القُدسي ، صح كده؟؟ خلي بالك من الإشارات دي/هذه ، إشارات عظيمة نبهنا لها مين/من؟؟ الإمام المهدي الحبيب ، الحمد هو إيه؟؟ سر الدين ، سر الدين الحمد و منه أُشتق إيه؟ محمد و أحمد ، إسم نبينا محمد ﷺ .
كذلك (الحمد لله رب العالمين ¤ الرحمن الرحيم) هااا (الحمد لله رب) رب , الربوبية يعني الرعاية ، يرعى المخلوقات و يُربيها و يُنميها ، صح كده؟ و هو مسؤول عنها ، فده/فهذا فيض الربوبية ، و هو فيض أول من فيوض أربعة أساسية ذكرتها الفاتحة و هي : فيض الربوبية من (رب) و فيض الرحمانية من (رحمن) و فيض الرحيمية من (رحيم) و فيض المالكية من (مالك) (مالك يوم الدين) ، و عرفنا إن الفيوض الأربعة دول/هذه هم الفيوض الأساسية اللي/التي من خلالها بتستفاض الصفات الأخرى ، صفات الله عز و جل و تظهر في الكون بتجليات دنيوية و تجليات أخروية ، يبقى الصفات الأربعة دول/هذه أساسية لهم إيه؟ فيوض دنيوية و فيوض أخروية روحانية و كلاهما يبقى كده ثمان فيوض ، هم دول/هذه قوائم العرش الثمانية ، (و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) هي دي/هذه قوائم العرش الثمانية ، خلي بالك من الأسرار دي/هذه .
عرفنا فيض الربوبية اللي/الذي هو تربية العالم ، فيض الرحمانية اللي/الذي هو الرحمة تنزل على كل المخلوقات بارهم و فاجرهم ، مؤمنهم و كافرهم ، فيض تلقائي من دون مشقة من العباد ، فيض تلقائي ، يعني الأمطار دي/هذه رحمانية ، وجود الأنهار رحمانية ، تسخير قوانين الكون للإنسان دي/هذه رحمانية ، خلاص؟ ، قوانين الكون اللي/التي من ضمنها إيه؟؟ من ضمنها الشمس و فوائدها و القمر و النجوم و فوائدهم و خروج الزروع و فوائدها و خلق الحيوانات عشان/حتى الإنسان يستفيد منها ، كل دي/هذه رحمانية من الله ، يستفيد منها الكافر و الإيه؟ و المؤمن ، طيب ، بعد كده فيض الرحيمية دي/هذه فيض مستحق للمؤمنين بس/فقط ، يعني المؤمنين هم اللي/الذين بيستجلبوا الفيض ده/هذا بعد جهد و مشقة فيبقى/فيكون إيه؟؟ فيض خاص بهم ، تمام كده؟ ، المالكية ، فيض المالكية ربنا إيه؟ أظهره في الدنيا و سيُظهره في الآخرة أيضاً ، لأن إحنا/لأننا عرفنا إن كل فيض من الأربعة دول/هذه له تجليين فبالتالي يبقى كده ثمان تجليات و هم قوائم العرش الثمانية ، و من التجليات دي/هذه بتُشتق كل صفات الله عز و جل كما قال الإمام المهدي الحبيب ، إذاً الصفات الأساسية منها تفيض الصفات الأخرى ، صح كده؟؟ ، و الصفات الأساسية الأربعة دول/هذه لها تجليين في الدنيا و الآخرة و هي دي/هذه قوائم العرش الثمانية ، تمام كده؟؟ ، طيب ، فيض المالكية ده/هذا بقى إيه؟؟ ربنا أظهره في الدنيا ، تمام؟ قبل الآخرة ، اللي/الذي هو المُلك إن المؤمنين يَملِكوا و يُستخلفوا في الأرض ، هو ده/هذا فيض المالكية ، (ليستخلفنهم) تمام (كما استخلف الذين من قبلهم) .
طيب ، قلنا طبعاً إن (الله) هو إسم الذات الإلهية الجامع لجميع أنواع الكمال ، و الرحمن : مِنَّةُ الله و رحمته لكل مخلوقاته بارهم و فاجرهم ، مؤمنهم و كافرهم و ليس نتيجة إستحقاق بل هو فيضان ، بل فيضان تلقائي ، الرحيم : فيض الرحمة للمؤمنين المُستحقين نتيجة إيه؟ جهد و عبادة و دعاء و طلب ، إذاً لتلخيص عام : الرحمن من المحبوبية كما قال الإمام المهدي ، يعني هو ربنا هو مُحب بطبعه لكل الخَلق ، و منه أُشتق إسم محمد و هو صفة الجلال ، أما الرحيم فيه صفة مُحِبِيَّة يعني ربنا بيُحب شخص نتيجة عمله و دعاءه ، تمام؟ و منها أُشتق إسم أحمد و هو دلالة على الجَمال ، تمام كده؟ .
طبعاً سورة الفاتحة بتتكلم عن البعث و إن مافيش/لا يوجد نبي من بني إسرائيل ظهر إلا سيظهر زيه/مثله و مثله في بني محمد ، في أُمة الإسلام سواء أكان قبل المسيح الموعود أو بعد المسيح الموعود ، هيظهر ، كده كده هيظهر ، وعد الله عز و جل في سورة الفاتحة كما قال الإمام المهدي في كتاب (إعجاز المسيح) في صفحة ٩١ و ٩٠ ، تمام؟ قال الكلام ده/هذا ، طبعاً إحنا/نحن هنحط/سنضع نص كتاب (إعجاز المسيح) كله مع تعليقاتي عليه بأمر الله تعالى على المدونة ، لازم نرجع لكلام الإمام المهدي كلمة كلمة و حرف حرف ، و الإمام المهدي الحبيب أثبت إنه فيه إنس و جن في كلامه في (إعجاز المسيح) ، لم ينفي إيه؟ الجن الشبحي ، هتلاقي/ستجد ده/هذا في صفحة ٩١ ، تمام؟ .
المسيح الموعود الحبيب بيقول إيه بقى؟ خلي بالك : "أيقبل عقلكم أن يُبشر ربنا في هذا الدعاء((اللي/الذي هو (صراط الذين أنعمت عليهم) يعني)) بأنه يبعث أئمة من هذه الأُمة" زي مين/مثل من بقى؟؟؟ ابن عربي ، شمس التبريزي ، عبد القادر الجيلاني ، و أئمة كُثر إحنا/نحن مانعرفهمش/لا نعرفهم ، هم ربنا بعثهم أنبياء في أُمة محمد ، و اللي/الذي يفهم فلسفة النبوة و معنى النبوة مايستغربش/لا يستغرب الكلام اللي/الذي أنا بقوله/أقوله و مايخفش/لا يخاف من الكلام ده/هذا ، بالعكس بيتقبله و يشعر أد إيه/كم هو نعمة عظيمة من الله عز و جل ، يقول الإمام المهدي صفحة ٩١/إعجاز المسيح : "أيقبل عقلكم أن يُبشر ربنا في هذا الدعاء ((اللي/الذي هو (صراط الذين أنعمت عليهم))) بأنه يبعث أئمة من هذه الأُمة لمن يُريد طريق الإهتداء الذين يكونون كمثل أنبياء بني إسرائيل في الإجتباء و الإصطفاء" و قبل كده طبعاً قلنا الفرق ما بين الإجتباء و الإصطفاء ، الإصطفاء : إصطفاء من بين مجموعة ، لكن الإجتباء هو من مكان وحشي وحيد ، يعني يعيش في بيئة وحشية وحيدة ، ربنا إيه؟ اختاره زي مين/مثل من؟؟؟ زي/مثل إيه؟؟ يوسف -عليه السلام- صح؟ ، "الذين يكونون كمثل أنبياء بني إسرائيل في الإجتباء و الإصطفاء و يأمرنا أن ندعو أن نكون كأنبياء بني إسرائيل" هو بيقول كده ، ربنا بيأمر "أن ندعو أن نكون كأنبياء بني إسرائيل و لا نكون كأشقياء بني إسرائيل" اللي/الذين هم المغضوب عليهم و الضآلين ، صح؟؟ لأن الأشقياء في بني إسرائيل هم المغضوب عليهم اللي/الذين هم اليهود ، و الضالين اللي/الذين هم النصارى اللي/الذين هم المسيح الدجال ، و ربنا وضع مد لازم كلمي مثقل على (الضآلين) للدلالة على عِظَم فتنة الضآلين اللي/الذي هو المسيح الدجال اللي/الذي الرسول قال عنهم النبوءات الكثيرة و تحققت في هذا الزمان ، صح كده؟؟ ، تحدثنا عنها كثيراً في غير موضع و جعلنا مقالة خاصة عن بعض أحاديث الرسول في وصف هذا الزمان ، و كذلك مقالة أخرى تعزيزاً لمقالة بعض أحاديث الرسول في وصف هذا الزمان ، تمام؟ ، "و يأمرنا أن ندعو أن نكون كأنبياء بني إسرائيل و لا نكون كأشقياء بني إسرائيل و ثم بعد هذا يَدُعُّنا و يُبقينا في وِهاد الحرمان و يوصل إلينا رسولاً من بني إسرائيل و ينسى وعده كل النسيان؟!" يعني هنا الإمام المهدي بيتسائل سؤال إستنكاري : هل ممكن ربنا يعمل فينا كده؟؟؟ إستحالة ، إستحالة ، اللي/الذي يقول كده يبقى هو كده بينسب المكيدة لله ، إن ربنا بيعمل لنا مكيدة ، و تنزه الله عن إن هو يبقى يعمل لنا مكيدة ، بالعكس اللي/الذين هم المبعوثين هيكونوا من أُمة الإسلام ، طيب ، إذاً فقد بَشَّرَنا أو فقد بُشِرنا من الفاتحة بأئمة مِنَّا هم كأنبياء بني إسرائيل ، و ده/هذا موجود في صفحة ٩٣ من (إعجاز المسيح) من قول الإمام المهدي الحبيب ، خلاص؟ ، و أشار في سورة النور و الفاتحة أن هذه الأمة يرث أنبياء بني إسرائيل على طريق الظلية ، تمام؟ طيب ، كل ده/هذا بس/فقط مقتطفات من كلام الإمام المهدي الحبيب ، تعليقات بسيطة و ندعوكم إلى الرجوع إليه حرفاً حرفاً و كلمةً كلمة .
(بسم الله الرحمن الرحيم ¤ الحمد لله رب العالمين ¤ الرحمن الرحيم ¤ مالك يوم الدين) أي يوم الدينونة .
__
{إياك نعبد و إياك نستعين} :
(إياك نعبد) أي نبذل العبادة لك سبحانك ، (و إياك نستعين) أي نستعين بك دون سواك .
__
{اهدنا الصراط المستقيم} :
(اهدنا الصراط المستقيم) طريق التوحيد ، هنا طلب الهداية ، طلب الهداية و طلب إيه؟ طلب سلوك التوحيد الصافي الخالي من الشِرك .
__
{صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضآلين} :
(صراط الذين أنعمت عليهم) صراط الأنبياء و البعث و النبوة ، (غير المغضوب عليهم) أي ليس اليهود و ليس طريق اليهود ، (و لا الضآلين) أي و ليس طريق المسيح الدجال أي النصارى ، تمام؟ . و هذا دليل أنه سيكون من المسلمين من هم شبه اليهود و منهم من هم شبه النصارى .
طيب ، حد كان سأل عن بعض أصوات الكلمات ، فكروني كده؟؟ الحمد : الحاء/ح صوت الراحة ، صح؟ مد أي مَدَّ ، آآه أي تمد الراحة بالحمد ، أي تُمد الراحة بالحمد لأنها سر الدين ، طيب ، أدي/هذه الحمد ، إيه تاني؟؟ آآه صراط ، طيب ، الصاد/ص قلنا إيه؟ وصال و إتصال ، تمام؟ و الراء/ر رؤية ، رؤية الإتصال ، تمام؟ الذي يُبعد عن القطع الغليظ(ط ) و هو الصراط ، صح؟؟ كذلك صراط ، من صفات الصراط المستقيم إن هو إيه؟؟ قوي يَزُم المؤمن و يحفظه و يحفظ جوارحه و يحفظ إيمانه فهو صِر زي/مثل الصُرَّة كده ، صِر يعني حَزِّم الإنسان كده و احميه و اجعله حصن ، لذلك من أسماء الفاتحة إيه؟ الحصن ، الفاتحة حصن صح كده؟ المُحصنة ، و هي من الرُقية الشرعية , الإنسان يقرأها : الفاتحة و المعوذتين و سورة الإخلاص و آية الكرسي و خواتيم البقرة ، كل دي/هذه إيه؟؟ من الرُقية الشرعية اللي/التي تُقرأ بنية الشفاء ، صح كده؟ و الحماية من العين و الحسد و السحر و من شر الناس و العياذ بالله ، صح كده؟ ، إذاً صِر إيه؟ حصن حماية ، تمام؟ من القطع الغليظ (ط)عن الإيمان و كذلك هي تعمل قطع غليظ عن الشرور ، و هذا معنى الصراط ، تمام؟؟ ، إيه تاني أصوات الكلمات عاوزين تعرفوها؟؟ ، تمام ، الضآلين مثلاً ، قلنا الضاد/ض إيه؟ صوته إيه؟ تشتت فظ أليم ، و اللام/ل هو صوت العلة و السبب ، إذاً ربنا بيُعيذنا من الضآلين أي من علة التشتت الفظ الأليم ، تمام كده؟؟ طيب ، حد عنده سؤال تاني؟؟ .
__
و اختتم نبي الله الجلسة المباركة بقوله المبارك :
هذا و صلِّ اللَّهم و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم ، سبحانك اللهم و بحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك و أتوب إليك ، (بسم الله الرحمن الرحيم ¤ وَالْعَصْرِ ¤ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ¤ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) .
___
و الحمد لله رب العالمين . و صلِّ يا ربي و سلم و بارك على أنبياءك الكرام محمد و غلام أحمد و يوسف بن المسيح صلوات تلو صلوات طيبات مباركات ، و على آلهم و صحبهم و ذرياتهم الأخيار أجمعين و على أنبياء عهد محمد الآتين في مستقبل قرون السنين أجمعين . آمين .🌿💙
كتاب إعجاز المسيح
يقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في غلاف هذا الكتاب : من سره أن يقرأ الفاتحة من سره أن يقرأ الفاتحة مع معارفها المخفية وحقائقها الروحانية فليقرا تفسيرنا هذا بالتدبر وصحة النية ولا يحسر عن ساعده للمقابله فإنه كتاب ليس له جواب ومن قام للجواب وتنمر ، فسوف يرى انه تندم وتدمر فطوبى لمن همنا ما اصطفيناه وأخذ ما اعطيناه فطوبى لمن همنا ما اصطفيناه وأخذ ما اعطيناه وما كان كالذي لبس الصفقه وخلع الصداقه، وهذا رد على الذين يجهلوننا ويصبغون التلبيس ، ويقولون ليس عندهم من علم بل عصبه من مفاليس ، وانا اقررنا بان كتبنا كلها من حول الله ذي الجلال من حول الله ذي الجلال ، وما نحن الا كالجهال وان كتابي هذا بليغ وفصيح ومليح ، واني أسميته اعجاز المسيح.
الإعـــلان
نعلن للاطلاع العام نعلن للاطلاع العام أن الله تعالى قد وفّقني بفضله ورحمته لإتمام هذا الكتاب بتاريخ 20 شباط 1901م في سبعين يوما. والحق أن ذلك كله قد تمّ بفضله الخاص، إذ قد أُصبتُ خلالها بعدة أعراض وأمراض وكنت أخشى ألا أتمكَّن من إتمام هذا العمل إذ لم أعُدْ قادرا حتى على رفع القلم بسبب الضعف المتفاقم وهجوم الأمراض. وحتى لو كانت صحتي على ما يرام فأنا لا أملك أية قدرة ذاتية، إذ أعرف نفسي جيدا. وقد علمتُ لاحقًا السببَ وراء هذه الأمراض الجسدية، وهو أن لا يظن أحبّائي من الجماعة الموجودون هنا أنه نتاج قدراتي الفكرية. فقد أثبت الله تعالى بسبب هذه الأعراض والعراقيل أن هذا الكلام ليس من صنعِ قريحتي أو خاطري، بل الحق أن معارضيّ محقّون تماما في قولهم إن ذلك ليس من صُنْعه بل هناك مَن يساعده سرًّا. وإنني لأشهد أن هناك مَن يساعدني حقيقة، ولكنه ليس بَشرًا، بل هو ذلك القادر القدير الذي رؤوسُنا خاضعةٌ على عتباته. فإذا كان أحد آخر أيضا قادرا على المساعدة في مثل هذه الأمور ويملك قدرةً معجزةً فليتوقع القراء أن تُنشر - أو أن تكون قد نُشرت - خلال سبعين اليوم هذه مئات التفاسير لسورة الفاتحة، مماثلةً لتفسيري، وتكون وفق شروط وضعتُها، لأن هذه التفاسير قد اعتُبرت معيارا للحُكم بيننا. وإنني واثق بأن السيد "مهر علي شاه" يكون -بوجه خاص- قد بذل جهده حتمًا لكتابة التفسير في هذه المدة، وإلا فبأي وجه سيواجه أولئك الذين قال لهم بأنه حضر إلى "لاهور" بقصد كتابة التفسير فقط؟ ومن البديهي أنه إذا عجز عن كتابة التفسير في سبعين يوما فأَنَّى له أن يكتبه في سبع ساعات؟ فهذه آية عظيمة على التأييد الإلهي يشهدها المنصفون؛ لأني قد حددتُ مدة سبعين يوما ودعوت مئات المشايخ لمواجهتي، فكيف سيبرّرون عجزهم عن نشر مثل هذا التفسير؟ وإذا لم تكن هذه معجزة فما المعجزة إذن؟ أيها الأحباب الذين تقرؤون "أُمَّ الكتاب"، تعالوا انظروا الآن إلى هذه الشمس بعينيّ
أمعِنوا النظر في دعاء "الفاتحة" بقراءتها مرارًا، أمعِنوا النظر في دعاء "الفاتحة" بقراءتها مرارًا، فإنها تكشف لكم الحقيقة كلها لقد علّمكم الله تعالى هذا الدعاء، وعلّمكموه حبيبه صلى الله عليه وسلم أيضا تقرؤونها في الصلوات الخمس كل يوم، ومن خلالها تصِلون إلى بلاط ذلك الصمد
عزوجل ،أُقسم بالله أُقسم بالله الذي أنزل هذه السورة على صاحب القلب الطاهر ذي الوجه الجميل إنها شاهدة لي من ربي، وهي ختم إلهي على صدق دعوايَ وهي دليل قاطع على أني أنا المسيح الموعود، وهي شاهدة لي من الرب الجليل فمَن الذي تنتظرونه بعدي إذن؟ توبوا فلا ضمان للحياة.
الكاتب، العبد المتواضع ميرزا غلام أحمد القادياني 20 شباط/فبراير 1901م
يقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنطقَ الإنسانَ، وعلّمه البيانَ، وجعل كلامَ البشر مَظهَرَ حسنِه المستتر، ولطَّف أسرارَ العارفين بإلهامه، وكمّل أرواح الروحانيين بإنعامه، وكفَل أمرهم بعنايته، واستودعهم ظِلَّ حمايته، وعادى مَن عادى أولياءه وما غادرهم عند الأهوال، وسمع دعاءهم إذا أقبلوا عليه كل الإقبال، وأرى لهم غيرتَه وصار لهم كقَسْوَرةٍ للأشبال، ولوَى إليهم كزافرةٍ في مواطن الجدال، وما زايَلَهم في موقف وما نسِيهم عند الابتهال، وألزمهم كلمة التقوى، وألزمهم كلمة التقوى، وثبّتهم على سُبل الهدى، وجذَبهم إلى حضرته العُليا، ووهب لهم أعينًا يبصرون بها، وقلوبًا يفقهون بها، وجوارحَ يعملون بها، وجعَلهم حِرْزَ المخلوقين وروحَ العالمين. والسلام والصلاة على رسولٍ جاء في زمن كان كدَسْتٍ غاب صدره، أو كلَيْلٍ أفَل بدره، وظهر في عصر كان الناس فيه يحتاجون إلى العُصْرة، وكانت الأرض أمحلتْ وخلَتْ راحتُها مِن بخل المُزْنة، فأروى الأرضَ التي احترقت لإخلاف العِهاد، وأحيا القلوب كإحياء الوابل للسَنةِ الجَمادِ، فتهلّلَ الوجوه وعاد حِبْرُها وسِبْرُها، وتراءتْ معادنُ الطبائع وظهرت فضّتُها وتِبْرُها، وطُهّر المؤمنون من كل نوعِ الجُناح، وأُعطوا جَناحًا يطير إلى السماء بعد قصّ هذا الجَناح، وأُسِّسَ كلّ أمرهم على التقوى، فما بقي ذرّةٌ من غير الله ولا الهوى، وطُهّرتْ أرض مكّة بعد ما طِيفَ فيها بالأوثان، فما سُجد على وجهها لغير الرحمن، إلى هذا الأوان. فصلّوا على هذا النبي المحسن الذي هو مظهر صفات الرحمن المنّان، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. والقلب الذي لا يدري إحسانه، فلا إيمان له أو يضيع إيمانه. اللهم صلّ على هذا الرسول النبي الأُمّي الذي سقى الآخرين كما سقى الأوّلين، وصبّغهم بصِبغ نفسه وأدخلهم في المطهّرين. فنوّرهم الله بإشراق أشعّة المحبّة، وسقاهم من أصفى المُدامة، وألحقَهم بالسابقين من الفانين، وقرّبهم وقبل قربانَهم، ودقّق مشاعرهم وجلّى جنانهم، ووهب لهم من عنده فَهْمَ المقرّبين، وزكّى نفوسهم وصفّى ألواحهم، وحلّى أرواحهم، ونجّى نفوسهم من سلاسل المحبوسين، وكفَل أمورهم كما هي عادته بأصفيائه، وشرح صدورهم كما هي سيرته في أوليائه، ودعاهم إلى حضرته، ثم تبادرَ إلى فتح الباب برحمته، وأدخلهم في زمرته، وألحقَهم بسكّان جنّته، وقيل: دارَكم أتيتم، وأهلَكم وافيتم، وجُعلوا من المحبوبين. وهذا كله من بركات محمدٍ خيرِ الرسل وخاتم النبيين، عليه صلوات الله وملائكته وأنبيائه وجميع عباده الصالحين.
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد : يتابع المسيح الموعود عليه السلام في كتاب إعجاز المسيح: أما بعد.. فاعلموا أيها الطالبون المنصفون، والعاقلون المتدبّرون، أني عبد من عباد الرحمن، الذين يجيئون من الحضرة، وينـزلون بأمر ربّ العزّة، عند اشتداد الحاجة، وعند شيوع الجهلات والبدعات وقلّة التقوى والمعرفة، ليجدِّدوا ما أخْلَقَ، ويجمعوا ما تَفرّقَ، ويتفقّدوا ما افتُقِدَ، ويُنجِزوا ويُوفوا ما وُعِدَ من رب العالمين، وكذلك جئتُ وأنا أوّل المؤمنين.
وإني بُعثت على رأس هذه المائة وإني بُعثت على رأس هذه المائة المباركة الربّانية، لأجمع شَمْلَ المِلّة الإسلامية، وأدفع ما صِيلَ على كتاب الله وخيرِ البريّة، وأكسر عصا مَن عصى وأقيم جدران الشريعة. وأكسر عصا مَن عصى وأقيم جدران الشريعة. وقد بيّنتُ مرارًا وأظهرتُ للناس إظهارًا، أني أنا المسيح الموعود والمهدي المعهود، وكذلك أُمرتُ وما كان لي أن أعصي أمر ربي وألحَقَ بالمجرمين. فلا تعجَلوا عليّ وتَدبّروا أمري حق التدبّر إن كنتم متّقين، وعسى أن تكذّبوا امرَأً وهو من عند الله، وعسى أن تفسّقوا رجلاً وهو من الصالحين. وإن الله أرسلني وإن الله أرسلني لأصلح مفاسد هذا الزمن، وأفرّق بين روض القدس وخَضْراءِ الدِّمَن، وأُرِيَ سبيل الحق قومًا ضالين. وما كان دعواي في غير زمانه، بل جئتُ كالربيع الذي يمطر في إبّانه، وعندي شهادات من ربي لقوم مستَقْرين، وآياتٌ بيّنات للمبصرين، ووجهٌ كوجه الصادقين للمتفرّسين. ووجهٌ كوجه الصادقين للمتفرّسين. وقد جاءت أيام الله وقد جاءت أيام الله وفُتحتْ أبواب الرحمة للطالبين، فلا تكونوا أوّل كافرٍ بها فلا تكونوا أوّل كافرٍ بها وقد كنتم منتظرين.
أين الخفاء؟ فافتحوا العين أيها العقلاء، شهدتْ لي الأرض والسماء، وأتاني العلماء الأمناء، وعرَفني قلوب العارفين، وجرى اليقين في عروق قلوبهم كأقْرِيةٍ تجري في البساتين. بيد أن بعض علماء هذه الديار ما قبلوني من البخل والاستكبار، فما ظلمونا ولكن ظلموا أنفسهم حسدًا واستعلاءً، ورضُوا بظلمات الجهل وتركوا علمًا وضياءً. فتراكمَ الظلام في قولهم وفعلهم وأعيانهم، حتى اتخذ الخفافيش وَكْرًا لجنانهم، وما قعد قارِيةٌ على أغصانهم. وكانوا من قبل يتوقعون المسيح على رأس هذه المائة، ويترقّبونه كترقُّب أهلّةِ الأعياد أو أطايبِ المأدبة، فلما حُمَّ ما تَوقَّعوه، وأُعطيَ ما طلبوه، حسبوا كلام الله افتراء الإنسان، وقالوا: مفتري يُضلّ الناسَ كالشيطان، وطفِقوا يشكّون في شأنه بل في إيمانه، وكذّبوه وفسّقوه وكفّروه مع مُريديه وأعوانه. وأنزل الله كثيرا من الآيِ فما قبلوا، وأرى التأييدَ في المَبادئ والغايِ فما توجّهوا، وقالوا كاذب وما تَفكّروا في مآل الكاذبين، وقالوا مختلِق وما تَذكّروا مَن دَرَجَ من المختلقين.
والأسف كل الأسف أنهم يقولون ولا يسمعون، ويعترضون ولا يُصغُون، ويلمِزون ولا يحقّقون، وحصحص الحق فلا يبصرون، وإذا رموا البريءَ بأَفِيكةٍ فضحكوا وما يبكون. ما لهم لا يخافون، أم لهم براءة في الزُبُر فهم لا يُسألون؟ وما أرى خوفَ الله في قلوبهم بل هم يؤذون الصادقين ولا يبالون. ما أرى فِناءَ صدورهم رَحْبًا، وكمثلهم اختاروا صَحْبًا، ويهمِزون ويغتابون وهم يعلمون. ولا يتكلمون إلا كطائر يخذُق، أو كمسلول يبصُق، لا يبطُنون أمرنا، ولا يعرفون سرَّنا، ثم يكفرون ويسبّون ويهذِرون مِن غير فهم الكتاب، ولا كهريرِ الكلاب. وما بقي فيهم فهمٌ يهديهم إلى صراطٍ مستقيم، ولا خوف يجذبهم إلى سُبل مرضاة الله الرحيم. ومنهم مقتصدون، يكذّبون ولا يعلمون، وبعضهم يكفّون الألسنة ولا يسبّون، وتجد أكثرهم مفحِشين علينا ومكفّرين سابّين غيرَ خائفين.
فليَبْكِ الباكون على مصيبة الإسلام(( فليَبْكِ الباكون على مصيبة الإسلام))، وعلى فتن هذه الأيام. وأيّ فتنة أكبر من فتن هذه العلماء، فإنهم تركوا الدين غريبا كشهداء الكربلاء. وإنها نار أذابت قلوبنا، وجنّبتْ جنوبَنا، وثقّلتْ علينا خطوبنا، ورمتْ كتاب الله بأحجار((ورمتْ كتاب الله بأحجار )) من جهلات الجاهلين. وترى كثيرا منهم يُخفون الحق ولا يجتنبون الزُور كالصلحاء، وتكذب ألسنتهم عند الإفتاء. غشّوا طبائعهم بغواشي الظلمات، وقدّموا حَبَّ الصِلات على حُبّ الصَلاة. نبذوا القرآن وراء ظهورهم للدنيا الدنيّة، وأمالوا طبائعهم إلى المقنيّات الماديّة. واشتدّ حرصُهم ونهمتُهم وشغفُهم باللذّات الفانية، وجاوز الحدَّ شحُّهم في الأماني النفسانية. ما بقي فيهم علمُ كتاب الله الفرقان، ولا تقوى القلوب وحلاوة الإيمان. وتَباعدوا من أعمال البر وأفعال الرشد والصلاح، وانتقلوا من سُبل الفلاح إلى طرق الطلاح. وعاد جَمْرُهم رمادًا، وصلاحهم فسادًا. بعُدوا من الخير والخيرُ بعُد منهم كالأضداد، وصاروا لإبليس كالمقرَّنين في الأصفاد، وانجذبوا إلى الباطل كأنهم يُقادون في الأقياد. يخونون في فتاواهم ولا يتقون، ويكذّبون ولا يبالون، ويقرُبون حرماتِ الله ولا يبعُدون، ولا يسمعون قول الحق بل يريدون أن يسفكوا قائله ويغتالون. ولما جاءهم إمام بما لا تهوى أنفسهم أرادوا أن يقتلوه وهم يعلمون. وما كان لبشر أن يموت إلا بإذن الله فكيف المرسَلون؟ إنه يعصم عباده من عنده ولو مكر الماكرون. يقولون نحن خدام الإسلام وقد صاروا أعوانًا للنصارى في أكثر عقائدهم، وجعلوا أنفسهم كحِبالةٍ لصائدهم. يقولون سمعنا الأحاديث بالأسانيد، ولا يعلمون شيئا من معنى التوحيد.((يقولون سمعنا الأحاديث بالأسانيد، ولا يعلمون شيئا من معنى التوحيد.)) ويقولون نحن أعلمُ بالأحكام الشرعية، وما وطئتْ أقدامهم سِكَكَ الأدلّة الدينية. يطيرون في الهوى كالحَمام، ولا يفكّرون في ساعة الحِمام. يسعون لحطامٍ بأنواعِ قلقٍ، ويُخرِجون كأهل النفاق رؤوسَهم مِن كلّ نفقٍ. يقعون من الشحّ على كل غضارة، ولو كان فيه لحم فأرة. إلا الذين عصمهم الله بأيدي الفضل والكرامة، فأولئك مبرَّأون مما قيل وليس عليهم شيء من الغرامة، وإنهم من المغفورين.
الحمدلله_الحمدلله وحده_الحمدلله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد،يقول المسيح الموعود_عليه الصلاة و السلام_:
ومن الفتن العظمى والآفات الكبرى صولُ القسوس بقِسِيِّ الهَمْزِ واللَمْزِ كالعَسوس. وكلّ ما صنعوا لجرحِ ديننا من النِّبال والقِياس، بنَوه على المكائد كالصائد لا على العقل والقياس. نبذوا الحقّ ظِهْرِيًّا، وما كتبوا فيما دوّنوه إلا أمرًا فَرِيًّا. وقد اجتمعتْ هممُهم على إعدام الإسلام، واتفقت آراؤهم لمحو آثار سيدنا خيرِ الأنام. يدعون الناسَ إلى اللظى والدَّرْك، ناصبين شَرَكَ الشِرْك. وما وجدوا كيدًا إلا استعملوه، وما نالوا جهدًا إلا بذلوه. استحرّتْ حربُهم، وكثر طعنهم وضربهم، ونعَرتْ كُوساتُهم، وصاحت مِن كل طرف بُوقاتُهم، وجالت خيولهم، وسالت سيولهم، وسعوا كل السعي حتى جمعوا عساكر الإلحاد، ورفعوا راياتِ الفساد. وصُبّتْ على المسلمين مصائبُ وخُرّبتْ تلك الربوع، وأُهْديتْ لسُقياها الدموع، وكثُر البدعة، وما بقِي السُنّة ولا الجماعة، ورُفع القرآن وضاقت عن صَونه الاستطاعة.
فحاصل الكلام أن الإسلام مُلِئَ من الآلام، وأحاطت به دائرة الظلام، وأَرَى الزمانُ عجائب في نقضِ أسواره، وأسال الدهرُ سيولا لتعفية آثاره، وأكمل القدر أمره لإطفاء أنواره. ولما كان هذا مِن المَشِيّة الربانية، مَبْنيًّا على المصالح الخفيّة، فما تطرّقَ إلى عزم العِدا خللٌ، ولا إلى أيديهم شللٌ، ولا إلى ألسنتهم فللٌ. وكان من نتائجه أن المِلّة ضعفتْ، والشريعة اضمحلّتْ، وجرَفتْها المجارف، حتى أنكرها العارف، وكثر اللغو وذهب المعارف. باخت أضواؤها، وناءت أنواؤها، ودِيسَ المِلّةُ وطالت لَأْواؤُها. وكان هذا جزاءَ قلوبٍ مقفَّلة، وأثامَ صدورٍ مغلَّقة. فإن أكثر المسلمين فقدوا تقواهم،((فإن أكثر المسلمين فقدوا تقواهم)) وأغضبوا مولاهم، وترى كثيرا منهم شغَفهم حبُّ الأموال والعَقار والعِقيان، ومَلَكَ فؤادَهم هوى الأملاك والنسوان، وقلَّب قلوبَهم لوعةُ إِمْرتِها فشُغلوا بها عن الرحمن. وترى أكثرهم اعتضدوا قِرْبةَ الملحدين، وانقادوا كقَؤُودٍ لسيرِ الكافرين. وحسبوا أن الوصلة إلى الدولة طرقُ الاحتيال أو القتال، وزعموا أن النَبالة لا يحصل إلا بالنِبال، فليس عندهم تدبيرُ تأييدِ الملّة مِن غير سفك الدماء بالمرهَفات والأسنّة، ويستَقْرون في كل وقت مواضعَ الجهاد، وإنْ لم يتحقق شروطه ولم يأمر به كتابُ ربّ العباد. ومن المعلوم أن هذا الوقت ليس وقتَ ضرب الأعناق لإشاعة الدين، ولكل وقتٍ حُكم آخر في الكتاب المبين، بل يقتضي حكمةُ الله في هذه الأوقات، أن يؤيَّد الدينُ بالحجج والآيات، وتُنقَد أمورُ المِلّة بعين المعقول، ويُمعَن النظرُ في الفروع والأصول، ثم يُختار مسلكٌ يهدي إليه نورُ الإلهام ويضعه العقلُ في موضع القبول، وأن يُعَدَّ عُدّةٌ كمثل ما أعدَّ الأعداء، ويُفَلَّ السيفُ ويُحَدَّ الدهاءُ، ويُسلَك مسلَكُ التحقيق والتدقيق، وتُشرَب الكأسُ الدِهاقُ من هذا الرحيق. فإن أعداءنا لا يسُلّون النواحلَ للنِحْلة، ولا يُشيعون عقائدهم بالسيوف والأسنّة، بل يستعملون ما لطُف ودقَّ من أنواع المكائد، ويأتون في صور مختلفة كالصائد. وكذلك أراد الله لنا في هذا الزمان، أن نكسر عصا الباطل بالبرهان لا بالسِنان((وكذلك أراد الله لنا في هذا الزمان، أن نكسر عصا الباطل بالبرهان لا بالسِنان))، فأرسلني بالآيات لا بالمرهَفات، وجعل قلمي وكلِمي منبعَ المعارف والنكات، وما أعطاني سيفًا وسنانًا، وأقام مقامهما برهانًا وبيانًا، ليجمع على يدي الكلِمَ المتفرّقة(( ليجمع على يدي الكلِمَ المتفرّقة))، وينظم بي الأمور المتبدّدة، ويسكِّن القلوب الراجفة، ويبكِّت الألسنة المرجِفة، وينير الخواطر المظلمة، ويجدّد الأدلة المُخْلِقة، حتى لا يبقى أمر غير مستقيم، ولا نهج غير قويم.
فحاصل القول.. إن البيان والمعارف من معجزاتي، وإن مرهفاتي آياتي وكلماتي. وكنت دعوت بعض أعدائي لإراءة هذه المعجزة، لعل الله يشرح صدورهم أو يجعل لهم نصيبًا من نور المعرفة، فقلت إن كنتم تنكرون بإعجازي، وتصولون عليّ كالغازي، وتظنون أنكم أُعطيتم علم القرآن وبلاغةَ سحبان، فتعالوا ندعُ شهداءنا وشهداءكم، وعلماءنا وعلماءكم، ثم نقعد مقابلين، ونكتب تفسير سورةٍ مرتجلِين، منفردين غير مستعينين. فما كان أحدٌ منهم أن يقبل الشرط المعروض، ويتّبع الأمر المفروض، ويقعد بحذائي، ويُملي التفسير كإملائي، بل جعلوا يكيدون ليطفئوا النور، ويكذّبوا المأمور. وكان أحدٌ منهم يقال له "مهر عليّ"، وكان يزعم أصحابُه أنه الشيخ الكامل والوليّ الجليّ، فلما دعوته بهذه الدعوة، بعد ما ادّعى أنه يعلم القرآن وأنه من أهل المعرفة، أبى مِن أن يكتب تفسيرا بحذاء تفسيري، وكان غبيًّا ولو كان كالهمذاني أو الحريري، فما كان في وسعه أن يكتب كمثل تحريري. ومع ذلك كان يخاف الناسَ، وكان يعلم أنه إنْ تخلّفَ فلا غلبة ولا جِحاسَ، فكاد كيدًا وقال إني سوف أكتب التفسير كما أُشيرَ، ولكن بشرط أن تباحثني قبله بنصوص الأحاديث والقرآن، ويُحكَّم مَن كان لك عدوًّا وأشدَّ بُغضًا من علماء الزمان((و هو محمد حسين البطالوي))، فإنْ صدّقني وكذّبك بعد سماع البيان، فعليك أن تبايعني بصدق الجنان، ثم نكتب التفسير ولا نعتذر ونترك الأقاويل، وإنّا قبلنا شرطك وما زدنا إلا القليل. هذا ما كتب إليّ وطبعه وأشاع بين الأقوام((اللي هو ميهر علي))، واشتهر أنه قبِل الشرائطَ وما كان هذا إلا كيدًا لإغلاط العوام. ولما جاءني مكتوبه المطبوع وكيده المصنوع، قلت إنّا لله ولعنتُ ما أشاع، وتأسّفتُ على وقتٍ ضاع. ثم إنه استعمل كيدًا آخر، ورحل من مكانه وسافر، ووصل لاهورَ، وأثار النقع كالثور، وأرجفت الألسنةُ أنه ما جاء إلا ليكتب التفسير في الفور. فلمّا رأيت أنهم حسبوا الدودةَ ثعبانا، والشوكة بستانا، قلتُ في نفسي أن نذهب إلى لاهور فأيّ حرجٍ فيه، لعل الله يفتح بيننا ويسمع الناس ما يخرج من فينا وفيه. فشاورتُ صَحْبتي في الأمر، وكشفتُ عندهم هذا السر، واستطلعتُ ما عندهم من الرأي، وسردتُ لهم القصة من المَبادئ إلى الغاي، فقالوا لا نرى أن تذهب إلى لاهور، وإنْ هو إلا محلّ الفتن والجور، وقد تبيّن أنه ما قبِل الشروط، وأرى الضمورَ والمُقُوطَ، وتَشَحَّطَ بدمه وما رأى سبيل الخلاص إلا الشُّحوطَ، وهَمَطَ وغَمَطَ، وما ذبح كَبْشَ نفسه وما سَمَطَ وما قَمَطَ، وإنا سمعنا أنه ما جاء بصحة النيّة، وليس فيه رائحة من صدق الطويّة، هذا ما رأينا والأمر إليك، والحق ما أراك الله وما رأيت بعينيك. وكذلك كانت جماعتي يمنعونني ويردَعونني، ويُصرّون عليّ ويكُفّونني، حتى تلوّيتُ عما نويتُ، وحُبّب إليّ رأيهم فقبِلتُ وما أبيتُ، وتركتُ ما أردتُ، وطويتُ الكشح عما قصدتُ. ثم طفق المخالفون يمدحونه على فتح الميدان، ويطيّرونه مِن غير جناح العرفان، وكانوا يكذبون ولا يستحيون، ويتصلّفون ولا يتّقون، ويفترون ولا ينتهون، وينسبون إليه بحارَ محامدَ ما استحقَّها، وأبكارَ معارفَ ما استرقَّها. وكانوا يسبّونني كما هي عادة السفهاء، ويذكرونني بأقبح الذكر وبالاستهزاء. ويقولون إن هذا الرجل هاب شيخَنا وخافَ، وأكله الرعب فما حضر المصافَّ، وما تخلّفَ إلا لخطبٍ خشَّى وخوفٍ غَشَّى، ولو بارزَ لكلَّمه الشيخُ بأبلغ الكلمات، وشَجَّ رأسه بكلام هو كالصَفاة في الصِفات. وكذلك كانوا يهذِرون، ويستهزئون بي ويسبّون.
ووالله لا أحسب نفسي إلا كمَيْتٍ تُرِّبَ، أو كبيتٍ خُرِّبَ، والناس يحسبونني شيئًا ولستُ بشيء، وما أنا إلا لربّي كفَيْءٍ، وما كان لي أن أبارز وأدعو العِدا، ولكنّ الله أخرجني لهذا الوَغى، وما رميتُ إذ رميتُ ولكن الله رمى. ولي حِبٌّ قدير وإعانتُه تكفيني، ومِتُّ فظهر الحِبُّ بعد تجهيزي وتكفيني، ووهب لي بعد موتي كلامًا كالرِياض، وقولاً أصفى من ماء يسيح في الرَضْراض، وحجّةً بالغة تلدَغ الباطل كالنَضْناض، وكلُّها من ربي وما أنا إلا خاوِي الوِفاضِ، وأُمرتُ أن أنفق هذه الأموال على الأوفاض، وأنْ أرُمَّ جدران الإسلام قبل الانقضاض. ومَن بارزني فقد بارز اللهَ رب العالمين، وما جئتُ إلا بزيِّ المساكين، وما أجِيْزُ حَزْنًا مِن حَولي، ولا بَطْنًا من جَولي، بل معي قادرٌ يواري عِيانَه، ويُري برهانَه، فلأجل ذلك تحامت العِدا عن طريقي، وقُطّعت النحورُ والأعناق من مِنْجَنِيقي، وما لأحد بمقاومتي يَدانِ، ويدي هذه تعمل تحت يد الله الرحمن. نزلتْ عليّ بركات هي حِرْزٌ للصالحين، فجمعتُ بها لنفسي التحصينَ والتحسين.
ومن نوادر ما أُعْطِيَ لي من الكرامات، أن كلامي هذا قد جُعل مِن المعجزات. فلو جهّز سلطانٌ عسكرًا من العلماء، ليبارزوني في تفسير القرآن ومُلَحِ الإنشاء، فواللهِ إني أرجو من حضرة الكبرياء أن يكون لي غلبةٌ وفتحٌ مبينٌ على الأعداء. ولذلك بثثتُ الكتبَ وأشعتُ الصحف النُخَبَ في الأقطار، وحثثتُ على هذا المصارعة كلَّ مَن يزعم نفسه من أبطال هذه المضمار، وما كان لأحد من علماء هذه الديار أن يبارزني فيما دعوتُهم بإذن الله القهّار.
فما أنت وما شأنك أيها المسكين الجولرويّ؟ أتتغاوى عليّ بأخلاط الزمر وأوباش الناس أيها الغويّ؟ أيها الغافل.. اعلم أن السماء أهدتْك إليّ لتكون نموذجَ عبرةٍ في الأرضين، وقادَك إليّ القدرُ ليُرِي الناسَ ربي قدرَ المقبولين. وإنّا إذا نزلنا بساحةِ قوم فساءَ صباحُ المنذَرين. أيها المسكين.. لا تقُلْ غيرَ الصدق، ولا تشهد لغير الحقّ، واتّق الله ولا تكُنْ من المجترئين. أأنت تجد في نفسك قدرة على تفسير القرآن، برعايةِ مُلَحِ الأدب ولطائف البيان؟ سبحان ربي! إنْ هذا إلا كذب مبين. وأنت تعلَم مبلَغَ علمك وتعلَم مَن معك ومن تبعك، ثم تدّعي الفضل كالماكرين. ويعلم العلماء أنك لست رجلَ هذا الميدان، ولكنهم يكتُمون عُوارَك كما يُكتَم الداء الدخيل ويُسعَى للكتمان. فحاصل الكلام.. أنك لست أهل هذا المقام، وما علّمك الله العلمَ والأدب مِن لدنه موهبةً، وما اقتنيتَ المعارف مكتسَبةً، ومع ذلك لما حللتَ لاهورَ، ادّعيتَ كأنك تكتب التفسير في الفور، تعاميتَ أو ما رأيتَ عند غلوائك، وفعلتَ ما فعلت وسدرتَ في خيلائك، وخدعتَ الناس بأغلوطاتك، ولوّنتهم بألوانِ خزعبيلاتك، وخدعتَ كلّ الخدع حتى أجاح القومَ جَهَلاتُك، وأهلك الناسَ حَيَواتُك. ثم ما تركتَ دقيقة من الإغلاظ والازدراء، وتفرّدتَ في كمال الزراية والسب والهذر والاستهزاء. وما قصدتَ لاهور إلا لطمعٍ في محامد العامّة، ولتُعَدَّ في أعينهم مِن حُماة المِلّة، ومِن مُواسِي الدينِ ومُعالِجِي هذه الغُمّةِ ببذل المال والهمّة، ولعلك تأمَنُ بهذا القدر حصائدَ الألسنة، ولا تُرهَق بالتَبِعة والمَعْتَبة، وليحسب الناسُ كأنك منزَّه عن مَعرّة اللَكَن، ولستَ كعِنِّينٍ في رجال اللَسَنِ، وليظنَّ العامةُ الذين هم كالأنعام، أنك رُزقتَ مِن كلّ علم وأُنعمتَ من أنواع الإنعام، وأُعطِيتَ بصيرةً تُدرِك منتهى العرفان، وإصابةً تُكمّل دائرةَ البيان، وفهمًا كفهمٍ ذَوّادٍ عن الزيغ والطغيان، وعقلاً كبازي يصيد طير البرهان، ونطقًا مؤيَّدًا بالحجج القاطعة المنيرة، ونفسًا متحلّيةً بأنواع المعارف وحسن السريرة، وتوفيقًا قائدًا إلى الرشد والسَّداد، وإلهامًا مُغْنِيًا عن غيرِ ربّ العباد. ثم ما بقي منك مِن تحميدك، كمَّله صَحْبُك في تأييدك، وأُنشِدَ الأشعار في ثنائك، وما تُرِكَ دقيقةٌ في إطرائك، ثم سبّوني وحقّروني بعد رفعك وإعلائك، وكانوا لا يلاقون أحدًا ولا يوافون رجلاً إلا ويذكرونني عندهم استخفافا، وأكلوا لحمي بالغِيبة فما أكلوا إلا سُمًّا زُعافًا.
الحمدلله_الحمدلله وحده_الحمدلله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد،يتابع المسيح الموعود_عليه الصلاة و السلام_ فيقول:
فلمّا بلغتْ إهانتهم منتهاها، وكَلَّمَني كَلِمُهم بمُداها، ووصل الأمر إلى مَداها، ورأيتُ أنهم جاروا كل الجَور، وأثاروا كالثور، وتركوا طريق الإنصاف، وسلكوا مسلك الاعتساف، وكثُر الهذَر والهذَيان، ومُلِئتْ بكلمات السبّ القلوبُ والآذان، وتاهت الخيالات وكُذّبت المعارف وصُدّقت الجهلات، أُلقِيَ في رُوعي أن أنجّي العامّةَ من أغلوطاتهم، وأُطفئ بقولٍ فَيْصلٍ ما سعّروا بتُرّهاتهم، وأكتب التفسيرَ وأُرِيَ الصغيرَ والكبير أنهم كانوا كاذبين. وما حملني على ذلك إلا قصدُ إفشاءِ كذبِ هذا المكّار، فإنه مكَر مكرًا كُبَّارًا، وأظهر كأنه من العلماء الكبار، وادّعى أنه يعلم القرآن وفاق الأقران، وحان أن يغلِبَ ويُعانَ.
والغرض من تفسيري هذا تفريق الظلام والضياء، وإراءةُ تضوُّعِ المسكِ بحذاءِ جيفة البَيداء، وإظهارُ خَدْعِ الخادعِ ومواساةُ الرجال والنساء، والاشفاقُ على العُمْي ومُتّبعي الأهواء، وقضاءُ خَطْبٍ كان كحقٍّ واجبٍ ودَينٍ لازمٍ لا يسقط بدون الأداء. فهذا هو الأمر الداعي إلى هذه الدعوة، مع قلّة الفرصة، ليكون تفسيرُ الفرقان فرقانًا بين أهل الهدى وأهل الضلالة. ولولا التصلّف وتطاوُلُ اللسان وإظهارُ شجاعة الجنان من هذا الجبان، لمررتُ بلَغْوِه مرور الكرام، وما جعلتُه غرضَ السهام، ولكنه هتَك سِتْرَه بيديه، فكان منه ما ورد عليه. وإنه كذب كذبًا فاحشا وما خافَ، بل خدع وزوَّر وأغرى عليّ الأجلافَ، وزعم نفسه كأنه صاحبُ الخوارق والكرامات، وعالِمُ القرآن وشارِبُ عينِ العرفان ومالِكُ الدقائق والنكات. فوجب علينا أن نُرِيَ الناس حقيقةَ ما ادّعاه، ونُظهِرَ ما أخفاه، ولولا الامتحان، لصعب التفريق بين الجماد والحيوان. وكنتُ أقدِر أن أُرِيَ ظالِعَه كالضليع وحُمُرَه كالأفراس، ولكن هذا مقام العَماس لا وقتَ عفوِ عِثار الناس. والمتكبّر ليس بحَرِيٍّ أن يقال عِثارُه وستر عُواره. وكذلك لا يليق به أن يُعرِض عن ذلك الخصام ويستقيل من هذا المقام، مع دعاوي العلم وكونِه من العلماء الكرام، بل ينبغي أن يُسبَر عقلُه، ويُعرَف حقله، وقد ادّعى أنه صبّغ نفسَه بألوان البلاغة كجُلودٍ تُحلَّى بالدِباغة، فإن كان هذا هو الحق ومن الأمور الصحيحة الواقعة، فأيُّ خوف عليه عند هذه المقابلة، بل هو مَحَلُّ الإبشار والفرحة، لا وقت الفزَع والرِعْدة، فإن كمالاتِه المخفيّةَ تظهَر عند هذا الامتحان والتجربة، ويرى الناسُ كلهم ما كان له مستورًا من الشأن والرتبة. ومن المعلوم أن قيمة المرء الكامل يزيد عند ظهور كماله، كما أن البئر يُحَبُّ ويُؤْثَر عند شربِ زُلاله. ولا يخفى أن القادر على تفسير القرآن، يفرح كلَّ الفرح عند السؤال عن بعض معارف الفرقان(( ولا يخفى أن القادر على تفسير القرآن، يفرح كلَّ الفرح عند السؤال عن بعض معارف الفرقان))، فإنه يعلم أن وقت إشراقِ كوكبه جاء، وحان أن يُعرَف ويُخزَى الأعداء، فلا يحزن ولا يغتمّ إذا دُعِيَ لمقابلة ونُوديَ لمناضلة، بل يزيد مسرّةً ويحسبها لنفسه كبشارة، أو كتفاؤُلٍ لإمارة، فإن العالم الفاضل لا يُقدَر حق قدره، إلا بعد رؤية أنوار بدره، ولا يخضَع له الأعناقُ بالكلّية إلا بعد ظهور جواهره المخفيّة.
وإنّا اخترنا الفاتحة لهذا الامتحان، فإنها أُمُّ الكتاب ومفتاح الفرقان((القرآن))، ومنبعُ اللؤلؤ والمرجان، وكوُكْنةٍ لطير العرفان. وليكتبْ كلٌّ منّا تفسيرها بعبارة تكون من البلاغة في أقصاها، وتنير القلبَ وتضاهي الشمسَ في بعض معناها، ليرى الناسُ مَن اقتعدَ منّا غارِبَ الفصاحة، وامتطى مطايا الملاحة، وليُعرَفَ أريبٌ حداه العقلُ إلى هذا الأَرَب، ويُعلَم أديبٌ ساقه الفهم إلى رياض العرب، وليُضمِّرَ كلٌّ منّا لهذا المراد كلَّ ما عنده من الجِياد، ويفري كلَّ طريق من الوِهاد والنِجاد، بزاد اليَراعِ والمِداد، ليشاهد الناسُ مَن تُداركه العناية الإلهية، وأخَذ بيده اليدُ الصمديّة،ليشاهد الناسُ مَن تُداركه العناية الإلهية، وأخَذ بيده اليدُ الصمديّة.
ومَن كان يزعم نفسه أنه هو العالم الربّاني، فليس عليه بعزيز أن يكتب تفسير السبع المثاني، مع رعايةِ مُلَحِ الأدب وشواردِ المعاني.
ثم إني أرخيتُ له الزمام كل الإرخاء، ووسّعتُ له الكلامَ لتسهيل الإنشاء، وكتبتُ من قبلُ في صحيفةٍ أشعتُها، ونميقةٍ إليه دفعتُها، أن ذلك الرجل الغُمْر إنْ لم يستطع أن يتولى بنفسه هذا الأمرَ، فله أن يُشرِك به من العلماء الزُّمَرَ، أو يدعو من العرب طائفةَ الأدباء، أو يطلب من صلحاء قومه همّةً ودعاءً لهذه اللأواء. وما قلتُ هذا القول إلا ليعلم الناس أنهم كلهم جاهلون، ولا يستطيع أحدٌ منهم أن يكتب كمثل هذا ولا يقدرون.
وليس من الصواب أن يقال إن هذا الرجل المدعوّ كان عالمًا في سابق الزمان، وأمّا في هذا الوقت فقد انعدم علمُه كثلج ينعدم بالذوبان، ونسَج عليه عناكبُ النسيان، فإن العلم الذي ادّعاه وحفظه ووعاه، وقرأه وتلاه، لا بدّ أن يكون له هذا العلمُ كدَرٍّ ربّاه، أو كسراجٍ أضاء بيتَه وجلاّه، فكيف يزول هذا العلم بهذه السرعة، ويخلو كظرفٍ منثلمٍ وِعاءُ الحافظةِ، وتنزل آفةٌ مُنسِيةٌ على المَدارك والجَنان، حتى لا يبقى حرف على لوحها إلى هذا القدر القليل من الزمان؟ وكيف تهبّ صراصر الذهول على علوم كُسبت بشِقّ النفس والقحول؟ ولو فرضنا أن آفة النسيان أجاحَ شجرةَ علمه من البنيان، وسقطتْ على زهر دِرايته صواعقُ الحرمان، فكيف نفرض أن هذا البلاء ورد على ألوف من العلماء الذين جُعلوا له كالشركاء، وأُشرِكوا في وِزْرِه كالوزراء؟ بل أُذِنَ له أن يطلب كلَّ ما استيسرَ له من الأدباء، لعلّه يكتب قولاً بليغًا ولا يتيهُ كالناقة العشواء.
ثم من المسلَّم أن الله يربّي عقول الصالحين، ((ثم من المسلَّم أن الله يربّي عقول الصالحين))، ويُسعِدهم بالهداية إلى طرق الروحانيين، ويذكِّرهم إذا ما ذهلوا معارفَ كلام الله القدّوس، ويُنْزِلُ السكينة عند الزلزال على النفوس، ويؤيّدهم بروحٍ منه، ويعضُد بالإعانة على الإبانة، ويتولى أمورهم ويميّزهم بالحصاة والرزانة، ويصرِفهم من السفاهة، ويعصِمهم من الغواية ويحفظهم في الرواية والدراية؛ فلا يقِفون موقفَ مندمة، ولا يرون يومَ تندُّمٍ ومنقصة، ولا تغرُبُ أنوارهم، ولا تخرُب دارهم. منابعهم لا تغور، وصنائعهم لا تبور. ويؤيَّدون في كل موطن ويُنصَرون، ويُرزَقون مِن كل معرفة ومِن كل جهل يُبعَدون. ولا يموتون حتى تُكمَّل نفوسهم فإذا كُمّلتْ فإلى ربهم يُرجَعون. فإن الله نور فيميل إلى النور، وعادتُه البدور إلى البُدور. ولما كانت هذه عادة الله بأوليائه، وسُنّته بعباده المنقطعين وأصفيائه، لزِم أن لا يرى عبدُه المقبول وجهَ ذلّةٍ، ولا يُنسَب إلى ضعف وعلّة، عند مقابلةٍ مِن أهل ملّة، ويفوقَ الكلَّ عند تفسير القرآن بأنواع علم ومعرفة. وقد قيل إن الوليّ يخرج من القرآن، والقرآن يخرج من الوليّ،(( وقد قيل إن الوليّ يخرج من القرآن، والقرآن يخرج من الوليّ، وقد قيل إن الوليّ يخرج من القرآن، والقرآن يخرج من الوليّ))،وإن خفايا القرآن لا يظهر إلا على الذي ظهر مِن يَدَيِ العليمِ العليّ. فإن كان رجلٌ مَلَكَ وحدَه هذا الفهمَ الممتاز، فمَثله كمثل رجل أخرجَ الرُكازَ، وما بذل الجهدَ وما رأى الارتمازَ، فهو وليُّ الله وشأنُه أعظمُ وذيله أرفعُ مِن همزِ الهَمّاز ولمزِ اللَمّاز. وما أُعطِيَ هذا الوليّ الفاني من معارف القرآن كالجَهاز، فهو معجزة بل هو أكبر من كل نوع الإعجاز. وأيّ معجزة أعظم من إعجازٍ قد وقَع ظِلَّ القرآنِ، وشابهَ كلامَ الله في كونه أبعدَ من طاقة الإنسان؟ وليس هذا الموطن إلا للمتّقين، ((وليس هذا الموطن إلا للمتّقين))،ولا تُفتَح هذه الأبواب إلا على الصالحين، ولا يمسّه إلا الذي كان من المطهَّرين. وإن الله لا يهدي كيد الخائنين الذين يجعلون المكائد منتجَعًا، والأكاذيب كهفًا ومرجَعًا، ولهم قلوبٌ كلَيْلٍ أردفَ أذنابَه، وظلامٍ مَدَّ إلى مدى الأبصار أطنابَه. لا يعلمون ما القرآن، وما العلم والعرفان؟ ومن لم يعلم القرآن، وما أُوتيَ البيان فهو شيطان أو يضاهي الشيطانَ، وما عرف الرحمنَ. وما كان لفاسق أن يبلُغ هذه المُنْية العَلِيّة، ولو شحَذ إليها النفسَ الدنيّة، بل هو يختار طريق الفرار، خوفًا من هتك الأستار، وظهور العِثار. وكذلك فعَل هذا الرجل الكائد، والمزوِّر الصائد، فانظروا كيف زوَّر، وأرى التهوّرَ، وقال لبّيتُ الدعوةَ وما لبّى، وقال عبّيتُ العسكر للخصام وما عبّى، وما بارزَ بل خدع وخَبَّ، وإلى جُحْرهِ أَبَّ. وتراءى نحيفًا ضعيفا وكان يُرِي نفسَه رجلاً بَبّا. وأخلدَ إلى الأرض وشابهَ الضبَّ. وما صعِد وما ثَبَّ، وجمَع الأوباش وما دعا الربَّ. وحقّرني وشتم وسبَّ، وتبِع الحيلَ وما صافى اللهَ وما أحبَّ، وما قطَع له العُلَقَ وما جَبَّ. وقال إني عالم والآن نجمُ علمِه أَزَبَّ، وكلُّ ما دبّر تَبَّ. وإنْ كان عالمًا فأيّ حرج على عالم أن يفسّر سورة من سور القرآن، ويكتب تفسيره في لسان الفرقان، بل يُحمَد لهذا ويُثنى عليه بصدق الجنان، ويُعلَم أنه من رجال الفضل والعلم والبيان، ويُشكَر بما ينفع الناسَ من معارفَ عُلِّمَ من الرحمن. فلذلك أقول إنه مَن كان يدّعي ذَرى المكانِ المنيع، فليبذُلْ الآن جُهْدَ المستطيع، ويُثبِت نفسَه كالضليع. ولا شكّ أن إظهار الكمال من سيرة الرجال وعادة الأبطال، لينتفع به الناس وليُخرَجَ به مسكينٌ من سجن الضلال. ولا يرضى الكاملُ بأن يعيش كمجهول لا يُعرَف، ونَكِرةٍ لا تُعرَّف. وإن الفضل لا تتبيّن إلا بالبيان، ولا يُعرَف الشمس إلا بالطلوع على البلدان.
الحمدلله_الحمدلله وحده_الحمدلله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد،يقول المسيح الموعود_عليه الصلاة و السلام_:
وإني ألزمتُ نفسي أن أكتب تفسيري هذا في إثباتِ ما أُرسلتُ به من الحضرة، وأن أفتحَ هذه الأبواب بمفاتيح "الفاتحة"، مع لطائف البيان ورعايةِ المُلَح الأدبية، والتزام الفصاحة العربية. ومن المعلوم أن نَمْقَ الدقائق الدينيّة، والرموز العلميّة، والإيماضات والإشارات، مع توشيح العبارات وترصيع الاستعارات، والتزامِ محاسن الكنايات، وحسن البيان ولطائف الإيماءات، أمرٌ قد عُدَّ من المعضلات، وخَطْبٌ حُسِبَ من المشكلات، وما جمَع هذين الضِدَّين إلا كتاب الله مظهر الآيات البيّنات، وماحِي الأباطيلِ والجهلات. وإن الشعراء لا يملكون أَعِنّةَ هذه الجِياد، فتنتشر كلماتهم انتشارَ الجَراد، ولكني سألتُ الله فأعطاني، وجئته عطشانَ فأرْواني((وجئته عطشانَ فأرْواني)) فنحن الموفَّقون، ونحن المؤيَّدون. تُواتينا الأقلام، كأنها السِهام والحُسام(( تُواتينا الأقلام، كأنها السِهام والحُسام))، ولنا من ربّنا كلامٌ تامّ وظلٌّ ظليل، فكلُّ رداء نرتديه جميل. ولنا جِبِلّةٌ لا تبلُغها الجبال، وقوّةٌ لا تُعجِزها الأثقال، وحالٌ لا تغيّرها الأحوال، وربٌّ لا تُرَدُّ مِن حضرته الآمال.
فحاصل الكلام أني من الله وكلامي من هذا العلاّم، وإني كتبتُ دعواي ودلائلها في هذا الكتاب، لأُسعِفَ الخصمَ بحاجته وأُنجيه من الاضطراب. فإن الخصم كان يدعوني إلى المباحثات، بعد ما دعوته لنَمْقِ التفسير في حُلل البلاغة ومحاسن الاستعارات. فلمّا لويتُ عِذاري وتصدّيتُ لاعتذاري من المناظرات، حمَل إنكاري على فراري من هذه الغَزاة، وما كان هذا إلا كيدًا منه وحيلةً للنجاة، ليستعصم من اللائمين واللائمات. وكان يعلم أن إعراضي كان لعهدٍ سبَق، وما كنتُ كعبدٍ أبَق، ولكنه طلَب الفرار بهذه المعاذير الكاذبة، لعل الناس يفهمونه بَطَلَ المضمارِ ومُتِمَّ الحجّةِ، فأردنا الآن أن نعطيه ما سأل ولا نردّه بالحرمان، ونجلِّي مَطلَعَ صدقِنا بنور البرهان، ونقطع معاذيره كلها بسيف البيان، لعلّ الله يجلو به صَدَأَ الأذهان، ويفهِّم ما لم يفهموه قبل هذا الميدان. فهذا هو السبب الموجِب لنمقِ الدعوى والدلائل، لئلا يبقى عذر للسائل.
وإن هذا التفسير جمَع المباحثات، مع اللطائف والنكات، فاليوم أدرك الخصمُ كلَّ ما طلب منا في حُلل المناظرات، مع أنه ترَك طرق الديانات، وتصدّى للأمر بأنواع الاهتضام والخيانات، وبقِي دَينُنا فعليه أن يقضي الدَين كرَدِّ الأمانات. وإني عاهدتُ الله أن لن أحضُر مواطنَ المباحثات، وأشعتُ هذا العهد في التأليفات، فما كان لي أن أنكُث العهود، وأعصيَ الربَّ الودود. فلأجل ذلك أغلقتُ هذا الباب، وما حضرتُ الخصم للبحث ولو عيَّبني واغتابَ، وإني كلّمتُه كالخليط فكلّمني بالتخليط. وقد دعوتُه من قبلُ ففرّ من شوكتي، ثم دعوتُ فهابَه هيبتي، وهذه ثالثة ليتمّ عليه حجّةُ الله وحجّتي. إنه مالَ إلى الزَّمر ومِلْنا إلى الذِّمار. إنه مالَ إلى الزَّمر ومِلْنا إلى الذِّمار. وإن المعارف منّا كبُعوثٍ جُمِّروا على الثغور مِن قِبل مَلِكِ الديار.
ثم اعلموا أن رسالتي هذه آية من آيات الله رب العالمين، وتبصرة لقوم طالبين، وإنها من ربي حجة قاطعة وبرهان مبين. كذلك، ليُذيق الأفّاكين قليلا مِن جزاء ذنوبهم، ويُرِيَ الناسَ ما ترشّح من ذَنوبهم، ويجنّبهم بمعجزة قاهرة، ويزيلَ اضطجاعَ الأمن مِن جنوبهم، ويستأصل راحة كاذبة من قلوبهم. والحق، والحق أقول، إنّ هذا كلام كأنه حُسام، وإنه قطع كلَّ نزاع وما بقي بعده خصام. ومن كان يظنّ أنه فصيح وعنده كلام كأنه بدر تام، فليأْتِ بمثله والصمتُ عليه حرام. وإنْ اجتمع آباؤهم وأبناؤهم، وأَكْفاؤهم وعلماؤهم، وحكماؤهم وفقهاؤهم، على أن يأتوا بمثل هذا التفسير، في هذا المَدى القليل الحقير، لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ كالظهير. فإني دعوتُ لذلك وإن دُعائي مستجاب، فلن تقدر على جوابه كُتّابٌ، لا شيوخ ولا شابّ. وإنه كنْز المعارف ومدينتها، وماء الحقائق وطِينتها، وقد جاء ألطفَ صُنعًا، وأرقَّ نسجًا، وأكثرَ حِكمًا، وأشرفَ لفظًا، وأقلَّ كَلِمًا، وأوفرَ معنًى، وأجلى بيانًا، وأسنى شأنًا. وما كتبتُه من حولي، وما كتبتُه من حولي، وإني ضعيف وكمثلي قولي، بل اللهُ وألطافُه أغلاقُ خزائنه، بل اللهُ وألطافُه أغلاقُ خزائنه، ومِن عنده أسرارُ دفائنه. جمعتُ فيه أنواع المعارف ورتّبتُ، وصفّفتُ شواردَ النكات وألجمتُ. مَن عرَفه عرَف القرآن، مَن عرَفه عرَف القرآن، ومن حسِبه كذبًا فقد مانَ. فيه باكورة العرفان، ودقائق الفاتحة والفرقان. فيه بلاد الأسرار وحصونها، وسَهْلُ الحقائق وحُزونها، وعيونُ البصيرة وعيونها، وخيلُ البراهين ومتونها. وذلك من بركات "أُمّ الكتاب"، وما اطّلعتُ عليها إلا بعد تفهيمِ ربي التوّاب. فإنها سورة لا تُطوى عَرْصتُها بإنضاء المراكب، ولا يبلُغ نُورَها نورُ الكواكب. ولما كان الظالمون نسبوني إلى الهزيمة، أعوزَني فِرْيتُهم هذه إلى تفسير سورة الفاتحة، ولما كان الظالمون نسبوني إلى الهزيمة، أعوزَني فِرْيتُهم هذه إلى تفسير سورة الفاتحة، لأُخلِّصَ نفسي من النواجذ والأنياب، فإن صول الكلاب أهون من صول المفتري الكذّاب. وهذا من فضل الله ورحمته ليكون آية للمؤمنين، وحسرة على المنكرين، وحجّة على كل خصم إلى يوم الدين، وهدًى للمتقين، وليعلمَ الناسُ أن الفوزَ بصدق المقال، لا بالتصلّف كالجهّال، والفتحَ بطهارة البال، لا بعَذِرةِ الأقوال التي هي كالأبوال، وصلاحَ الحال بسلاح العلم والكمال، لا بالاحتيال والاختيال. فويلٌ للذين قصدوا الفتح بالمكائد، ورصدوا مواضعها كالصائد. وإنْ هو إلا مِن أحكم الحاكمين، ينصر من يشاء ويكفل الصالحين، فيندمل جريحهم، ويستريح طَلِيحُهم، ولا تركُد ريحهم، ولا تخمُد مصابيحهم. ومنصورُه يُملأ مِن علم الفرقان ولسان العرب، كما يُملأ الدلوُ إلى عَقْدِ الكَرَبِ. وإنه أنا ولا فخرَ، وإن دعائي يذيب الصخر. وإن يومي هذا يوم الفتح ويوم الضياء، بعد الليلة الليلاء. اليوم خرِس الذين كانوا يهذِرون، وغُلّتْ أيديهم إلى يوم يبعثون. وكنتُ أطوف حول هذه الأوراق، كسائل يطوف في السِكك والأسواق، فأراني الله ما أراني، وسقاني ما سقاني، فوافيتُ دُروبَها كما هداني، وأُعطيَ لي ما سألتُ، وفُتح عليّ فحللتُ. وكلّ ما رقَمتُ فهو من أنفاس العلاّم، لا من أفراس الأقلام، فما كان لي أن أقول إني أعلمُ مِن غيري، أو زاد منهم سَيري، ولا أقول إنّ روحي التفَّ بأرواحِ فتيان كانوا من الأدباء، أو غالت نفسي جميعَ نفائس الإنشاء، ولا أدّعي أني انتهيت إلى فِناء منتهى الأدب، أو أكلتُ كلَّ باكورة من المعاني النُخَب، بل دعوتُ مُخدَّراتِه فوافتْني فتياتُه، فقبِلهن فتاه مفترّةً شفتاه متهلّلاً مُحيّاه. فلا تستطلعوني طِلْعَ أديبٍ، فلا تستطلعوني طِلْعَ أديبٍ، وما أنا في بلدة الأدب إلا كغريبٍ. وما أنا في بلدة الأدب إلا كغريبٍ. وكل ما ترون مني فهو من تأييد ربي، ومِن حضرةٍ ألقيتُ بها جِراني ومِن حضرةٍ ألقيتُ بها جِراني وحملتُ إليها إِرْبي، وإنه في العُقبى وهذه حِبّي.
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد : يتابع المسيح الموعود عليه السلام حديثه فيقول : وإني مسيحه وحماري حِمارةُ حفِظه، ولُطفه قَتَبي. ولولا فضل الله ورحمته لكان كلامي ككَلِمِ حاطبِ ليلٍ، أو كغُثاءِ سيلٍ. وواللهِ إني ما قدرتُ على هذا بقريحةٍ وقّادة، بل بفضل من الله وسعادة. وإن هذه المخدَّرة ما سفَرت عن وجهها بيدي القصيرة،(( المخدرة يعني البنت العذراء )) ولكن بفضل الله وعناياته الكثيرة، فإنه رأى الإسلام كسقيم في مَوماةٍ، فيه رَمَقُ حياةٍ، ساقطًا على صَلاة، كقذائفِ فلواتٍ، وعلاه صَغارٌ، وعليه أطمار، فأدركَه كإدراك عِهاد، لسَنَةٍ جَمادٍ، ورحَض وجهَه وأزال وَسَخَ مِئِينَ، وصبَّ عليه الماءَ المَعينَ. فبعث عبدًا من عباده لإتمام الحجة، وأودعَ كلامَه إعجازًا ليكون ظِلاًّ للمعجزة النبوية - عليه ألوف الصلاة والتحية - ولا يمَسُّ منه منقصةُ شأنِ كلام ربّ الكائنات، فإن الكراماتِ أظلال للمعجزات. وكذلك دمّر الله كلَّ ما دبّر العِدا كالصائد، وهدّم كلّ ما بنوا من المكائد، وأبطلَ كلّ ما حقّقوا مكيدةً، وأخّرَ كلَّ ما قدّموا حَرْبةً، وعطّل كلَّ ما نصبوا حيلةً، وهدّم كلّ ما أشادوا بروجًا مشيَّدة، وأطفأَ كلَّ ما أوقدوا نارًا، وأغلق الدروب كلما أرادوا فرارًا، فما كان في وسعهم أن يبارزوا كأبطال المضمار، أو يخرجوا من هذا السجن بتسوُّر الخنادق والأسوار. وما قدّموا قَدَمًا إلا رجعوا بأنواع النَكال، حتى جاء وقت هذا التفسير الذي هو آخر نبل من النِبال، وإنّا كمّلناه بفضل الله ذي الجلال، وجاء أرسى وأرسخَ من الجبال، وصار كحصنٍ حَصينٍ بُنِيَ بالأحجار الثقال، وإنه بلغ حدَّ الإعجاز من الله الفعّال، وإنه محفوظ مِن قصد العدوّ المدحور الضالّ. وانتصفْنا به من العِدا بعضَ الانتصاف، وكسَرْنا خيامًا ضربوها وقِبابًا نصبوها في المصافّ. وكان هذا الأمر صعبًا ولكن الله ألانَ لي شديدًا، وأدنى إليّ بعيدًا، ونقل العدوَّ من السعة إلى المضايق، وأعمى أبصاره وصرَف همّته عن العلوم والحقائق، وألقى الرعب في قلوبهم، وأخذهم بذنوبهم، فنبذوا سلاحهم، وتركوا لِقاحهم، وأنفدوا وَجاحَهم، وقوّضوا قِبابَهم، ونثَلوا جِعابهم، ونفَضوا جِرابهم، وأرَوا من العجز أنيابهم، وأذِن لهم أن يأتوا بجميع جنودهم مِن خيلها ورَجِلِها، وحَفْلِها وجَحْفلِها، وزُمَرِها وقوافلها، فصاروا كمَيتٍ مقبور، أو زيتِ سراج احترق وما بقي معه من نور. وسكّتْنا مَن بارز مِن صغيرهم وكبيرهم، وأَوْكَفْنا مَن نهَق من حميرهم، فما كانوا أن يتحركوا من المكان، أو يميلوا من السِنَةِ إلى السِنان، بل جرّبنا مِن شَرْخِ الزمن إلى هذا الزمان، أن هؤلاء لا يستطيعون أن يبارزونا في الميدان، وليس فيهم إلا السب والشتم قاعدين في الحجرات كالنسوان. يفرّون من كل مأزقٍ، ويتراءى أطمارُهم مِن تحتِ يَلْمَقٍ، ثم لا يُقرّون ولا يتندّمون، ولا يتقون الله ولا يرجعون. فهذا التفسير عليه سهمٌ من سهام، وكَلْمٌ بكلام، لعلهم ينتبهون، وإلى الله يتوبون.
وإنّا شرَطْنا فيه أن لا يجاوز فريق منّا سبعين يومًا، ومَن جاوز فلن يُقبَل تفسيره ويستحقّ لومًا. وكذلك من الشرائط أن لا يكون التفسير أقلَّ من أربعة أجزاء، وهذه شروط بيني وبين خصمي على سواء، وقد شهرناها من قبل وبلّغناها إلى الأحباب والأعداء، بعد الطبع والإملاء.
والآن نشرع في التفسير بعون الله النصير القدير، ورتّبناه على أبواب لئلا يشقّ على طُلاّب. ومع ذلك سلَكْنا مسلكَ الوسط ليس بإيجازٍ مُخِلٍّ، ولا إطنابٍ مُمِلٍّ. وإنه له عن هذا العاجز كالعِجْزة، وأُخرِجَ مِن رَحِمِ القَدر برَحْمٍ من الله ذي العزّة، في أيام الصيام وليالي الرحمة. وسمّيتُه "إعجاز المسيح في نَمْق التفسير الفصيح". وإني أُرِيتُ مبشِّرةً في ليلة الثلاثاء، إذ دعوتُ الله أن يجعله معجزة للعلماء، ودعوتُ أن لا يقدر على مثله أحدٌ من الأدباء، ولا يُعطَى لهم قدرةٌ على الإنشاء، فأُجيبَ دعائي في تلك الليلة المباركة من حضرة الكبرياء، وبشّرني ربي وقال: "منَعه مانعٌ من السماء". ففهمتُ أنه يشير إلى أن العدا لا يقدرون عليه، ولا يأتون بمثله ولا كصِفَتَيْه. وكانت هذه البشارة من الله المنّان، في العشر الآخر من رمضان، الذي أُنزلَ فيه القرآن، ثم بعد ذلك كُتب فيه هذا التفسير، بعون الله القدير.
رَبِّ اجعَلْ أفئدةً من الناس تهوي إليه، واجعلْه كتابًا مباركًا وأنزِلْ بركاتٍ من لدنك عليه، فإنّا توكّلنا عليك، فانصرْنا مِن عندك وأيّدنا بيديك، وكفّلْ أمرنا كما كفّلتَ السابقين من الصالحين، واستجبْ هذه الدعواتِ كلَّها وإنّا جئناك متضرعين، فكُنْ لنا في الدنيا والدين. آمين.
الباب الأول
في ذكر أسماء هذه السورة وما يتعلق بها
اعلمْ أن هذه السورة لها أسماء كثيرة، فأوّلُها فاتحة الكتاب، وسُمّيتْ بذلك لأنه يُفتتح بها في المصحَف وفي الصلاة وفي مواضع الدعاء من ربّ الأرباب. وعندي أنها سُمّيتْ بها لِما جعَلها الله حَكَمًا للقرآن، ومُلِئَ فيها ما كان فيه من أخبار ومعارف من الله المنّان. وإنها جامعة لكل ما يحتاج الإنسان إليه في معرفة المبدأ والمعاد كمثل الاستدلال على وجود الصانع وضرورة النبوة والخلافة في العباد. ومِن أعظم الأخبار وأكبرها أنها تبشّر بزمان المسيح الموعود وأيام المهدي المعهود، وسنذكره في مقامه بتوفيق الله الودود. ومن أخبارها أنها تبشّر بعمر الدنيا الدنيّة، وسنكتبه بقوة من الحضرة الأحديّة.
وهذه هي الفاتحة التي أخبر بها نبي من الأنبياء، وقال إني رأيتُ ملَكًا قويًّا نازلاً من السماء، وفي يده "الفاتحة" على صورة الكتاب الصغير، فوقَع رجلُه اليمنى على البحر واليسرى على البر بحكم الرب القدير، وصرخ بصوت عظيم كما يزْأَر الضِرغام، وظهرت الرعود السبعة بصوته وكلٌّ منها وُجِد فيه الكلام، وقيل: اختِمْ على ما تكلّمتْ به الرعود، ولا تكتبْ، كذلك قال الرب الودود. والملَك النازل أقسمَ بالحيّ الذي أضاء نورُه وجهَ البحار والبلدان، أن لا يكون زمان بعد ذلك الزمان بهذا الشأن.
وقد اتفق المفسرون أن هذا الخبر يتعلق بزمان المسيح الموعود الربّاني، فقد جاء الزمان وظهرت الأصوات السبعة من السبع المثاني. وهذا الزمان للخير والرشد كآخر الأزمنة، ولا يأتي زمان بعده كمثله في الفضل والمرتبة. وإنّا إذا ودّعْنا الدنيا فلا مسيحَ بعدنا إلى يوم القيامة، ولا ينْزل أحدٌ من السماء ولا يخرج رأسٌ من المغارة، إلا ما سبق من ربي قولٌ في الذرّيّة•((اي من كان من سلسلة المسيح الموعود_عليه الصلاة و السلام_)) وإنّ هذا هو الحق، وقد نزل مَن كان نازلاً من الحضرة، وتشهد عليه السماء والأرض ولكنكم لا تطّلعون على هذه الشهادة، وستذكرونني بعد الوقت، والسعيدُ مَن أدرك الوقت وما أضاعه بالغفلة.
ثم نرجع إلى كَلِمِنا الأولى، فاسمعوا مني يا أولي النهى. إن للفاتحة أسماء أخرى، منها سورة الحمد، بما افتُتح بحمد ربنا الأعلى. ومنها أُمُّ القرآن بما جمعتْ مطالبَه كلها بأحسن البيان، وتأبّطتْ كصَدَفٍ دُرَرَ الفرقان، وصارت كعُشٍّ لطير العرفان. فإن القرآن جمع علوما أربعة في الهدايات: (1) علم المبدأ، (2) وعلم المعاد، (3) وعلم النبوّة، (4) وعلم توحيد الذات والصفات. ولا شك أن هذه الأربعة موجودة في الفاتحة، ومَوءودة في صدور أكثر علماء الأمّة، يقرأونها وهي لا تجاوز من الحناجر، لا يفجّرون أنهارها السبعة بل يعيشون كالفاجر.
ومن الممكن أن يكون تسمية هذه السورة بأُمّ الكتاب، نظرًا إلى غاية التعليم في هذا الباب، فإن سلوك السالكين لا يتمّ إلا بعد أن يستولي على قلوبهم عزّةُ الربوبية وذلّةُ العبودية، ولن تجد مرشدًا في هذا الأمر كهذه السورة من الحضرة الأحدية. ألا ترى كيف أظهرَ عزّةَ الله وعظمته بقوله: (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ)، إلى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، ثم أظهر ذلّةَ العبد وهوانه وضعفه بقوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين).
ومن الممكن أن يكون تسميةُ هذه السورة به نظرًا إلى ضرورات الفطرة الإنسانية، وإشارةً إلى ما تقتضي الطبائع بالكسب أو الجواذب الإلهية، فإن الإنسان يحبّ لتكميل نفسه أن يحصل له علمُ ذات الله وصفاته وأفعاله، ويحبّ أن يحصل له علمُ مرضاته بوسيلة أحكامه التي تنكشف حقيقتها بأقواله. وكذلك تقتضي روحانيته أن تأخذ بيده العنايةُ الربانية، ويحصل بإعانته صفاءُ الباطن والأنوارُ والمكاشفات الإلهية. وهذه السورة الكريمة مشتملة على هذه المطالب، بل وقعتْ بحُسن بيانها وقوة تبيانها كالجالب.
ومن أسماء هذه السورة "السبع المثاني". وسبب التسمية أنها مُثنّى، نصفُها ثناءُ العبد للرب ونصفُها عطاء الرب للعبد الفاني.
وقيل إنها سُمّيت المثاني بما أنها مستثناة من سائر الكتب الإلهية، ولا يوجد مثلها في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الصحف النبوية.
وقيل إنها سُمّيت مثاني لأنها سبع آيات من الله الكريم، وتعدِل قراءةُ كل آية منها قراءةَ سُبْعٍ من القرآن العظيم.
وقيل سُمّيت سبعًا إشارةً إلى الأبواب السبعة من النيران، ولكل منها جزءٌ مقسوم يدفَع شُواظَها بإذن الله الرحمن. فمن أراد أن يمرّ سالمًا مِن سبع أبواب السعير، فعليه أن يدخل هذه السبعَ ويستأنس بها ويطلب الصبرَ عليها من الله القدير. وكل ما يُدخِل في جهنم من الأخلاق والأعمال والعقائد، فهي سبعُ موبقات من حيث الأصول، وهذه سبعٌ لدفع هذه الشدائد.
الحمدلله،الحمدلله وحده،الحمدلله وحده والصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد،يتابع المسيح الموعود_عليه الصلاة و السلام_فيقول:
ولها أسماء أخرى في الأخبار، وكفاك هذا فإنه خزينة الأسرار. ومع ذلك حصرُ هذا التعداد إشارةٌ إلى سنوات المبدأ والمعاد، أعني أن آياتِها السبعَ إيماءٌ إلى عمر الدنيا فإنها سبعة آلاف، ولكل منها دلالة على كيفيةِ إيلاف. والألف الأخير في الضلال كبير،والألف الأخير في الضلال كبير، وكان هذا المقام يقتضي هذا الإعلام كما كفلتِ الذِكرَ إلى معاد من ائْتِناف.
وحاصل الكلام أن الفاتحة حصنٌ حَصين، ونور مبين، ومعلِّم ومُعين. وإنها يحصن أحكامَ القرآن من الزيادة والنقصان كتحصين الثغور بإمرار الأمور. ومَثلها كمثل ناقة تحمل كل ما تحتاج إليه، وتوصل إلى ديار الحِبّ مَن ركب عليه، وقد حُمل عليها مِن كل نوعِ الأزواد والنفقات، والثياب والكسوات. أو مثلها كمثل بِركةٍ صغيرٍ، فيها ماء غزير، كأنها مجمعُ بحار، أو مجرى قَلَهْذَمٍ زخّارٍ. وإني أرى أن فوائد هذه السورة الكريمة ونفائسها لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وليس في وُسع الإنسان أن يحصيها وإنْ أنفدَ عمرًا في هذا الهوى. وإن أهل الغيّ والشقاوة ما قدروها حق قدرها من الجهل والغباوة، وقرأوها فما رأوا طِلاوتها مع تكرار التلاوة. وإنها سورة قويُّ الصول على الكَفَرة، سريعُ الأثر على الأفئدة السليمة، ومَن تأمّلَها تأمُّلَ المنتقد، وداناها بفكر منير كالمصباح المتّقد، ألفاها نورَ الأبصار ومفتاح الأسرار. وإنه الحق بلا ريب، ولا رَجْمٌ بالغيب. وإن كنتَ في شكٍّ فقُمْ وجرّبْ واترك اللغوب والأيْن، ولا تسأل عن كيف وأينَ.
ومن عجائب هذه السورة أنها عَرَّفَ اللهَ بتعريف ليس في وُسْع بشرٍ أن يزيد عليه. فندعو الله أن يفتح بيننا وبين قومنا بالفاتحة، وإنّا توكلنا عليه. آمين يا رب العالمين.
الباب الثاني
في شرح ما يقال عند تلاوة الفاتحة والقرآن العظيم أعني: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
اعلم يا طالبَ العرفان، أنه مَن أحلَّ نفسَه محلَّ تلاوة الفاتحة والفرقان، فعليه أن يستعيذ من الشيطان، كما جاء في القرآن، فإن الشيطان قد يدخل حِمَى الحضرةِ كالسارقين، ويدخل الحَرَمَ العاصم للمعصومين، فأراد الله أن ينجّي عباده من صَوْل الخنّاس عند قراءة الفاتحة وكلام رب الناس، ويدفعه بحربة منه ويضع الفأس في الرأس، ويخلّص الغافلين من النُعاس؛ فعلَّم كلمةً منه لطردِ الشيطان المدحور إلى يوم النشور. وكان سرّ هذا الأمر المستور، أن الشيطان قد عادى الإنسانَ من الدهور، وكان يريد إهلاكه من طريق الإخفاء والدُّمُور، وكان أحبَّ الأشياء إليه تدمير الإنسان، ولذلك ألزمَ نفسَه أن تصغي إلى كل أمر ينْزل من الرحمن لدعوة الناس إلى الجِنان، ويبذل جهده للإضلال والافتنان. فقدّر الله له الخيبةَ والقوارع ببعث الأنبياء، وما قتَله بل أنظرَه إلى يومٍ تُبعث فيه الموتى بإذن الله ذي العزة والعلاء. وبشّر بقتله في قوله: (الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)، فتلك هي الكلمة التي تُقرأ قبل قوله: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وهذا الرجيم هو الذي ورد فيه الوعيد، أعني الدجّال الذي يقتله المسيح المُبيد. والرجمُ القتلُ كما صُرّح به في كتب اللسان العربية. فالرجيم هو الداجل الذي يُغال في زمان من الأزمنة الآتية. وعدٌ من الله الذي يخول على أهله ولا تبديلَ للكَلِمِ الإلهية. فهذه بشارة للمسلمين من الله الرحيم، وإيماءٌ إلى أنه يقتل الدجّال في وقتٍ كما هو المفهوم من لفظ الرجيم.
يقول المسيح الموعود تحت لفظ : أشـعــار
ومعنى الرَّجْمِ في هذا المقــامِ
كما عُـلِّـمتُ مِن ربِّ الأَنامِ
هـو الإعضـالُ إعضالُ اللِّئامِ
وإسكاتُ العِدا كَهْفِ الظلامِ
وضربٌ يختلي أصلَ الخِصـامِ
ولا نعـني به ضَـرْبَ الحُسامِ
ترى الإسلامَ كُـسِّرَ كالعِظامِ
وكَمْ مِـن خامِلٍ فاقَ العِظامِ
فنادَى الوقـتُ أيّـامَ الإمـامِ
لِتُنجَى المسلمونَ مِـن السِّهامِ
فـلا تعجَلْ وفكِّرْ في الكـلامِ
أليسَ الوقت وقــتَ الانتقامِ
أَتى فـوجُ الملائكـةِ الكِـرامِ
بِكَفِّ المصطفى أَضْحَى الزِّمامِ
وقد أتى زمان تهلكُ فيه الأباطيل ولا تبقى الزور والظلام، وتفنى المللُ كلها إلا الإسلام، وتُملأُ الأرضُ قسطًا وعدلاً ونورًا، كما كانت مُلئت ظلمًا وكفرًا وجَورًا وزورًا، فهناك تقتل مَن سبق الوعيد لتدميره، ولا نعني من القتل إلا كسر قوّته وتنجية أسيرِه.
فحاصل الكلام أن الذي يقال له الشيطان الرجيم، هو الدجّال اللئيم والخنّاس القديم، وكان قتله أمرًا موعودًا، وخَطْبًا معهودًا، ولذلك ألزمَ الله كافّةَ أهل الملّة، أن يقرأوا لفظ "الرجيم" قبل قراءة الفاتحة وقبل البسملة، ليتذكر القارئ أن وقت الدجّال لا يجاوز وقتَ قومٍ ذُكروا في آخر آية من هذه الآيات السبعة. ليتذكر القارئ أن وقت الدجّال لا يجاوز وقتَ قومٍ ذُكروا في آخر آية من هذه الآيات السبعة. ليتذكر القارئ أن وقت الدجّال لا يجاوز وقتَ قومٍ ذُكروا في آخر آية من هذه الآيات السبعة. في آخر الزمان . وكان قدرُ الله كُتِبَ مِن بدء الأوان أنه يقتُل الرجيم المذكور في آخر الزمان، ويستريح العبادُ مِن لدغ هذا الثعبان. فاليوم وصل الزمان إلى آخر الدائرة، فاليوم وصل الزمان إلى آخر الدائرة، وانتهى عمر الدنيا كالسبع المثاني إلى السابعة من الألوف الشمسية والقمرية. اليوم تجلّى الرجيم في مظهرٍ هو له كالحُلل البروزية، واختُتم أمرُ الغيّ على قوم اختُتمَ عليه آخرُ كَلِمِ الفاتحة. ولا يفهم هذا الرمزَ إلا ذو القريحة الوقّادة، ولا يُقتَل الدجّال إلا بالحربة السماوية، أَي بفضلٍ من الله لا بالطاقة البشرية، فلا حربَ ولا ضربَ ولكن أمرٌ نازل من الحضرة الأحدية. وكان هذا الدجّال يبعث بعض ذراريه في كل مائة من مِئِينَ، ليُضِلّ المؤمنين والموحّدين والصالحين والقائمين على الحق والطالبين، ويهُدّ مبانيَ الدين، ويجعل صحف الله عِضِينَ. وكان وعدٌ من الله أنه يُقتَل في آخر الزمان، ويغلب الصلاحُ على الطلاح والطغيان، وتُبدَّل الأرض ويتوب أكثر الناس إلى الرحمن، وتُشرِق الأرض بنور ربّها، وتخرج القلوب من ظلمات الشيطان. فهذا هو موت الباطل وموت الدجّال وقتل هذا الثعبان. أم يقولون إنه رجل يُقتَل في وقت من الأوقات؟ كلا.. بل هو شيطان رجيم أبو السيئات، يُرجَم في آخر الزمان بإزالة الجهلات، واستيصال الخزعبيلات. وعدٌ حقٌّ من الله الرحيم، كما أُشير في قوله: (الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ). فقد تمّت كلمة ربنا صدقًا وعدلاً في هذه الأيام، ونظَر الله إلى الإسلام، بعدما عنَّتْ به البلايا والآلام، فأنزل مسيحَه لقتل الخنّاس وقطع هذا الخصام. وما سُمِّيَ الشيطان رجيمًا إلا على طريق أنباء الغيب، فإن الرجم هو القتل من غير الريب. ولما كان القدر قد جرى في قتل هذا الدجّال عند نزول مسيح الله ذي الجلال، أخبر الله مِن قبل هذه الواقعة تسليةً وتبشيرًا لقوم يخافون أيام الضلال.
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد : يقول المسيح الموعود عليه الصلاة و السلام : فحاصل الكلام أن الذي يقال له الشيطان الرجيم، هو الدجّال اللئيم والخنّاس القديم، وكان قتله أمرًا موعودًا، وخَطْبًا معهودًا، ولذلك ألزمَ الله كافّةَ أهل الملّة، أن يقرأوا لفظ "الرجيم" قبل قراءة الفاتحة وقبل البسملة، ليتذكر القارئ أن وقت الدجّال لا يجاوز وقتَ قومٍ ذُكروا في آخر آية من هذه الآيات السبعة. في آخر الزمان . وكان قدرُ الله كُتِبَ مِن بدء الأوان أنه يقتُل الرجيم المذكور في آخر الزمان، ويستريح العبادُ مِن لدغ هذا الثعبان. فاليوم وصل الزمان إلى آخر الدائرة، فاليوم وصل الزمان إلى آخر الدائرة، وانتهى عمر الدنيا كالسبع المثاني إلى السابعة من الألوف الشمسية والقمرية. اليوم تجلّى الرجيم في مظهرٍ هو له كالحُلل البروزية، واختُتم أمرُ الغيّ على قوم اختُتمَ عليه آخرُ كَلِمِ الفاتحة. ولا يفهم هذا الرمزَ إلا ذو القريحة الوقّادة، ولا يُقتَل الدجّال إلا بالحربة السماوية، أَي بفضلٍ من الله لا بالطاقة البشرية، فلا حربَ ولا ضربَ ولكن أمرٌ نازل من الحضرة الأحدية. وكان هذا الدجّال يبعث بعض ذراريه في كل مائة من مِئِينَ، ليُضِلّ المؤمنين والموحّدين والصالحين والقائمين على الحق والطالبين، ويهُدّ مبانيَ الدين، ويجعل صحف الله عِضِينَ. وكان وعدٌ من الله أنه يُقتَل في آخر الزمان، ويغلب الصلاحُ على الطلاح والطغيان، وتُبدَّل الأرض ويتوب أكثر الناس إلى الرحمن، وتُشرِق الأرض بنور ربّها، وتخرج القلوب من ظلمات الشيطان. فهذا هو موت الباطل وموت الدجّال وقتل هذا الثعبان. أم يقولون إنه رجل يُقتَل في وقت من الأوقات؟ كلا.. بل هو شيطان رجيم أبو السيئات، يُرجَم في آخر الزمان بإزالة الجهلات، واستيصال الخزعبيلات. وعدٌ حقٌّ من الله الرحيم، كما أُشير في قوله: (الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ). فقد تمّت كلمة ربنا صدقًا وعدلاً في هذه الأيام، ونظَر الله إلى الإسلام، بعدما عنَّتْ به البلايا والآلام، فأنزل مسيحَه لقتل الخنّاس وقطع هذا الخصام. وما سُمِّيَ الشيطان رجيمًا إلا على طريق أنباء الغيب، فإن الرجم هو القتل من غير الريب. ولما كان القدر قد جرى في قتل هذا الدجّال عند نزول مسيح الله ذي الجلال، أخبر الله مِن قبل هذه الواقعة تسليةً وتبشيرًا لقوم يخافون أيام الضلال.
الباب الثالث
في تفسير آية : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم )
(( وسوف نأخذ تفسير البسملة على ثلاثة أجزاء ، بأمر الله تعالى ، يقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام )): اعلم، وهب لك الله عِلم أسمائه، وهداك إلى طرق مرضاته وسبل رضائه، أن الاسم مشتق من الوسم الذي هو أثرُ الكَيِّ في اللسان العربية، يقال: "اتّسمَ الرجلُ" إذا جعَل لنفسه سِمةً يُعَرف بها ويُميَّز بها عند العامة، ومِنه: سَمْتُ البعيرِ ووِسامُه عند أهل اللسان، وهو ما وُسِمَ به البعير من ضُروب الصور ليُعِين للعرفان. ومنه ما يقال: إني توسّمتُ فيه الخيرَ وما رأيت الضَير، أي تفرّستُ فما رأيت سِمةَ شرٍّ في محيّاه، ولا أثرَ خبثٍ في مَحياه. ومنه الوَسْمِيّ الذي هو أوّلُ مطر من أمطار الربيع، لأنه يَسِمَ الأرضَ إذا نزل كالينابيع، ويقال: "أرض موسومة" إذا أصابها الوسميّ في إبّانه، وسكّن قلوب الكُفّار بجريانه. (( والكفار هنا اي الفلاحين )) ومنه موسم الحج والسوق وجميع مواسم الاجتماع، لأنها معالم يُجتمع إليها لنوعِ غرض من الأنواع. ومنه المِيسَم الذي يُطلق على الحسن والجمال، ويُستعمل في نساءٍ ذات ملاحة في أكثر الأحوال. وقد ثبت مِن تتبّع كلام العرب ودواوينهم، وقد ثبت مِن تتبّع كلام العرب ودواوينهم، أنهم كانوا لا يستعملون هذا اللفظ كثيرًا إلا في موارد الخير من دنياهم ودينهم.
وأنت تعلم أن اسم الشيء عند العامة ما يُعرَف به ذلك الشيءُ، وأما عند الخواص وأهل المعرفة فالاسم لأصل الحقيقة الفَيْءُ، بل لا شكّ أن الأسماء المنسوبة إلى المسمَّيات من الحضرة الأحدية، قد نزلت منها منـزلةَ الصُوَر النوعيّة، وصارت كوُكْناتٍ لطيورِ المعاني والعلوم الحِكمية. وكذلك اسمُ الله والرحمن والرحيم في هذه الآية المباركة، فإن كل واحد منها يدل على خصائصه وهويّته المكتومة.
والله اسمٌ للذات الإلهية الجامعة والله اسمٌ للذات الإلهية الجامعة لجميع أنواع الكمال، والرحمنُ والرحيم يدلاّن على تحقُّق هاتين الصفتين لهذا الاسم المستجمِع لكل نوع الجمال والجلال. ثم للرحمن معنى خاص يختص به ولا يوجد في الرحيم، وهو أنه مُفيضٌ لوجود الإنسان وغيره من الحيوانات بإذن الله الكريم، بحسب ما اقتضى الحِكَمُ الإلهية من القديم، وبحسب تحمُّلِ القوابل لا بحسب تسوية التقسيم. وليس في هذه الصفة الرحمانية دخلُ كسبٍ وعملٍ وسعيٍ من القوى الإنسانية أو الحيوانية، بل هي مِنّةٌ من الله خاصّةٌ ما سبقها عملُ عامل، بل هي مِنّةٌ من الله خاصّةٌ ما سبقها عملُ عامل، ورحمةٌ من لدنه عامّةٌ ما مسَّها أثرُ سعيٍ من ناقصٍ أو كامل. فالحاصل أن فيضان الصفة الرحمانية ليس هو نتيجة عملٍ ولا ثمرة استحقاق، بل هو فضل من الله مِن غير إطاعة أو شِقاق. وينْزل هذا الفيض دائما بمشيّة من الله وإرادة، مِن غير شرطِ إطاعة وعبادة وتُقاة وزهادة. وكان بناءُ هذا الفيض قبْلَ وجود الخليقة وقبل أعمالهم، وكان بناءُ هذا الفيض قبْلَ وجود الخليقة وقبل أعمالهم، وقبل جهدهم وقبل سؤالهم، فلأجل ذلك توجد آثار هذا الفيض قبل آثار وجود الإنسان والحيوان، وإنْ كان ساريًا في جميع مراتب الوجود والزمان والمكان والطاعة والعصيان. ألا ترى أن رحمانية الله تعالى وسِعت الصالحين والظالمين، وترى قمره وشمسه يطلُعان على الطائعين والعاصين، وأنه أعطى كلَّ شيء خَلْقَه وكفَل أمرَ كلِّهم أجمعين. وما من دابّة إلا على الله رزقها ولو كان في السماوات أو في الأرضين، وأنه خلَق لهم الأشجار وأخرج منها الثمار والزهر والرياحين. وإنها رحمة هيّأها الله للنفوس قبل أن يبرَأها وإن فيها تذكرة للمتّقين. وقد أعطى هذه النعم مِن غير العمل ومن غير الاستحقاق، من الله الراحم الخلاّق. ومنها نعماء أخرى من حضرة الكبرياء، وهي خارجة من الإحصاء، كمِثل خلقِ أسباب الصحة وأنواع الحيل والدواء لكل نوع من الداء، وإرسالِ الرسل وإنزال الكتب على الأنبياء. وهذه كلها رحمانية من ربنا أرحم الرحماء، وفضلٌ بحتٌ ليس مِن عمل عامل ولا من التضرّع والدعاء.
وأما الرحيمية فهي فيضٌ أخصُّ من فيوض الصفة الرحمانية، وأما الرحيمية فهي فيضٌ أخصُّ من فيوض الصفة الرحمانية، ومخصوصة بتكميل النوع البشري وإكمال الخلقة الإنسانية، ولكن بشرط السعي والعمل الصالح وتركِ الجذبات النفسانية، بل لا تنْزل هذه الرحمة حقَّ نزولها إلا بعد الجهد البليغ في الأعمال، وبعد تزكية النفس وتكميل الإخلاص بإخراج بقايا الرياء وتطهير البال، وبعد إيثار الموت لابتغاء مرضات الله ذي الجلال. فطوبى لمن أصابه حظٌّ من هذه النِعم، بل هو الإنسان وغيرُه كالنَعم. وههنا سؤالٌ عُضال نكتبه في الكتاب مع الجواب، ليفكّر فيه من كان من أولي الألباب، وهو أن الله اختار مِن جميع صفاته صفتَي الرحمن والرحيم في البسملة، وما ذكَر صفة أخرى في هذه الآية، مع أن اسمه الأعظم يستحق جميعَ ما هو من الصفات الكاملة، كما هي مذكورة في الصحف المطهّرة، ثم إن كثرة الصفات تستلزم كثرة البركات عند التلاوة؛ فالبسملة أحقُّ وأَولى بهذا المقام والمرتبة، وقد نُدِبَ لها عند كل أمرٍ ذي بال كما جاء في الأحاديث النبوية، وإنها أكثرُ وِرْدًا على ألسن أهل الملّة، وأكثرُ تكرارًا في كتاب الله ذي العزّة. فبأيّ حكمة ومصلحة لم يُكتَب صفاتٌ أخرى مع هذه الآية المتبرّكة؟
فالجواب أن الله أراد في هذا المقام، أن يذكر مع اسمه الأعظم صفتين هما خلاصة جميع صفاته العظيمة على الوجه التام، وهما الرحمن والرحيم، كما يهدي إليه العقل السليم. فإن الله تجلّى على هذا العالَم تارة بالمحبوبية ومرة بالمُحِبّية، فإن الله تجلّى على هذا العالَم تارة بالمحبوبية ومرة بالمُحِبّية، وجعل هاتين الصفتين ضياءً ينْزل من شمس الربوبيّة على أرض العبوديّة. فقد يكون الرب محبوبًا والعبدُ مُحِبًّا لذلك المحبوب، وقد يكون العبد محبوبًا والربُّ مُحِبًّا له وجاعِلَه كالمطلوب. ولا شك أن الفطرة الإنسانية التي فُطرت على المحبّة والخُلّة ولوعة البال، تقتضي أن يكون لها محبوبًا يجذبها إلى وجهه بتجلّيات الجمال والنعم والنوال، وأن يكون له مُحِبًّا مواسيًا يتداركُ عند الأهوال وتشتُّت الأحوال، ويحفظها مِن ضيعة الأعمال، ويوصلها إلى الآمال. فأراد الله أن يعطيها ما اقتضتْها ويُتمّ عليها نعمه بجوده العميم، فتجلّى عليها بصفتيه الرحمن والرحيم.
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد : يقول المسيح الموعود عليه الصلاة و السلام في الحاشية : قد عرفتَ أن الله بصفة الرحمن يُنزِل على كل عبد من الإنسان والحيوان والكافر وأهل الإيمان أنواعَ الإحسان والامتنان، بغير عمل يجعلهم مستحقين في حضرة الديّان، إذ لا شك أن الإحسان على هذا المنوال، يجعل المحسِن محبوبًا في الحال، فثبت أن الإفاضة على الطريقة الرحمانية، يُظهِر في أعين المستفيضين شأنَ المحبوبيّة، وأمّا الصفة الرحيمية، فقد ألزمتْ نفسها شأنَ المُحِبّية، فإن الله لا تتجلى على أحدٍ بهذا الفيضان إلا بعد أن يُحبّه ويرضى به قولاً وفعلاً من أهل الإيمان.(( وقال المسيح الموعود :" فإن الله لا تتجلى " اي تعني صفات الله لا تتجلى على أحد بهذا الفيضان الا بعد ان يحبه ويرضى به قولا ، وهي ليست سهوا ، لم يقلها سهوا ، وسننوه على ذلك ان شاء الله بعد الخطبة )) يقول المسيح الموعود : ولا ريب أن هاتين الصفتين هما الوُصلة بين الربوبية والعبودية، وبهما يتمّ دائرةُ السلوك والمعارف الإنسانية، فكلّ صفةٍ بعدهما داخلة في أنوارهما، وقطرة من بحارهما. ثم إن ذات الله تعالى كما اقتضت لنفسها أن تكون لنوع الإنسان محبوبةً ومُحِبّة، كذلك اقتضتْ لعباده الكُمّل أن يكونوا لبني نوعهم كمثلِ ذاته خُلُقًا وسيرةً، ويجعلوا هاتين الصفتين لأنفسهم لباسًا وكسوةً، ليتخلّق العبوديةُ بأخلاق الربوبية ليتخلّق العبوديةُ بأخلاق الربوبية، ولا يبقى نقص في النشأة الإنسانية. فخلَق النبيين والمرسلين، فجعل بعضَهم مظهرَ صفتِه الرحمن وبعضَهم مظهرَ صفته الرحيم، ليكونوا محبوبين ومُحِبّين ويعاشروا بالتحابب بفضله العظيم، فأعطى بعضهم حظًّا وافرًا من صفة المحبوبية، وبعضًا آخر حظًّا كثيرًا من صفة المُحِبيّة، (( المحبوبية اللي هي الرحمن ، المحبية اللي هي الحب الخاص اللي هي الرحيم يعني )) وكذلك أراد بفضله العميم، وجُودِه القديم. ولما جاء زمن خاتم النبيين، وسيدنا محمد سيد المرسلين، أراد هو سبحانه أن يجمع هاتين الصفتين في نفسٍ واحدةٍ، فجمعهما في نفسه عليه ألفُ ألفِ صلاةٍ وتحيّة، فلذلك ذكر تخصيصًا صفةَ المحبوبية والمحبيّة على رأس هذه السورة، ليكون إشارةً إلى هذه الإرادة، وسمّى نبينا محمّدًا وأحمد كما سمّى نفسه الرحمن والرحيم في هذه الآية، فهذه إشارة إلى أنه لا جامِعَ لهما على الطريقة الظِلّية إلا وجودُ سيّدِنا خيرِ البريّة.
وقد عرفتَ أن هاتين الصفتين((اي الرحمن و الرحيم)) أكبر الصفات من صفات الحضرة الأحدية، بل هما لُبُّ اللُباب وحقيقة الحقائق لجميع أسمائه الصفاتية، وهما معيارُ كمالِ كلِّ مَن استكملَ وتخلَّقَ بالأخلاق الإلهية، وما أُعطيَ نصيبًا كاملاً منهما إلا نبيُّنا خاتم سلسلة النبوّة، فإنّه أُعطيَ اسمين كمثل هاتين الصفتين: أوّلهما محمد والثاني أحمد، من فضل رب الكونين. أما محمد فقد ارتدى رداء صفة الرحمن، وتجلّى في حُلل الجلال والمحبوبية، وحُمِّدَ لبِرٍّ منه والإحسان. وأما أحمد فتجلّى في حُلّة الرحيمية والمُحِبّية والجمالية، فضلاً من الله الذي يتولى المؤمنين بالعون والنصرة. فصار اسما نبيِّنا بحذاءِ صفتَي ربّنا المنّان، كصُورٍ منعكسةٍ تُظهِرها مِرآتان متقابلتان.
وتفصيل ذلك أن حقيقة صفة الرحمانية عند أهل العرفان هي إفاضة الخير لكل ذي روح من الإنسان وغير الإنسان، مِن غيرِ عملٍ سابق بل خالصًا على سبيل الامتنان. ولا شك ولا خلاف أن مثل هذه المنّة الخالصة، التي ليست جزاءَ عملِ عامل من البريّة، هي تجذب قلوب المؤمنين إلى الثناء والمدح والمحمدة، فيحمدون المحسنَ ويثنون عليه بخلوص القلوب وصحة النيّة، فيكون الرحمن محمَّدًا يقينًا مِن غير وهمٍ يجرّ إلى الريبة. فإن المنعِم الذي يحسن إلى الناس مِن غير حقّ بأنواع النعمة، يحمده كلُّ من أُنعمَ عليه، وهذا من خواص النشأة الإنسانية. ثم إذا كمُل الحمد بكمال الإنعام، جذَب ذلك إلى الحب التام، فيكون المحسِن محمَّدًا ومحبوبًا في أعين المحبِّين. فهذا مآلُ صفة الرحمن، ففكّرْ كالعاقلين. وقد ظهر من هذا المقام لكل من له عرفان، أن الرحمن محمَّد وأن محمَّدًا رحمن، ولا شك أن مآلهما واحدٌ، وقد جهِل الحقَّ مَن هو جاحدٌ.
وأما حقيقة صفة الرحيمية، وما أُخفيَ فيها من الكيفية الروحانية، فهي إفاضةُ إنعامٍ وخيرٍ،((الرحيمية))على عملٍ مِن أهل مسجدٍ لا مِن أهل دَيْرٍ، وتكميلُ عمل العاملين المخلصين، وجبرُ نقصانهم كالمتلافين والمعِينين والناصرين. ولا شك أن هذه الإفاضة في حُكم الحمد من الله الرحيم، فإنه لا يُنْزِل هذه الرحمة على عاملٍ إلا بعد ما حمده على نهجه القويم، ورضيَ به عملاً ورآه مستحِقًّا للفضل العميم. ألا ترى أنه لا يقبَل عَمَلَ الكافرين والمشركين والمرائين والمتكبّرين، بل يُحبِط أعمالهم ولا يهديهم إليه ولا ينصرهم، بل يتركهم كالمخذولين. فلا شك أنه لا يتوب إلى أحدٍ بالرحيمية ولا يكمِّل عمله بنصرة منه والإعانة، إلا بعد ما رضيَ به فعلاً وحمِده حمدًا يستلزم نزولَ الرحمة. ثم إذا كمُل الحمد من الله بكمال أعمال المخلصين، فيكون الله أحمَدَ والعبدُ محمَّدًا، فسبحان الله أوّلِ المحمَّدين والأحمدين. وعند ذلك يكون العبد المخلص في العمل محبوبًا في الحضرة، فإن الله يحمَده مِن عرشه، وهو لا يحمَد أحدًا إلا بعد المحبّة.
فحاصل الكلام، أن كمال الرحمانية يجعل الله محمَّدًا ومحبوبًا، ويجعل العبدَ أحمدَ ومُحِبًّا يستقري مطلوبًا، وكمال الرحيمية يجعل اللهَ أحمدَ ومُحِبًّا، ويجعل العبدَ محمَّدًا وحِبًّا. وستعرف من هذا المقام شأنَ نبيِّنا الإمام الهُمام، فإن الله سمّاه محمَّدًا وأحمدَ، وما سمّى بهما عيسى ولا كليمًا، وأشركَه في صفتيه الرحمن والرحيم بما كان فضله عليه عظيمًا. وما ذكر هاتين الصفتين في البسملة إلا ليعرف الناس أنهما لله كالاسم الأعظم وللنبي من حضرته كالخِلْعة، فسمّاه الله محمَّدًا إشارةً إلى ما فيه من صفة المحبوبية، وسمّاه أحمدَ إيماءً إلى ما فيه من صفة المُحِبّية. أمّا محمَّد فلأجل أن رجلاً لا يحمَده الحامدون حمدًا كثيرًا إلا بعد أن يكون ذلك الرجل محبوبا، وأمّا أحمدُ فلأجل أن حامدًا لا يحمَد أحدًا بحمدٍ كاثِرٍ إلا الذي يُحبّه ويجعله مطلوبًا. فلا شك أن اسم محمَّد يوجد فيه معنى المحبوبيّة بدلالة الالتزام، وكذلك يوجد في اسم أحمدَ معنى المُحِبّية من الله ذي الأفضال والإنعام. ولا ريب أن نبيّنا سُمّيَ محمَّدًا لِما أراد الله أن يجعله محبوبًا في أعينه وأعين الصالحين. وكذلك سمّاه أحمدَ لِما أراد سبحانه أن يجعله مُحِبَّ ذاتِه ومُحِبَّ المؤمنين المسلمين. فهو محمَّد بشأن وأحمدُ بشأن. واختصّ أحدُ هذين الاسمين بزمان والآخر بزمان، وقد أشار إليه سبحانه في قوله: (دَنَى فَتَدَلَّى)، وفي: (قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى).
ثم لمّا كان يُظَنُّ أن اختصاص هذا النبي المُطاع السَجّاد بهذه المحامد مِن رب العباد، يجُرّ إلى الشرك كما عُبِدَ عيسى لهذا الاعتقاد، أراد الله أن يُورِثهما الأُمّةَ المرحومة على الطريقة الظِلِّيّة، ليكونا للأُمّة كالبركات المتعدّية، وليزول وَهْمُ اشتراكِ عبدٍ خاصٍ في الصفات الإلهية. فجعَل الصحابةَ ومَن تبِعهم مَظْهَرَ اسمِ محمَّد بالشؤون الرحمانية الجلالية، وجعل لهم غلبةً ونصَرهم بالعنايات المتوالية. وجعل المسيح الموعود مظهرَ اسمِ أحمدَ وبعثه بالشؤون الرحيمية الجمالية، وكتب في قلبه الرحمة والتحنّن وهذّبه بالأخلاق الفاضلة العالية.
فذلك هو المهدي المعهود الذي فيه يختصمون، وقد رأوا الآيات ثم لا يهتدون، ويصرّون على الباطل وإلى الحق لا يرجعون. وذلك هو المسيح الموعود ولكنهم لا يعرفون، وينظرون إليه وهم لا يبصرون. فإن اسم عيسى واسم أحمدَ متّحدان في الهويّة، ومتوافقان في الطبيعة، ويدلاّن على الجمال وتركِ القتال مِن حيث الكيفية. وأمّا اسم محمد فهو اسم القهر والجلال، وكلاهما للرحمن والرحيم كالأظلال. ألا ترى أن اسم الرحمن الذي هو منبع للحقيقة المحمدية، يقتضي الجلالَ كما يقتضي شأنَ المحبوبية؟ ومِن رحمانيته تعالى أنه سخّر كلَّ حيوان للإنسان، من البقر والمعز والجِمال والبغال والضأن، وأنه أهرقَ دماءً كثيرة لحفظ نفس الإنسان، وما هو إلا أمرٌ جلالي ونتيجة رحمانية الرحمن. فثبت أن الرحمانية يقتضي القهرَ والجلال، ومع ذلك هو من المحبوب لطفٌ لمن أراد له النوال. وكم من دُود المياه والأهوية تُقتَل للإنسان، وكم من الأنعام تُذبَح للناس إنعامًا من الرحمن.
الحمدلله،الحمدلله وحده،الحمدلله وحده والصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد،يقول المسيح الموعود_عليه الصلاة و السلام_:
فخلاصة الكلام.. أن الصحابة كانوا مظاهرَ للحقيقة المحمّدية الجلالية، ولذلك قتلوا قومًا كانوا كالسباع ونَعَمِ البادية، ليخلّصوا قومًا آخرين من سجن الضلالة والغواية، ويجرّوهم إلى الصلاح والهداية. وقد عرفتَ أن الحقيقة المحمدية هو مظهر الحقيقة الرحمانية، ولا منافاةَ بين الجلال وهذه الصفة الإحسانية، بل الرحمانية مظهرٌ تامٌّ للجلال والسطوة الربّانية. وهل حقيقة الرحمانية إلا قتل الذي هو أدنى للذي هو أعلى؟ وكذلك جرت عادة الرحمن مُذْ خلق الإنسانَ وما وراءه من الوَرى. ألا ترى كيف تُقتَل دودُ جُرحِ الإبل لحفظِ نفوس الجِمال، وتُقتَل الجِمال لينتفع الناس من لحومها وجلودها، ويتّخذوا من أوبارها ثياب الزينة والجمال. وهذه كلها من الرحمانية لحفظِ سلسلة الإنسانية والحيوانية. فكما أن الرحمن محبوب كذلك هو مظهر الجلال، وكمثله اسمُ محمَّدٍ في هذا الكمال.
ثم لما ورِثَ الأصحاب اسمَ محمَّد من الله الوهّاب، وأظهروا جلال الله وقتلوا الظالمين كالأنعام والدوابّ، كذلك ورِث المسيح الموعود اسمَ أحمدَ الذي هو مظهر الرحيمية والجمال، واختار له اللهُ هذا الاسمَ ولمن تبِعه وصار له كالآل. فالمسيح الموعود مع جماعته مظهرٌ من الله لصفة الرحيمية والأحمدية، ليتمّ قولُه: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ)، ولا رَادَّ للإرادات الربانية، وليتمّ حقيقةُ المظاهر النبوية. وهذا هو وجهُ تخصيص صفة الرحمانية والرحيمية بالبسملة، ليدل على اسمَي محمَّدٍ وأحمدَ ومظاهرِهما الآتية، أعني الصحابة ومسيح الله الذي كان آتيًا في حُلل الرحيمية والأحمدية.
ثم نكرّر خلاصة الكلام في تفسير (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، فاعلم أن اسم الله اسمٌ جامد لا يعلم معناه إلا الخبير العليم، وقد أخبر - عزّ اسمُه - بحقيقة هذا الاسم في هذه الآية، وأشار إلى أنه ذاتٌ متّصفة بالرحمانية والرحيمية، أي متصفة برحمةِ الامتنان ورحمةٍ مقيَّدةٍ بالحالة الإيمانية، وهاتان رحمتان كماءٍ أصفى وغذاءٍ أحلى من منبع الربوبية. وكل ما هو دونهما من صفات فهو كشُعَبٍ لهذه الصفات، والأصلُ رحمانية ورحيمية وهما مظهَرُ سِرِّ الذات. ثم أُعطِيَ منهما نصيبٌ كامل لنبيِّنا إمامِ النهج القويم، فجعل اسمه محمَّدًا ظِلَّ الرحمن، واسمه أحمدَ ظِلَّ الرحيم. والسرّ فيه أن الإنسان الكامل لا يكون كاملاً إلا بعد التخلّق بالأخلاق الإلهية وصفات الربوبية، وقد علِمتَ أن أمر الصفات كلها تؤول إلى الرحمتين اللتين سمّيناهما بالرحمانية والرحيمية. وعلِمتَ أن الرحمانية رحمةٌ مطلَقة على سبيل الامتنان، ويَرِدُ فيضانُها على كل مؤمن وكافر بل كل نوع الحيوان، وأمّا الرحيمية فهي رحمةٌ وجوبية من الله أحسنِ الخالقين، وجبتْ للمؤمنين خاصة من دون حيوانات أخرى والكافرين. فلزم أن يكون الإنسان الكامل.. أعني محمدًا.. مظهرَ هاتين الصفتين، فلذلك سُمّي محمَّدًا وأحمدَ من رب الكونَين، وقال الله في شأنه: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، فأشار الله في قوله: (عَزِيزٌ) وفي قوله: (حَرِيصٌ) إلى أنه - عليه السلام - مظهرُ صفته الرحمن بفضله العظيم، لأنه رحمة للعالمين كلهم ولنوع الإنسان والحيوان وأهل الكفر والإيمان.
ثم قال: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، فجعله رحمانًا ورحيمًا كما لا يخفى على الفهيم، وحمِده وعزا إليه خُلُقًا عظيمًا من التفخيم والتكريم، كما جاء في القرآن الكريم. وإنْ سألتَ ما خُلقه العظيم فنقول إنه رحمن ورحيم، ومُنِحَ هو - عليه الصلاة - هذين النورَين وآدمُ بين الماء والطين، وكان هو نبيًّا وما كان لآدمَ أثرٌ من الوجود ولا من الأديم. وكان الله نورًا فقضى أن يخلق نورًا فخلق محمدًا الذي هو كدُرٍّ يتيم، وأشركَ اسمَيه في صفتَيه ففاق كلَّ مَن أتى اللهَ بقلب سليم، وإنهما يتلألآن في تعليم القرآن الحكيم. وإنّ نبيّنا مركَّبٌ مِن نورِ موسى ونورِ عيسى كما هو مركَّب من صفتَي ربنا الأعلى، فاقتضى التركيب أن يُعطى له هذا المقام الغريب، فلأجل ذلك سمّاه الله محمّدًا وأحمد، فإنه ورث نور الجلال والجمال وبه تفرّدَ، وإنه أُعطِيَ شأن المحبوبين وجَنان المحِبِّين، كما هو من صفتَي رب العالمين، فهو خير المحمودين وخير الحامدين. وأشركه الله في صفتيه، وأعطاه حظًّا كثيرًا من رحمتَيه، وسقاه من عينيه، وخلَقه بيديه، فصار كقارورة فيها راح، أو كمشكاة فيها مصباح. وكمِثل صفتَيه أنزلَ عليه الفرقان، وجمع فيه الجلال والجمال وركّب البيانَ، وجعله سلالةَ التوراة والإنجيل، ومرآةً لرؤية وجهه الجليل والجميل. ثم أعطى الأمّةَ نصيبًا من كأس هذا الكريم، وعلّمهم مِن أنفاس هذا المتعلّم من العليم، فشرِب بعضهم مِن عين اسمِ محمّد التي انفجرت من صفة الرحمانية، وبعضُهم اغترفوا مِن ينبوع اسمِ أحمدَ الذي اشتمل على الحقيقة الرحيمية. وكان قدرًا مقدّرًا من الابتداء ووعدًا موقوتًا جاريًا على ألسُن الأنبياء، أنّ اسم أحمد لا تتجلى بتجلٍّ تامٍّ في أحدٍ من الوارثين إلا في المسيح الموعود الذي يأتي الله به عند طلوع يوم الدين وحشر المؤمنين، ويرى الله المسلمين كالضعفاء، والإسلامَ كصبيٍّ نُبِذَ بالعراء، فيفعل لهم أفعالاً من لدنه وينْزل لهم من السماء، فهناك تكون له السلطنةُ في الأرض كما هي في الأفلاك، وتهلك الأباطيلُ مِن غير ضرب الأعناق وتنقطع الأسباب كلها وترجع الأمور إلى مالِك الأملاك. وعدٌ من الله حقٌّ كمثلِ وعدٍ تمَّ في آخرِ زمنِ بني إسرائيل، إذ بُعث فيهم عيسى بن مريم فأشاع الدين مِن غير أن يقتل مَن عصى الرب الجليل. وكان في قدر الله العليّ العليم، أن يجعل آخِرَ هذه السلسلة كآخر خلفاءِ الكليم، فلأجل ذلك جعَل خاتمةَ أمرها مستغنيةً مِن نصر الناصرين، ومظهرًا لحقيقة (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، كما يأتي تفسيره بعد حين.
ومِن تَتَمّةِ هذا الكلام أن نبيَّنا خيرَ الأنام، لمّا كان خاتمَ الأنبياء وأصفى الأصفياء، وأحبَّ الناس إلى حضرة الكبرياء، أراد الله سبحانه أن يجمع فيه صفتَيه العظيمتين على الطريقة الظِلّيّة، فوهب له اسمَ محمدٍ وأحمدَ ليكونا كالظِّلَّين للرحمانية والرحيمية، ولذلك أشار في قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) إلى أن العابد الكامل يُعطَى له صفاتُ ربّ العالمين، بعد أن يكون من العابدين الفانين. وقد علمتَ أن كل كمال من كمالات الأخلاق الإلهية، منحصرٌ في كونه رحمانًا ورحيمًا ولذلك خَصَّهما الله بالبسملة. وعلمتَ أن اسم محمد وأحمد قد أُقيما مقامَ الرحمن والرحيم، وأودعهما كلَّ كمال كان مخفيّا في هاتين الصفتين من الله العليم الحكيم، فلا شك أن الله جعل هذين الاسمين ظلَّيْن لصفتيه، ومظهرين لسيرتيه، ليُرِيَ حقيقةَ الرحمانية والرحيمية في مرآة المحمدية والأحمدية. ثم لما كان كُمَّلُ أُمّتِه عليه السلام((يعني ناس يسعون إلى الكمال من أمة إيه؟الأسلام))من أجزائه الروحانية وكالجوارح للحقيقة النبوية، أراد الله لإبقاء آثار هذا النبي المعصوم، أن يوّرثهم هذين الاسمين كما جعلهم ورثاء العلوم((اي أن النبوة مستمرة))، فأدخل الصحابةَ تحت ظلّ اسمِ محمدٍ الذي هو مظهر الجلال، وأدخلَ المسيحَ الموعود تحت اسمِ أحمدَ الذي هو مظهر الجمال. وما وجد هؤلاء هذه الدولة إلا بالظِلّيّة((اي بانعكاس من محمد _عليه السلام_،من أنوار محمد،أنعكست تلك الأنوار على أتباعه،منهم من يصيب مقام النبوة)) وما وجد هؤلاء هذه الدولة إلا بالظِلّيّة، فإذنْ ما ثَمَّ شريكٌ على الحقيقة. وكان غرض الله مِن تقسيم هذين الاسمين، أن يفرّق بين الأمّة ويجعلهم فريقين، فجعل فريقًا منهم كمثل موسى مظهر الجلال، وهم صحابة النبي الذين تصدَّوا أنفسهم للقتال، وجعل فريقًا منهم كمثل عيسى مظهر الجمال، وجعل قلوبَهم ليّنةً وأودعَ السلمَ صدورَهم وأقامهم على أحسن الخصال، وهو المسيح الموعود والذين اتّبعوه من النساء والرجال،((اي أن مقام النبوة يصل إليه النساء و الرجال)) فتمّ ما قال موسى وما فاهَ بكلامٍ عيسى وتمّ وعدُ الربّ الفعّال.
الحمدلله،الحمدلله وحده،الحمدلله وحده والصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد،يتابع المسيح الموعود_عليه الصلاة و السلام_فيقول:
فإن موسى أخبرَ عن صحبٍ كانوا مظهرَ اسمِ محمدٍ نبيِّنا المختار((اي في النبوءة التي تلاقها موسى_عليه السلام في التوراة[أخرج لهم من بين أخوتهم مثيل لك،و اجعل كلامي في فمه]هذه نبوءة سيدنا محمد_عليه الصلاة و السلام في التوراة))فإن موسى أخبرَ عن صحبٍ كانوا مظهرَ اسمِ محمدٍ نبيِّنا المختار، وصوّرَ جلالَ الله القهّار بقوله:
(أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ)، وإن عيسى أخبر عن (آخَرِيْنَ مِنْهُمْ)وعن إمام تلك الأبرار((اي المسيح الموعود))، أعني المسيحَ الذي هو مظهرُ أحمدَ الراحمِ الستّار، ومنبعُ جمال الله الرحيم الغفّار، بقوله: (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) الذي هو مُعجِبُ الكُفّار. وكل منهما أخبر بصفاتٍ تُناسب صفاتِه الذاتية((من موسى و عيسى يعني))، واختار جماعةً تُشابهُ أخلاقُهم أخلاقَه المرضية، فأشار موسى بقوله: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) إلى صحابةٍ أدركوا صحبةَ نبيّنا المختار، وأَرَوا شدّةً وغلظةً في المضمار، وأظهروا جلال الله بالسيف البتّار، وصاروا ظِلَّ اسمِ محمد رسول الله القهّار، عليه صلوات الله وأهل السماء وأهل الأرض من الأبرار والأخيار. وأشار عيسى بقوله: (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ)إلى قومٍ (آخَرِيْنَ مِنْهُمْ) وإمامِهم المسيح، بل ذكَر اسمَه أحمدَ بالتصريح، وأشار بهذا المثل الذي جاء في القرآن المجيد إلى أن المسيح الموعود لا يظهر إلا كنباتٍ ليّنٍ لا كالشيء الغليظ الشديد.
ثم من عجائب القرآن الكريم أنه ذكر اسمَ أحمد حكايةً عن عيسى، وذكَر اسمَ محمد حكايةً عن موسى، ليعلم القارئ أن النبي الجلالي.. أعني موسى.. اختار اسمًا يشابهُ شأنَه، أعني محمدًا الذي هو اسم الجلال، وكذلك اختار عيسى اسمَ أحمد الذي هو اسم الجمال بما كان نبيًّا جماليًّا، وما أُعطِيَ له شيء من القهر والقتال. فحاصل الكلام أن كُلاًّ منهما أشار إلى مثيله التامّ((أي أن محمد مثيل موسى بالتمام،و أن غلام احمد هو مثيل عيسى بالتمام،كذلك هناك أمثال لمحمد و أحمد بإيه؟بأقل من التمام،إذن كلاً منهما أشار إلى إيه؟مثيله الكامل،و كذلك هناك أشارات إلى أمثال لهم،لكن ليسوا بكُمل كمال إيه؟ محمد_عليه الصلاة و السلام،هذا إيه؟هذه قراءة من بين السطور))،فحاصل الكلام أن كُلاًّ منهما أشار إلى مثيله التامّ، فاحفَظْ هذه النكتة فإنها تنجيك من الأوهام، وتكشف عن ساقَي الجلالِ والجمال، وتُرِي الحقيقة بعد رفع الفِدام. وإذا قبِلتَ هذا فدخلتَ في حفظ الله وكِلائه مِن كل دجّال، ونجوتَ من كل ضلال.
الباب الرابع
في تفسير (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.
اعلمْ أن الحمد ثناءٌ على الفعل الجميل لمن يستحق الثناء، ومدحٌ لمنعِمٍ أنعمَ من الإرادة وأحسنَ كيف شاء. ولا يتحقق حقيقةُ الحمد كما هو حقُّها إلا للذي هو مَبْدَءٌ لجميع الفيوض والأنوار، ومُحسِنٌ على وجه البصيرة، لا مِن غير الشعور ولا من الاضطرار، فلا يوجد هذا المعنى إلا في الله الخبير البصير، وإنه هو المحسن ومِنْه المِننُ كلها في الأول والأخير، وله الحمد في هذه الدار وتلك الدار، وإليه يرجع كلُّ حمد يُنسَب إلى الأغيار.
ثم إن لفظ الحمد مصدرٌ مبنيٌّ على المعلوم والمجهول، وللفاعل والمفعول من الله ذي الجلال، ومعناه أن الله هو محمَّدٌ وهو أحمدُ على وجه الكمال. والقرينة الدالة على هذا البيان، أنه تعالى ذكر بعد الحمد صفاتٍ تستلزم هذا المعنى عند أهل العرفان. واللهُ سبحانه أومأ في لفظ الحمد إلى صفات توجد في نوره القديم، ثم فسّر الحمدَ وجعَله مُخدَّرةً سفَرتْ عن وجهها عند ذكر الرحمن والرحيم. فإن الرحمن يدل على أن الحمد مبني على المعلوم، والرحيم يدل على المجهول كما لا يخفى على أهل العلوم.
وأشار الله سبحانه في قوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) إلى أنه هو خالقُ كل شيء ومنه كلُّ ما في السماوات والأرضين. ومِن العالَمين ما يوجد في الأرض مِن زُمر المهتدين وطوائف الغاوين والضالين، فقد يزيد عالَمُ الضلال والكفر والفسق وتركِ الاعتدال، حتى يُملأ الأرضُ ظلمًا وجورًا ويترُك الناس طرقَ اللهِ ذا الجلال، لا يفهمون حقيقة العبودية، ولا يؤدّون حقّ الربوبية، فيصير الزمان كالليلة الليلاء، ويُداسُ الدين تحت هذه اللأواء. ثم يأتي الله بعالَمٍ آخر فتُبدَّل الأرضُ غيرَ الأرض وينْزل القضاء مُبدَّلاً من السماء، ثم يأتي الله بعالَمٍ آخر فتُبدَّل الأرضُ غيرَ الأرض وينْزل القضاء مُبدَّلاً من السماء، ويُعطَى للناس قلبٌ عارفٌ ولسانٌ ناطقٌ لشكر النعماء، فيجعلون نفوسهم كمَوْرٍ مُعبَّد لحضرة الكبرياء، ويأتونه خوفًا ورجاءً بطرفٍ مغضوض من الحياء، ووجهٍ مُقبِل نحو قبلة الاستجداء، وهمّةٍ في العبودية قارعةٍ ذُروةَ العلاء، ويشتدّ الحاجة إليهم إذا انتهى الأمر إلى كمال الضلالة، وصار الناس كسباعٍ أو نَعَمٍ من تغيُّرِ الحالة، فعند ذلك تقتضي الرحمة الإلهية والعناية الأزلية أن يُخلَق في السماء ما يدفع الظلام، فعند ذلك تقتضي الرحمة الإلهية والعناية الأزلية أن يُخلَق في السماء ما يدفع الظلام، ويهدم ما عمر إبليسُ وأقام، من الأبنية والخيام. فينْزل إمامٌ من الرحمن، ليذُبّ جنودَ الشيطان. ولم يزل هذه الجنود وتلك الجنود يتحاربان، ولا يراهم إلا من أُعطِيَ له عينان، حتى غُلَّ أعناقُ الأباطيل، وانعدمَ ما يُرى لها نوعُ سرابٍ من الدليل. فما زال الإمام ظاهرًا على العِدا، ناصرًا لمن اهتدى، مُعْلِيًا معالـمَ الهدى، مُحيِيًا مواسمَ التُّقَى، حتى يعلم الناس أنه أَسَرَ طواغيتَ الكفر وشدَّ وِثاقَها، وأخَذ سباع الأكاذيب وغلَّ أعناقَها، وهدَم عمارةَ البدعات وقوّض قِبابَها، وجمَع كلمةَ الإيمان ونظم أسبابها، وقوّى السلطنةَ السماوية وسدَّ الثغور، وأصلح شأنها وسدّد الأمور، وسكّن القلوب الراجفة، وبكّت الألسنة المرجفة، وأنار الخواطرَ المظلمة، وجدّد الدولة المُخْلِقة. وكذلك يفعل الله الفعّال، حتى يذهب الظلام والضلال، فهناك ينكص العدا على أعقابهم، وينكِّسون ما ضربوا من خيامهم، ويحلّون ما أرَّبوا من آرابهم.
ومِن أشرف العالَمين وأعجب المخلوقين، وجودُ الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين الصدّيقين، فإنهم فاقوا غيرهم في بثّ المكارم وكشفِ المظالم، وتهذيبِ الأخلاق وإرادة الخير للأنفس والآفاق، ونشرِ الصلاح والخير، وإجاحةِ الطلاح والضير، وأمرِ المعروف والنهيِ عن الذمائم، وسوقِ الشهوات كالبهائم، والتوجّهِ إلى ربّ العبيد، وقطعِ التعلّق من الطريف والتليد، والقيامِ على طاعة الله بالقوة الجامعة والعُدّة الكاملة، والصولِ على ذراري الشيطان بالحشود المجموعة والجموع المحشودة، وتركِ الدنيا للحبيب، والتباعُدِ عن مغناها الخصيب، وتركِ مائها ومرعاها كالهجرة، وإلقاءِ الجِران في الحضرة. إنهم قومٌ لا يتمضمضُ مُقْلتُهم بالنوم، إلا في حبّ الله والدعاء للقوم. وإن الدنيا في أعين أهلها لطيفُ البِنْية مليحُ الحِلْية، وأمّا في أعينهم فهي أخبثُ من العَذِرة، وأنتنُ عن المَيتة. أقبلوا على الله كلَّ الإقبال، ومالوا إليه كلّ الميل بصدق البال. وكما أن قواعد البيت مقدَّمة على طاقٍ يُعقَّد، ورُواقٍ يُمهَّد، كذلك هؤلاء الكرام مقدَّمون في هذه الدار، على كل طبقة من طبقات الأخيار. وأُرِيتُ أن أكملَهم وأفضلهم وأعرفهم وأعلمهم نبيُّنا المصطفى، عليه التحية والصلاة والسلام في الأرض والسماوات العُلى، وإنّ أشقى الناس قومٌ أطالوا الألسنة وصالوا عليه بالهَمْز وتجسُّس العيب، غيرَ مطّلعين على سرّ الغيب. وكم من ملعونٍ في الأرض يحمده الله في السماء، وكم من معظَّمٍ في هذه الدار يُهان في يوم الجزاء.
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد : يقول المسيح الموعود عليه السلام : ثم هو سبحانه أشار في قوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) إلى أنه خالقُ كل شيء وأنه يُحمَد في السماء والأرضين، وأن الحامدين كانوا على حمده دائمين، وعلى ذكرهم عاكفين، وإنْ مِن شيء إلا يسبِّحه ويحمَده في كل حين. وإن العبد إذا انسلخ عن إراداته، وتجرّدَ عن جذباته، وفنى في الله وفي طرقه وعباداته، وعرف ربَّه الذي ربّاه بعناياته، حمِده في سائر أوقاته، وأحبَّه بجميع قلبه بل بجميع ذرّاته، فعند ذلك هو عالَمٌ من العالَمين، ولذلك سُمّي إبراهيم أُمّةً في كتابِ أعلَمِ العالِمين.
ومن العالَمين زمانٌ أُرسِلَ فيهم خاتم النبيين، وعالَمٌ آخر فيه يأتي الله بآخرين من المؤمنين في آخر الزمان رحمةً على الطالبين، وإليه أشار في قوله تعالى: (لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَة)، فأومأ فيه إلى أحمدَين وجعَلهما مِن نعمائه الكاثرة. فالأول منهما أحمدُ المصطفى ورسولنا المجتبى، والثاني أحمدُ آخرِ الزمان، الذي سُمّي مسيحًا ومهديًّا من الله المنّان. وقد استنبطتُ هذه النكتة من قوله: (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، فليتدبّرْ من كان من المتدبّرين.
وعرفتَ أن العالَمين عبارة عن كل موجود سوى الله خالقِ الأنام، سواء كان مِن عالم الأرواح أو من عالم الأجسام، وسواء كان من مخلوق الأرض أو كالشمس والقمر وغيرهما من الأجرام. فكلٌّ من العالَمين داخلٌ تحت ربوبية الحضرة.
ثم إن فيض الربوبية أعمُّ وأكملُ وأتمُّ من كل فيض يُتصَوَّر في الأفئدة، أو يجري ذكرُه على الألسنة. ثم بعده فيض عامّ وقد خُصَّ بالنفوس الحيوانية والإنسانية، وهو فيضُ صفة الرحمانية، وذكَره الله بقوله: (الرحمن) وخصَّه بذوي الروح من دون الأجسام الجمادية والنباتية.
ثم بعد ذلك فيضٌ خاصٌّ وهو فيضُ صفة الرحيمية، ولا ينْزل هذا الفيض إلا على النفس التي سعَى سعيَها لكسب الفيوض المترقَّبة، ولذلك يختص بالذين آمنوا وأطاعوا ربًّا كريمًا، كما صُرّح في قوله تعالى: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) فثبت بنصّ القرآن أن الرحيمية مخصوصة بأهل الإيمان، وأما الرحمانية فقد وسعتْ كلَّ حيوان من الحيوانات، حتى إن الشيطان نال نصيبًا منها بأمر حضرة رب الكائنات. وحاصل الكلام أن الرحيمية تتعلق بفيوضٍ تترتب على الأعمال، ويختص بالمؤمنين من دون الكافرين وأهل الضلال.
ثم بعد الرحيمية فيضٌ آخر وهو فيض الجزاء الأَتمّ والمكافاة، وإيصال الصالحين إلى نتيجة الصالحات والحسنات، وإليه أشار عزّ اسمه بقوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). وإنه آخر الفيوض من رب العالمين، وما ذُكر فيضٌ بعده في كتاب الله أعلم العالِمين. والفرق في هذا الفيض وفيض الرحيمية، أن الرحيمية تبلِّغ السالك إلى مقام هو وسيلة النعمة، وأمّا فيض المالكية بالمجازاة، فهو يبلِّغ السالك إلى نفس النعمة وإلى منتهى الثمرات وغاية المرادات وأقصى المقصودات. فلا خفاء أن هذا الفيض هو آخر الفيوض من الحضرة الأحدية، وللنشأة الإنسانية كالعلّة الغائية، وعليه يتمّ النعم كلها وتستكمل به دائرة المعرفة ودائرة السلسلة. ألا ترى أن سلسلة خلفاء موسى انتهت إلى نُكتةِ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، فظهر عيسى في آخرها وبُدِّلَ الجور والظلم بالعدل والإحسان مِن غير حرب ومحاربين، كما يُفهَم من لفظ الدِّين، فإنه جاء بمعنى الحلم والرفق في لغة العرب وعند أدبائهم أجمعين. فاقتضت مماثلةُ نبيّنا بموسى الكليم، ومشابهةُ خلفاء موسى بخلفاء نبيِّنا الكريم، أن يظهَر في آخر هذه السلسلة رجلٌ يشابهُ المسيحَ، ويدعو إلى الله بالحلم ويضع الحربَ ويُقرِبُ السيفَ المُجِيحَ، فيحشُر الناسَ بالآيات من الرحمن، لا بالسيف والسنان، فيشابهُ زمانُه زمانَ القيامة ويومَ الدين والنشور، ويملأ الأرضَ نورًا كما مُلئت بالجور والزور. وقد كتب الله أنه يُرِي نموذجَ يوم الدين قبل يوم الدين، ويحشر الناس بعد موت التقوى، وذلك وقت المسيح الموعود وهو زمان هذا المسكين، وإليه أشار في آية (يَوْمِ الدِّيْن)، فليتدبّرْ من كان من المتدبّرين.
وحاصل الكلام أن في هذه الصفات التي خُصّت بالله ذي الفضل والإحسان، حقيقةً مخفيّةً ونبَأً مكتومًا من الله المنّان، وهو أنه تعالى أراد بذكرها أن يُنبِئَ رسولَه بحقيقة هذه الصفات، فأرَى حقيقتَها بأنواع التأييدات، فربّى نبيَّه وصحابتَه فأثبت بها أنه رب العالمين. ثم أتمّ عليهم نعماءه برحمانيته مِن غير عمل العاملين، فأثبتَ بها أنه أرحم الراحمين. ثم أراهم عند عَملهم برحمةٍ منه أياديَ حمايته، وأيّدهم بروح منه بعنايته، ووهب لهم نفوسا مطمئنة، وأنزلَ عليهم سكينة دائمة. ثم أراد أن يُرِيَهم نموذجَ ]مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ[، فوهب لهم المُلك والخلافة وأَلحقَ أعداءهم بالهالكين، وأهلكَ الكافرين وأزعجَهم إزعاجًا، ثم أرى نموذج النشور فأخرج من القبور إخراجًا، فدخلوا في دين الله أفواجًا، وبدَروا إليه فُرادى وأزواجًا. فرأى الصحابةُ أمواتًا يُلْفُون حياةً، ورأوا بعد المَحْل ماءً ثجّاجًا. وسُمِّيَ ذلك الزمان يومَ الدين، لأن الحق حصحص فيه ودخل في الدين أفواج من الكافرين.
ثم أراد أن يُري نموذجَ هذه الصفات في آخَرين من الأُمّة، ليكون آخِرُ المِلّة كمثل أوّلِها في الكيفية، وليتمّ أمرُ المشابهة بالأمم السابقة، كما أُشير إليه في هذه السورة، أعني قوله: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، فتدبّرْ ألفاظَ هذه الآية.
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد : يقول المسيح الموعود:
وسُمّيَ زمان المسيح الموعود يومَ الدين، لأنه زمان يحيا فيه الدين، وتُحشَر الناسُ ليقبَلوا باليقين. ولا شك ولا خلاف أنه رَبَّى زماننا هذا بأنواع التربية((ولا شك ولا خلاف أنه رَبَّى زماننا هذا بأنواع التربية)) وأرانا كثيرًا من فيوض الرحمانية والرحيمية، كما أرى السابقين من الأنبياء والرسل وأرباب الولاية والخُلّة، وبقِيت الصفة الرابعة من هذه الصفات، أعني التجلّي الذي يظهَر في حُلّة مَلِكٍ أو مالِكٍ في يوم الدين للمجازاة، فجعَله للمسيح الموعود كالمعجزات، وجعله حَكَمًا ومَظهَرًا للحكومة السماوية بتأييد من الغيب والآيات. وستعلم عند تفسيرِ (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)هذه الحقيقةَ، وما قلتُ مِن عند نفسي بل أُعطيتُ من لدن ربي هذه النكاتِ الدقيقة، ومَن تدبّرَها حق التدبر وفكّر في هذه الآيات، علِم أن الله أخبر فيها عن المسيح ومن زمنه الذي هو زمن البركات.
ثم اعلم أن هذه الآيات قد وقعتْ كحَدٍّ مُعرِّفٍ للهِ خالقِ الكائنات، وإنْ كان الله تَعالَى ذاتُه عن التحديدات. ومن هذا التعليم والإفادة يتضح معنى كلمةِ الشهادة((ومن هذا التعليم والإفادة يتضح معنى كلمةِ الشهادة)) التي هي مناط الإيمان والسعادة. وبهذه الصفات استحقّ اللهُ الطاعةَ وخُصَّ بالعبادة، فإنه يُنزِل هذه الفيوض بالإرادة((وبهذه الصفات استحقّ اللهُ الطاعةَ وخُصَّ بالعبادة، فإنه يُنزِل هذه الفيوض بالإرادة))فإنك إذا قلتَ "لا إله إلا الله"، فمعناه عند ذوي الحصاة، أن العبادة لا يجوز لأحدٍ من المعبودين أو المعبودات، إلا لذاتٍ غيرِ مُدرَكة مستجمِعةٍ لهذه الصفات، أعني الرحمانية والرحيمية اللتين هما أوّلُ شرطٍ لموجودٍ مستحِقّ للعبادات.
ثم اعلم أن الله اسمٌ جامد لا تُدرَك حقيقتُه لأنه اسم الذات، والذاتُ ليست من المُدرَكات، وكلُّ ما يقال في معناه فهو من قبيل الأباطيل والخزعبيلات، فإن كُنْهَ البارئ أرفعُ من الخيالات، وأبعدُ من القياسات. وإذا قلتَ "محمدٌ رسول الله"، فمعناه أن محمّدًا مَظهَرُ صفات هذه الذات وخليفتُها في الكمالات، ومُتمِّم دائرة الظلّية وخاتمُ الرسالات.
فحاصلُ ما أُبصِرُ وأَرى أن نبيَّنا خيرَ الورَى، قد ورث صفتَي ربِّنا الأعلى. ثم ورث الصحابة الحقيقةَ المحمدية الجلالية كما عرفتَ فيما مضى، وقد سُلِّمَ سيفُهم في قطعِ دابر المشركين، ولهم ذكرٌ لا يُنسى عند عَبَدة المخلوقين. وإنهم أدّوا حقَّ صفة المحمّدية، وأذاقوا كثيرا من الأيدي الحربية. وبقيتْ بعد ذلك صفة الأحمدية، التي مصبَّغة بالألوان الجمالية، مُحرِقةٌ بالنيران المُحِبّية، فورِثها المسيح الذي بُعث في زمن انقطاع الأسباب وتكسُّرِ المِلّة من الأنياب، وفقدانِ الأنصار والأحباب، وغلبةِ الأعداء وصولِ الأحزاب، ليُرِيَ اللهُ نموذجَ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)بعد ليالي الظلام، وبعد انهدام قوّة الإسلام وسطوة السلاطين، وبعد كون المِلّة كالمستضعفين. فاليوم صار ديننا كالغرباء، وما بقيتْ له سلطنة إلا في السماء((فاليوم صار ديننا كالغرباء، وما بقيتْ له سلطنة إلا في السماء)) وما عرفه أهل الأرض فقاموا عليه كالأعداء. فأُرسلَ عند هذا الضعف وذهاب الشوكة عبدٌ من العباد، ليتعهّد زمانًا ماحِلاً تعهُّدَ العِهاد. وذلك هو المسيح الموعود الذي جاء عند ضعف الإسلام، لِيُرِيَ اللهُ نموذجَ الحشر والبعث والقيام ونموذجَ يوم الدين، إنعامًا منه بعد موت الناس كالأنعام. فاعلم أن هذا اليوم يوم الدين، وستعرف صدقَنا ولو بعد حين.
وههنا نكتة كشفيّة((اي نقطةمهمة،كشفية:اي من وراء الغيب،اي بالوحي)) ليست من المسموع((ليست من المسموع،اي ليست من العادة تسمعونها إيه؟من الناس))، فاسمعْ مُصغِيًا وعليك بالمَودوع، وهو أنه تعالى ما اختار لنفسه ههنا أربعة من الصفات، إلا ليُرِيَ نموذجها في هذه الدنيا قبل الممات، فأشار في قوله: (لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَة) إلى أن هذا النموذج يُعطَى لصدر الإسلام، ثم للآخرين من الأمّة الداخرة. وكذلك قال في مقام آخر وهو أصدق القائلين: (ثُلَّةٌ مِن الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ). فقسم زمان الهداية والعون والنصرة، إلى زمان نبينا_صلى الله عليه و سلم_ وإلى الزمان الآخِر الذي هو زمانُ مسيح هذه الملّة. وكذلك قال: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)، فأشار إلى المسيح الموعود وجماعته والذين اتّبعوهم. فثبت بنصوصٍ بيّنة من القرآن، أن هذه الصفات قد ظهرت في زمن نبيّنا ثم تظهر في آخر الزمان، وهو زمانٌ يكثر فيه الفسق والفساد، ويقلّ الصلاح والسداد، ويُجاح الإسلام كما تُجاح الدوحة، ويصير الإسلام كسليم لدغتْه الحيّة، ويصير المسلمون كأنهم الميْتة، ويُداس الدين تحت الدوائر الهائلة والنوازل النازلة السائلة. وكذلك ترون في هذا الزمان، وتشاهدون أنواع الفسق والكفر والشرك والطغيان، وترون كيف كثُر المفسدون، وقلَّ المصلحون المواسون، وحان للشريعة أن تُعدَم، وآنَ للملّة أن تُكتَم، وهذا بلاءٌ قد دَهَمَ، وعناءٌ قد هَجَمَ، وشرٌّ قد نَجَمَ، ونارٌ أحرقت العربَ والعَجَمَ. ومع ذلك ليس وقتنا وقتَ الجهاد، ولا زمنَ المرهَفات الحِداد، ولا أوانَ ضرب الأعناق والتقرين في الأصفاد، ولا زمانَ قَوْدِ أهل الضلال في السلاسل والأغلال، وإجراءِ أحكام القتل والاغتيال. فإن الوقت وقت غلبةِ الكافرين وإقبالهم، وضُرِبت الذلّة على المسلمين بأعمالهم. وكيف الجهاد ولا يُمنَع أحدٌ من الصوم والصلاة((وضُرِبت الذلّة على المسلمين بأعمالهم))، ولا الحج والزكاة، ولا من العفّة والتقاة، وما سَلَّ كافر سيفًا على المسلمين، ليرتدّوا أو يجعَلهم عِضِينَ، فمِن العدل أن يُسَلَّ الحُسام بالحُسام، والأقلام بالأقلام. وإنّا لا نبكي على جِراحات السيف والسنان، وإنما نبكي على أكاذيب اللسان،((وإنّا لا نبكي على جِراحات السيف والسنان، وإنما نبكي على أكاذيب اللسان)) فبالأكاذيب كُذِّبتْ صحفُ الله وأُخفيَ أسرارُها، ((فبالأكاذيب كُذِّبتْ صحفُ الله وأُخفيَ أسرارُها)) ،وصِيلَ على عمارة المِلّة وهُدّمَ دارها، فصارت كمدينة نُقِضَ أسوارها، أو حديقةٍ أُحرِقَ أشجارها، أو بستانٍ أُتلِفَ زهرها وثمارها وسُقِط أنوارها، أو بلدةٍ طيّبة غِيضَ أنهارها، أو قصورٍ مشيّدة عُفِّيَ آثارُها، ومزَّقها الممزّقون، وقيل ماتت ونعَى الناعون، وطُبعت أخبارُها وأشاعتها المشيّعون. ولكلّ كمال زوالٌ، ولكلّ ترعرُعٍ اضمحلال، كما ترى أن السيل إذا وصل إلى الجبل الراسي وقَف، والليل إذا بلغ الصبح المسفِر انكشف، كما قال الله تعالى: (وَاللّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ)، فجعَل تنفُّسَ الصبح كأمر لازمٍ بعد كمال ظلمات الليل. وكذلك في قوله: (يَا أَرْضُ ابْلَعِي)، جُعل كمال السيل دليلَ زوالِ السيل.((جُعل كمال السيل دليلَ زوالِ السيل)) فأراد الله أن يردّ إلى المؤمنين أيامَهم الأولى، وأن يُرِيَهم أنه ربُّهم وأنه الرحمن والرحيم ومالكُ يومٍ فيه يُجزَى، ويُبعَث فيه الموتى. وإنكم ترون في هذا الزمان ربوبية الله المنّان ورحمانيته للإنسان والحيوان، التي تتعلّق بالأبدان، وترون أنه كيف خلق أسبابًا جديدة، ووسائل مفيدة، وصنائع لم يُرَ مِثلها فيما مضى، وعجائبَ لم يوجد مِثلها في القرون الأولى، وترون تجدُّدًا في كل ما يتعلق بالمسافر والنزيل والمقيم وابن السبيل، والصحيح والعليل، والمحارب والمُصالح المُقيل، والإقامة والرحيل، وجميعِ أنواع النعماء والعراقيل، كأن الدنيا بُدّلتْ كل التبديل. فلا شك أنها ربوبية عظمى، ورحمانية كبرى. وكذلك ترى الربوبية والرحمانية والرحيمية في الأمور الدينية، وقد يُسِّرَ كلُّ أمر لطلباء العلوم الإلهية، ويُسِّرَ أمرُ التبليغ وأمر إشاعة العلوم الروحانية. وأُنزِلت الآيات لكل من يعبد الله ويبتغي السكينة من الحضرة، وانكسف القمر والشمس في رمضان،وانكسف القمر والشمس في رمضان وعُطّلت العِشار فلا يُسعَى عليها إلا بالندرة، وسوف ترى المركب الجديد في سبيل مكة والمدينة((اي سكة قطار الحديد يعني)). وأُيِّدَ العالمون والطالبون بكثرة الكتب وأنواع أسباب المعرفة، وعُمِرَ المساجد، وحُفِظَ الساجد، وفُتِحَ أبواب الأمن والتبليغ والدعوة، وما هو إلا فيض الرحيمية.((وعُمِرَ المساجد، وحُفِظَ الساجد، وفُتِحَ أبواب الأمن والتبليغ والدعوة، وما هو إلا فيض الرحيمية))فوجب علينا أن نشهد أنها وسائل لا يوجد نظيرها في القرون الأولى، وأنه توفيق وتيسير ما سمِع نظيرَه أُذنٌ وما رأى مثلَه بصرٌ، فانظرْ إلى رحيمية ربِّنا الأعلى. ومِن رحيميته أنّا قدَرْنا على أن نطبع كتب ديننا في أيام، ما كان مِن قبل في وُسع الأوّلين أن يكتبوها في أعوام، وأنّا نقدر على أن نطّلع على أخبار أقصى الأرض في ساعات [الحاشية:كما قال تعالى:يوميئذ تحدث أخبارها]، وما قدر عليه السابقون إلا لشِقِّ الأنفس وبذلِ الجهد إلى سنوات. وقد فُتِحَ علينا في كل خير أبوابُ الربوبية والرحمانية والرحيمية، وكثرتْ طرقُها حتى خرج إحصاؤها من الطاقة البشرية. وأين تيسّرَ هذا للسابقين من أهل التبليغ والدعوة؟((وأين تيسّرَ هذا للسابقين من أهل التبليغ والدعوة؟ ))وإن الأرض زُلزلت لنا زلزالاً، فأخرجتْ أثقالاً، وفُجّرت الأنهار، وسُجّرت البحار، وجُدّدت المراكب وعُطّلت العِشار. وإن السابقين ما رأوا كمثل ما رأينا من النعماء،((وإن السابقين ما رأوا كمثل ما رأينا من النعماء))، وفي كل قدمٍ نعمةٌ ((وفي كل قدمٍ نعمةٌ ))وقد خرجت من الإحصاء. ومع ذلك كثرتْ موت القلوب وقساوة الأفئدة((ومع ذلك كثرتْ موت القلوب وقساوة الأفئدة))، كأن الناس كلهم ماتوا ولم يبق فيهم روح المعرفة، إلا قليلٌ الذي هو كالمعدوم من الندرة.
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد : يتابع المسيح الموعود عليه الصلاة و السلام،فيقول:
وإنّا فهمنا مما ذكرنا مِن ظهور الصفات وتجلِّي الربوبيةِ والرحمانية والرحيمية كمثل الآيات، ثُمّ مِن كثرة الأموات وموتِ الناس من سُمّ الضلالات، أن يوم الحشر والنشر قريب بل على الباب، كما هو ظاهرٌ من ظهور العلامات والأسباب، فإن الربوبية والرحمانية والرحيمية تموّجتْ كتموُّج البحار، وظهرتْ وتواترت وجرت كالأنهار. فلا شك أن وقت الحشر والنشور قد أتى، وقد مضت هذه السُنّة في صحابةِ خيرِ الورى. ولا شك أن هذا اليوم يوم الدين، ويوم الحشر ويوم مالكية ربِّ السماء وظهورِ آثارها على قلوب أهل الأرضين. ولا شك أن اليوم يوم المسيح الحَكَمِ من الله أحكَمِ الحاكمين، وأنه حشرٌ بعد هلاك الناس وقد مضى نموذجه في زمن عيسى وزمنِ خاتم النبيين، فتدبّرْ ولا تكنْ من الغافلين.
الباب الخامس .
في تفسيرِ ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين )
اعلمْ أن حقيقة العبادة التي يقبَلها المولى بامتنانه، هي التذلل التام برؤية عظمته وعلوّ شأنه، والثناءُ عليه بمشاهدة مِننه وأنواع إحسانه، وإيثارُه على كل شيء بمحبّة حضرته وتصوُّر محامده وجماله ولمعانه، وتطهيرُ الجنان من وساوس الجِنّة نظرًا إلى جِنانه. ومن أفضل العبادات أن يكون الإنسان محافِظًا على الصلوات الخمس في أوائل أوقاتها، وأن يَجْهَدَ للحضور والذوق والشوق وتحصيل بركاتها، مواظبًا على أداء مفروضاتها ومسنوناتها. فإن الصلاة مركَبٌ يوصل العبد إلى رب العباد، فيصل بها إلى مقام لا يصل إليه على صهوات الجِياد، وصيدُها لا يُصاد بالسهام، وسرُّها لا يظهر بالأقلام. ومن التزمَ هذه الطريقة، فقد بلغ الحق والحقيقة، وأَلْفَى الحِبَّ الذي هو في حُجب الغيب، ونجا من الشك والريب، فترى أيامَه غُرَرًا، وكلامَه دُرَرًا، ووجهَه بدرًا، ومقامَه صدرًا. ومَن ذلَّ للهِ في صلواته أذلّ الله له الملوكَ، ويجعل مالِكًا هذا المملوكَ.
ثم اعلم أنّ الله حمِد ذاتَه أوّلاً في قوله: (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمينَ)، ثم حثّ الناس على العبادة بقوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، ففي هذه إشارة إلى أن العابد في الحقيقة هو الذي يحمَده حقَّ المَحْمدة. فحاصل هذا الدعاء والمسألة أن يجعل اللهُ أحمدَ كلَّ مَن تصدّى للعبادة، وعلى هذا كان من الواجبات أن يكون أحمدُ في آخر هذه الأُمّة على قدم أحمدَ الأول الذي هو سيد الكائنات، ليفهم أن الدعاء استُجيبَ مِن حضرة مستجيبِ الدعوات، وليكون ظهوره للاستجابة كالعلامات. فهذا هو المسيح الذي كان وعدُ ظهوره في آخر الزمان مكتوبًا في الفاتحة وفي القرآن.
ثم في هذه الآية إشارة إلى أن العبد لا يمكنه الإتيان بالعبودية، إلا بتوفيق من الحضرة الأحدية.
ومِن فروع العبادة أن تحبّ من يعاديك، كما تحب نفسك وبنيك، وأن تكون مُقِيلاً للعثرات، متجاوزًا عن الهفوات، وتعيش تقيًّا نقيًّا سليمَ القلب طيّبَ الذات، ووفيًّا صفيًّا منـزَّهًا عن ذمائم العادات، وأن تكون وجودًا نافعًا لخَلْقِ الله بخاصية الفطرة كبعض النباتات، مِن غير التكلفات والتصنّعات، وأن لا تؤذي أُخَيَّك بكبرٍ منك ولا تجرحه بكلمة من الكلمات، بل عليك أن تجيب الأخَ المغضَب بتواضعٍ ولا تحقِّره في المخاطبات، وتموت قبل أن تموت، وتحسب نفسك من الأموات، وتعظِّم كلَّ من جاءك ولو جاءك في الأطمار لا في الحُلل والكسوات، وتسلِّم على من تعرفه وعلى من لا تعرفه، وتقوم متصدّيًا للمواساة.
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد : نعيد الخطبة السابقة فنقول : يقول المسيح الموعود عليه السلام : الباب الخامس .
في تفسيرِ ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين )
اعلمْ أن حقيقة العبادة التي يقبَلها المولى بامتنانه، هي التذلل التام برؤية عظمته وعلوّ شأنه، والثناءُ عليه بمشاهدة مِننه وأنواع إحسانه، وإيثارُه على كل شيء بمحبّة حضرته وتصوُّر محامده وجماله ولمعانه، وتطهيرُ الجنان من وساوس الجِنّة نظرًا إلى جِنانه. ومن أفضل العبادات أن يكون الإنسان محافِظًا على الصلوات الخمس في أوائل أوقاتها، وأن يَجْهَدَ للحضور والذوق والشوق وتحصيل بركاتها، مواظبًا على أداء مفروضاتها ومسنوناتها. فإن الصلاة مركَبٌ يوصل العبد إلى رب العباد، فيصل بها إلى مقام لا يصل إليه على صهوات الجِياد، وصيدُها لا يُصاد بالسهام، وسرُّها لا يظهر بالأقلام. ومن التزمَ هذه الطريقة، فقد بلغ الحق والحقيقة، وأَلْفَى الحِبَّ الذي هو في حُجب الغيب، ونجا من الشك والريب، فترى أيامَه غُرَرًا، وكلامَه دُرَرًا، ووجهَه بدرًا، ومقامَه صدرًا. ومَن ذلَّ للهِ في صلواته أذلّ الله له الملوكَ، ويجعل مالِكًا هذا المملوكَ.
ثم اعلم أنّ الله حمِد ذاتَه أوّلاً في قوله: (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمينَ)، ثم حثّ الناس على العبادة بقوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، ففي هذه إشارة إلى أن العابد في الحقيقة هو الذي يحمَده حقَّ المَحْمدة. فحاصل هذا الدعاء والمسألة أن يجعل اللهُ أحمدَ كلَّ مَن تصدّى للعبادة، وعلى هذا كان من الواجبات أن يكون أحمدُ في آخر هذه الأُمّة على قدم أحمدَ الأول الذي هو سيد الكائنات، ليفهم أن الدعاء استُجيبَ مِن حضرة مستجيبِ الدعوات، وليكون ظهوره للاستجابة كالعلامات. فهذا هو المسيح الذي كان وعدُ ظهوره في آخر الزمان مكتوبًا في الفاتحة وفي القرآن.
ثم في هذه الآية إشارة إلى أن العبد لا يمكنه الإتيان بالعبودية، إلا بتوفيق من الحضرة الأحدية.
ومِن فروع العبادة أن تحبّ من يعاديك، كما تحب نفسك وبنيك، وأن تكون مُقِيلاً للعثرات، متجاوزًا عن الهفوات، وتعيش تقيًّا نقيًّا سليمَ القلب طيّبَ الذات، ووفيًّا صفيًّا منـزَّهًا عن ذمائم العادات، وأن تكون وجودًا نافعًا لخَلْقِ الله بخاصية الفطرة كبعض النباتات، مِن غير التكلفات والتصنّعات، وأن لا تؤذي أُخَيَّك بكبرٍ منك ولا تجرحه بكلمة من الكلمات، بل عليك أن تجيب الأخَ المغضَب بتواضعٍ ولا تحقِّره في المخاطبات، وتموت قبل أن تموت، وتحسب نفسك من الأموات، وتعظِّم كلَّ من جاءك ولو جاءك في الأطمار لا في الحُلل والكسوات، وتسلِّم على من تعرفه وعلى من لا تعرفه، وتقوم متصدّيًا للمواساة.
الباب السادس في تفسير قوله تعالى: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ )
اعلمْ أن هذه الآيات خزينة مملوّة من النكات، وحجّة باهرة على المخالفين والمخالفات، وسنذكرها بالتصريحات، ونُرِيك ما أرانا الله من الدلائل والبينات، فاسمعْ مني تفسيرها لعلّ الله ينجيك من الخزعبيلات.
أما قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فمعناه أَرِنا النهجَ القويم، وثَبِّتْنا على طريق يوصل إلى حضرتك، وينجي من عقوبتك(( أما قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فمعناه أَرِنا النهجَ القويم، وثَبِّتْنا على طريق يوصل إلى حضرتك، وينجي من عقوبتك.)).ثم اعلم أن لتحصيل الهداية طرقًا عند الصوفية مستخرَجةً من الكتاب والسنّة، أحدها طلبُ المعرفة بالدليل والحجة، والثاني تصفيةُ الباطن بأنواع الرياضة، والثالث الانقطاعُ إلى الله وصفاءُ المحبة، وطلبُ المدد من الحضرة، بالموافقة التامة وبنفيِ التفرقة، وبالتوبة إلى الله والابتهال والدعاء وعقدِ الهمة.((ثم اعلم أن لتحصيل الهداية طرقًا عند الصوفية مستخرَجةً من الكتاب والسنّة، أحدها طلبُ المعرفة بالدليل والحجة، والثاني تصفيةُ الباطن بأنواع الرياضة، والثالث الانقطاعُ إلى الله وصفاءُ المحبة، وطلبُ المدد من الحضرة، بالموافقة التامة وبنفيِ التفرقة، وبالتوبة إلى الله والابتهال والدعاء وعقدِ الهمة.))
ثم لما كان طريقُ طلب الهداية والتصفية لا يكفي للوصول مِن غير توسُّل الأئمّة والمهديّين من الأُمّة، ما رضِي الله سبحانه على هذا القدر من تعليم الدعاء، بل حثَّ بقوله: (صِراطَ الَّذِينَ )((بل حثَّ بقوله: (صِراطَ الَّذِينَ) ))على تحسُّس المرشدين والهادين من أهل الاجتهاد والاصطفاء من المرسلين والأنبياء((على تحسُّس المرشدين والهادين من أهل الاجتهاد والاصطفاء من المرسلين والأنبياء))فإنهم قوم آثروا دار الحق على دار الزور والغرور، وجُذبوا بحبال المحبّة إلى الله بحرِ النور، وأُخرجوا بوحيٍ من الله وجذبٍ منه مِن أرض الباطل، وكانوا قبل النبوّة كالجميلة العاطل. لا ينطقون إلا بإنطاق المولى، ولا يؤْثرون إلا الذي هو عنده الأَولى. يسعون كلَّ السعي ليجعلوا الناس أهلاً للشريعة الربّانية، ويقومون على ولدها كالحانية. ويُعطَى لهم بيان يُسمِع الصُمَّ ويُنزِل العُصْمَ، وجنانٌ يجذِب بعَقْدِ الهمّة الأُممَ. إذا تكلّموا فلا يرمون إلا صائبا، وإذا توجّهوا فيُحيون مَيْتًا خائبا. يسعون أن ينقلوا الناس من الخطيّات إلى الحسنات، ومن المنهيّات إلى الصالحات، ومن الجهلات إلى الرزانة والحَصاة، ومن الفسق والمعصية إلى العفّة والتقاة. ومَن أنكرَهم فقد ضيَّع نعمة عُرِضتْ عليه، ومَن أنكرَهم فقد ضيَّع نعمة عُرِضتْ عليه((ومَن أنكرَهم فقد ضيَّع نعمة عُرِضتْ عليه)) ، وبعُد مِن عين الخير وعن نورِ عينَيْه. ((ومَن أنكرَهم فقد ضيَّع نعمة عُرِضتْ عليه، وبعُد مِن عين الخير وعن نورِ عينَيْه))وإن هذا القطع أكبر من قطع الرحم والعشيرة، وإنهم ثمرات الجنة فويل للذي تركهم ومالَ إلى المِيرة. (( هنا لطيفة يقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام : ( وإن هذا القطع أكبر من قطع الرحم والعشيرة ) لذلك لما ان اخبرتكم ان الصالة الكبيرة والصالة الصغيرة لهما دلالتان في الرؤيا ، الصالة الصغيرة هي الرحم والعلاقات الاجتماعية ، اما الصالة الكبيرة هي الوحي والوصال من الله عزوجل ، فهذا الكلام موافق لكلام المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام يقول : )) ومَن أنكرَهم فقد ضيَّع نعمة عُرِضتْ عليه، وبعُد مِن عين الخير وعن نورِ عينَيْه. وإن هذا القطع أكبر من قطع الرحم والعشيرة، وإنهم ثمرات الجنة فويل للذي تركهم ومالَ إلى المِيرة. وإنهم نور الله ويُعطَى بهم نورٌ للقلوب، وترياقٌ لسُمِّ الذنوب، وسكينةٌ عند الاحتضار والغرغرة، وثباتٌ عند الرحلة وتركِ الدنيا الدنيّة. أتظنُّ أن يكون الغير كمثل هذه الفئة الكريمة؟ كلا والذي أخرجَ العَذْقَ من الجريمة. ولذلك علّم اللهُ هذا الدعاء مِن غاية الرحمة، وأمَر المسلمين أن يطلبوا (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ) مِن النبيّين والمرسلين من الحضرة. (( لان النعمة في القرآن وفي الكتاب المقدس تعني الوحي والوصال من الله عزوجل .)) يقول المسيح الموعود: وأمَر المسلمين أن يطلبوا (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ) (( يعني طريق الذين انعمت عليهم من من ؟ من )) النبيّين والمرسلين من الحضرة. وقد ظهر من هذه الآية، على كل مَن له حظٌّ من الدِراية، أن هذه الأمّة قد بُعثتْ على قدم الأنبياء، وإنْ مِن نبي إلا له مثيل في هؤلاء. ولولا هذه المضاهاة والسواء، لبطُل طلبُ كمال السابقين وبطُل الدعاء. (( هذا دليل من الله عزوجل ومن شرح المسيح الموعود أن أمة الإسلام فيها أنبياء إلى قيام الساعة أنبياء مماثلون لأنبياء السلسلة الموسوية )) ومَن أنكرَهم فقد ضيَّع نعمة عُرِضتْ عليه، وبعُد مِن عين الخير وعن نورِ عينَيْه. وإن هذا القطع أكبر من قطع الرحم والعشيرة، وإنهم ثمرات الجنة فويل للذي تركهم ومالَ إلى المِيرة. (( يقول المسيح الموعود ان قطع الأنبياء اعظم من قطع الرحم والعشيرة ، اذن نجود بالرحم والعشيرة ان خالفوا الانبياء ، في سبيل وصل الأنبياء ، اذن لا نأسى على القوم الكافرين من الرحم والعشيرة في سبيل وصال الأنبياء والسماع لهم .)) ومَن أنكرَهم فقد ضيَّع نعمة عُرِضتْ عليه، وبعُد مِن عين الخير وعن نورِ عينَيْه. وإن هذا القطع أكبر من قطع الرحم والعشيرة، وإنهم ثمرات الجنة فويل للذي تركهم ومالَ إلى المِيرة. وإنهم نور الله ويُعطَى بهم نورٌ للقلوب، وترياقٌ لسُمِّ الذنوب، وسكينةٌ عند الاحتضار والغرغرة، وثباتٌ عند الرحلة وتركِ الدنيا الدنيّة. أتظنُّ أن يكون الغير كمثل هذه الفئة الكريمة؟ كلا والذي أخرجَ العَذْقَ من الجريمة. ولذلك علّم اللهُ هذا الدعاء مِن غاية الرحمة، وأمَر المسلمين أن يطلبوا (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ) مِن النبيّين والمرسلين من الحضرة. وقد ظهر من هذه الآية، على كل مَن له حظٌّ من الدِراية، أن هذه الأمّة قد بُعثتْ على قدم الأنبياء، وإنْ مِن نبي إلا له مثيل في هؤلاء. ولولا هذه المضاهاة والسواء، لبطُل طلبُ كمال السابقين وبطُل الدعاء.
فالله الذي أمَرنا أجمعين، أن نقول (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)مصلّين ومُمسِين ومصبحين، وأن نطلب صراط الذين أنعمَ عليهم من النبيين والمرسلين، أشار إلى أنه قد قدّر من الابتداء، أن يبعث في هذه الأمّة بعضَ الصلحاء على قدم الأنبياء، وأن يستخلفهم كما استخلفَ الذين مِن قبلُ مِن بني إسرائيل. وأن يستخلفهم كما استخلفَ الذين مِن قبلُ مِن بني إسرائيل.(( واستخلفهم اي أمر ببيعتهم )) وإنّ هذا لهو الحق فاترُك الجدل الفضول والأقاويل. وكان غرض الله أن يجمع في هذه الأمّة كمالاتٍ متفرقة، وأخلاقًا متبددة، فاقتضتْ سنّتُه القديمة أن يعلّم هذا الدعاء((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ *
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)) ، فاقتضتْ سنّتُه القديمة أن يعلّم هذا الدعاء، ثم يفعل ما شاء. وقد سُمّي هذه الأمّة خيرَ الأمم في القرآن، ولا يحصل خيرٌ إلا بزيادة العمل والإيمان والعلم والعرفان، وابتغاءِ مرضاة الله الرحمن. وكذلك وعَد الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ليستخلفنّهم في الأرض بالفضل والعنايات، كما استخلف الذين من قبلهم من أهل الصلاح والتقاة. فثبت من القرآن أن الخلفاء من المسلمين إلى يوم القيامة، وأنه لن يأتي أحد من السماء، بل يُبعَثون من هذه الأمة.
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد : يقول المسيح الموعود عليه السلام :
الباب السادس
في تفسير قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ *
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
اعلمْ أن هذه الآيات خزينة مملوّة من النكات، وحجّة باهرة على المخالفين والمخالفات، وسنذكرها بالتصريحات، ونُرِيك ما أرانا الله من الدلائل والبينات، فاسمعْ مني تفسيرها لعلّ الله ينجيك من الخزعبيلات.
أما قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، فمعناه أَرِنا النهجَ القويم، وثَبِّتْنا على طريق يوصل إلى حضرتك، وينجي من عقوبتك. ( يقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في الحاشية: اعلم أن في آية (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) تبشير للمؤمنين، وإشارةٌ إلى أن الله أعدَّ لهم كلَّ ما أعطى للأنبياء السابقين((اعلم أن في آية (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) تبشير للمؤمنين، وإشارةٌ إلى أن الله أعدَّ لهم كلَّ ما أعطى للأنبياء السابقين))، ولذلك علّم هذا الدعاءَ ليكون بشارةً للطالبين، فلزم من ذلك أن يختتم سلسلة الخلفاء المحمدية على مثيل عيسى، ليتمّ المماثلة بالسلسلة الموسوية، والكريمُ إذا وعد وفى.) نعود للنص :
ثم اعلم أن لتحصيل الهداية طرقًا عند الصوفية مستخرَجةً من الكتاب والسنّة، (( هنا قرن المسيح الموعود بين الصوفية والكتاب والسنة ، ولكن للاسف الشديد نجد ان كثير من الصوفية في هذا الزمان يخالفون الشريعة ويخالفون الكتاب والسنة ، كان المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام ،صوفيا سلفيا ، صوفيا سلفيا ، اي يتبع نهج السلف الصالح والكتاب والسنة وكذلك ايه ؟ يؤمن بالوحي والوصال تمام والروحانيات ، فجمع بين الاثنين المتفرقين في هذا الزمان ، في هذا الزمان يقول لك اما ان تكون سلفي او تكون صوفي ، لاء المسيح الموعود جمع بين السلفية والصوفية ، فهذا هو ايه ؟ مربط الفرس وسر قوة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام ، وهو مبتغى الله وهدفه ، وهدف الله عزوجل ان يجعل كل المسلمين صوفية سلفية ولكن على الكتاب والسنة )) أحدها ( يعني الاول ) طلبُ المعرفة بالدليل والحجة، (( اي مسألة يقول ايه الدليل ؟ زي الشيخ ابراهيم كده ، اي حاجة ادينا الدليل ؟ )) والثاني تصفيةُ الباطن بأنواع الرياضة، (( يعني ايه ؟ تزكية النفس ، الرياضة هنا الرياضة النفسية يعني تزكية النفس )) والثالث الانقطاعُ إلى الله وصفاءُ المحبة، (( العزلة يعني الى حد ما يعني )) وطلبُ المدد من الحضرة، بالموافقة التامة وبنفيِ التفرقة، وبالتوبة إلى الله والابتهال والدعاء وعقدِ الهمة.
ثم لما كان طريقُ طلب الهداية والتصفية لا يكفي للوصول مِن غير توسُّل الأئمّة والمهديّين من الأُمّة، ما رضِي الله سبحانه على هذا القدر من تعليم الدعاء، بل حثَّ بقوله: (صِراطَ الَّذِينَ) على تحسُّس المرشدين والهادين من أهل الاجتهاد والاصطفاء من المرسلين والأنبياء. (( وكلمة تحسس هنا تعني ان نبحث بدقة ونطلب من الله عزوجل العون في هذا البحث على ان ننضم إلى نبي العصر )) ثم لما كان طريقُ طلب الهداية والتصفية لا يكفي للوصول مِن غير توسُّل الأئمّة والمهديّين من الأُمّة، ما رضِي الله سبحانه على هذا القدر من تعليم الدعاء، بل حثَّ بقوله: (صِراطَ الَّذِينَ) (( طريق الذين مين بقى ؟ انعمت عليهم اللي هم الائمة المرسلين من الله عزوجل اي الأنبياء )) بل حثَّ بقوله: (صِراطَ الَّذِينَ) على تحسُّس المرشدين والهادين من أهل الاجتهاد والاصطفاء من المرسلين والأنبياء. فإنهم قوم آثروا دار الحق على دار الزور والغرور، وجُذبوا بحبال المحبّة إلى الله بحرِ النور، وأُخرجوا بوحيٍ من الله وجذبٍ منه مِن أرض الباطل، وكانوا قبل النبوّة كالجميلة العاطل. لا ينطقون إلا بإنطاق المولى، ولا يؤْثرون إلا الذي هو عنده الأَولى. يسعون كلَّ السعي ليجعلوا الناس أهلاً للشريعة الربّانية، ويقومون على ولدها كالحانية. ويُعطَى لهم بيان يُسمِع الصُمَّ ويُنـزِل العُصْمَ، (( ينزل العصمة يعني )) وجنانٌ يجذِب بعَقْدِ الهمّة الأُممَ. إذا تكلّموا فلا يرمون إلا صائبا، وإذا توجّهوا فيُحيون مَيْتًا خائبا. يسعون أن ينقلوا الناس من الخطيّات إلى الحسنات، ومن المنهيّات إلى الصالحات، ومن الجهلات إلى الرزانة والحَصاة، (( اي الحكمة )) ومن الفسق والمعصية إلى العفّة والتقاة. ومَن أنكرَهم فقد ضيَّع نعمة عُرِضتْ عليه، وبعُد مِن عين الخير وعن نورِ عينَيْه. وإن هذا القطع أكبر من قطع الرحم والعشيرة، وإنهم (( لي الأنبياء )) ثمرات الجنة فويل للذي تركهم ومالَ إلى المِيرة. وإنهم نور الله ويُعطَى بهم نورٌ للقلوب، وترياقٌ لسُمِّ الذنوب، (( اعاذنا الله من سم الذنوب )) وسكينةٌ عند الاحتضار والغرغرة، وثباتٌ عند الرحلة وتركِ الدنيا الدنيّة. أتظنُّ أن يكون الغير كمثل هذه الفئة الكريمة؟(( يعني غير الأنبياء كمثلهم ؟ لاء )) كلا والذي أخرجَ العَذْقَ من الجريمة. ولذلك علّم اللهُ هذا الدعاء مِن غاية الرحمة، وأمَر المسلمين أن يطلبوا (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ) مِن النبيّين والمرسلين من الحضرة. وقد ظهر من هذه الآية، على كل مَن له حظٌّ من الدِراية، أن هذه الأمّة قد بُعثتْ على قدم الأنبياء، وإنْ مِن نبي إلا له مثيل في هؤلاء. ولولا هذه المضاهاة والسواء، لبطُل طلبُ كمال السابقين وبطُل الدعاء. فالله الذي أمَرنا أجمعين، أن نقول (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) مصلّين ومُمسِين ومصبحين، وأن نطلب صراط الذين أنعمَ عليهم من النبيين والمرسلين، أشار إلى أنه قد قدّر من الابتداء، أن يبعث في هذه الأمّة بعضَ الصلحاء على قدم الأنبياء، وأن يستخلفهم كما استخلفَ الذين مِن قبلُ مِن بني إسرائيل. وإنّ هذا لهو الحق فاترُك الجدل الفضول والأقاويل. وكان غرض الله أن يجمع في هذه الأمّة كمالاتٍ متفرقة، وأخلاقًا متبددة، فاقتضتْ سنّتُه القديمة أن يعلّم هذا الدعاءَ، ثم يفعل ما شاء. وقد سُمّي هذه الأمّة خيرَ الأمم في القرآن، ولا يحصل خيرٌ إلا بزيادة العمل والإيمان والعلم والعرفان، وابتغاءِ مرضاة الله الرحمن. وكذلك وعَد الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ليستخلفنّهم في الأرض بالفضل والعنايات، كما استخلف الذين من قبلهم من أهل الصلاح والتقاة. فثبت من القرآن أن الخلفاء من المسلمين إلى يوم القيامة، (( اي ان الانبياء من المسلمين الى يوم القيامة )) وأنه لن يأتي أحد من السماء، (( يعني عيسى الناصري ليس جالس في السماء ،انما قد مات كغيره من الأنبياء )) بل يُبعَثون من هذه الأمة.
وما لك لا تؤمن ببيان الفرقان؟ أتَرَكْتَ كتاب الله أم ما بقِي فيك ذرة من العرفان؟ وقد قال الله (مِنْكُمْ)، وما قال "مِن بني إسرائيل"، وكفاك هذا إن كنت تبغي الحق وتطلب الدليل. أيها المسكين اقرأِ القرآن ولا تمشِ كالمغرور، ولا تبعُدْ مِن نور الحق لئلا يشكو منك إلى الحضرة سورةُ الفاتحة وسورةُ النور. اتّق الله، ثم اتّق الله، ولا تكنْ أوّلَ كافر بآيات النور والفاتحة، لكيلا يقوم عليك شاهدان في الحضرة. وأنت تقرأ قوله (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ)، وتقرأ قوله (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ)، ففكّرْ في قوله (مِنْكم) في سورة النور واترُك الظالمين وظنَّهم. ألم يأنِ لك أن تعلم عند قراءة هذه الآيات، أن الله قد جعل الخلفاء كلهم من هذه الأمّة بالعنايات، فكيف يأتي المسيح الموعود من السماوات؟ أليس المسيح الموعود عندك من الخلفاء، فكيف تحسبه من بني إسرائيل ومن تلك الأنبياء؟ أتترك القرآن وفي القرآن كل الشفاء؟ أو تغلّبتْ عليك شِقْوتك، فتترك متعمدًا طريقَ الاهتداء؟ ألا ترى قوله تعالى (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) في هذه السورة؟ فوجب أن يكون المسيح الآتي من هذه الأمّة، لا مِن غيرهم بالضرورة. فإن لفظ (كما) يأتي للمشابهة والمماثلة، والمشابهةُ تقتضي قليلا من المغايرة((والمشابهةُ تقتضي قليلا من المغايرة))، ولا يكون شيءٌ مُشابِهَ نفسِه كما هو من البديهيات. فثبت بنصٍّ قطعيّ أن عيسى المنتظَر من هذه الأمة، وهذا يقينيٌّ ومنزّهٌ عن الشبهات. هذا ما قال القرآن ويعلمه العالمون، فبأي حديث بعده تؤمنون؟ وقد قال القرآن إن عيسى نبي الله قد مات، ففكّرْ في قوله ( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) ولا تُحْيِ الأمواتَ، ولا تنصُر النصارى بالأباطيل والخزعبيلات، وفِتَنُهم ليست بقليلة فلا تزِدْها بالجهلات، وإن كنت تحبّ حياةَ نبيٍّ فآمِنْ بحياةِ نبيِّنا خيرِ الكائنات. وما لك أنك تحسب مَيْتًا مَن كان رحمةً للعالمين، وتعتقد أن ابن مريم من الأحياء بل من المُحْيِين؟ انظُرْ إلى "النور" ثم انظر إلى "الفاتحة"، ثم ارجِع البصرَ ليرجع البصر بالدلائل القاطعة. ألستَ تقرأ (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ) في هذه السورة، فأَنَّى تُؤفَك بعد هذا؟ أتنسى دعاءك أو تقرأ بالغفلة؟ فإنك سألت عن• ربك في هذا الدعاء والمسألة، أن لا يغادر نبيًّا من بني إسرائيل إلا ويبعث مثيلَه في هذه الأمّة. وَيْحَك، أنَسِيتَ دعاءَك بهذه السرعة، مع أنك تقرأه في الأوقات الخمسة؟ عجبتُ منك كلَّ العجب، أهذا دعاؤك، وتلك آراؤك؟ انظرْ إلى الفاتحة وانظرْ إلى سورة النور من الفرقان، وأيّ شاهد يُقبَل بعد شهادة القرآن؟ فلا تكنْ كالذي سرى إيجاسَ خوفِ الله واستشعارَه، وتَسَرْبَلَ لباسَ الوقاحة وشِعارَه. أتتركُ كتاب الله لقوم تركوا الطريق، وما كمّلوا التحقيق والتعميق، وإنّ طريقهم لا يوصل إلى المطلوب، وقد خالف التوحيدَ وسبلَ الله المحبوب. فلا تحسبْ وَعْرًا دَمِثًا وإنْ دمَّثه كثيرٌ من الخُطى، وإنْ اهتدتْ إليها أبابيل من القطا، فإنّ هُدى الله هو الهدى. وإن القرآن شهد على موت المسيح، وأدخلَه في الأموات بالبيان الصريح. ما لك ما تفكّر في قوله (فَلَمَّا تَوَفَّيتَني) وفي قوله قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ((اي ماتت))، وما لك لا تختار سبيل الفرقان وسَرَّك السُّبُلُ. وقد قال (فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ)، فما لكم لا تفكّرون. وقال لكم فيها مستقرٌّ ومتاع إلى حين، فكيف صار مستقرُّ عيسى في السماء أو عرشَ رب العالمين؟ إنْ هذا إلا كذب مبين. وقال سبحانه (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ)، فكيف تحسبون عيسى من الأحياء؟ الحياء الحياء، يا عباد الرحمن. القرآن القرآن، فاتقوا الله ولا تتركوا الفرقان. إنه كتاب يُسأَل عنه إنسٌ وجانٌّ. وإنكم تقرأون الفاتحة في الصلاة، ففكِّروا فيها يا ذوي الحصاة((وإنكم تقرأون الفاتحة في الصلاة، ففكِّروا فيها يا ذوي الحصاة)) .ألا تجدون فيها آية (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، فلا تكونوا كالذين فقدوا نورَ عينَيْهم، وذهب بما لديهم. وَيْحَكم، وهل بعد الفرقان دليل، أو بقِي إلى مفرٍّ من سبيل؟ أيقبَل عقلكم أن يبشّر ربُّنا في هذا الدعاء، بأنه يبعث الأئمّةَ مِن هذه الأمّة لمن يريد طريق الاهتداء، الذين يكونون كمثل أنبياء بني إسرائيل في الاجتباء والاصطفاء، ويأمرنا أن ندعو أن نكون كأنبياء بني إسرائيل، ولا نكون كأشقياء بني إسرائيل، ثم بعد هذا يدُعُّنا ويُلقينا في وِهاد الحرمان، ويرسل إلينا رسولا من بني إسرائيل وينسى وعده كل النسيان؟ وهل هذا إلا المكيدة التي لا ينسب إلى الله المنان؟ ((وهل هذا إلا المكيدة التي لا ينسب إلى الله المنان ؟))وإن الله قد ذكر في هذه السورة ثلاثةَ أحزاب من الذين أنعمَ عليهم واليهود والنصرانيين، ورَغَّبَنا في الحزب الأول منها ونهى عن الآخرين، بل حَثَّنا على الدعاء والتضرع والابتهال، لنكون من المنعَم عليهم لا من المغضوب عليهم وأهل الضلال.
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد : يقول المسيح الموعود عليه الصلاة و السلام :
ووالذي أنزل المطرَ من الغمام، وأخرج الثمرَ من الأكمام، لقد ظهر الحق من هذه الآية(( اي"صراط الذين أنعمت عليهم"))، ولا يشكّ فيه مَن أُعطيَ له ذرة من الدراية. وإن الله قد منَّ علينا بالتصريح والإظهار، وأماطَ عنا وَعْثاءَ الافتكار، فوجب على الذين يُنَضْنِضون نضنضةَ الصِلِّ، ويُحَمْلِقون حملقةَ البازي المطِلِّ، أن لا يُعرِضوا عن هذا الإنعام، ولا يكونوا كالأنعام.
وقد عَلِقَ بقلبي أن الفاتحة تأسُو جِراحَهم، وترِيش جناحَهم، وما مِن سورة في القرآن إلا هي تكذّبهم في هذا الاعتقاد، فاقرأْ مما شئتَ من كتاب الله يُريك طريق الصدق والسداد. ألا ترى أن سورة "بني إسرائيل" يمنع المسيحَ أن يرقى في السماء، وأن "آل عمران" تعِده أن الله مُتوَفِّيه وناقِلُه إلى الأموات من الأحياء. ثم إن "المائدة" تبسُط له مائدة الوفاة، فاقرأْ (فَلَمَّا تَوَفَّيتَني) إنْ كنت في الشبهات. ثم إن "الزُمَر" يجعله مِن زُمَرٍ لا يعودون إلى الدنيا الدنيّة، وإنْ شئتَ فاقرأْ (فَيُمْسِكُ الَّتِيْ قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ). واعلم أن الرجوع حرام بعد المنيّة. وحرام على قرية أهلكهَا الله أن تُبعَث قبل يوم النشور، وأما الإحياء بطريق المعجزة فليس فيه الرجوع إلى الدنيا التي هي مقام الظلم والزور. ثم إذا ثبت موت المسيح بالنص الصريح، فأزال الله وَهْمَ نزولِه من السماء بالبيان الفصيح، وأشار في سورة النور والفاتحة، أن هذه الأمّة يرث أنبياء بني إسرائيل على الطريقة الظلّيّة، فوجب أن يأتي في آخر الزمان مسيح من هذه الأمة، كما أتى عيسى ابن مريم في آخر السلسلة الموسوية، فإن موسى ومحمدا - عليهما صلوات الرحمن - متماثلان بنصّ الفرقان، وإن سلسلة هذه الخلافة تشابهُ سلسلةَ تلك الخلافة، كما هي مذكورة في القرآن، وفيها لا يختلف اثنان. وقد اختُتمتْ مئاتُ سلسلةِ خلفاء موسى على عيسى كمثل عِدّة أيام البدر، فكان من الواجب أن يظهَر مسيحُ هذه الأمّة في مدّة هي كمثل هذا القدر، وقد أشار إليه القرآن في قوله (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ)، وإن القرآن ذو الوجوه كما لا يخفى على العلماء الأجلّة، فالمعنى الثاني لهذه الآية في هذا المقام، أن الله ينصر المؤمنين بظهور المسيح إلى مِئِينَ تُشابهُ عِدّتُها أيامَ البدر التامِّ، والمؤمنون أذلّةٌ في تلك الأيام. فانظرْ إلى هذه الآية كيف تشير إلى ضعف الإسلام، ثم تشير إلى كون هلاله بدرًا في أجلٍ مسمّى من الله العلام، كما هو مفهوم من لفظ البدر، فالحمد لله على هذا الإفضال والإنعام.
وحاصل ما قلنا في هذا الباب، أن الفاتحة تبشّر بكون المسيح من هذه الأمّة فضلاً من رب الأرباب. فقد بُشِّرْنا مِن الفاتحة بأئمّةٍ منّا هم كأنبياء بني إسرائيل، وما بُشِّرْنا بنـزول نبي من السماء فتَدبَّرْ هذا الدليل. وقد سمعتَ من قبل أن سورة النور قد بشّرتْنا بسلسلة خلفاء تشابهُ سلسلةَ خلفاء الكليم، وكيف تتمّ المشابهة من دون أن يظهر مسيح كمسيحِ سلسلة الكليم في آخر سلسلة النبي الكريم. وإنّا آمنّا بهذا الوعد فإنه من رب العباد، وإن الله لا يخلف الميعاد. والعجب من القوم أنهم ما نظروا إلى وعد حضرة الكبرياء، وهل يُوفى ويُنجَز إلا الوعد، فلينظروا بالتقوى والحياء. وهل في شِرعة الإنصاف، أن ينْزل المسيح من السماء ويُخلَف وعدُ مماثلةِ سلسلة الاستخلاف؟ وإنّ تشابُهَ السلسلتين قد وجب بحُكم الله الغيور، كما هو مفهوم من لفظ (كَمَا) في سورة النور.
الباب السابع
في تفسير
(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّين)
اعلم، أَسْعَدَك الله، أنّ الله قسم اليهود والنصارى في هذه السورة على ثلاثة أقسام، فرَغَّبَنا في قسمٍ منهم وبشَّر به بفضل وإكرام، وعَلَّمَنا دعاءً لنكون كمثل تلك الكرام، من الأنبياء والرسل العظام((وعَلَّمَنا دعاءً لنكون كمثل تلك الكرام، من الأنبياء والرسل العظام)). وبقي القسمان الآخران، وهما المغضوب عليهم من اليهود والضالون من أهل الصلبان، فأمَرنا أن نعوذ به مِن أن نلحق بهم من الشقاوة والطغيان. فظهر من هذه السورة أنّ أَمْرَنا قد تُرك بين خوفٍ ورجاء، ونعمةٍ وبلاء، إمّا مشابهةٌ بالأنبياء، وإمّا شُربٌ من كأس الأشقياء((إمّا مشابهةٌ بالأنبياء، وإمّا شُربٌ من كأس الأشقياء)) . فاتقوا الله الذي عظُم وعيدُه، وجلّتْ مواعيدُه. ومَن لم يكنْ على هدى الأنبياء من فضل الله الودود، فقد خِيفَ عليه أن يكون كالنصارى أو اليهود.((ومَن لم يكنْ على هدى الأنبياء من فضل الله الودود، فقد خِيفَ عليه أن يكون كالنصارى أو اليهود)) فاشتدّت الحاجة إلى نموذج النبيّين والمرسلين، ليدفع نورُهم ظلماتِ المغضوب عليهم وشبهاتِ الضالين.((فاشتدّت الحاجة إلى نموذج النبيّين والمرسلين، ليدفع نورُهم ظلماتِ المغضوب عليهم وشبهاتِ الضالين.))ولذلك وجَب ظهور المسيح الموعود في هذا الزمان من هذه الأمّة، لأنّ الضالّين قد كثروا فاقتضتْ المسيحَ ضرورةُ المقابلة. وإنكم ترون أفواجًا من القسّيسين الذين هم الضالّون، فأين المسيح الذي يَذُبُّهم إن كنتم تعلمون؟ أمَا ظهَر أثرُ الدعاء، أو تُركتم في الليلة الليلاء؟ أم عُلِّمتم دعاء (صِرَاطَ الَّذِيْنَ)، ليزيد الحسرةَ وتكونوا كالمحرومين؟ فالحق والحق أقول، إن الله ما قسم الفِرق على ثلاثة أقسام في هذه السورة، إلا بعد أن أَعَدَّ كلَّ نموذج منهم في هذه الأمّة.((فالحق والحق أقول، إن الله ما قسم الفِرق على ثلاثة أقسام في هذه السورة، إلا بعد أن أَعَدَّ كلَّ نموذج منهم في هذه الأمّة.)) وإنكم ترون كثرة المغضوب عليهم وكثرة الضالين، فأين الذي جاء على نموذج النبيين والمرسلين من السابقين؟ ما لكم لا تفكّرون في هذا وتمرّون غافلين؟
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد : يقول المسيح الموعود متابعاً :
ثم اعلم أن هذه السورة قد أخبرتْ عن المبدأ والمعاد، وأشارت إلى قوم هم آخِر الأقوام ومنتهى الفساد((وأشارت إلى قوم هم آخِر الأقوام ومنتهى الفساد))، فإنها اختُتِمتْ على الضالّين، وفيه إشارة للمتدبّرين. فإن الله ذكَر هاتين الفرقتين في آخر السورة، وما ذكَر الدجّال المعهود تصريحًا ولا بالإشارة، مع أن المقام كان يقتضي ذِكر الدجّال، فإن السورة أشارت في قولها (الضَّالِّينَ) إلى آخر الفتن وأكبر الأهوال، فلو كانت فتنةُ الدجّال في علم الله أكبرَ من هذه الفتنة، لختَم السورةَ عليها لا على هذه الفِرقة(( و هذا الدليل أن الضالين هم المسيح الدجال،و الضالين هو أول مد كلمي لازم مثقل في القرآن،هذه أشارة واضحة أن الضالين،اي النصارى،هم المسيح الدجال الذي أُخبرك عنه النبي_صلى الله عليه و سلم_في الرؤى و الكشوف،يقول المسيح الموعود))فإن السورة أشارت في قولها (الضَّالِّينَ) إلى آخر الفتن وأكبر الأهوال، فلو كانت فتنةُ الدجّال في علم الله أكبرَ من هذه الفتنة، لختَم السورةَ عليها لا على هذه الفِرقة. ففكِّروا في أنفسكم((وقد أخبرتكم من قبل أن الضالين هم الإيه؟ المسيح الدجال،و أخبرتكم بذلك،و قلت ذلك قبل أن أعلم أن المسيح الموعود ذكر هذا، في هذا الكتاب،و هذه من دلالات أن إلهنا إله حي،و إله واحد)) فلو كانت فتنةُ الدجّال في علم الله أكبرَ من هذه الفتنة، لختَم السورةَ عليها لا على هذه الفِرقة. ففكِّروا في أنفسكم.. أنَسِيَ أصلَ الأمر ربُّنا ذو الجلال، وذكَر الضالّين في مقام كان واجبًا فيه ذكرُ الدجّال؟ وإن كان الأمر كما هو زعم الجهّال، لقال الله في هذا المقام: غير المغضوب عليهم ولا الدجّال. وأنت تعلم أن الله أراد في هذه السورة أن يحثّ الأمّة على طرق النبيّين، ويحذّرهم من طرق الكَفَرة الفَجَرة، فذكَر قومًا أكملَ لهم عطاءَه، وأتمّ نعماءه، ووعد أنه باعثٌ من هذه الأمّة مَن هو يشابه النبيين، ويضاهي المرسلين. ثم ذكر قومًا آخر تُركوا في الظلمات، وجعل فتنتَهم آخرَ الفتن وأعظمَ الآفات، وأمر أن يعوذ الناسُ كلُّهم به من هذه الفتن إلى يوم القيامة، ويتضرّعوا لدفعِها في الصلوات في أوقاتها الخمسة. وما أشار في هذا إلى الدجّال وفتنته العظيمة، فأيُّ دليل أكبر من هذا على إبطال هذه العقيدة؟
ثم من مؤيِّدات هذا البرهان، أن الله ذكر النصارى في آخر القرآن كما ذكر في أوّل الفرقان، ففكّرْ في: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)، وفي: (الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ)، وما هم إلا النصارى فعُذْ مِن علمائهم بربّ الناس. وإن الله كما ختَم الفاتحةَ على الضالين، كذلك ختم القرآن على النصرانيين، وإن الضالين هم النصرانيون كما رُويَ عن نبيّنا في الدر المنثور، وفي فتح الباري فلا تُعرِضْ عن القول الثابت المشهور، ومُسلَّمِ الجمهورِ.
الباب الثامن
في تفسير الفاتحة بقولٍ كُلّيّ
اعلمْ أن الله تعالى افتتح كتابه بالحمد لا بالشكر ولا بالثناء، لأن الحمد أتمُّ وأكملُ منهما وأحاطَهما بالاستيفاء. ثم ذلك رَدٌّ على عَبَدة المخلوقين والأوثان، فإنهم يحمَدون طواغيتَهم وينسبون إليها صفاتِ الرحمن.
وفي الحمد إشارة أخرى وهي أن الله تبارك وتعالى يقول أيها العباد اعرفوني بصفاتي، وآمِنوا بي لكمالاتي، وانظروا إلى السماوات والأرضين، هل تجدون كمثلي ربَّ العالمين، وأرحمَ الراحمين، ومالِكَ يوم الدين؟
ومع ذلك إشارة إلى أن إلهكم إلهٌ جمَع جميعَ أنواع الحمد في ذاته، وتفرّدَ في سائر محاسنه وصفاته. وإشارة إلى أنه تعالى منزَّهٌ شأنُه عن كل نقص وحُؤولِ حالةٍ ولحوقِ وصمةٍ كالمخلوقين، بل هو الكامل المحمود، ولا تحيطه الحدود. وله الحمد في الأولى والآخرة ومن الأزل إلى أبد الآبدين. ولذلك سمّى الله نبيَّه أحمدَ، وكذلك سمّى به المسيحَ الموعود ليشير إلى ما تعمّدَ.
وإن الله كتب الحمد على رأس الفاتحة، ثم أشار إلى الحمد في آخر هذه السورة، فإن آخرها لفظ (الضَّالِّينَ)، وهم النصارى الذين أعرضوا عن حمد الله وأعطَوا حقَّه لأحدٍ من المخلوقين. فإن حقيقة الضلالة هي تركُ المحمود الذي يستحقّ الحمد والثناء، كما فعل النصارى ونحتوا من عندهم محمودًا آخر وبالغوا في الإطراء، واتبّعوا الأهواء، وبعُدوا من عين الحياة، وهلكوا كما يهلك الضالّ في المَوماة. وإن اليهود هلكوا في أوّل أمرهم وباءوا بغضبٍ من الله القهّار، والنصارى سلكوا قليلا ثم ضلّوا وفقدوا الماء فماتوا في فلاة من الاضطرار.
فحاصل هذا البيان أن الله خلَق أحمدَين في صدر الإسلام وفي آخر الزمان، وأشار إليهما بتكرار لفظ الحمد في أول الفاتحة وفي آخرها لأهل العرفان. وفعل كذلك ليردّ على النصرانيين، وأنزل أحمدَيْن من السماء ليكونا كالجدارَيْن لحماية الأولين والآخرين.
وهذا آخر ما أردنا في هذا الباب، بتوفيق الله الراحم الوهاب. فالحمد لله على هذا التوفيق والرِفاء، وكان مِن فضله أنّ عَهْدَنا قُرِنَ بالوفاء، وما كان لنا أن نكتب حرفًا لولا عونُ حضرة الكبرياء. هو الذي أَرَى الآياتِ، وأنزل البيّناتِ، وعصم قلمي وكَلِمي من الخطأ، وحفِظ عِرضي من الأعداء. وإنه تبوّأ منْزلي، وتجلّى عليّ وحضر محفلي واجتباني لخلافته، وأبقى مَرعاي على صرافته. وزكّاني فأحسنَ تزكيتي، وربّاني فبالغَ في تربيتي. وأنبتَني نباتًا حسنًا، وتجلّى عليّ وشغَفني حُبًّا، حتى إنني فرغتُ من عداوة الناس ومحبّتهم، ومدحِ الخَلق ومذمّتهم، والآن سواء لي مَن عاد إليّ أو عادى، ورادَ مِن ضِياعي أو رادى. وصارت الدنيا في عيني كجاريةٍ بُدئتْ، واسودّ وجهها وصفوفُ الحسنِ تقوّضتْ، وشَمَمُ الأنفِ بالفُطْس تبدّلَ، ولَهَبُ الخدودِ إلى النَمْشِ انتقلَ، فنجوتُ بحول الله من سطوتها وسلطانها، وعُصِمتُ من صولة غُولها وشيطانها. وخرجتُ من قوم يتركون الأصل ويطلبون الفرع، ويضيعون الورع لهذه الدنيا ويُجبِئون الزرع. ويريدون أن يحتكئ قولُهم في قلوب الناس، مع أنهم ما خلصوا من الأدناس. وكيف يُترقّب الماء المَعين مِن قِرْبةٍ قضِئتْ، والخلوصُ والدينُ من قريحةٍ فسدتْ؟ وكيف يُعَدُّ الأسير كمُطلَقٍ من الإسار؟ وكيف يدخُل المُقرِف في الأحرار؟ وكيف يتداكأُ الناس عليه، وهو خبيث وخبيثٌ ما يخرج مِن شفتَيه؟ وإنّ قلمي بُرِّئَ من أدناس الهوى، وبُرِيَ لإرضاء المولى. وإنّ قلمي بُرِّئَ من أدناس الهوى، وبُرِيَ لإرضاء المولى.وإنّ قلمي بُرِّئَ من أدناس الهوى، وبُرِيَ لإرضاء المولى. وإن لِيَراعي أثر من الباقيات الصالحات، ولا كأثرِ سنابِكِ المسوَّمات. ونحن كُماةٌ لا نَزِلُّ عن صهوات المطايا، وإنّا مع ربّنا إلى حلول المنايا. وإن خيلنا تجُول على العدا كالبازي على العصفور، أو كالأجدَل على الفأر المذؤور.
رُوَيدَ أعدائي بعضَ الدعاوي، رُوَيدَ أعدائي بعضَ الدعاوي، ولا تدّعوا الشَبَعَ مع البطن الخاوي. رُوَيدَ أعدائي بعضَ الدعاوي، ولا تدّعوا الشَبَعَ مع البطن الخاوي. أتقومون للحرب برماح أُشرعتْ، ولا ترون إلى حُجُبِكم وإلى سلاسل ثُقّلتْ. رُوَيدَ أعدائي بعضَ الدعاوي، ولا تدّعوا الشَبَعَ مع البطن الخاوي. أتقومون للحرب برماح أُشرعتْ، ولا ترون إلى حُجُبِكم وإلى سلاسل ثُقّلتْ. ترون غمراتِ الندم ثم تقتحمونها، وتجِدون غَمّاءَ الذلّ ثم تزورونها. وإنّما مَثلكم كمثلِ عَنْزٍ تأكل تارة من حشيشٍ وتارة من كلاء، ولا يطيع الراعي من غير خلاء. وكل ما هو عندكم من العلم فليس هو إلا كالكدوس المَدُوس الذي لم يُذَرّ، وخالَطَه روثُ الفَدَادين وغيرها مما ضَرَّ. ثم تقولون إنّا لا نحتاج إلى حَكَمٍ من السماء، وما هي إلا شِقوة، ففكّروا يا أهل الآراء.
وإني أعلمُ كعلم المحسوسات والبديهيات، أني أُرسلتُ من ربي بالهدايات والآيات، وإني أعلمُ كعلم المحسوسات والبديهيات، أني أُرسلتُ من ربي بالهدايات والآيات، وقد أُوحيَ إليّ إلى مدّة هي مدّةُ وحيِ خاتمِ النبيين، وكُلّمتُ قبل أن أَزْنَأَ من الأربعين، إلى أن زَنَأْتُ للستين. وهل يجوز تكذيب رجلٍ ضاهتْ مدّتُه مدّةَ نبيّنا المصطفى؟ وإن الله قد جعل تلك المدّة دليلا على صدق رسوله المجتبى، وسمعتُ إنكاره من بعض الناس، وما قبلوا هذا الدليل بلمّة من الوسواس الخنّاس، فاكتَلأَتْ عيني طول ليلي، وجرت مِن عيني عينُ سيلي، فكلّمني ربي برحمته العظمى، وقال قُلْ: (إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى). فله الحمد وهو المولى، وهو ربّي في هذه وفي يومٍ تُحشرُ كلُّ نفسٍ لتُجزَى.
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد،يقول المسيح الموعود_عليه الصلاة و السلام_: رَبِّ انزِلْ على قلبي، رَبِّ انزِلْ على قلبي، رَبِّ انزِلْ على قلبي، واظهَرْ مِن جيبي بعد سلبي، واملأْ بنور العرفان فؤادي. ربّ أنت مُرادي فآتِني مرادي، ربّ أنت مُرادي فآتِني مرادي، ولا تُمِتْني موتَ الكلاب، بوجهك يا رب الأرباب. رب إني اخترتك فاختَرْني، وانظرْ إلى قلبي واحضُرْني، فإنك عليم الأسرار، وخبير بما يُكتَم من الأغيار. ربّ إنْ كنتَ تعلمُ أن أعدائي هم الصادقون المخلصون، فأهلِكْني كما تُهْلَكُ الكذّابون، وإنْ كنتَ تعلم أني منك ومن حضرتك، فقُمْ لنُصرتي فإني أحتاج إلى نصرتك، ولا تُفوِّضْ أمري إلى أعداء يمرّون عليّ مستهزئين، واحفظْني من المعادين والماكرين. إنك أنت راحي وراحتي، وجَنّتي وجُنّتي، فانصرْني في أمري واسمعْ بكائي ورُنّتي، وصَلِّ على محمدٍ خير المرسلين، وإمام المتّقين، وهَبْ له مراتبَ ما وهبتَ لغيره من النبيين. ربّ أَعْطِه ما أردتَ أن تُعطيني من النعماء، ثم اغفِرْ لي بوجهك وأنت أرحم الرحماء. والحمد لك على أن هذا الكتاب قد طُبع بفضلك في مدّةِ عِدّةِ العَين، في يوم الجمعة وفي شهرٍ مباركٍ بين العيدَين. ربّ اجعلْه مباركًا ونافعًا للطُلاّب، وهاديًا إلى طريق الصواب، بفضلك يا مُجيبَ الداعين. آمين ثم آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
لقد ظهرت معجزة عظيمة بفضل الله تعالى
ألفَ ألف شكر أشكر الله القادر الأحد، الذي أكرمني بفتح عظيم في هذا الميدان؛ فرغم أنني واجهت في هذه الأيام السبعين عراقيل عديدة، إذ مرضت أثناءها بضع مرات بمرض خطر، كما أصيب بعض الأقارب أيضا بالأمراض، إلا أن هذا التفسير قد اكتمل. ومَن تأمّلَ في أنني دعوتُ آلاف المعارضين للمبارزة ثم ألَّفت هذا التفسير مقابلهم لاستيْقَنَ أنه معجزة عظيمة حتما. وإني لأتساءل: إذا لم تكن هذه معجزة فمن الذي أعجزَ المشايخَ المعارضين عن كتابة التفسير حين دُعُوا لهذه المعركة بكلمات تثير غيرتهم؟ ومن الذي جعل شخصًا مصابًا بالأمراض والأعراض الجسدية - أي أنا العبد الضعيف الذي هو جاهل في نظر المشايخ المعارضين ولا يعرف حسب رأيهم كلمة واحدة صحيحةً من العربية- قادرا على كتابة هذا التفسير العديم النظير بالعربية الفصيحة والبليغة، والذي لن يستطيع المشايخ المعارضون أن يأتوا بمثله ولو أصيبوا بصدمة دماغية في محاولتهم للكتابة. لو كان هذا الأمر بوسع المشايخ المعارضين، أو لو كان نصر الله حليفهم في هذا المضمار، لكان من المفروض أن يُنشَر حتى الآن ألفُ تفسير على الأقل من قِبلهم بحذائي. فما هو جوابهم الآن يا ترى، فقد دعوتهم لكتابة التفسير معتبرًا إياه معيارا للحُكم بيننا وحددتُ لهم مدة سبعين يوما - وهي ليست بقصيرة - وكنت وحيدا وهم ألوف ويُسمَّون علماء العربية وبلغاءها، ومع ذلك فشلوا في كتابة التفسير؟ لو أنهم أعدّوا هذا التفسير وقدّموا الأدلّة ضدّي من سورة الفاتحة لجاءهم الناس أفواجًا. فأيّ قوة خفية كبَّلت أيدي هؤلاء الآلاف وكلَّلت أذهانهم ونزعت منهم العلم والفهم؟ ومن جانب آخر شهدتْ على صدقي بشهادة سورة الفاتحة، وختمتْ على قلوبهم فجعلتْها بليدة وعديمة الفهم، وفضحتْهم أمام ألوف الناس بكشف ثيابهم الوسخة وألبستْني خلعة بيضاء ناصعة نصوع الثلج، وأجلستني على كرسي العزّ والشرف، وخلعتْ عليّ لقب العزة من سورة الفاتحة. وما أدراك ما ذلك اللقب؟ إنما هو: (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).
وانظروا إلى فضل الله ورحمته، فقد اشتُرطَ على كِلا الفريقين أن يؤلف هذا التفسير في أربعة أجزاء في سبعين يوما، ولكن هؤلاء الألوف لم يستطيعوا تأليف جزء واحد، أما أنا فلم يوفّقني الله تعالى لتأليف التفسير في أربعة أجزاء فحسب، بل ألّفت اثني عشر جزءا منه.
هنا أسأل المشايخ المعارضين، أليست هذه معجزة؟ وما مبرر عدم اعتبارها معجزة؟ لا أحد في الدنيا يرضى بالذلة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإذا كانت كتابة التفسير بمقدورهم فلماذا لم يقدروا على ذلك؟ ألا تحضُّ الكلمات التي نشرتُها في الإعلانات أن الفريق الذي لا يقدر على كتابة التفسير في سبعين يوما سيُعَدُّ كاذبا.. ألا تحضّ أيَّ غيور على أن يحرّم على نفسه أيَّ عمل آخر ليكمل العمل الذي يشكّل له تهديدا حتى لا يُعَدَّ من الكاذبين؟ ولكنْ أَنَّى لهم أن يواجهوا؟ وكيف يمكن أن يُرَدّ قول الله تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي)؟ لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يُتمّ عليهم الحجة للأبد بأنهم لا يستطيعون أن ينجزوا شيئا مقابل شخص واحد، وهم ألوف ويُدعَون علماء ومشايخ، ومع ذلك لا يرتدعون عن تكفيره. ألم يكن محتوما عليهم أن يكونوا كاملين علمًا قبل أن يتجاسروا على التكفير؟ لا جرم أن معارضة المبعوث الرباني - الذي يُري آية تلو آية - بالاعتماد على فتوى هؤلاء الألوف الذين آلت حالتهم إلى أنهم لم يقدروا مجتمعين على مواجهة شخص واحد إذ لم يستطيعوا تأليف التفسير في أربعة أجزاء، إنما هو فعل الأشقياء حقًا.
وأقول في الأخير إن من دواعي الشكر أيضا أنه قد تحققت بهذه المناسبة إحدى نبوءات النبي صلى الله عليه وسلم أيضا، وبيانها أنني اضطررتُ في الأيام السبعين هذه لجمع الصلوات - التي يجوز جمعها((اي الظهر و العصر،و المغرب و العشاء))- إما نتيجةً للأمراض التي لازمتني، أو تعويضًا عن انقطاعي أيامًا عديدة عن كتابة التفسير نتيجة الأمراض. وبذلك قد تحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في "الدر المنثور"، و"فتح الباري"، و"تفسير القرآن العظيم لابن كثير"، حيث جاء فيها: "تُجمَع له الصلاةُ".. أي للمسيح الموعود((عليه الصلاة و السلام))
فليخبرْنا الآن المشايخ المعارضون، ألم تتحقق هذه العلامة الخاصة بالمسيح الموعود بتحقُّق هذه النبوءة النبوية؟ وإلا فليأتوا بنظير شخص ادّعى أنه هو المسيح الموعود ثم جمَع بين الصلوات شهرين، أو فليأتوا بنظير شخص كهذا وإن لم يقم بهذه الدعوى أيضا. والسلام على من اتبع الهدى.
المعلن ميرزا غلام أحمد القادياني
20 شباط/ فبراير 1901م
كتاب كرامات الصادقين
تفسير سورة الفاتحة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي خضعت الأعناق لكبريائه، وتحيرت الأبصار من مجده وعلائه، المقدس عن الأنداد والأضداد والشركاء، المنزه عن الأشباه والأقران والنظراء. هو الذي أرسل رسلا لإصلاح الورى، ونجى كل من قفا أثرهم واقتدى، واختار من اختار مهيعهم وتبعهم وما انثنى، فرضي عنه وتنى والصلاة والسلام على سيد الرسل وخاتم الأنبياء، محمد المصطفى الذي هو سيد قوم انكسرت إراداتهم البشرية، وأزيلت حركاتهم الطبعية، وجرت في بواطنهم الأبحر الروحانية، ونفخ الله فيهم روحه ووالى وصافي. هو إمام مصاليت الله الذين خيبوا شيطانا ذا المكائد، حتى أخفق إخفاق الصائد، وهو الذي كف عن العيث والنَّزْء ذيبًا أكل غنم أنبياء بني إسرائيل، ونسأ إلى الحق وعصم وهَدَى، فالسلام على هذا الجري البطل المظفر
في الأولى والأخرى. أما بعد.. فاعلم أرشدك الله تعالى أن هذا الكتاب بلغة لكل من أراد أن يسلك في حدائق فاتحة الكتاب، ويعلم حقائق نكاته وشاجنة معارفه على نهج الصواب. وكل ما أودعته من درر البيان، فإني تفردت به من مواهب الله الرحمن وفهمت من الملهم المنان، وليس فيه شيء من لفاظات موائد المتقدمين، ولا من خشارة ملفوظات السابقين، وخثار الماضين، إلا النادر الذي هو كالمعدوم، وما عدا ذلك فهو من ربي الذي أسبغ علي من باكورة العطاء، وألهمني من نكات ما لم تعط أحد من العلماء، ليشدّ أزْرِي ويضع عني وزري، ويؤيدني في إزراء القادحين، ويتم حجتي على المنكرين المستكبرين. فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، هو ربنا وملجأنا، إنا تبنا إليه وهو أرحم الراحمين.
واعلم أيها الناظر في هذا الكتاب أنا تركنا تفسير البسملة، ولم نكتب فيه شيئا، لأن تفسير الفاتحة قد أحاطت * بتفسيرها، وأغنى عنها ببيان مبين. والآن نشرع في المقصود متوكلين على الله النصير المعين.
الْحَمْدُ لله
هو الثناء باللسان على الجميل للمقتدر النبيل على قصد التبجيل والكامل التام من افراده مختص بالرب الجليل، وكل حمد من الكثير والقليل، يرجع إلى ربنا الذي هو هادي الضال ومعز الذليل، وهو محمود المحمودين.
والشكر يُفارق الحمد بخصوصيته بالصفات المتعدية عند أكثر العلماء، والمدح يفارقه في جميل غير اختياري كما لا يخفى على البلغاء والأدباء الماهرين. وإن الله تعالى افتتح كتابه بالحمد لا بالشكر ولا بالثناء، لأن الحمد يحيط عليهما بالاستيفاء، وقد ناب منابهما مع الزيادة في الرفاء وفي التزيين والتحسين. ولأن الكفار كانوا يحمدون طواغيتهم بغير حق، ويؤثرون لفظ الحمد لمدحهم ويعتقدون أنهم منبع المواهب والجوائز ومن الجوادين؛ وكذلك كان موتاهم يُحمدون عند تعديد النوادب، بل في الميادين والمآدب كحمد الله الرازق المتولي الضمين؛ فهذا رد عليهم وعلى كل من أشرك بالله وذكر للمتوسمين. وفي ذلك يلوم الله تعالى عبدة الأوثان واليهود والنصارى وكل من كان من المشركين. فكأنه يقول أيها المشركون .. لم تحمدون شركاءكم وتطرون كبراءكم ؟ أهم أربابكم الذين ربوكم وأبناءكم؟ أم هم الراحمون الذين يرحمونكم ويردّون بلاءكم، ويدفعون ما ساءكم وراءكم، ويحفظون خيرا جاءكم، ويرحضون عنكم قَشَفَ الشدائد ويداوون داءكم، أم هم مالك يوم الدين؟ بل الله يربي ويرحم بتكميل الرفاء، وعطاء أسباب الاهتداء، واستجابة الدعاء، والتنجية من الأعداء، وسيعطي أجر العاملين الصالحين. وفي لفظ "الحمد" إشارة أخرى وهي أن الله تبارك وتعالى يقول أيها العباد اعرفوني بصفاتي، وتعرفوني بكمالاتي، فإني لست كالناقصين، بل يزيد حمدي على إطراء الحامدين، ولن تجد محامدا لا في السماوات ولا في الأرضين إلا وتجدها في وجهي، وإن أردت إحصاء محامدي فلن تحصيها، وإن فكرت بشق نفسك وكلفت فيها كالمستغرقين. فانظر هل ترى من حمد لا يوجد في ذاتي؟ وهل تجد من كمال بعد مني ومن حضرتي ؟ فإن زعمت كذلك فما عرفتني وأنت من قوم عمين. بل إنني أعرف بمحامدي وكمالاتي، ويُرى وابلي بسُحب بركاتي، فالذين حسبوني مستجمع جميع صفات كاملة وكمالات شاملة، وما وجدوا من كمال وما رأوا من جلال إلى جولان خيال، إلا ونسبوها إلي، وعزوا إلي كل عظمة ظهرت في عقولهم وأنظارهم، وكل قدرة تراءت أمام أفكارهم، فهم قوم يمشون على طرق معرفتي والحق معهم وأولئك من الفائزين.
فقوموا .. عافاكم الله.. واستقرئوا محامده عن اسمه، وانظروا وأمعنوا فيها كالأكياس والمتفكرين واستنفضوا واستشفوا أنظاركم إلى كل جهة كمال وتحسسوا منه في قيض العالم ومحه، كما يتحسس الحريص أمانيه بشحه، فإذا وجدتم كماله التام ورياه، فإذا
هو إياه، وهذا سر لا يبدو إلا على المسترشدين. فذلكم ربكم ومولاكم الكامل المستجمع الجميع الصفات الكاملة، والمحامد التامة الشاملة، ولا يعرفه إلا من تدبر في الفاتحة، واستعان بقلب حزين. وإن الذين يخلصون مع الله نية العقد، ويعطونه صفقة العهد، ويُطهّرون أنفسهم من الضغن والحقد، تفتح عليهم أبوابها فإذا هم من المبصرين. ومع ذلك فيه إشارة إلى أنه من هلك بخطاه في أمر معرفة الله تعالى، أو اتخذ إلها غيره، فقد هلك من رفض رعاية كمالاته وترك التأنق في عجائباته، والغفلة عما يليق بذاته، كما هو عادة المبطلين. ألا تنظر إلى النصارى أنهم دعوا إلى التوحيد، فما أهلكهم إلا هذه العلة، وسولت لهم النفس المضلة، والشهوة المزلة، أن اتخذوا عبدًا إلها، وارتضعوا عقار الضلالة والجهالة، ونسوا كمال الله تعالى وما يجب لذاته، ونحتوا الله البنات والبنين ولو أنهم أمعنوا أنظارهم في صفات الله تعالى وما يليق له من الكمالات لما أخطأ توسمهم وما كانوا من الهالكين. فأشار الله تعالى ههنا أن القانون العاصم من الخطأ في معرفة البارئ.. عز اسمه.. إمعان النظر في كمالاته، وتتبع صفات تليق بذاته، وتذكر ما هو أولى من جدوى، وأحرى من عدوى، وتصور ما أثبت بأفعاله من قوته وحوله وقهره وطوله، فاحفظه ولا تكن من اللافتين واعلم أن الربوبية كلها لله، والرحمانية كلها لله، والرحيمية كلها لله، والحكم في يوم المجازاة كله الله، فإياك وتأبيك من مطاوعة مُربّيك، وكن من المسلمين الموحدين. وأشار في الآية إلى أنه تعالى منزه من تجدد صفة، وحؤول حالة، ولحوق وصمة، وحَوْرٍ بعد كور، بل قد ثبت الحمد له أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، إلى أبد الآبدين. ومن قال خلاف ذلك فقد احروف وكان من الكافرين. وقد علمت أن هذه الآية رد على النصارى وعبدة الأوثان، فإنهم لا يوفون الله حَقَّه، ولا يرجون له بَرقه، بل يغدفون عليه ستارة الظلام، ويلقونه في سبل الآلام، ويُبعدونه من الكمال التام، ويُشركون به كثيرا من المخلوقين فهذا هو الظن الذي أرداهم،و التقليد الذي أبادهم وأهلكهي ما عملوا على أقوال المفترين والتقليد الذي أبادهم وأهلكهم بما عولوا على أقوال المفترين وزعموا أنهم من الصادقين. وقالوا إن هذه في الآثار المنتقاة المدونة عن الثقات، وما توجهوا إلى عثر آبائهم، وجهل علمائهم، وتشريقهم وتغريبهم من مراكز تعاليم النبيين، وتيههم في كل واد هائمين. والعجب من فهمهم وعقلهم أنهم يعلمون أن الله كامل تام لا يجوز فيه نقص وشُنْعة وشحوب وذهول، وتغير وحؤول، ثم يجوزون فيه كثيرا منها، وينسبون إليه كل شقوة وخسران، وعيب ونقصان، ويكذبون ما كانوا صدقوه أولاً ويهدون كالمجانين. وما وفي لفظ الحمد لله تعليم للمسلمين أنهم إذا سئلوا وقيل لهم من إلهكم.. فوجب على المسلم أن يجيبه أن إلهي الذي له الحمد كله، من نوع كمال وقدرة إلا وله ثابت، فلا تكن من الناسين. ولو لاحظ المشركين حظ الإيمان، وأصابهم طل من العرفان، لما طاح بهم ظن السوء بالذي هو قيوم العالمين ولكنهم حسبوه كرجل شاخ بعد الشباب، واحتاج بعد صمديته إلى الأسباب، ووقعت عليه شدائد تحول وقُحول، وقَشَفُ مُحول، ووقع في الإتراب، بل قرب من التباب، وكان من المتربين.
( رَبِّ العالمينَ * الرَّحْمَنِ * الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )
اعلم أولاً أن العالم ما يُعلم ويُخبر عنه، وما يدل على الصانع الكامل الواحد المدبّر بالإرادة، ويلتحص الطالب إلى الإيمان به، وينصه إلى المؤمنين. وأما خبايا أسرار أسماء ذكرها الله تعالى في هذه الآيات، وأودعها أنواع النكات، فأَصْغِ إلى أكشف لك قناعها إن كنت استمحتني وجئتني كالمخلصين فاعلم أن هذه الصفات عيون لفيوض الله الكاملة النازلة على أهل الأرض والسماء، وكل صفة منبع لقسم فيض بترتيب أودع الله آثارها في العالم، ليري توافق قوله بفعله وليكون آية للمتفكرين .
القسم الأول من الصفات الإلهية
فالقسم الأول من أقسام الصفات الفيضانية صفة يسميها ربنا: رب العالمين. وهذه الصفة أوسع الصفات في الإفاضة، ولا بد من أن نسمي فيضانها فيضانا أعم، لأن صفة الربوبية قد أحاطت الحيوانات وغير الحيوانات، بل أحاطت السماوات والأرضين، وفيضانها أعم من كل فيض، ما غادر إنسانا ولا حيوانا ولا شجرا ولا حجرا ولا سماءً ولا أرضا بل نزل ماؤه على كل شيء فأحياه، وأحاط بالكائنات كلها ظواهرها وبواطنها، فكل شيء صنيعة من الله الذي أعطى كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين. واسم ذلك الفيض ربوبية رية، يُبذر الله بذر السعادة في كل سعيد، وعليه يتوقف استثمار الخيرات، وبروز مادة السعادات، وآثار الورع والحزامة والتقاة وكل ما يوجد في الرشيدين. وكل شقي وسعيد، وطيب وخبيث، يأخذ حظه كما شاء ربه في المرتبة الربوبية، فهذا الفيض يجعل من يشاء إنسانا ويجعل من يشاء حمارا، ويجعل ما يشاء نحاسا ويجعل ما يشاء ذهبا، وما كان الله من المسؤولين.
واعلم أن هذا الفيض جار على الاتصال بوجه الكمال، ولو فُرض انقطاعه طرفة عين لفسدت السماوات والأرض وما فيهن، ولكن أحاط صحيحا ومريضا، ويفاعا وحريضا، وشجرا وحجرا، وكل ما في العالمين. وقدّم الله هذا الفيض في كتابه وضعًا، لتقدمه في عالم أسبابه طبعًا، فليس هذا التقديم محدودا في توشية الكلام، ومحصورا في رعاية الصفاء التام، بل هي بلاغة حكمية لإراءة النظام، من حيث أنه تعالى جعل أقواله مرآة لرؤية أفعاله الموجودة في طبقات الأنام، لتطمئن به قلوب العارفين.
القسم الثاني من الصفات الإلهية
والقسم الثاني من الصفات الفيضانية، صفة يسميها ربنا الرحمن، ولا بد أن نسمي فيضانه فيضانا عاما ورحمانية، وله مرتبة بعد مرتبة الفيضان الأعم، وهو أخص من الفيضان الأول، ولا ينتفع منه إلا ذوو الروح من أشياء السماوات والأرضين. وإن الله في وقت هذا الفيض لا ينظر الاستحقاق والعمل والشكر بل ينزله فضلا منه على كل ذي روح.. إنسانا كان أو حيوانا، مجنونا كان أو عاقلا، مؤمنا كان أو كافرا، ويُنجّي كل روح من هلكةٍ دانت منها بعد ما كادت تهوي فيها ويُعطي كل شيء خلقا ينفعه، لأن الله جوّاد بالذات وليس بضنين. فكل ما ترى في السماء من الشمس والقمر والنجوم والمطر والهواء، وما ترى في الأرض من الأنهار، والأشجار والأثمار، والأدوية النافعة، والألبان السائغة، والعسل المصفّى، كلها من رحمانيته عز وجل لا من عمل العاملين. وإلى هذا الفيضان أشار الله تعالى في قوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلُّ شَيْءٍ} (الأعراف:157)، وفي قوله تعالى: {الرَّحْمَان عَلَّم الْقُرآنَ} (الرحمن:2-3)، وفي قوله تعالى: {مَن يَكْلَؤُكُمْ بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَانِ} (الأنبياء:43)، وفي قوله تعالى: {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَانُ} (الملك:20) تذكرة للمتقين. ولو لم يكن هذا الفيضان لما كان لِطير أن يطير في الهواء، ولا لحوت أن يتنفس في الماء، ولأباد كل معيل ضفَفَه، وكل ذي قشف شظفه، وما بقي سبيل لإماطته كما لا يخفى على المستطلعين.
ألا ترى كيف يحيي الله الأرض بعد موتها؟ ويكور الليل على النهار ويكَوّر النهار على الليل، وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مُسمّى، إن في ذلك لآيات رحمانية للمتدبرين. وجعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا، وجعل لكم الأرض قرارا والسماء بناءً، وصَوَّركم فأحسن صوركم، ورزقكم من الطيبات، فذلكم الرحمن ربكم مُربِّي المساكين. والذين كفروا برحمانيته فجعلوا لله عليهم سلطانا مبينا، وما قدروا الله حق قدره وكانوا من الغافلين. ألا يرون إلى الشمس التي تجري من المشرق إلى المغرب؟ أكان خلقها وجريها من عملهم أو من تفضّل الرحمن الذي وسعت رحمانيته الصالحين والظالمين. وكذلك يُنزل الله ماءً في أوقاته فيتشئ به زروعا وأشجارا فيها فواكه كثيرة، أفهذه النعماء من عمل عامل أو رحمانية خالصة من الله تعالى الذي نجانا من كل اعتياص المعيشة، وأعطانا سُلما لكل حاجة نحتاج فيها إلى الارتقاء، وأرشية نحتاج إليها للاستسقاء، فسبحان الله الذي أنعم علينا برحمانيته، وما كان لنا من عمل نستحق به، بل خلق نعماءه قبل أن نُخلق، فانظر.. هل ترى مثله في الْمُنعِمين؟
فحاصل الكلام أن الرحمانية رحمة عامة لنوع الإنسان والحيوان، ولكل ذي روح وكل نفس منفوسة، من غير إرادة أجر عمل ومن غير لحاظ استحقاق عبد بصلاحه وتورّعه في الدين.
القسم الثالث من الصفات الإلهية
والقسم الثالث من الصفات الفيضانية صفة يُسميها ربنا الرحيم، ولا بد من أن يُسمَّى فيضانها فيضانا خاصا ورحيمية من الله الكريم، للذين يعملون الصالحات ويُشمّرون ولا يُقصّرون، ويذكرون ولا يغفلون، ويبصرون ولا يتعامون، ويستعدون ليوم الرحيل، ويتّقون سخط الرب الجليل، ويبيتون لربهم سُجّدًا وقيامًا، ويصبحون صائمين. ولا ينسون موتهم ورجوعهم إلى مولاهم الحق، بل يعتبرون بنعي يُسمع، ويرتاعون لإلفٍ يُفقد، ويذكرون مناياهم من موت الأحباب، ويهولهم هيل التراب على الأتراب، فيلتاعون ويتنبهون، ويريهم اخترام الأحبة موت أنفسهم فيتوبون إلى الله وهم من الصالحين. فلعلك فهمت أن هذا الفيضان ينزل من السماء على شريطة العمل والتورع والسمت الصالحة والتقوى والإيمان، ولا وجود له إلا بعد وجود العقل والفهم، وبعد وجود كتاب الله تعالى وحدوده وأحكامه، وكذلك المحرومون من هذه النعمة لا يستحقون عتابا ومؤاخذة من قبل هذه الشرائط، فظهر أن الرحيمية توأم لكتاب الله وتعليمه وتفهيمه، فلا يؤاخذ أحد قبله، ولا يُدرك أحد عطب القهر إلا بعد ظهور هذه الرحيمية، ولا يُسأل فاسق عن فسقه إلا بعدها فخذ هذا السرّ مني وهو ردّ على المتنصرين. فإنهم قائلون بلسغ الذنب من آدم إلى انقطاع الدنيا، ويقولون إن كل عبد مذنب سواء عليه بلغه كتاب من الله تعالى وأُعطي له عقل سليم أو كان من المعذورين. وزعموا أن الله تعالى لا يغفر أحدًا إلا بعد إيمانه بالمسيح، وزعموا أن أبواب النجاة مغلقة لغيره ولا سبيل إلى المغفرة بمجرد الأعمال، فإن الله عادل والعدل يقتضي أن يُعذب من كان مذنبا وكان من المجرمين. فلما حصحص اليأس من أن تُطَهر الناسُ بأعمالهم، أرسل إليهم ابنه الطاهر ليزر وزر الناس على عنقه ثم يُصلب ويُنجي الناس من أوزارهم، فجاء الإبن وقُتل ونجا النصارى فدخلوا في حدائق النجاة فرحين.
هذه عقيدتهم.. ولكن.. من نَقَدَها بعين المعقول ووضعها على معيار التحقيقات، سلكها مسلك الهذيانات. وإن تعجب فما تجد أعجب من قولهم هذا، لا يعلمون أن العدل أهم وأوجب من الرحم، فمن ترك المذنب وأخذ المعصوم ففعل فعلا ما بقي منه عدل ولا رحم، وما يفعل مثل ذلك إلا الذي هو أضل من المجانين. ثم إذا كانت المؤاخذات مشروطة بوعد الله تعالى ووعيده فكيف يجوز تعذيب أحد قبل إشاعة قانون الأحكام وتشييده، وكيف يجوز أخذ الأولين والآخرين عند صدور معصية ما سبقها وعيد عند ارتكابها وما كان عليها أحد من المطلعين. فالحق أن العدل لا يوجد أثره إلا بعد نزول كتاب الله ووعده ووعيده وأحكامه وحدوده وشرائطه، وإضافة العدل الحقيقي إلى الله تعالى باطل لا أصل لها، لأن العدل لا يُتَصوَّرَ إلاَ بعد تصَوُّرِ الحقوق وتسليم وجوبها، وليس لأحد حق على رب العالمين. ألا ترى أن الله سخّر كل حيوان للإنسان وأباح دماءها لأدنى ضرورته، فلو كان وجوب العدل حقًا على الله لما كان له سبيلٌ لإجراء هذه الأحكام، وإلا فكان من الجائرين. ولكن الله يفعل ما يشاء في ملكوته، يُعزّ من يشاء، ويُذل من يشاء، ويُحيي من يشاء، ويُميتُ من يشاء، ويرفع من يشاء، ويضع من يشاء، ووجود الحقوق يقتضي خلاف ذلك، بل يجعل يداه مغلولة، وأنت ترى أن المشاهدة تُكذبها، وقد خلق الله مخلوقه على تفاوت المراتب، فبعض خلوقه أفراسٌ وحمير، وبعضه جِمالٌ ونوق، وكلاب وذئاب ونمور، وجعل لبعض مخلوقاته سمعا وبصرا، وخلق بعضهم صُمّا وجعل بعضهم عمين. فلأي حيوان حق أن يقوم ويخاصم ربه أنه لم خلقه كذا ولم يخلقه كذا؟
نعم.. كتب الله على نفسه حق العباد بعد إنزال الكتب وتبليغ الوعد والوعيد، وبشَّر بجزاء العاملين. فمن تبع كتابه ونبيه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى، ومن عصى ربه وأحكامه وأبى، فسيكون من المعذبين. فلما كان ملاك الأمر الوعد والوعيد، لا العدل العتيد، الذي كان واجبا على الله الوحيد، انهدم من هذا الأصول المنيف الممرد الذي بناه النصارى من أوهامهم، فثبت أن العدل الحقيقي على الله تعالى خيال فاسد، ومتاع كاسد، لا يقبله إلا من كان من الجاهلين. ومن هنا نجد أن بناء عقيدة الكفارة على عدل الله بناء فاسد على فاسد، فتدبر فيه فإنه يكفيك لكسر الصليب النصارى [لعلها صليب النصارى أو الصليب للنصارى - ص115........] إن كنت من المناظرين.
واسم هذه الصفة في كتاب الله تعالى رحيمية كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} (الأحزاب:77)، وقال: {وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الحجرات:6). فهذا الفيضان لا يتوجه إلاّ إلى المستحق، ولا يَطلبُ إلاّ عاملا، وهذا هو الفرق بين الرحمانية والرحيمية، والقرآن مملوء من نظائره، ولكن كفاك هذا القدر إن كنت من العاقلين.
القسم الرابع من الصفات الإلهية
القسم الرابع من الفيضان.. فيضان نسميه فيضانا أخص ومظهرا تاما للمالكية، وهو أكبر الفيوض وأعلاها، وأرفعها وأتمها وأكملها ومُنتهاها، وثمرة أشجار العالمين. ولا يظهر إلاّ بعد هدم عمارات هذا العالم الحقير الصغير، ودرس أطلاله وآثاره، وشحوب سحنته، ونضوب ماء وجنته، وأفول نجمه كالْمُغَرَّبين. وهو عالم لطيف دقت أسراره، وكثرت أنواره، يحارُ فيها فهم المتفكرين.
وإن قلت لم قال الله تعالى في هذا المقام: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وما قال: (عادل يوم الدين)؟ فاعلم أن السر في ذلك أن العدل لا يتحقق إلا بعد تحقق الحقوق، وليس لأحد من حق على الله رب العالمين. ونجاة الآخرة موهبة من الله تعالى للذين آمنوا به وسارعوا إلى امتثاله وتقبل أحكامه وعبادته ومعرفة بسرعة مُعجبة، كأنهم كانوا في نجاء حركاتهم ومسائح غدواتهم وروحاتهم ممتطين على هوجاء شملّة، ونوق مشمعلّة، وإن لم يتموا أمر الإطاعة، وما عبدوا حق العبادة، وما عرفوا حق المعرفة، ولكن كانوا عليها حريصين. وكذلك الذين عصوا ربهم، وإن لم تبلغ شقوتهم مداها، ولكن كانوا إليها مسارعين. وكانوا يعملون السيئات ويزيدون في جراءاتهم وما كانوا من المنتهين. فكلٌ يرى ما كان في نيته رحمة من الله أو قهرا، فمن ناوح مهب نسيم الرحمة فسيجد حظا منها خالدا فيها، ومن قابل صراصر القهر فسيقع في صدماتها، وما هذا إلا المالكية لا العدل الذي يقتضي الحقوق، فتدبر ولا تكن من الغافلين.
واعلم أن في ترتيب هذه الصفات بلاغة أخرى نريد أن نذكرها لتكتحل من كحل المتبصرين. وهو أن الآيات التي رصع الله بعدها كلها مقسومة على تلك الصفات برعاية المحاذاة، ووضع بعضها تحت بعض كطبقات السماوات والأرضين وتفصيله أنه تعالى ذكر أولاً ذاته وصفاته بترتيب يوجد في العالمين. ثم ذكر كل ما هو يناسب البشرية بترتيب يُشاهد في قانون الله، ومع ذلك جعل كل صفة بشرية تحت صفة إلهية، وجعل لكل صفة إنسانية مشربا وسُقيا من صفة إلهية تستفيض منها، وأرى التقابل بينهما بترتيب وضعي يوجد في الآيات، فتبارك الله أحسن المرتبين. وتشريحه التام أن الصفات مع اسم الذات خمسة أبحر قد تقدم ذكرها في صدر السورة.. أعني: (۱) الله، (۲) ورب العالمين، (٣) والرحمن، (٤) والرحيم، (٥) ومالك يوم الدين فجعل الله كمثلها خمسة من المغترفات مما ذكر من بعد، وقابل الخمسة بالخمسة، وكل واحد من المغترفات يشرب من ماء صفة تُشابهه وتناوحه، وتأخذ مما احتوت على معان تسر العارفين.
مثلاً .. أولها بحر اسم الله تعالى، وتغترف منه ( إياك نَعْبُدُ ) التي حذته وصارت كالمحاذين وحقيقة التعبد تعظيم المعبود بالتذلل التام والاحتذاء بمثاله والانصباغ بصبغه والخروج من النفس والأنانية كالفانين. وسرُّه أن العبد قد خلق كالمريض والعليل والعطشان، وشفاؤه وتسكين غلته وإرواء كبده في ماء عبادة الله، فلا يبرأ ولا يرتوي إلا إذا يثني إليه انصبابه، ويُفرط صبابه، ويسعى إليه كالمستسقين. ولا يُطهّر قريحته ولا يلبد عجاجته ولا يُحلّي محاجته إلا ذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن قلوب الذين يعبدون الله ويأتونه مسلمين. ففي آية: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) إقرار لمعبودية الله الذي هو مستجمع بجميع صفات الكاملية، ولذلك وقعت هذه الجملة تحت جملة : الْحَمْدُ لله، فانظر إن كنت من الناظرين.
وثانيها بحرُ ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) وتغترف منها جملة: إِيَّاكَ نستعين . فإن العبد إذا سمع أن الله يُربّي العالمين كلها، وما من عالم إلا هو مرتيه، ورأى نفسه أمارة بالسوء، فتضرع واضطر والتجأ إلى بابه، وتعلق بأهدابه، ودخل في مآدبه برعاية آدابه، ليدركه بالربوبية ويحسن إليه وهو خير المحسنين؛ فإن الربوبية صفة تعطي كل شيء خلقه المطلوب لوجوده، ولا يغادره كالناقصين.
وثالثها بحر اسم ( الرَّحْمَنِ ) وتغترف منه جملة ( اهدنا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )، ليكون العبد من المهتدين المرحومين. فإن الرحمانية تعطي كل ما يحتاج إليه الوجود الذي رُبِّي من صفة الربوبية، فهذه الصفة تجعل الأسباب موافقة للمرحوم، وأثر الربوبية تسوية الوجود وتخليقه كما يليق وينبغي، وأثر هذه الصفة أنها تكسي ذلك الوجود لباسا يواري سوأته، وتهب له زينته، وتكحل عينه وتغسل وجهه، وتعطي له فرسًا للركوب، وتريه طرق الفارسين ومرتبتها بعد الربوبية، وهي تعطي كل شيء مطلوب وجوده، وتجعله من الموفقين.
ورابعها بحر اسم (الرحيم) وتغترف منه جملة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ، ليكون العبد من المنعمين المخصوصين. فإن الرحيمية صفة مُدنية إلى الإنعامات الخاصة التي لا شريك فيها للمطيعين، وإن كان الإنعام العام محيطة بكل شيء من الناس إلى الأفاعي والتنين.
وخامسها بحرُ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وتغترف منه جملة ( غَيْرُ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّين) . فإن غضب الله وتركه في الضلالة لا تظهر حقيقته على الناس على وجه الكامل إلا في يوم المجازاة، الذي يُجاليهم الله فيه بغضبه وإنعامه، ويُجاليهم بتذليله وإكرامه،ويُحلّي عن نفسه إلى حد ما جلى كمثله، وتراءى السابقون كفرس مجلى، وتراءت الجالية بغيهم المبين وفيه يعلم الذين كفروا أنهم كانوا مورد غضب الله وكانوا قوما عمين. ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى، ولكن عَمَى هذه الدنيا مخفي ويتبين في يوم الدين. فالذين أبوا وما تبعوا هذي رسولنا ونور كتابنا وكانوا لطواغيتهم متبعين، فسوف يرون غضب الله وتغيظ النار وزفيرها، ويرون ظلمتهم وضلالتهم بالأعين ويجدون أنفسهم كالطالع الأعور، ويدخلون جهنم خالدين فيها، وما كان لهم أحد من الشافعين.
وفي الآية إشارة إلى أن اسم (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ذو الجهتين... يُضل من يشاء ويهدي من يشاء، فاسألوه أن يجعلكم من المهتدين. هذا ما أردنا من بيان بعض نكات هذه الآية ولطائفها الأدبية التي هي للناظرين كالآيات وبلاغتها الرائعة المبتكرة المحبرة المحتوية على محاسن الكنايات مع درر حكمية ومعارف نادرة من دقائق الإلهيات، فلا تجد نظيرها في الأولين والآخرين. فلا شك أن ملح أدبها بارعة، وقدمها على أعلام العلوم فارعة، وهي يصبي قلوب العارفين
وقد علمت ترتيب خمسة أبحر التي تجري بعضها تلو بعض فتسلمه وكن من الشاكرين. وأما ترتيب المغترفات فتعرفه بترتيب أبحرها إن كنت من المغترفين.
( إِيَّاكَ نَعْبُدُ و إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )
قدم الله ((عز و جل)) قوله : إِيَّاكَ نَعْبُدُ على قوله: ﴿إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ إشارة إلى تفضلاته الرحمانية من قبل الاستعانة، فكأن العبد يشكر ربه ويقول يا رب إني أشكرك على نعمائك التي أعطيتني من قبل دعائي ومسألتي وعملي وجهدي واستعانتي بالربوبية والرحمانية التي سبقت سُؤل السائلين، ثم أطلب منك قوة وصلاحًا وفلاحا وفوزا ومقاصد التي لا تُعطى إلا بعد الطلب والاستعانة والدعاء وأنت خير المعطين.
وفي هذه الآيات حث على شكر ما تعطى، والدعاء بالصبر فيما تتمنى، وفرط اللهج إلى ما هو أتم وأعلى، لتكون من الشاكرين الصابرين. وفيها حث على نفي الحول والقوة، والاستطراح بين يدي سبحانه مترقبا منتظرًا مديمًا للسؤال والدعاء والتضرع والثناء، والافتقار مع الخوف والرجاء، كالطفل الرضيع في يد الظئر، والموت عن الخلق وعن كل ما هو في الأرضين. وفيها حث على إقرار واعتراف بأننا الضعفاء، لا نعبدك إلا بك، ولا نتحسس منك إلا بعونك، بك نعمل وبك نتحرك، وإليك نسعى كالثواكل متحرقين وكالعشاق متلظين. وفيها حث على الخروج من الاختيال والزهو، والاعتصام بقوة الله تعالى وحوله عند اعتياص الأمور وهجوم المشكلات، والدخول في المنكسرين((والدخول في المنكسرين))كأنه - تعالى شأنه - يقول يا عباد احسبوا أنفسكم كالميتين وبالله اعتضدوا كل حين. فلا يَزْدَه الشاب منكم بقوته، ولا يتخصر الشيخ بهراوته، ولا يفرح الكيس بدهائه، ولا يثق الفقيه بصحة علمه وجودة فهمه وذكائه، ولا يتكئ الملهم على إلهامه وكشفه وخلوص دعائه ((ولا يتكئ الملهم على إلهامه وكشفه وخلوص دعائه)) فإن الله يفعل ما يشاء، ويطرد من يشاء، ويُدخل من يشاء في المخصوصين. وفي جملة إِيَّاكَ نَسْتَعينُ إشارة إلى عظمة شر النفس الأمارة التي تسعى كالعشارة، فكأنها أفعى شرها قد طم، فجعل كل سليم كعظم إذا رَمَّ، وتراها تنفث السم، أو هي ضرغام ما ينكل إن هم، ولا حول ولا قوة ولا كسب ولا لَمَّ، إلا بالله الذي هو يرجم الشياطين. وفي تقديم نَعْبُدُ على نَسْتَعِينُ نكات أخرى، فنكتب للذين هم مشغوفون بآيات المثاني لا برنات المثاني، ويسعون إليها شائقين. وهي أن الله عز و جل يعلم عباده دعاء فيه سعادتهم، فيقول يا عباد سلوني بالانكسار والعبودية، وقولوا: ربنا إياك نعبد ولكن بالمعاناة والتكلف والتجشم وتفرقة الخاطر وتمويهات الخناس وبالروية الناضبة والأوهام الناصبة والخيالات المظلمة، كماء مكدر الصادقين من سيل أو كحاطب ليل، وإن نتبع إلا ظنا وما نحن بمستيقنين. وإياك نستعين يعني: نستعينك للذوق والشوق والحضور والإيمان الموفور، والتلبية الروحانية والسرور والنور، ولتوشيح القلب بحلي المعارف وحلل الحبور، لنكون بفضلك من سباقين في عرصات اليقين، وإلى منتهى المآرب واصلين وفي بحار الحقائق متوردين.
وفي قوله تعالى : إِيَّاكَ نَعْبُدُ تنبيه آخر، وهو أنه يرغب فيه عباده إلى أن يبذلوا في مطاوعته جُهد المستطيع، ويقوموا ملبين في كل حين تلبية المطيع. فكأن العباد يقولون: ربنا إنا لا نألو في المجاهدات، وفي امتثالك وابتغاء المرضاة، ولكن نستعينك ونستكفي بك الافتنان بالعُجب والرياء، ونستوهب منك توفيقاً قائدا إلى الرشد والرضاء، وإنا ثابتون على طاعتك وعبادتك، فاكتبنا في المطاوعين.
وهنا إشارة أخرى وهي أن العبد يقول يا رب إنا خصصناك بمعبوديتك، وآثرناك على كل ما سواك، فلا نعبد شيئا إلا وجهك، وإنا من الموحدين. واختار عز و جل لفظ المتكلم مع الغير إشارة إلى أن الدعاء الجميع الإخوان لا لنفس الداعي، وحث فيه على مسالمة المسلمين واتحادهم وودادهم، وعلى أن يعنو الداعي نفسه لنصح أخيه كما يعنو لنصح ذاته، ويهتم ويقلق لحاجاته كما يهتم ويقلق لنفسه، ولا يفرق بينه وبين أخيه، ويكون له بكل القلب من الناصحين. فكأنه تعالى يوصي ويقول يا عباد تهادوا بالدعاء تهادي الإخوان والمحبين((يا عباد تهادوا بالدعاء تهادي الإخوان والمحبين.)) وتناثثوا دعواتكم وتباثثوا نياتكم، وكونوا في المحبة كالإخوان والآباء والبنين.
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد ،يقول المسيح الموعود عليه الصلاة و السلام في شرح :
(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضالين )
((يقول)) هذا الدعاء رد على قول الذين يقولون إن القلم قد جف بما هو كائن، فلا فائدة في الدعاء، فالله تبارك وتعالى يبشر عباده بقبول الدعاء، فكأنه يقول يا عباد ادعوني أستجب لكم. وإن في الدعاء تأثيرات وتبديلات والدعاء المقبول يُدخل الداعي في المنعمين. وفي الآية إشارة إلى علامات تُعرف بها قبولية الدعاء على طريق الاصطفاء، وإيماء إلى آثار المقبلين لأن الإنسان إذا أحب الرحمن وقوى الإيمان، فذلك الإنسان وإن كان على حسن اعتقاد في أمر استجابة دعواته، ولكن الاعتقاد ليس كعين اليقين، وليس الخبر كالمعاينة، ولا يستوي حال أولي الأبصار والعمين، بل من يُدرب باستجابة الدعاء حق التدرّب، وكان معه أثر من المشاهدات، فلا يبقى له شك ولا ريب في قبولية الأدعية. والذين يشكون فيها فسببه حرمانهم من ذلك الحظ، ثم قلة التفاتهم إلى ربهم، وابتلاؤهم بسلسلة أسباب توجد في واقعات الفطرة وظهورات القدرة، فما ترقت أعينهم فوق الأسباب المادية الموجودة أمام الأعين، فاستبعدوا ما لم تحط بها آراؤهم وما كانوا مهتدين. وفي هذه السورة نكات شتى نريد أن نكتب بعضها، ومنها أن الفاتحة سبع آيات أولها : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالمين، وآخرها : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ . وفي الآية الأولى بيان بدء الخلق، وفي الأخرى إشارة إلى قوم تقوم القيامة عليهم وعلى أمثالهم من
اليهود والمتنصرين. وفي تعيين "سبع آية إشارة إلى أن عمر الدنيا سبعة كما أن أيام أسبوعنا سبعة. وما ندري حقيقة السبعة((وما ندري حقيقة السبعة)) على وجه التحقيق أهي آلاف كآلافنا أو غير ذلك، ولكنا نعلم أنه ما بقي من السبعة إلا واحدًا، وقد أراد الله تصرفات جديدة بعد انقضائها، فيُهلك القرون الأولى عند اختتامها ويخلق الآخرين.(( وقد أراد الله تصرفات جديدة بعد انقضائها، فيُهلك القرون الأولى عند اختتامها ويخلق الآخرين. ، وقد أراد الله تصرفات جديدة بعد انقضائها، فيُهلك القرون الأولى عند اختتامها ويخلق الآخرين. )) وفي الآية السادسة .. يعني صرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ نكتة أخرى، وهي أن آدم قد خلق في يوم السادس، وأنعم عليه ونفخ فيه روح الحياة في الجمعة بعد العصر، وكذلك يُخلق رجل في الألف السادس وهو آدم قوم أضاعوا إيمانهم((وهو آدم قوم أضاعوا إيمانهم)) ، فيجيء ويُحيي قلوبهم، ويهب لهم عرفانا غضًا طريا، ويجعلهم بعد نومهم من المستيقظين. وفي آية: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ إشارة وحث على دعاء صحة المعرفة، كأنه يُعلّمنا ويقول ادعوا الله أن يُريكم صفاته كما هي ويجعلكم من الشاكرين لأن الأمم الأولى ما ضلوا إلا بعد كونهم عميا في معرفة صفات الله تعالى وإنعاماته ومرضاته، فكانوا يفانون الأيام فيما يزيد الآثام((فكانوا يفانون الأيام فيما يزيد الآثام)) ، فحل غضب الله عليهم، فضربت عليهم الذلة وكانوا من الهالكين. وإليه أشار الله تعالى في قوله: غير الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ، وسياق كلامه يُعلم أن غضب الله لا يتوجه إلا إلى قوم أنعم الله عليهم من قبل الغضب، فالمراد من الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ في الآية قوم عصوا في نعماء وآلاء رزقهم الله خاصة واتبعوا الشهوات، ونسوا المنعم وحقه وكانوا من الكافرين. وأما الضالون فهم قوم أرادوا أن يسلكوا مسلك الصواب، ولكن لم يكن معهم من العلوم الصادقة والمعارف المنيرة الحقة، والأدعية العاصمة الموفقة، بل غلبت عليهم خيالات وهمية فركنوا إليها وجهلوا طريقهم، وأخطأوا مشربهم من الحق فضلوا، وما سرحوا أفكارهم في مراعي الحق المبين. والعجب من أفكارهم وعقولهم وأنظارهم((والعجب من أفكارهم وعقولهم وأنظارهم)) أنهم جوزوا على الله وعلى خلقه ما يأبى منه الفطرة الصحيحة والإشراقات القلبية، ولم يعلموا أن الشرائع تخدم الطبائع((ولم يعلموا أن الشرائع تخدم الطبائع))، والطبيب معين للطبيعة لا منازع لها((والطبيب معين للطبيعة لا منازع لها))، فيا حسرةً عليهم.. ما ألهاهم عن صراط الصادقين! وفي هذه السورة يُعلم الله تعالى عباده المسلمين.. فكأنه يقول يا عباد.. إنكم رأيتم اليهود والنصارى، فاجتنبوا شبه أعمالهم((فاجتنبوا شبه أعمالهم))،واعتصموا بحبل الدعاء والاستعانة((واعتصموا بحبل الدعاء والاستعانة))، ولا تنسوا نعماء الله كاليهود، فيحل عليكم غضبه، ولا تتركوا العلوم الصادقة والدعاء، ولا تهنوا من طلب الهداية كالنصارى فتكونوا من الضالين.
وفي هذه السورة يُعلم الله تعالى عباده المسلمين.. فكأنه يقول يا عباد.. إنكم رأيتم اليهود والنصارى، فاجتنبوا شبه أعمالهم، واعتصموا بحبل الدعاء والاستعانة، ولا تنسوا نعماء الله كاليهود، فيحل عليكم غضبه، ولا تتركوا العلوم الصادقة والدعاء، ولا تهنوا من طلب الهداية كالنصارى فتكونوا من الضالين . وحث على طلب الهداية إشارة إلى أن الثبات على الهداية لا يكون إلا بدوام الدعاء وحث على طلب الهداية إشارة إلى أن الثبات على الهداية لا يكون إلا بدوام الدعاء والتضرع في حضرة الله. ومع ذلك إشارة إلى أن الهداية أمر من لديه، والعبد لا يهتدي أبدا من غير أن يهديه الله ويدخله في المهديين وإشارة إلى أن الهداية غير متناهية، وترقى النفوس إليها بسلم الدعوات، ومن ترك الدعاء فأضاع سلمه، فإنما الحري بالاهتداء من كان رَطْبَ اللسان بالدعاء وذكر ربه، وكان عليه من المداومين ومن ترك الدعاء وادعى الاهتداء، فعسى أن يتزين للناس بما ليس فيه، ويقع في هوة الشرك والرياء، ويخرج من جماعة المخلصين. والمخلص يترقى يوما فيوما حتى يصير مخلصا والمخلص يترقى يوما فيوما حتى يصير مخلصا ... بفتح اللام.. وتهب له العناية سراً يكون بين الله وبينه ويدخل في المحبوبين، ويتنزل منزلة المقبولين والعبد لا يبلغ حقيقة الإيمان من غير أن يفهم حقيقة الإخلاص ويقوم عليها، ولا يكون مخلصا وعنده على وجه الأرض شيء يتكئ عليه ويخافه أو يحسبه من الناصرين ولا ينجو أحد من غوائل النفس وشرورها إلا بعد أن يتقبله الله بإخلاصه، ويعصمه بفضله وحوله وقوته، ويذيقه من شراب الروحانيين، لأنها خبيثة وقد انتهت إلى غاية الخبث وصارت منشأ الأهوية المضلة الردية المردية، فعلم الله تعالى عباده أن يفروا إليه بالدعاء عائدا من شرورها ودواهيها ليدخلهم في زمر المحفوظين. وإن مثل جذبات النفس كمثل الحميات الحادة، فكما تجد عند تلك الحميات أعراضا هائلة مشتدة مثل النافض والبرد والقشعريرة، ومثل العرق الكثير والرعاف المفرط والقيء العنيف والإسهال المضعف، والعطش الذي لا يُطاق، ومثل السبات الكثير والأرق اللازم، وخشونة اللسان وقحل الفم، ومثل العطاس الملح والصداع الصعب، والسعال المتواتر وسقوط الشهوة والفواق، وغيرها من علامات المحمومين؛ كذلك للنفس جذبات وعلامات موادها تفور وأمواجها تمور، وأعراضها تدور، وبقراتها تخور، وأسيرها يبور، وقل من كان من الناجين. فطلب الهداية كمثل الرجوع إلى الطبيب الحاذق والاستطراح بين يدي المعالجين والإنعام الذي أشار الله إليه لعباده هو تبتل العبد إلى الله وإحماء وداده ودوام إسعاده، ورجوع الله إليه ببركاته وإلهاماته واستجاباته، وجعله طودًا من أطواده، وإدخاله في عباده المحفوظين، وقوله : يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إبراهيم ، وجعله من الطيبين الطاهرين، فهذا هو الشفاء من حمى المعاصي، فهذا هو الشفاء من حمى المعاصي، والعلاج بأوفق الأدوية والأغذية، والتدبير اللطيف الذي لا يعلمه إلا رب العالمين. ثم اعلم أن الله في هذه السورة المباركة يبين للمؤمنين ما كان آخر شأن أهل الكتاب ويقول إن اليهود عصوا ربهم بعد ما نزلت عليهم الإنعامات وتواترت التفضلات، فصاروا قوما مغضوبا عليه، والنصارى نسوا صفات ربهم وأنزلوه منزل العبد الضعيف العاجز، فصاروا قوما ضالين.
وفي السورة إشارة إلى أن أمر المسلمين سيؤول إلى أمر أهل الكتاب في آخر الزمان فيشابهونهم في أفعالهم وأعمالهم، فيدركهم الله تعالى بفضل من لدنه، وإنعام من عنده، ويحفظهم من الانحرافات السبعية والبهيمية والوهمية، ويُدخلهم في عباده الصالحين.
وفي السورة إشارة إلى بركات الدعاء، وفي السورة إشارة إلى بركات الدعاء، وإلى أنه كل خير ينزل من السماء، وإلى أنه من عرف الحق وثبت نفسه على الهدى، وتهذب وصلح فلا يُضيعه الله فلا يُضيعه الله ويدخله في عباده المنعمين، والذى عصى ربه والذى عصى ربه والذى عصى ربه فيكون من الهالكين.
وفي السورة إشارة إلى أن السعيد هو الذي كان فيه جيش الدعاء، وفي السورة إشارة إلى أن السعيد هو الذي كان فيه جيش الدعاء، لا يعبأ ولا يلغب، ولا يعبس ولا ييأس، ويثق بفضل ربه إلى أن تدركه عناية الله فيكون من الفائزين.
وفي السورة إشارة إلى أن صفات الله تعالى مؤثرة بقدر إيمان العبد بها، وفي السورة إشارة إلى أن صفات الله تعالى مؤثرة بقدر إيمان العبد بها، وإذا توجه العارف إلى صفة من صفات الله تعالى وأبصره ببصر روحه، وآمن ثم آمن ثم آمن حتى فنى في إيمانه، فتدخل روحانية هذه الصفة في قلبه، وتأخذه منه فيرى السالك باله فارغا من غير الرحمن، وقلبه مطمئنا بالإيمان وعيشه حلوا بذكر المنان، ويكون من المستبشرين فتتجلى تلك الصفة له وتستوي عليه حتى يكون قلب هذا العبد عرش هذه الصفة، وينصبغ القلب بصبغها بعد ذهاب الصبغ النفسانية، وبعد كونه من الفانين.
فإن قلت من أين علمت أن هذه الإشارة توجد في الفاتحة؟ فاعلم أن لفظ الْحَمْدُ لله يدل عليه، فإن الله تعالى ما قال: "قل الحمد لله"، بل قال : الْحَمْدُ لله، فكأنه أنطق فطرتنا فكأنه أنطق فطرتنا وأرانا ما كان مخفيا في فطرتنا. وهذه إشارة إلى أن الإنسان قد خلق على فطرة الإسلام، وأدخل في فطرته أن يحمد الله ويستيقن أنه رب العالمين، ورحمن ورحيم، ومالك يوم الدين. وأنه يعين المستعين ويهدي الداعين. فثبت من ههنا أن العبد مجبول على معرفة ربه وعبادته، وقد أشرب في قلبه محبته، فتظهر هذه الحالة بعد رفع الحجب، فتظهر هذه الحالة بعد رفع الحجب، وتجري ذكر الله تعالى على اللسان من غير اختيار وتكلف، وتنبت شجرة المعارف وتثمر وتؤتي أكله كل حين. وفي قوله تعالى:" صَرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ " إشارة أخرى، وهو أن الله تعالى خلق الآخرين مشاكلين بالأولين.(( اي مشابهين )) فإذا اتصلت أرواحهم بأرواحهم بكمال الاقتداء ومناسبة الطبائع، فينزل الفيض من قلوبهم إلى قلوبهم، ثم إذا تم إفضاء المستفيض إلى المفيض وبلغ الأمر إلى غاية الوصلة، فيصير وجودهما كشيء واحد، ويغيب أحدهما في الآخر، وهذه الحالة هي المعبر عنها بالاتحاد، وفي هذه المرتبة يُسمى السالك في السماء تسمية الأنبياء لمشابهته إياهم في جوهرهم وطبعهم كما لا يخفى على العارفين.
ثم جلس سيدنا يوسف بن المسيح قليلا و دعا بسيد الاستغفار ( اللهم انت ربي لا اله الا انت خلقتني و انا عبدك و انا على عهدك و وعدك ما استطعت اعوذ بك من شر ما صنعت ابوء لك بنعمتك عليّ و ابوء بذنبي فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب الا انت ) ثم تابع الخطبة فقال : الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد : يقول المسيح الموعود عليه السلام : وحاصل الكلام أن الله تعالى يبشر لأمة نبينا صلى الله عليه وسلم ، فكأنه يقول يا عباد إنكم خلقتم على طبائع المنعمين السابقين، وفيكم استعداداتهم، فلا تضيعوا الاستعدادات وجاهدوا لتحصيل الكمالات، واعلموا أن الله جواد كريم وليس ببخيل ضنين. ومن ههنا يُفهم سر نزول المسيح الذي يختصم الناس فيه.. فإن عبدا من عباد الله إذا اقتدى فإن عبدا من عباد الله إذا اقتدى هدي المهتدين، وتبع سنن الكاملين وتأهب للانصباغ بصبغ المهديين، وعطف إليهم بجميع إرادته وقوته وجنانه، وأدى شرط السلوك بحسب إمكانه، وشفَعَ الأقوال بالأعمال والمقال بالحال، وشفَعَ الأقوال بالأعمال والمقال بالحال، ودخل في الذين يتعاطون كأس المحبة للقادر ذي الجلال، ويقتدحون زناد ذكر الله بالتضرع والابتهال ويبكون مع الباكين.. فهنالك يفور بحر رحمة الله ليطهره من الأوساخ والأدران، ولترويه بإفاضة التهتان، ثم يأخذ يده ويُرقيه إلى أعلى مراتب الارتقاء والعرفان، ويدخله في الذين خلوا من قبله من الصلحاء والأولياء والرسل والنبيين، فيُعطي كمالا كمثل كمالهم، وجمالاً كمثل جمالهم، وجلالاً كمثل جلالهم، وقد يقتضى الزمان والمصلحة أن يُرسل هذا الرجل على قدم نبي خاص، فيُعطي له علما كعلمه، وعقلا كعقله، ونورا کنوره، واسما كاسمه، ويجعل الله أرواحهما كمرايا متقابلة ويجعل الله أرواحهما كمرايا متقابلة فيكون النبي كالأصل والولي كالظل من مرتبته يأخذ ومن روحانيته يستفيد، حتى يرتفع منهما الامتياز والغيرية، وتَرِدُ أحكام الأول على الآخر، ويصيران كشيء واحد عند الله وعند ملئه الأعلى، وينزل على الآخر إرادة الله وتصريفه إلى جهة، وأمره ونهيه بعد عبوره على روح الأول، وهذا سر من أسرار الله تعالى لا يفهمه إلا من كان من الروحانيين. واعلم أن ذلك الرجل الذي يتشابه قلبه بقلب نبي بمشابهة قوية شديدة تامة كاملة لا يأتي إلا إذا اشتدت الضرورة لمجيئه، فلما قامت الضرورة لوجود مثل ذلك الرجل.. يستأثر الله عبدا من عباده لهذا الأمر، فيدانيه رحمته كما كانت دانت مورثه، وينزل عليه سر روحه وحقيقة جوهره، وصفاء سيرته وشأن شمائله، ويجعل إرادته في إراداته، وتوجهاته في توجهاته، حتى يتجلى فيه جميع شؤون النبي المشبه به ويصير مغمورا في معنى الاتحاد، فيصيران حقيقة واحدة يقع عليهما اسم واحد، ويُنسبون إلى مثال واحد، ويُنسبون إلى مثال واحد، كأن النبي المشبه به نزل من السماء إلى أهل الأرضين. فهذا معنى قول النبي ﷺ في نزول عيسى ابن مريم العلي، وهو الحق لا يُخالف القرآن ولا يعارضه، وقد مضى مثله في الأولين فلا تجادل بغير الحق ولا تكن من المنكرين. قد توفي عيسى كما تُوُفِّي الذين خلوا من قبله وجاءوا من بعده. فلا تخف قوما تركوا كتاب الله ونصوصه، وآثروا غير القرآن على القرآن وآثروا الشك على اليقين، وخف الله وقهره واعتزل تلك الفرق كلها واعتصم بحبل الله المتين. ومن صرف عنان التوجه إلى هذه الآية وأمعن فيه حق الإمعان فيرى أنها شاهد على بياننا هذا ويكون من المذعنين.
فلا تعذلوني بعد ما قلت سره
وأثبته بدلائل الفرقان
وقد بان برهاني بقول واضح
وأنار صدقي عند ذي العرفان
وعليك بالصدق النقي وسبله
ولو أنه ألقاك في النيران
ثم اعلم أن الله تعالى صفات ذاتية ناشئة من اقتضاء ذاته، وعليها مدار العالمين كلها، وهي أربعة : (۱) ربوبية (۲) ورحمانية (۳) ورحيمية (٤) ومالكية، كما أشار الله تعالى إليها في هذه السورة وقال: (۱) رَبِّ العالمينَ (۲) الرَّحْمَنِ (۳) الرَّحِيمِ (٤) مَالِكِ يَوْمِ الدين. فهذه الصفات الذاتية سابقة على كل شيء ومحيطة بكل شيء، ومنها وجود الأشياء واستعدادها، وقابليتها ووصولها إلى كمالاتها. وأما صفة الغضب فليست ذاتية لله تعالى، وأما صفة الغضب فليست ذاتية لله تعالى، بل هي ناشئة من عدم قابلية بعض الأعيان للكمال المطلق، وكذلك صفة الإضلال لا يبدو إلا بعد زيغ الضالين. وأما حصر الصفات المذكورة في الأربع فنظراً على العالم الذي يوجد فيه آثارها. ألا ترى أن العالم كله يشهد على وجود هذه الصفات بلسان الحال، وقد تجلت هذه الصفات بنحو لا يشك فيها بصير إلا من كان من قوم عمين. وهذه الصفات أربع وهذه الصفات أربع إلى انقراض النشأة الدنيوية، ثم تتجلى من تحتها أربع أخرى التي من شأنها أنها لا تظهر إلا في العالم الآخر، وأوّلُ مطالعها عرش الرب الكريم الذي لم يتدنس بوجود غير الله تعالى وصار مظهراً تاما لأنوار رب العالمين وقوائمه أربع ربوبية ورحمانية ورحيمية ومالكية يوم الدين. ولا جامع لهذه الأربع على وجه الظلية إلا عرش الله تعالى وقلب الإنسان الكامل، وهذه الصفات أمهات لصفات الله كلها، ووقعت كقوائم العرش الذي استوى الله عليه، وفي لفظ الاستواء إشارة إلى هذا الانعكاس على الوجه الأتم الأكمل من الله الذي هو أحسن الخالقين. وتنتهي كل قائمة من العرش إلى ملك هو حاملها، ومدبر أمرها، ومورد تجلياتها، وقاسمها على أهل السماء والأرضين. فهذا أمرها، ومورد تجلياتها، وقاسمها على أهل السماء والأرضين. فهذا معنى قول الله تعالى: ﴿وَيَحْمَلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * فإن الملائكة يحملون صفات فيها حقيقة عرشية. والسر في ذلك أن العرش ليس شيئا من أشياء الدنيا، بل هو برزخ بين الدنيا والآخرة، ومبدأ قديم للتجليات الربانية والرحمانية والرحيمية والمالكية لإظهار التفضلات وتكميل الجزاء والدين. وهو داخل في صفات الله تعالى، فإنه كان ذا العرش من قديم، ولم يكن معه شيء، فكن من المتدبرين.
وحقيقة العرش واستواء الله عليه سر عظيم من أسرار الله تعالى وحكمة بالغة ومعنى روحاني، وسُمِّي عرشا لتفهيم عقول هذا العالم ولتقريب الأمر إلى استعداداتهم، وهو واسطة في وصول الفيض الإلهي والتجلي الرحماني من حضرة الحق إلى الملائكة، ومن الملائكة إلى الرسل. ولا يقدح في وحدته تعالى تكثر قوابل الفيض، بل التكثر هنا يوجب البركات لبني آدم، ويعينهم على القوة الروحانية وينصرهم في المجاهدات والرياضات الموجبة لظهور المناسبات التي بينهم وبين ما يصلون إليه من النفوس كنفس العرش والعقول المجردة إلى أن يصلون إلى المبدأ الأول وعلة العلل. ثم إذا أعان السالك الجذبات الإلهية والنسيم الرحمانية، فيقطع كثيرا من حجبه، وينجيه من بعد المقصد وكثرة عقباته وآفاته وينوره بالنور الإلهي ويدخله في الواصلين فيكمل له الوصول والشهود مع رؤيته عجائبات المنازل والمقامات. ولا شعور لأهل العقل بهذه المعارف والنكات ولا مدخل للعقل فيه، والاطلاع بأمثال هذه المعاني إنما هو من مشكاة النبوة والولاية، وما شم العقل رائحته، وما كان لعاقل أن يضع القدم في هذا الموضع إلا بجذبة من جذبات رب العالمين.
وإذا انفكت الأرواح الطيبة الكاملة من الأبدان، ويتطهرون على وجه الكمال من الأوساخ والأدران، يُعرضون على الله تحت العرش بواسطة الملائكة، فيأخذون بطور جديد حظا من ربوبيته يغاير ربوبية سابقة، وحظا من رحمانية مغاير رحمانية أولى، وحظا من رحيمية ومالكية مغاير ما كان في الدنيا. فهنالك تكون ثماني صفات تحملها ثمانية من ملائكة الله بإذن أحسن الخالقين. فإن لكل صفة ملك مُوَكِّلٌ قد خُلق لتوزيع تلك الصفة على وجه التدبير ووضعها في محلها، وإليه إشارة في قوله تعالى : فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ، فَتَدَبَّرْ ولا تكن من الغافلين.
و زيادة الملائكة الحاملين في الآخرة لزيادة تجليات ربانية ورحمانية ورحيمية ومالكية عند زيادة القوابل، فإن النفوس المطمئنة بعد انقطاعها ورجوعها إلى العالم الثاني والرب الكريم تترقى في استعداداتها، فتتموج الربوبية والرحمانية والرحيمية والمالكية بحسب قابلياتهم واستعداداتهم كما تشهد عليه كشوف العارفين. وإن كنت من الذين أعطي لهم حظ من القرآن، فتجد فيه كثيرا من مثل هذا البيان، فانظر بالنظر الدقيق لتجد شهادة هذا التحقيق، من كتاب الله رب العالمين.
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد : يتابع المسيح الموعود عليه الصلاة و السلام فيقول : ثم اعلم أن في آية: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ إشارة عظيمة إلى تزكية النفوس من دقائق الشرك واستئصال أسبابها، ولأجل ذلك رغب الله في الآية في تحصيل كمالات الأنبياء واستفتاح أبوابها، فإن أكثر الشرك قد جاء في الدنيا من باب إطراء الأنبياء والأولياء، وإن الذين حسبوا نبيهم وحيدا فريدا، ووحده لا شريك له كذات حضرة الكبرياء، فكان مآل أمرهم أنهم اتخذوه إلها بعد مدة، وهكذا فسدت قلوب النصارى من الإطراء والاعتداء. فالله يشير في هذه الآية إلى هذه المفسدة والغواية، ويومئ إلى أن المنعمين من المرسلين والنبيين والمحدثين إنما يبعثون ليصطبغ الناس بصبغ تلك الكرام، لا أن يعبدوهم ويتخذوهم آلهة كالأصنام، فالغرض من إرسال تلك النفوس المهذبة ذوي الصفات المطهرة، أن يكون كل متبع قريع تلك الصفات، لا قارع الجبهة على هذه الصفاة. فأومأ الله في هذه الآية لأولي الفهم والدراية إلى أن كمالات النبيين ليست ككمالات رب العالمين، وأن الله أحد صمد وحيد لا شريك له في ذاته ولا في صفاته، وأما الأنبياء فليسوا كذلك، بل جعل الله لهم وارثين من المتبعين الصادقين، فأُمتهم ورثاؤهم.. يجدون ما وجد أنبياؤهم إن كانوا لهم متبعين. وإلى هذا أشار في قوله : قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله، فانظر كيف جعل الأمة أحبّاء الله بشرط اتباعهم واقتدائهم بسيد المحبوبين. وتدل آية اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ أن تُراث السابقين من المرسلين والصديقين حق واجب غير مجذوذ ومفروض للاحقين من المؤمنين الصالحين إلى يوم الدين. أن تُراث السابقين من المرسلين والصديقين حق واجب غير مجذوذ غير مجذوذ ومفروض للاحقين من المؤمنين الصالحين إلى يوم الدين. وهم يرثون الأنبياء ويجدون ما وجدوا من إنعامات الله. وهذا هو الحق فلا تكن من الممترين. وأما سر ذلك التوارث ولمية المورث والوارث، فتنكشف من تلك الآية التي تعلم التوحيد، وتعظم الرب الوحيد، فإن الله المعين وأرحم الراحمين، إذا علم دقائق التوحيد وبالغ في التلقين، وقال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، فأراد عند هذا التعليم والتفهيم أن يقطع عروق الشرك كلها فضلاً من لدنه ورحمة منه على أُمة خاتم النبيين، لينجي هذه الأمة من آفات وَرَدَت على المتقدمين. فعلمنا دعاء مبرةً وعطاءً وجعلنا منه من المستخلصين. فنحن ندعو بتعليمه، ونطلب منه بتفهيمه فرحين برفده مفصحين بحمده، قائلين: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّين. ونحن نسأل الله لنا في هذا الدعاء كل ما أعطي للأنبياء من النعماء، ونسأله أن نثبت كالأنبياء على الصراط، ونتجافي عن الاشتطاط، وندخل معهم في مربع حظيرة القدس، متطهرين من كل أنواع الرجس ومبادرين إلى ذرى رب العالمين. فلا يخفى أن الله جعلنا في هذا الدعاء كأظلال الأنبياء، وأورثنا وأعطانا المعلوم والمكتوم، والمعكوم والمختوم، ومن كل الآلاء والنعماء، فاحتملنا منها وقرنا، ورجعنا بما يسد فقرنا، وسالت أودية بقدرها، فأحلنا محل الفائزين. وهذا هو سرّ إرسال الأنبياء وبعث المرسلين والأصفياء، لتصبغ بصبغ الكرام، وننتظم في سلك الالتئام، ونرث الأولين من المقربين المنعمين.
ومع ذلك قد جرت سنة الله أنه إذا أعطى عبدا كمالاً، وطفق الجهال يعبدونه ضلالاً، ويُشركونه بالرب الكريم عزة وجلالاً، بل يحسبونه ربا فعّالاً، فيخلق الله مثله، ويُسميه بتسميته، ويضع كمالاته في فطرته، وكذلك يجعل لغيرته ليبطل ما خطر في قلوب المشركين. يفعل ما يشاء ولا يُسأل عما يفعل وهم من المسؤولين. يجعل من يشاء كالدرّ السائغ للاغتذاء، أو كالدرة البيضاء في اللمعان والصفاء، ويسوق إليه شربا من التسنيم، ويضمخه بالطيب العميم،
حتى يسفر عن مرأى وسيم، وأرج نسيم للناظرين. فالحاصل أنه تعالى أشار في هذا الدعاء لطلاب الرشاد إلى رحمته العامة والوداد، فكأنه قال إنني رحيم.. وسعت رحمتي كل شيء.. أجعل بعض العباد وارثا لبعض من التفضل والعطاء، لأسد باب الشرك الذي يشيع من تخصيص الكمالات ببعض أفراد من الأصفياء. فهذا هو سر هذا الدعاء، كأنه يبشر الناس بفيض عام، وعطاء شامل لأنام، ويقول إني فياض ورب العالمين، ولست كبخيل وضنين. فاذكروا بيت فيضي وما ثَمَّ، فإن فيضى قد عم وتم، وإن صراطي صراط قد سُوِّي ومُدَّ، لكل من نهض وأعتد واستعد، وطلب كالمجاهدين. وهذه نكتة عظيمة في آية: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، وهي إزالة الشرك وسد أبوابه، فالسلام على قوم استخلصوا من هذا الشرك وعلى من لديهم، وعلى كل من تبعهم من الطالبين الصادقين. وفي الآية إشارة أخرى، وهي أن الصراط المستقيم هو النعمة
العظمى، ورأس كل نعمة وباب كل ما يُعطى، وينتاب العبد نعم الله من أعطي له هذه الدولة الكبرى وملك لا يبلى. ومن تأهب لهذه النعمة ووفق للثبات عليها، فقد دُعِيَ إلى كل أنواع الهدى، ورأى العيش النضير والنور المنير بعد ليالي الدجي نجاه الله من كل الهفوات قبل الفوات، وأدخله في زمر التقاة بعد مقاناة العصاة، وأراه سبل الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. وأما حقيقة الصراط المستقيم، التي أريدت في الدين القويم، فهي أن العبد إذا أحب ربه المنّان، وكان راضيا بمرضاته وفوض إليه الروح والجنان وأسلم وجهه الله الذي خلق الإنسان، وما دعا إلا إياه، وصافاه وناجاه، وسأله الرحمة والحنان، وتنبه من غشيه، واستقام في مشيه وخشي الرحمن وشغفه الله حُبًّا وأعان، وقوى اليقين والإيمان، فمال العبد إلى ربه بكل قلبه، وإربه وعقله، وجوارحه وأرضه وحقله، وأعرض عما سواه، وما بقي له إلا ربه وما تبع إلا هواه، وجاءه بقلب فارغ عن غيره، وما قصد إلا الله في سبل سيره، وتاب من كل إدلال واغترار بمال وذي مال، وحضر حضرة الرب كالمساكين، ووَذَرَ العاجلة وألغاها، وأحب الآخرة وابتغاها، وتوكل على الله، وكان لله، وفني في الله، وسعى إلى الله كالعاشقين.. فهذا هو الصراط المستقيم الذي هو منتهى سير السالكين، ومقصد الطالبين العابدين. وهذا هو النور الذي لا يحل الرحمة إلا بعد حلوله، ولا يحصل الفلاح إلا بعد حصوله، وهذا هو المفتاح الذي يناجي السالك منه بذات الصدور، وتفتح عليه أبواب الفراسة، ويجعل محدثًا من الله الغفور.
الحمدلله_الحمدلله وحده_الحمدلله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد،يتابع المسيح الموعود عليه الصلاة و السلام،فيقول:
ومن ناجي ربه ذات بكرة بهذا الدعاء بالإخلاص وإمحاض النية، ورعاية شرائط الاتقاء والوفاء، فلا شك أنه يحل محل الأصفياء والأحباء والمقربين. ومن تأوّه آهة الثكلان في حضرة الرب المنان وطلب استجابة هذا الدعاء من الله الرحمن خاشعا مبتهلا وعيناه تذرفان، فيستجاب دعاؤه ويُكرم مثواه، ويُعطى له هداه، وتقوى له عقيدته بالدلائل المنيرة كالياقوت، ويُقوَّى له قلبه الذي كان أوهن من بيت العنكبوت، ويُوفّق لتوسعة الذرع ودقائق الورع، فيدعى إلى قرى الروحانيين ومطائب الربانيين ويكون في كل حال غالبا على هوى مغلوب، ويقوده برعاية الشرع حيث يشاء كأشجع راكب على أطوع مركوب، ولا يبغي الدنيا ولا يتعنى لأجلها، ولا يسجد لعجلها، ويتولاه الله وهو يتولى الصالحين. وتكون نفسه مطمئنة ولا تبقى كالمبيد المضل، ولا تُحملقُ حملقة الباز المطل، ویری مقاصد سلوكه كالكرام ولا تكون سحبه كالجهام، بل يشرب كل حين من ماء معين.
وحث الله عباده على أن يسألوه إدامة ذلك المقام، والتثبت عليه والوصول إلى هذا المرام، لأنه مقام رفيع، ومرام منيع، لا يحصل لأحد إلا بفضل ربه، لا يجهد نفسه فلا بد من أن يضطر العبد لتحصيل هذه النعمة إلى حضرة العزة، ويسأله إنجاح هذه المنية بالقيام والركوع والسجدة والتمرغ على ترب المذلة، باسطا ذيل الراحة ومتعرضا للاستماحة، كالسائلين المضطرين.
وجملةُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ إشارة إلى رعاية حسن الآداب، والتأدب مع رب الأرباب، فإن للدعاء آدابًا، ولا يعرفها إلا من كان توابا، ومن لا يبالي الآداب، فيغضب الله عليه إذا أصر على الغفلة وما تاب، فلا يرى من دعائه إلا العقوبة والعذاب، فلأجل ذلك قل الفائزون في الدعاء، وكثر الهالكون لحجب العُجب والغفلة والرياء. وإن أكثر الناس لا يدعون إلا وهم مشركون، وإلى غير الله متوجهون، بل إلى زيد وبكر ينظرون فالله لا يقبل دعاء المشركين، ويتركهم في بيدائهم تائهين، وإن حبوة الله قريب من المنكسرين.
وليس الداعي الذي ينظر إلى أطراف وأنحاء، ويختلب بكل برق وضياء، ويريد أن يُترع كُمَّه ولو بوسائل الأصنام، ويعلو كل ربوة راغبا في حبوة، ويبغي معشوق المرام ولو بتوسل اللئام، والفاسقين. بل الداعي الصادق هو الذي يتبتل إلى الله تبتيلا، ولا يسأل غيره فتيلا، ويجيء الله كالمنقطعين المستسلمين، ويكون إلى الله سيره، ولا يعبأ بمن هو غيره، ولو كان من الملوك والسلاطين. والذي يكب على غيره، ولا يقصد الحق في سيره، فهو ليس من الداعين الموحدين، بل كزاملة الشياطين فلا ينظر الله إلى طلاوة كلماته، وينظر إلى خبثة نياته، وإنما هو عند الله، مع حلاوة لسانه وحسن بیانه، كمثل روث مفضض أو كنيف مبيض، قد آمنت شفتاه وقلبه من الكافرين فأولئك الذين غضب الله عليهم وهم المرادون من قوله: الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ . إنهم دُعُوا إلى سُبل الحق فتركوها بعد رؤيتها، وتخيروا المفاسد بعد التنبه على خبثتها، وانطلقوا ذات الشمال وما انطلقوا ذات اليمين، وإنهم ركنوا إلى المين وما بقي إلا قيد رمحين، وعدموا الحق بعد ما كانوا عارفين.
وأما الضالون الذين أُشير إليهم في قوله : الضَّالِّينَ فهم الذين وجدوا طريقا طامسا في ليل دامس فزاغوا عن المحجة قبل ظهور الحجة، وقاموا على الباطل غافلين. وما كان مصباح يؤمنهم العثار، أو يبين لهم الآثار، فسقطوا في هوة الضلال غير متعمدين. ولو كانوا من الداعين بدعاء: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، لحفظهم ربهم ولأراهم الدين القويم، ولنجاهم من سبل الضلالة، ولهداهم إلى طرق الحق والحكمة والعدالة، ليجدوا الصراط غير ملومين. ولكنهم بادروا إلى الأهواء((ولكنهم بادروا إلى الأهواء)) ، وما دعوا ربهم للاهتداء، وما كانوا خائفين، بل لووا رؤوسهم مستكبرين. وسرَتْ حُمَيا العُجب فيهم، فرفضوا الحق لهفوات خرجت من فيهم، ولفظتهم تعصباتهم إلى بوادي الهالكين.
فالحاصل أن دعاء: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) يُنجى الإنسان من كل أود ويُظهر عليه الدين القويم، ويُخرجه من بيت قفر إلى رياض الثمر والرياحين. ومن زاد فيه إلحاحا، زاده الله صلاحا. والنبيون آنسوا منه أنس الرحمن، فما فارقوا الدعاء طرفة عين إلى آخر الزمان. وما كان لأحد أن يكون غنيا عن هذه الدعوة، ولا معرضا عن هذه المنية، نبيا أو كان من المرسلين. فإن مراتب الرشد والهداية، لا تتم أبدا بل هي إلى غير النهاية، ولا تبلغها أنظار الدراية، فلذلك علم الله تعالى هذا الدعاء لعباده، وجعله مدار الصلاة وجعله مدار الصلاة ليتمتعوا برشاده، وليكمل الناس به التوحيد، وليذكروا المواعيد، وليستخلصوا من شرك المشركين. ومن كمالات هذا الدعاء أنه يعم كل مراتب الناس، وكل فرد من أفراد الأناس. وهو دعاء غير محدود لا حد له ولا انتهاء، ولا غاية ولا أرجاء، فطوبى للذين يداومون عليه بقلب دامي الفرح، وبروح صابرة على الجرح، ونفس مطمئنة كعباد الله العارفين. وإنه دعاء تضمن كل خير وسلامة وسداد واستقامة، وفيه بشارات من الله رب العالمين.
وقيل إن الطريق لا يُسَمَّى صراطًا عند قوم ذوي قلب ونور، حتى يتضمن خمسة أمور من أمور الدين وهي: (۱) الاستقامة (۲) والإيصال إلى المقصود باليقين (۳) وقرب الطريق (٤) وسعته للمارين (٥) وتعيينه طريقا للمقصود في أعين السالكين. وهو تارة يُضاف إلى الله إذ هو شرعه وهو سوى سُبُله للماشين. وتارة يُضاف إلى العباد لكونهم أهل السلوك والمارين عليها والعابرين.
والآن نرى أن توازن هذا الدعاء بالدعاء الذي علمه المسيح في الإنجيل، ليتبين لكل منصف أيهما أشفى للعليل، وأدراً للغليل، وأرفع شأنا، وأتم برهانا، وأنفع للطالبين فاعلم أن في إنجيل لوقا قد كتب في الإصحاح الحادي عشر أن المسيح علم الدعاء هكذا (۲) فقال لهم (يعني للحواريين متى صليتم فقولوا أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماوات كذلك على الأرضين. خُبزنا كفافنا أعطنا كل يوم واغفر لنا خطايانا، لأننا نحن أيضا نغفر لكل من يذنب إلينا (يعني نغفر للمذنبين). ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير." هذا دعاء علم للمسيحيين. فاعلم أنه دعاء يفرط في الصفات الربانية، وكذلك ما يحيط على مقاصد الفطرة الإنسانية، بل يزيد سورة الحسرة الروحانية، ويحرك القوى لطلب الأهواء الفانية، والشهوات المتفانية، مع الذهول عن القوى لطلب الأهواء الفانية والشهوات المتفانية، مع الذهول عن سعادات يوم الدين. ومن جملة جمله فقرة.. أعني "ليتقدس اسمك"، فانظر فيها بعقلك وفهمك.. هل تجده حريًّا بشأن الأكمل الذي ليست له حالة منتظرة من حالات الكمال، ولا مرتبة مترقبة من مراتب التقدس والجلال؟ فإن المحامد والتقدسات كلها ثابتة لحضرة العزة، ولا ينتظر شيء منها في الأزمنة الآتية، وهذا هو تعليم القرآن وتلقين كلام الله الرحمن كما مر كلامنا في هذا البيان، ومن أقبل على الفرقان المجيد، وفهمه وتدبر ونظره بالنظر السديد، فينكشف عليه أن الفرقان قد أكمل في هذا الأمر البيان، وصرح بأن الله كمالا تاما، وكل كمال ثابت له بالفعل وليس فيه كلام، وتجويز الحالة المنتظرة له جهل وظلم واحترام. وأما الإنجيل فيجعل البارئ عز اسمه محتاجا إلى الحالة المنتظرة، وضاجرًا لكمالات مفقودة غير الموجودة ولا يقبل وجود كمال شجرته، بل يُظهر الأماني لإيناع ثمرته، وليس قائل استنارة بدره، بل ينتظر زمان عُلو قدره. كأن رَبَّ الإنجيل واجم من فقد المرادات، وعاجز عن إمضاء الإرادات. وكم من ليلة باتها ينتظر كمالات ويترقب تغير حالات، حتى يئس من أيام رشاده، وأقبل على عباده ليتمنوا له حصول مراده، وليعقدوا الهمم لزوال كمده، وعلاج رمده. سبحان ربنا إن هذا إلا بهتان مبين. إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون. وما لِلْبَلْبالِ ورَبِّ ذي الجلال، رب العالمين؟ ثم دعاء المسيح دعاء لا أثر فيه من غير التنزيه.. كأنه يقول إن الله منزه عن الكذب والتمويه، ولكن لا توجد فيه كمالات أخرى، ولا من الصفات الثبوتية أثر أدنى، فإن التنزيه والتقديس من الصفات السلبية كما لا يخفى على ذوى المعرفة والبصيرة، وأما الصفات السلبية فهي لا تقوم مقام الإثبات كما ثبت عند الثقات. وأما ما علمنا القرآن من الدعاء، فهو يشتمل على جميع صفات كاملة توجد في حضرة الكبرياء، ألا ترى إلى قوله : ( الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) كيف أحاط صفات الله جموعها، وتأبط أصولها وفروعها؟ وأشار في: ( الْحَمْدُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) كيف أحاط صفات الله جُموعها، وتأبط أصولها وفروعها؟(( هذا الدعاء يعني )) وأشار في: الْحَمْدُ الله أن الله ذات لا تُحصى صفاته، ولا تُعد كمالاته، وأشار في: ( ربِّ الْعَالَمِينَ ) أن وَيْلَ ربوبيته يعم السماوات والأرضين، والجسمانيين والروحانيين. وأشار في الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أن الرحمة بجميع أنواعها من الله القيوم القديم، والخلاق الكريم، وأشار في قوله: يَوْمِ الدِّين أن مالك المجازاة هو الله لا غيره من المخلوقين، وأن أبحر المجازاة جارية وهي تمرّ مرَّ السحاب كل حين، وكل ما يرى عبد من فضل الله وإحساناته بعد أعمال صالحة، وصدقه وصدقاته، فإنما هو صنيعة مجازاته. ففى هذه المحامد إشارات رفيعة عالية، ودلالات لطيفة متعالية، على كل كمال الحضرة الله جامع كل جمال وجلال. ثم من المعلوم أن اللام في: الْحَمْدُ الله للاستغراق، فهو يشير إلى أن المحامد كلها الله بالاستحقاق.
وأما دعاء الإنجيل.. أعني "ليتقدس "اسمك" فلا يشير إلى كمال، بل يخبر عن خطرات زوال، ويُظهر الأماني لتقديس الرحمن، كأن التقدس ليس له بحاصل إلى هذا الآن. فما هذا الدعاء إلا من نوع الهذيان، فإنك تعلم أن الله قدوس من الأزل إلى الأبد، فإنك تعلم أن الله قدوس من الأزل إلى الأبد، كما هو يليق بالأحد الصمد، فهو منزه ومقدس من كل التدنسات، في جميع الأوقات، إلى أبد الآبدين، وليس محروما ومن المنتظرين.
الحمد لله – الحمد لله وحده – الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد : يتابع المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام فيقول : ثم قوله تعالى☹ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) رَدُّ لطيف على الدهريين والملحدين والطبيعيين الذين لا يؤمنون بصفات الله المجيد، ويقولون إنه كعلة موجبة وليس بالمدبر المريد، ولا يوجد فيه إرادة كالمنعمين والمعطين. فكأنه يقول كيف لا تؤمنون برب البرية وتكفرون بربوبيته الإرادية، وهو الذي يربي العالمين، ويغمر بنواله، ويحفظ السماوات والأرض بقدرته وجلاله، ويعرف من أطاعه ومن عصا، فيغفر المعاصي أو يؤدّب بالعصا، ومن جاءه مطيعا فله جنتان، وحقت به فرحتان فرحة تصيبه من اسم الرحيم، وأخرى من الرحمن القديم، فيُجزى جزاء أو فى من الله الأعلى، ويدخل في الفائزين.
ولا شك أن هذه الصفات تجعل الله مستحقا للعبادة، معطيا من عطايا السعادة، وأما التقديس وحده، كما ذكر في الإنجيل، فلا يُحرك الروح للعبادة، بل يتركها كالنائم العليل.
وأما سر هذا الترتيب الذي اختاره في الفاتحة ربنا المجيد ذو المجد والعزة، وذكر المحامد قبل ذكر الدعاء والعبادة، فاعلم أنه فعل ذلك ليذكر عباده عظمة صفات البارئ ذي المجد والعلاء قبل الدعاء، ليذكر عباده عظمة صفات البارئ ذي المجد والعلاء قبل الدعاء، ويشير إلى أنه هو المولى لا مُنعم إلا هو، ولا راحم إلا هو، ولا مجازي إلا هو، ومنه يأتي كل ما يأتي العباد من الآلاء والنعماء.
وهذا الترتيب أحسن وللروح أنفع، فإنه يُظهر على السعيد منن الله الرحيم، ويجعله مستعدا ومقبلاً على حضرة القدير الكريم، ويظهر منه تموج تام في أرواح الطلباء، كما لا يخفى على أهل الدهاء. وأما تخصيص ذكر الربوبية والرحمانية والرحيمية والمالكية في الدنيا والآخرة.. فلأجل أن هذه الصفات الأربعة أمهات لجميع الصفات المؤثرة المفيضة، ولا شك أنها محركات قوية لقلوب الداعين. ثم الإنجيل يذكر الله تعالى باسم الأب، والقرآن يذكره باسم الرب، وبينهما بون بعيد، ويعلمه من هو زكي وسعيد، وإن لم يعلمه من كان من الجاهلين. فإن لفظ الأب لفظ قد كثر استعماله في المخلوقين، فنقله إلى الرب تعالى فعل فيه رائحة من الإشراك، وهو أقرب للإهلاك كما لا يخفى على المتدبرين.
ثم اعلم أن شكر المحسن المنان أمر معقول مسلم عند ذوي العقول والعرفان، وإذا كان المحسن مع إحسانه العام ورحمه التام خالق الأشياء وقيوم العالم من الابتداء إلى الانتهاء، وكان في يده كل أمر الجزاء، فيضطر الإنسان طبعًا ليرجع إلى جنابه، ويتذلل على بابه، وينجو من تبابه، وإذا وجده فلا يتأوبه عنده هم، ولا يفزعه وَهُمْ، ويكون من المطمئنين. وهذا الأمر داخل في فطرته، ومركوز في جبلته، ومتنقش في مهجته أنه يطلب صاحب هذه الصفات عند الترددات، ويؤم به المخرج من المشكلات والطالبون يتعاطون بذكره كأس المنافثة، ويقتدحون لطلبه زناد المباحثة، ويجوبون البراري والفلوات ويطلبون أثر ذلك الجامع للبركات، وقاضي الحاجات، ويبيتون مجاهدين فبشر الله عباده أنه هو، وأنه مقصد ملامح عيونهم، ومقصود مرامي لحظهم ومدار شؤونهم، فليطلبوه إن كانوا طالبين. ومن هذا المقام يظهر عظمة الفاتحة، وكونه من الله العلام، فإنها مملوءة من كل دواء، وعلاج لكل داء، ومنجى من كل بلاء، يقوي الضعفاء، ويبشر الصلحاء، ويفتح أبواب الخير وسدده، ويعطي كل ذي رشد رشده إلا الذي أحاط عليه غباوته وشقاوته فصار من الهالكين .
وانظر إلى كمال ترتيب الفاتحة من الله ذي الجلال والعزة، كيف قدم ذكر اسم الله في العبارة، وجعله سرا مجملا لتفاصيل الصفات الأربعة، وزين العبارة بكمال لطائف البلاغة، ثم أردفه صفة الربوبية العامة، فإن الله كان ككنز مخفي ((فإن الله كان ككنز مخفي))من أعين أهل المعرفة، فأول ما عرفه كانت ربوبيته بكمال الحكمة والقدرة. ثم ذكر الله في الفاتحة رحمانية وبعدها رحيمية وقفاها مالكية، فوضعها طباقًا، وطبقها إشراقا، وجعل بعضها فوق بعض وضعًا، كما كان مدارجها طبعا، وفيه آيات للمتدبرين. وعلم الله عباده أن يقدموا هذه المحامد بين يديه، ويسألوا الهداية والاستقامة بعد الثناء عليه، لتكون هذه الصفات وتصورها سببًا لفور عيون الروحانية، ووسيلة للحضور والذوق والمواجيد التعبدية، وليستجاب الدعاء بهذا الحضور، ويكون موجبا لأنواع السرور والنور والبعد عن المعاصي والفجور، لأن العبد إذا عرف أنه يعبد ربا أحاط ذاته جميع أنواع المحامد، وهو قادر على أن يستجيب جميع أدعية المحامد، وعرف أنه رب عظيم يوجد فيه جميع أنواع الربوبية، ورحمن كريم يوجد فيه جميع أقسام الرحمانية، ورحيم قديم يوجد فيه كل أصناف الرحيمية، ومالك مجازاة يقدر على أن يجزي كل ذي مرتبة في الإخلاص على حسب المرتبة، فيجد ذاته عظيم الشأن في القدرة، ويجد عظمة صفاته خارجة من الإحاطة، فيسعى إلى بابه، ويبادر إلى جنابه، قائلا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، فيجمع في هذا الكلام انكسار العبد وجلال رب العالمين. فهذا الاجتماع المبارك يقطع عرق الاسترابة، ويكون سببا قريبا للاستجابة، فيكون الداعي من المقبولين، بل ممن لا يشقى بهم جليس، ولا يقربهم غُولٌ ولا تلبيس، ولا يخيب فيهم مظنون، وترفع حجبهم فلا يُطوى دونهم مكنون، فيطلع على ما حك في صدور الناس، وعلى أمور سماوية متعالية عن طور العقل والقياس، ويدخل في أهل السرّ والقرب والمكلمين.((ويدخل في أهل السرّ والقرب والمكلمين)) ويكون له الرب
الكريم كالخل الودود، والخدن المودود، بل أقرب من كل قريب، وأحب من كل حبيب، ويكون كلامه أحلى من كل شربة، وإلهامه ألذ من كل لذة، ويدخل الله في القلب ويشغفه حبا، وينظر إلى المحب فيجعله لبا، ويصبغه بصبغ المتبتلين. ويأتيه منه البرهان، والنور واللمعان والعلم والعرفان، فلا يسعه الكتمان(( ويأتيه منه البرهان، والنور واللمعان والعلم والعرفان، فلا يسعه الكتمان)) ولو اختفى في مغارة الأرضين، فسبحان ربنا رب الأولين والآخرين. واعلموا أيها الناظرون والعلماء المستبصرون أن عيسى العليا((عليه السلام)) علم تمهيدًا قبل الدعاء، والقرآن علم تمهيدا قبل الدعاء، والفرق بينهما ظاهر على أهل الدهاء، فإن تمهيد القرآن يُحرك الروح((فإن تمهيد القرآن يُحرك الروح ))إلى عبادة الرحمن، ويحرك العباد إلى أن ينتجعوا حضرته بإمحاض النية وإخلاص الجنان، ويظهر عليهم أنه عين كل رحمة وينبوع جميع أنواع الحنان، ومخصوص باسم الرب والرحمن والرحيم والديان فالذين يطلعون على هذه الصفات فلا يزايلون أهلها ولو سقطوا في فلوات الممات، بل يسعون إليه ويوطنون لديه بصدق القلب وصحة النيات، ويتراكضون إليه خيلهم ويسعون كالمشوق، ويضطرم فيهم هوى المعشوق، فلا يناقش أهواء أخرى عند غلبة هوى رب العالمين. فثبت أن في تمهيد هذا الدعاء تحريكا عظيما للعابدين، فإن العبد إذا تدبر في صفات جعلها الله مقدمة لدعاء الفاتحة، وعلم أنها مشتملة على صفات كماله ونعوت جلاله باستيفاء الإحاطة، ومحركة لأنواع الشوق والمحبة، وعلم أن ربه مبدأ الجميع الفيوض، ومنبع لجميع الخيرات، ودافع لجميع الآفات، ومالك لكل أنواع المجازاة، منه يبدأ الخلق وإليه يرجع كل المخلوقات، وهو منزه عن العيوب والنقائص والسيئات، ومستجمع لسائر صفات الكمال وأنواع الحسنات، فلا شك أنه يحسبه منجح جميع الحاجات، ومنجيا من سائر الموبقات، فيكابد في ابتغاء مرضاته كل المصائب، ولو قتل بالسم الصائب، ولا يُعجزه الكروب، ولا يدري ما اللغوب، ويجذبه المحبوب، ويعلم أنه هو المطلوب، وييسر له استقراء المسالك لتطلب مرضاة المالك، فيجاهد في سبله ولو صار كالهالك، ولا يخشى هول بلاء، وينبري لكل ابتلاء، ولا يبقى له من دون حبه الأذكار، ولا تستهويه الأفكار، وينزل من مطية الأهواء، ليمتطي أفراس الرضاء، ويضفر أزمة الابتغاء، ليقطع المسافة النائية لحضرة الكبرياء، ويظل أبدا له مدانيا، ولا يجعل له ثانيا من الأحباء، ولا يعتور قلبه بين الشركاء، ويقول يا رب تسلم قلبي(( ويقول يا رب تسلم قلبي،يا رب تسلم قلبي))وتكفيني لجذبي وجلبي، ولن يُصبيني حسن الآخرين. هذه نتائج تمهيد دعاء الفاتحة، وأما تمهيد دعاء عيسى اللي فقد عرفت حقيقته، وما فيه من الآفة، فلا حاجة إلى الإعادة، فتفكر في
إيماضي، وتندم من زمان ماضي، وكُن من التائبين.
ثم بعد ذلك ننظر إلى دعاء علمه عيسى، وإلى دعاء علمه ربنا الأعلى، ليتبين ما هو الفرق بينهما لذي النهى، ولينتفع به من كان من الصالحين.
فاعلم أن عيسى الله((عليه السلام)) علم دعاء يتزرى عليه إنصافنا، أعني: "خبزنا كفافنا"، وأما القرآن فعافَ ذَكْر الخبز والماء في الدعاء، وعلمنا طريق الرشد والاهتداء، وحث على أن نقول: اهدنا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيم ، ونطلب منه الدين القويم، ونعوذ به من طرق المغضوب عليهم والضالين، وأشار إلى أن راحة الدنيا والآخرة تابعة لطلب الصراط وإخلاص الطاعة، فانظر إلى دعاء الإنجيل ودعاء القرآن من الرب الجليل، وكن من المنصفين.
وأما ما جاء في دعاء عيسى ترغيب في الاستغفار، فهو تأكيد لدعاء طلب الخبز كأهل الاضطرار، لعل الله يرحم ويعطي خبزا كثيرا عند هذا الإقرار، فالاستغفار تضرع لطلب الرغفان، وأصل الأمر هو طلب الخبز من الله المنان. ويثبت من هذا الدعاء أن أكثر
أمم عيسى كانوا عشاق الذهب واللجين، وهاجري الحق للحجرين، وبائعي الدين ببخس من الدراهم، ومختبني خلاصة النض وتاركي ذيل الرب الراحم، والعاثين عاصين. وحُبب إليهم أن يتخذوا الطمع شرعة، وحُبَّ الدنيا نجعة. فاستشرف الأناجيل ليظهر عليك صدق ما قيل، واتق الرب الجليل، ودع الأقاويل، ولا تحسب الحق الصريح كالمعضلات، واستوضح مني المشكلات، لأخبرك عن أنباء العصاة والمنجيات والمهلكات ففتش الحق قبل حموم الحمام، وهجوم الآلام، ونزع الروح وحصر الكلام، واعلم أن الخير كله في الإسلام،((واعلم أن الخير كله في الإسلام))فطوبى للذي ضرب الخيام في هذا المقام، وقوّى يقينه بالإلهام ووحي الله العلام، وردّاه الله رداء الإكرام. إن المسلمين قوم سجاياهم إعلاء كلمة التوحيد((إن المسلمين قوم سجاياهم إعلاء كلمة التوحيد))، وبذل النفس ابتغاء مرضاة الله الوحيد، وصلحاؤهم يتأففون من الدنيا بل من الإمرة(( وصلحاؤهم يتأففون من الدنيا بل من الإمرة))، ولا يتخيرون لأنفسهم إلا وجه رب ذي العزة، ولا يُشجيهم إلا أن غفلة من ذكر الحضرة، يتوكلون عليه ويطلبون منه هداه، ولايركنون إلى الخلق بل يبتغون حباه ويمشون في الأرض هونا، ولا يبطشون جبارين وشأنهم إطالة الفكرة، وتحقيق الحق وتنقيح الحكمة. يراعون في الرياسة تهذب السياسة، وفي أوان الخصاصة والافتقار آداب التبصر والاصطبار((يراعون في الرياسة تهذب السياسة، وفي أوان الخصاصة والافتقار آداب التبصر والاصطبار)) ولا تفاضل فيهم إلا بتفاضل التقوى والتقاة، ولا رب لهم إلا رب الكائنات. وكل ذلك أنوار حاصلة من الفاتحة كما لا يخفى على أهل الفطرة الصحيحة والتجربة. فالحق أن الفاتحة أحاطت كل علم ومعرفة، واشتملت على كل دقيقة حق وحكمة، وهي تجيب كل سائل، وتذيب كل عدو صائل، ويطعم كل نزيل إلى التضيف مائل، ويسقي الواردين والصادرين. ولا شك أنها تزيل كل شك خيب، وتجيح كل هم شيب، وتعيد كلّ هُدُو تَغَيَّبَ، وتُخجل كل خصيم نيب، ويبشر الطالبين. ولا معالج كمثله لسمّ الذنوب وزيغ القلوب((الفاتحة)) وهو الموصل إلى الحق واليقين.
وأما الهداية التي قد أمرنا لطلبها في الفاتحة فهو اقتداء محامد ذات الله وصفاته الأربعة، وإلى هذا يشير اللام الذي موجود في: اهدنا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، ويعرفه من أعطاه الله الفهم السليم. ولا شك أن هذه الصفات أمهات الصفات، وهي كافية لتطهير الناس من الهنات وأنواع السيئات، فلا يؤمن بها عبد إلا بعد أن يأخذ من كل صفة حظه ويتخلق بأخلاق رب الكائنات((ويتخلق بأخلاق رب الكائنات)). فمن استفاض منها فيفتح عليه باب عظيم من معرفة الرب المحبوب، وتتجلى له عظمته، فتحصل الأمانة والتنفُرُ من الذنوب((فتحصل الأمانة والتنفُرُ من الذنوب))، والسكينة والإخبات والامتثال الحقيقي والخشية والأنس والذوق والشوق والمواجيد الصحيحة ((والمواجيد الصحيحة))والمحبة الذاتية المفنية المحرقة بإذن الله مُربي السالكين.
وهذه كلها ثمرات التدبر في مضامين الفاتحة، فإنها شجرة طيبة تؤتي كل حين أكلاً من المعرفة، ويروي من كأس الحق والحكمة، فمن فتح باب قلبه لقبول نورها، فيدخل فيه نورها، ويطلع على مستورها، ومن غلق الباب فدعا ظلمته إليه بفعله، ورأى التباب
ولحق بالهالكين. ثم اعلم أن قوله تعالى : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يدل على أن السعادة كلها في اقتداء صفات رب العالمين. وحقيقة العبادة الانصباغ بصبغ المعبود، وهو عند أهل الحق كمال السعود((وهو عند أهل الحق كمال السعود)) فإن العبد لا يكون عبدا في الحقيقة عند ذوي العرفان، إلا بعد أن تصير صفاته أظلال صفات الرحمن، فمن أمارات العبودية أن تتولد فيه ربوبية كربوبية حضرة العزة، وكذلك الرحمانية والرحيمية وصفة المجازاة، أظلالاً لصفات الحضرة الأحدية. وهذا الصراط المستقيم الذي أمرنا لنطلبه، والشرعة التي أوصينا لنرقبها من كريم ذي الفضل المبين((ذي الفضل المبين)).
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد ،يتابع المسيح الموعود_ عليه الصلاة و السلام،فيقول : ثم لما كان المانع من تحصيل تلك الدرجات((ثم لما كان المانع من تحصيل تلك الدرجات))الرياء الذي يأكل الحسنات، والكبر الذي هو رأس السيئات والضلال الذي يبعد عن طرق السعادات، أشار إلى دواء هذه العلل المهلكات، رحمة منه على الضعفاء المستعدين للخطيات وترحما على السالكين، فأمر أن يقول الناس : إِيَّاكَ نَعْبُدُ ليُستخلصوا من مرض الرياء((فأمر أن يقول الناس : إِيَّاكَ نَعْبُدُ ليُستخلصوا من مرض الرياء))، وأمر أن يقولوا: إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ليُستخلصوا من مرض الكبر والخيلاء، وأمر أن يقولوا: اهدنا ليستخلصوا من الضلالات والأهواء. فقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ حث على تحصيل الخلوص والعبودية التامة،((فقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ حث على تحصيل الخلوص والعبودية التامة،و هي عكس الرياء)) وقوله: إِيَّاكَ نستعين إشارة إلى طلب القوة والثبات والاستقامة((وهي عكس الكبر و الخيلاء))، وقوله: اهدنا الصِّرَاطَ إشارة إلى طلب علم من عنده وهداية من لدنه لطفا منه على وجه الكرامة((لطفا منه على وجه الكرامة،و هي عكس الضلالات و الاهواء)).
فحاصل الآيات أن أمر السلوك لا يتمم أبدًا ولا يكون وسيلة للنجاة إلا بعد كمال الإخلاص وكمال الجهد وكمال فهم الهدايات بل كلُّ خادم لا يكون صالحا للخدمات إلا بعد تحقق هذه الصفات. مثلا .. إن كان خادم مخلصا وموصوفا بأوصاف الأمانة والخلوص والعفة، ولكن كان من الكسالى والوانين القاعدين وكالضبعة النومة، لا من أهل السعي والجهد والجد والقوة، فلا شك أنه كلِّ على مولاه، ولا يستطيع أن يتبع هداه ويكون من المطاوعين. وخادم آخر مخلص أمين، ومع ذلك مجاهد وليس بقاعد كالآخرين، ولكنه جهول لا يفهم هدايات مخدومه، ويُخطئ ذات مرار كالضالين؛ فمن جهله ربما يجترئ على الممنوعات، ويوقع نفسه في المخاطرات والمحظورات، ويبعد عن مرضاة المولى من جهل جاذب من الجهلات، وربما يضيع نفائس المولى ودرره وجواهره، من كمال جهله وحمقه وسوء فهمه ويضع الأشياء في غير محلها من زيغ وهمه، فهذا الخادم أيضا لا يستطيع أن يستحصل مرضاة المخدوم، ويُسقطه جهله كل مرة عن أعين مولاه فيبكي كالموقوم، وكذلك يعيش دائما كالملعون الملوم، ولا يكون من الممدوحين. بل يراه المولى كالمنحوس، الذي لا يأتي بخير في سير، ويخرب بقعته ورحاله وأمواله في كل حين. وأما الخادم المبارك والعبد المتبرك الذي يُرضي مولاه، ولا يترك نكتة من هداه، ويسمع مرحباه، فهو الذي يجمع في نفسه هذه الثلاث سويا، ولا يؤذي مولاه بخيانة وحدل، ولا يُطحطحه بكسل أو جهل، فيصير عبدا مرضيا. فهذه هي الأشراط الثلاثة للذين يسلكون سبل ربهم مسترشدين. وفي إِيَّاكَ نَعْبُدُ إشارة إلى الشرط الأول، وإلى الشرط الثاني في إياكَ نستعين، وإلى الثالث في اهْدِنَا الصِّرَاط. فطوبى للذين جمعوا هذه الثلاث ورجعوا إلى ربهم كاملين وتأدبوا مع ربهم بكل الأدب، وسلكوا بكل شريطة غير قاصرين فأولئك الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، ودخلوا حظيرة القدس آمنين. ولما كانت هذه الشرائط أهم الأمور للذي قصد سبل النور، جعلها الله الحكيم من أجزاء الدعاء، ليتدبر السالك كالعقلاء، وليستبين سبيل الخائنين.
وهذا آخر ما أردنا في هذا الكتاب بفضل رب الأرباب، والحمد الله رب العالمين. والسلام على سيدنا ورسولنا محمد خاتم النبيين. رَبِّ أَمْطر مطر السوء على مكذبيه((رَبِّ أَمْطر مطر السوء على مكذبيه)) واجعلنا من المنصورين. آمين.((آمين)).
إتمام الحجة على المكفرين من العلماء والمشايخ كلهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.. فإني قد سمعت أنكم أيها الإخوان كفرتموني وكذبتموني وحسبتموني مفتريا، وناضلتموني حتى تثلت الكنائن، وتبين الحق وظهر الأمر الكائن، ولكن ما ركدت زعازعكم، وما أخذتكم هيبة الحق، بل جُزْتم عن القصد جدا، وحسبتم الحق شيئا إدا، وكنتم على قولكم من المصرين.
فلما ارتبتم في أمري وصرتم قرين الخناس، ونجي الوسواس، توجست ما هجس في أفكاركم، وفطنت لما بطن من استنكاركم، فصنفت كتبا قد حسن ترتيبها، وصفف فوج تعاجيبها، وجمعت على التحقيق صفاء الدرّ، وسَكَرَ الرحيق، وقنوء العقيق، وكان فيها إزعاج أوهام المتوهمين وعلاج نزغات الشياطين، وإصلاح نزوات المفسدين وبيان إعنات الباغين ومعاناة الطاغين، ومعاداة العادين وحيل المحتالين، وسطوة الجائرين، وكيد الكائدين، مع كثير من الدلائل والبراهين. وكانت أسماؤها : (١)"فتح الإسلام"،(٢) و "توضيح المرام"، (۳) و"إزالة الأوهام"، (4) و "مرآة كمالات الإسلام".
ولكنكم ما رأيتم وتعاميتم وكفرتم داعي الله وعصيتم، وكنتم قوما عادين وأصررتم على إنكاركم حتى انتهى أمركم إلى تكفير المسلمين ولعن المؤمنين، وكذبتم أسرارًا لم تحيطوا بها،(( وكذبتم أسرارًا لم تحيطوا بها، وكذبتم أسرارًا لم تحيطوا بها))وعنفتموني على ما لم تعلموا حقيقته وكنتم تضحكون علي مرتاحين. وكم من دلو أدليتها إلى أنهاركم، لعلي أجد قطرة من علمكم وأخباركم، ولكنها لم ترجع بلة، ولم تحتلب نَقْعَ غُلة، وما زادني سولي منكم غير يأس وقنوط ودُرَحْمين. فاسترجعت على انقراض العلم ودروسه، وأفول أقماره وشموسه وذرفت عيناي على حال قوم فيه تلك العلماء الذين هم معروق العظم والمبعدون من أسرار الدين. ومع ذلك وجدت كل واحد منكم سادرًا في غلوائه، وسادلاً ثوب خيلائه، ومفارقًا من أرجاء حيائه، ومن أكابر المفسدين. فلما انسرت جلباب خَفْركم، وأماطت جذبات النفس خضراء قفركم، وتواترت ريحُ دَفْرِكم، فهمتُ أن النصح لا يأخذ فيكم، ولا ينفعكم قول ناصح كما لا ينفع المتمردين. فتأوّهت آهة الثكلان، وعيناي تهملان، ودعوت الله أيامًا، سُجَّدًا وقيامًا، وخررت أمام حضرته واستطرحت بين يديه، مبتغيا إليه أذيال وسيلته، ورفعت صرخي كعقيرة المتألمين. فرأى الله برحائي، واعتداء أعدائي، وقلة أخلائي، وبشرني بفتوحات وآيات وكرامات،(( فرأى الله برحائي، واعتداء أعدائي، وقلة أخلائي، وبشرني بفتوحات وآيات وكرامات)) ومَنَّ عليَّ بتأييده المبين. فمنها ما وعدني ربي في عشيرتي الأقربين أنهم كانوا يكذبون بآيات الله وكانوا بها يستهزئون، ويكفرون بالله ورسوله، وقالوا لا حاجة لنا إلى الله ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله خاتم النبيين. وقالوا لا نتقبل آية حتى يرينا الله آية في أنفسنا، وإنا لا نؤمن بالفرقان، ولا نعلم ما الرسالة وما الإيمان، وإنا من الكافرين فدعوت ربي بالتضرع والابتهال، ومددت إليه أيدي السؤال، فألهمني ربي وقال سأريهم آية من أنفسهم، وأخبرني وقال إنني سأجعل بنتا من بناتهم آية لهم، فسماها وقال إنها ستجعل تيبةً، ويموت بعلها وأبوها إلى ثلاث سنة من يوم النكاح، ثم نردها إليك بعد موتهما، ولا يكون أحدهما من العاصمين. وقال إنا رادوها إليك، لا تبديل لكلمات الله، إن ربك فعال لما يريد. فقد ظهر أحد وعديه، ومات أبوها في وقت موعود فكونوا لوعده الآخر من المنتظرين فتأملوا في هذا تأمل المنتقد، وانظروا بالمصباح المتقد، هل هو فعل الله تعالى أو كيد المفترين؟
وانظروا بالمصباح المتقد، هل هو فعل الله تعالى أو كيد المفترين؟ وهل يجوز أن يستجيب الله دعاء ملحد كافر كما يستجيب دعاء المقبولين؟ وكيف يخفى أمر رجل يُميتُ الله لأجل إعزازه وإجلاله رجلين، ويجعله في أنبائه الغيبية من الصادقين؟ إن الله لا يُظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول الذي أرسله لإصلاح الخلق في زي الأنبياء والمحدثين.
الحمدلله_الحمدلله وحده_الحمدلله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من انبياء عهده و بعد،يتابع المسيح الموعود عليه الصلاة و السلام،فيقول: ومنها ما وعدني ربي واستجاب دعائي في رجل مفسد عدو الله ورسوله المسمى ليكهرام الفشاوري، وأخبرني أنه من الهالكين. إنه كان يسب نبي الله ويتكلم في شأنه بكلمات خبيثة، فدعوت عليه، فبشرني ربي بموته في ست سنة، إن في ذلك لآية للطالبين.
ومنها ما وعدني ربي إذ جادلني رجل من المتنصرين الذي اسمه عبد الله أتهم العنبرسري، إنه كان أراد أن يشد جبائر الحيل على دين النصارى، ويواري سَوْءَتَه، فصال على الإسلام وكان من المتشددين. وباحثني في حلقة مختصة بالأنام، مختصة بالزحام، وزخرف مكائده لإرضاء الكافرين فثنيتُ إليه عناني، وأبثثته من معارف بياني، وجعلته من المفحمين. فما وجم من : قلة الحياء، وكان يجمع في جهلاته ويسدر في الغلواء وامتدت المباحثة إلى نصف الشهر، وكنا نغدو إليه بعد صلاة الفجر، ونرجع في وقت الهجير عند اشتداد حرّ الظهيرة، وتركنا الاستراحة كالمجاهدين. فبينما أنا في فكر لأجل ظفر الإسلام وإفحام اللئام، فإذا بشرني ربي بعد دعوتي بموته إلى خمسة عشر أشهر من يوم خاتمة البحث، فاستيقظت وكنت من المطمئنين ثم جئناه واجتمعت الحلقة، وحضر الخاص والعام، وأحضرت الدواة والأقلام، فما لبثت أن قعدت وأنبأتُ من كل ما أخبرت من رب الأرباب وأمليته في الكتاب، ثم ارتحلت من دار غربتي، وحسبت ذلك البحث أفضل قُربتي، وحسبت ذلك النبأ نعمة من نعماء رب العالمين. فتفكروا عافاكم الله ولا تعجلوا في تكفيري، ولا تسبوا ولا تقذفوا، وإن كنتم في شك فانتظروا هذه الأنباء المذكورة، فإنها معيار لصدقي وكذبي. وإن لم تنتهوا فقد تمت عليكم حجة الله وحجتي، ولن تضروني شيئا،((ولن تضروني شيئا،ولن تضروني شيئا)) وستسألون عند مالك يوم الدين. وإن تتوبوا وتتقوا فالله لا يضيع أجر المحسنين.
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ ، الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. والصلاة والسلام على سيد ولد آدم سيد الرسل والأنبياء، أصفى الأصفياء، محمد خاتم النبيين، وآله وأصحابه أجمعين. أما بعد.. فيقول العبد الضعيف المفتقر إلى الله القوي الأمين، نور الدين.. عصمه الله من الآفات، وأدخله في زمرة الآمنين، وجعله كاسمه: نور الدين.. إني قد كنتُ لهجتُ مُذ رأيت المفاسد من أهل الزمان، وشاهدت تغير الأديان، أن أرزق رؤية رجل يجدد هذا الدين، ويرجم الشياطين. وكنت أرجو هذه المنية لأن الله قد بشر المؤمنين في كتاب مبين، وقال وهو أصدق القائلين: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذين آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ إلى آخر ما قال رب العالمين. وكذا قال الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وهو الصدوق الأمين صلى الله عليه وسلم : "إن الله يبعث في هذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها"، "إن الله يبعث في هذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها"، فكنتُ لرحمته من المنتظرين. فكنتُ لرحمته من المنتظرين. فقصدت لهذه البغية بيت الله مهبط أنوار الحق واليقين، فكنتُ أجوب البراري، وأقطع الصحاري، وأستقري عبدا من العباد الربانيين.
فتوسمت في البقعة المباركة المكرمة (( في مكة المكرمة يعني )) شيخي الشيخ السيد حسين المهاجر الورع الزاهد التقي، وشيخي الشيخ محمد الخزرجي الأنصاري، وفي طابة الطيبة (( اي المدينة المنورة )) تشرفت بلقاء شيخي وسيدي ومولائي الشيخ عبد الغني المجددي الأحمدي، وكلهم كانوا، كما أظن، من المتقين، جزاهم الله عني أحسن الجزاء، آمين يا رب العالمين. وهؤلاء الشيوخ رحمهم الله - كانوا على أعلى المراتب من التقوى والعلم، ولكن لم يكونوا على أعداء الدين من القائمين، ولا لشبهاتهم مستأصلين، بل في الزوايا متعبدين، وبمناجاة ربهم متخلين.
وما رأيت في العلماء من توجّه إلى دعوة النصارى، والآرية والبراهمة، والدهرية والفلاسفة والمعتزلة، وأمثالهم من الفرق المضلين. بل رأيتُ في الهند ما ينيف على تسع مئة ألف من الطلبة رفضوا العلوم الدينية، واختاروا عليها العلوم الإنكليزية، والألسنة الأوربية، واتخذوا بطانة من دون المؤمنين، وأزيد من ستين ألف ألف رسالة طبعت في مقابلة الإسلام والمسلمين. هذه المصيبة، وعليها نسمع المشائخ وأتباعهم أنهم يقولون إن الدعوة والمناظرات خلاف ديدن أهل الكمال وأصحاب اليقين وعلماؤنا.. إلا من شاء الله.. ما يعلمون ما يُفعل بالدين وأهل الدين،و المتكلمون منتهى تدقيقاتهم مسألة إمكان كذب البارئ - نعوذ بالله-وامتناعه لا لتبكيت الكافرين ورد مكائد المعاندين. ومع هذه الشكوى، فنشكر مساعي الشيخ الأجل وأستاذي الأكمل رحمة الله الهندي المكي، والدكتور وزیر خان، رحمهما الله تعالى والسيد الإمام أبي المنصور الدهلوي، والزكي الفطن السيد محمد على الكانفوري، والسيد اللبيب مصنف "تنزيه القرآن"، وأمثالهم سلمهم الله، فشكر الله سعيهم وهو خير الشاكرين. لكن جهادهم مع شعبة واحدة من مخالفي الإسلام، ثم ما كان بالآيات السماوية والبشارات الإلهية.
وكنت حريصاً على رؤية رَجُلٍ .. أي رجل واحد من أفراد الدهر قائم في المضمار لتأييد الدين وإفحام المخاصمين. وكنت حريصاً على رؤية رَجُلٍ .. أي رجل واحد من أفراد الدهر قائم في المضمار لتأييد الدين وإفحام المخاصمين. فرجعت إلى الوطن (( اي الهند يعني )) وأنا كالهائم الولهان أخبط ورق نهاري بعصا تسياري، ومن المتعطشين الطالبين.
فبينما أنتظر النداء من الصادقين.. إذ جاءتني بشارة من جناب السيد الأجل، والعالم الحبر الأبل، مجدد المئة، ومهدي الزمان، ومسيح الدوران، مؤلف "البراهين". (( اي البراهين الاحمدية وهو المسيح الموعود غلام أحمد عليه الصلاة والسلام )) فبينما أنتظر النداء من الصادقين.. إذ جاءتني بشارة من جناب السيد الأجل، والعالم الحبر الأبل، مجدد المئة، ومهدي الزمان، ومسيح الدوران، مؤلف "البراهين". فجئته لأنظر حقيقة الحال، فجئته لأنظر حقيقة الحال، فتفرست أنه هو الموعود الحكم العدل، فتفرست أنه هو الموعود الحكم العدل، وأنه الذي انتدبه الله لتجديد الدين، وأنه الذي انتدبه الله لتجديد الدين، فقال لبيك يا إله العالمين. (( اي المسيح الموعود قال : لبيك يا إله العالمين. )) فسجدت لله شكرا على هذه المنة العظيمة، فسجدت لله شكرا على هذه المنة العظيمة، لك الحمد والشكر والنعمة يا أرحم الراحمين.
يقول نور الدين : ثم اخترت محبته واستحسنت بيعته، ثم اخترت محبته واستحسنت بيعته، حتى غمرتني رأفته، وغشيتني مودته، وصرت في حبه من المشغوفين. فآثرته على طارفي وتالدي، بل على نفسي وأهلي ووالدي وأعزتي الأقربين. أصبى قلبي علمه وعرفانه، فشكرًا لمن أتاح لي لقيانه. ومن سعادة جدي الصادقين أني آثرته على العالمين، فشمّرت في خدمته تشمير من لا يألو في ميدان من الميادين، فالحمد لله فالحمد لله فالحمد لله الذي أحسن إلي وهو خير المحسنين.
الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده وبعد : يتابع المسيح الموعود عليه السلام فيُدرج رسالة من الصحابي محمد سعيد الشامي فيقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي أطلع شموس الهداية في قلوب أهل العرفان، وأطمع نفوس أهل الغواية في ورود منهل الغفران، وأنبع ينابيع المكارم ليرد على زلالها كل ظمآن، ورفع منابر التقديس والتحميد وخفض أعلام البهتان والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان سيدنا ونبينا محمد الذي أتى بالبيان، وعلى آله وأصحابه وأزواجه في كل وقت وأوان.
أما بعد.. فيقول أسير ذنبه وفقير عفو ربه المنان، محمد الطرابلسي الشامي الشهير بحميدان إنني لما دخلت الهند وبلدة قاديان، واجتمعت بحبرها بل وحبر جميع البلدان، مولانا وسيدنا الشيخ ميرزا غلام أحمد صاحب الوقت ومسيح الزمان، واطلعت على هذا الكتاب..(( اي كتاب كرامات الصادقين )) فإذا كتاب إذا ما لمحته استملحته، فإذا كتاب إذا ما لمحته استملحته، وإني أراه قد انتضى الحجج، وإني أراه قد انتضى الحجج، لإزعاج المخالفين وإفحام المخاصمين ذوي العوج، أعطى كل ذي سهم سهمه، وما أخطأ سهمه. يدعو الضالين إلى الصلاح، وما يدع نكتة من لوازم الفلاح، وجب على المسلمين إطاعة أمره، وجب على المسلمين إطاعة أمره، وقد أشرب قلبي أنه من الصادقين، وقد أشرب قلبي أنه من الصادقين، والله حسيب، وهو يعلم سر الناس وجهرهم، ويعلم ما في السماوات والأرضين، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
ثم يتابع المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام فيذكر رؤيا رأها محمد سعيد الشامي هذا في هذا الكتاب يقول المسيح الموعود ناقلا عن محمد سعيد الشامي فيقول : رؤيا غريبة .
يقول : اعلموا أني قمت في عجز الليل (( اي في اخر الليل )) على العادة لصلاة الفجر، اعلموا أني قمت في عجز الليل على العادة لصلاة الفجر، ثم بعد أدائها غلبتني عيني بالنوم، (( اي رأى تلك الرؤيا في الضحى )) فرأيتُ كأن مرشدنا – رحمه الله تعالى (( اي غلام أحمد عليه الصلاة والسلام )) قد صنع طعامًا كثيرا فاخرا، ودعا إليه جما غفيرا من الخلق، من بلاد مختلفة عربا وعجمًا، ثم بسط سُفَرًا وموائد عديدة، وجلس عليها أولئك القوم.. عشرة عشرة .. وأنا معهم في أخراهم، فأكلوا وقاموا وبقيت منفردا. فداخلني الخجل وقمت غير شبع. فنظرت عن يميني مكانا مملوءاً من المرق، فصرتُ أغُبُ منه حتى اكتفيت. ثم انتهيت مكانا مملوءا من المرق، فصرتُ أغب منه حتى اكتفيت. ثم انتهيت وانتهى الناس إلى مكان المذكور، (( اي غلام أحمد )) وقد فرش بأنواع الفرش النفيسة، فجلسوا بحسب مراتبهم، وفيهم العلماء والأمراء وغيرهم. فقام رجل منهم يعظ الناس على طريقة الفقهاء الحنفية، وكأنه نسب قولا إلى الأولياء.. فقال أحد أهل المحفل: "لعن الله آباء الأولياء إن كانوا يقولون بهذا". فقلت: لا.. بل أباك، لم تكذب أولياء الله. وجرى ذكر الإمام الجوهري فسبه رجل منهم، فغضبت عليه وقلت: أتشتم إمام الدنيا في اللغات العربية ولا تخاف من الله تعالى؟" ورأيت كأن المذكور - أيده الله تعالى - قد أخذ بيدي، (( اي ام المسيح الموعود اخذ بيد محمد سعيد الشامي )) ورأيت كأن المذكور - أيده الله تعالى - قد أخذ بيدي، وسلك بي منفردا طريقا مستقيما محفوفا بالأزهار والأشجار، وقال لي: إني قد أردت الإقامة إما في الشام أو في أمرتسر، فما رأيك في هذا؟ فقلت له: إن رأيي أن تقيم في الشام، فإنها أرض الله ومعقل المسلمين، وبها تتأهل وتبني لك بيتا، وتتخذ بستانًا وأرضا، وإن أقمت معي في مكاني حيث ذكرت لك فإنه أحسن، وأتكفّل لك بجميع ذلك. فقال لي: إن شاء الله أفعل ما أشرت به. فقال لي: إن شاء الله أفعل ما أشرت به. ورأيت كأن قد جيء برجل مديد القامة، أصهب الوجه واللحية، (( يعني رجل أوربي يعني )) في ثياب رثة وهيئة قبيحة كأنه يراد قتله. ثم هببت من رقدتي متعجبا من ذلك وأظنه خيرا وإقبالا للمذكور وأمنا له من نوائب الزمان. هذا ما رأيته وعبرته، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب .
السيد محمد سعيد الشامي .
استشراف التاريخ.m4a
12:22 ص
لقد أرسلت
أحداث الساحل السوري ضد العلويين أسقطت عصابات الوهابية أخلاقيا عند من كانوا يتلمسون العذر لهم او كان عندهم شك . الان انكشفت الاقنعة و لم يعد الجولاني النجس فتنة للشباب . مظلوم عبدي هو الفخ الذي نصبه القدر للجولاني كما اخبرك الله
اليوم، الساعة 3:44 ص
3:44 ص
خادم يوسف
Hazeem Ahmade
شايف يا نبي الله وانت عارف حال هذه الجماعة بنبيها يوسف بن المسيح وصحابته ، انت شايف ارشيف تحقق النبوءات في هذه الجماعة ، اليوم اللي شفت فيه سقوط نظام بشار الاسد كان العالم كله في غفلة عن ذلك الامر ، قبل السقوط بشهرين ثلاثة تحرك قلبي للدعاء عليه وعلى نظامه فكنت ادعوا عليه في كل خطوة اخطوها للعمل ، حتى يوم الرؤى المتواترة عن سقوط هذا الطاغية كنت اراها لكنني كنت اتوقع تحققها بعد سنوات عديدة هكذا لكني تعلمت التدوين وتوثيق الرؤى كلها وارسالها للنبي وهكذا الصحابة والاخوة اليوسفيين ، من كم سنة سألني اخي وبعدين متى ينقلع هذا النظام فقلت له في اليوم الذي ييئس فيه الناس سوف يتحقق الامر ، لا نعلم الماهية لكن نبوءة الله تحققت في وقت قريب جدا جعلتنا مشدوهين حقا الهنا اله حي ، هذه ليست ايقونة واحدة او نموذج واحد انما هو مثال فقط من ارشيف طويل مليء بتحقق النبوءات ، وبعد ان تمت النبوءة تلقيت رؤيا عن حملة نزوح قوية على لبنان من جديد لكن متى تلقيتها ، لقد تلقيتها في يوم كانت الناس تنزل افواجا الى سوريا .. اليوم العالم فرحان بهذا الاتفاق اللي تم بين مظلوم عبدي والجولاني لكن كان لله رأي آخر اخبرنا به انما العالم يراه غريب لكنه سيحدث كما تعودنا ، ولقد تذكرت مشهد اخر من رؤيا الاغتيال نفسها ان هناك هاتف يرن مكتوب عليه " الكرد " واتذكر ذلك جيدا ، كنت ارى رؤى مبهمة متشابكة عن الكرد ومظلوم عبدي كنت استفهم في قلبي من الله ان يوضحها حتى اجيد كتابتها حتى تلقيت اوضح رؤيا اخرها رؤيا السيف الخشبي .هذا ولله الحمد والمنة ،
خادم يوسف
Hazeem Ahmade
حقيقة لقد ارانا الله وجهه في هذا الزمان ولقد تكلم كثيرا سمعناه عرفناه او بالاصح تعرفنا عليه وضحت الصورة لنا بعض الشيء وبالمسيح الموعود وضحت الرؤيا واشرقت الشمس ، بالمسيح الموعود فهمنا حقيقة زماننا وعرفنا يوسف بن المسيح فقط كان الامر يلزم التواضع والاستماع بصمت والصبر وحسن الظن بهذه الموارد تنمو شجرة الايمان لان البذرة قد تضيع ان لم تتعرض للسقيا والضوء والشمس وغيرها من مقومات الحياة ، هكذا اطمئنت قلوبنا بينما العالم يتخبط ويتيه في صحراء القحط الروحي ، استأنست هذه الجماعة بالله ، حقيقة اطمئنت لله لم تكن هذه الجماعة لتتوقع انبلاج نور الله بهذا الوضوح ببركة نبيها يوسف بن المسيح وابيه وحبيبه المسيح الموعود، شي عظيم ، تعالوا اطمئنوا لربكم ، تعالوا ارتاحوا على عتبات الهكم ، تعالوا اعرفوا الهكم لتعبدوه وتكلموه فيكلمكم وتحبوه فيحبكم ، الامر بسيط جدا اتبعوا انبياء عهد محمد ، لن تشبعكم الحكايات والروايات والقصص البالية والفتات ، تعالوا انهلوا من وحي الله ونور الله ، تعالوا اطمئنوا لله واستكينوا له .
اليوم، الساعة 12:48 م
12:48 م
لقد أرسلت
نعم أحسنت
==================================================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق