يوشع بن نون :
صلاة الجمعة ٢٠٢١/٢/١٢
================
صلاة الجمعة لخليفة المسيح الموعود السادس سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام بتاريخ ٢٠٢٠١/٢/١٢
يقول سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته . أذان .
قام بلال اليوسفيين برفع الأذان :
الله اكبر الله اكبر
الله اكبر الله اكبر
اشهد ان لا اله الا الله
اشهد ان لا اله الا الله
اشهد ان محمدا رسول الله
اشهد ان محمدا رسول الله
حى على الصلاة
حى على الصلاة
حى على الفلاح
حى على الفلاح
الله اكبر الله اكبر
لا اله الا الله
ثم قام سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام خطيبا فقال : الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد : لدينا اليوم إكمال لحديث المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام من كتاب نور الحق يقول الإمام المهدي الحبيب : " وأما العقيدة المشهورة.. أعني قول بعض العلماء أن المسيح الموعود ينـزل من السماء ويقاتل الكفار ولا يقبل الجزية بل إما القتل وإما الإسلام.. فاعلموا أنها باطلة ومملوءة من أنواع الخطأ والزلّة ومن أمور تخالف نصوص القرآن، وما هي إلا تلبيسات المفترين. يا حسرة عليهم! إنهم أَطْرَأُوا عيسى مِن غير حق حتى قال بعضهم إنه ملَك كريم وليس من نوع الإنسان! وقال بعضهم إن هو إلا كلمة الله وروح الله، وليس في هذه المرتبة شريكا له. وزاد بعضهم عليه حواشي أخرى، وقال هو مخلوق أقرب إلى الله وأفضل من الملائكة، فإن الملائكة لا يُرفَعون إلى العرش وهو مرفوع على العرش لأنه مرفوع إلى الله، فهو أفضل من الملائكة كلهم ومن كل ما خُلِقَ وذُرِئَ. هذا بيان بعض العلماء، وأما صاحب "الإنسان الكامل" عبدُ الكريم الذي هو من المتصوفين،((( صاحب الكتاب الكامل أو الإنسان الكامل هو كتاب الذي ألفه عبد الكريم السايلكوتي رحمه الله ورضي عنه , آمين ))) يقول الإمام المهدي الحبيب : " وأما صاحب "الإنسان الكامل" عبدُ الكريم الذي هو من المتصوفين، فبلّغ الأمرَ إلى النهاية، وقال إن التثليث بمعنى حق ولا حرج فيه، وإن عيسى كذا وكذا، بل أشار إلى أنه ليس بمخلوق. ومنهم من اعتدى في كذبه وقال: بسم الله الآب والابن وروح القدس. كذلك أيّدوا الفِرْية ونصروها. وكان الكذب في أول الأمر قليلا، ثم من جاء بعد كاذبٍ ألحقَ بكذبه كذبا آخر، حتى ارتفعت عمارة الكذب، وجُعل ابنُ عجوزةٍ ابنَ الله، وبعد ذلك جُعل إلهَ العالمين، ألا لعنة الله على الكاذبين. إنْ عيسى إلا نبي الله كأنبياء آخرين، وإنْ هو إلا خادم شريعة النبي المعصوم الذي حرّم الله عليه المراضع حتى أقبلَ على ثدي أُمّه، وكلّمه ربُّه على طور سينين وجعله من المحبوبين. هذا هو موسى عليه السلام فتَى الله، الذي أشار الله في كتابه إلى حياته، وفرض علينا أن نؤمن بأنه حيٌّ في السماء ولم يمت وليس من الميتين.
يقول المهدي الحبيب في الحاشية : " كلّم اللهُ موسى على جبل وكلّم الشيطانُ عيسى على جبل، فانظر الفرق بينهما إن كنت من الناظرين."
((( قال الإمام المهدي : " وأما صاحب "الإنسان الكامل" عبدُ الكريم الذي هو من المتصوفين، فبلّغ الأمرَ إلى النهاية، وقال إن التثليث بمعنى حق ولا حرج فيه، وإن عيسى كذا وكذا، بل أشار إلى أنه ليس بمخلوق." هو رجل آخر غير عبد الكريم السيالكوتي وقد أخطأت في ذكر أنه عبد الكريم السيالكوتي )))
يقول الإمام المهدي الحبيب : " وأما نـزول عيسى من السماء فقد أثبتنا بطلانه في كتابنا "الحمامة"، ((( اي حمامة البشرى ))) وخلاصته أنّا لا نجد في القرآن شيئا في هذا الباب من غير خبر وفاته الذي نجدها في مقامات كثيرة من الفرقان الحميد. نعَمْ جاء لفظ النـزول في بعض الأحاديث، ولكنه لفظ قد كثر استعماله في لسان العرب على نـزول المسافرين إذا نـزلوا من بلدة ببلدة أو من مُلك بملك متغربين. والنـزيل هو المسافر كما لا يخفى على العالمين.
وأما لفظ التوفي الذي يوجد في القرآن في حق المسيح وغيره من بني آدم فلا سبيل فيه إلى تآويل أخرى بغير الإماتة، وأخذنا معناه من النبي ومن أجلّ الصحابة لا مِن عند أنفسنا. وأنت تعلم أن الإماتة أمر ثابت دائم داخل في سنن الله القديمة، وما من رسول إلا تُوُفّي وقد خلتْ من قبل عيسى الرسلُ. فإذا تعارض لفظ التوفي ولفظ النـزول.. فإن سلّمنا وفرضنا صحة الحديث فلا بد لنا أن نؤوّل لفظ النـزول، فإنه ليس بموضوع لنـزول رجل من السماء، بل وُضع لنـزول مسافر من أرض بأرض، فما كان لنا أن نترك معنى وُضع له هذا اللفظ في لسان العرب ونردّ بيناتِ القرآن. وما نجد ذكر السماء في حديث صحيح، وما نجد نظير النـزول في أمم أولى ((( يقول الإمام المهدي : " قال الله تعالى: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)، ولكنا لا نجد ذكر صعود عيسى وذكر نـزوله في التوراة، ولا مثالا يُشابهه. وإن التوراة إمامٌ لِذِكر الأمثلة كلها، ولأجل ذلك سماه الله إمامًا في كتاب مبين. "
يقول الإمام المهدي : " بل يثبت خلافه في قصة يوحنا. فلا شك أن هذه العقيدة.. أعني عقيدة نـزول المسيح من السماء.. مبتلاة بأمراض لا بمرض واحد يخالف بينات القرآن، ويكذّب أمر ختم النبوة، ويباين محاورات القوم، ويخالف الآثار التي صرحت فيها موت المسيح. فتَفكّروا أيها الناس إن كنتم من المتفكرين.
وأما الشق الثاني.. أعني محاربات المسيح الموعود بعد النـزول، كما هو زعم بعض الناس الذي ما كان إلا كالغبي الجهول، فهو ليس مذهبنا، بل عندنا هو خيال باطل لا يصلح للقبول، وبعيد عن الحق واليقين وداخلٌ في نمط الفضول. وكفى لبطلانه الحديثُ الذي موجود في البخاري.. أعني "يضع الحربَ"، يعني لا يقاتل المسيحُ الموعود ولا يحارب، بل يفعل كل ما يفعل بالنظر والهمة، ويجعل اللهُ في نظره تأثيرات عجيبة، وفي أنفاسه بركات غريبة، ويجعل في فهمه وعقله قوة السيف والسنان، ويعطي له بيانا مملُوًّا من البرهان، وحججًا قاطعة لِعُذْرات أهل الطغيان. فهذه هي الحربة السماوية التي ما صنعها أيدي الإنسان، بل أُعطيتْ من يد الله الرحمن، ونـزلت من السماء لا من أعمال أهل الأرضين.
فالحاصل أن اعتقادنا هو هذا، لا كما فهِم الواشي الغبيّ والنمّام الدنيّ، فإنه خطأٌ فاحش عندنا، ونخطّئ قائلَ تلك الأقوال، وقد أخطأ من قال ووقع في ضلال مبين. فالحق الذي أرانا الحقُّ الحكيمُ وأنبأنا اللطيف العليم، هو أن حربة المسيح الموعود سماوية لا أرضية، ومحارباته كلها بأنظار روحانية، لا بأسلحة جسمانية، وهو يقتل الأعداء بعقد النظر والهمة، أعني بتصرف الباطن وإتمام الحجة، لا بالسهام والرماح والمَشْرَفيّة، وله ملكوت السماء لا ملكوت الأرضين. وأما الذين ينتظرون مسيحا يأتي بالجنود ويخرج كالأسود، ويقتل كل من لم يؤمن من الكافرين، وينـزل كصاعقة محرقة من السماء، ولا يكون له شغل مِن غير سفك الدماء، ويكون حريصا على قتل نفس ولو كان خنـزيرا، ويأخذ السيف البتّار قبل أن يتمّ حجّته على المنكرين، فنحن لسنا منهم ولا نعرف ذلك المسيح ولا نعلم ولا ندري أثرا من تلك الأباطيل في كتاب الله المبين. فلا نقبل هذه العقيدة أبدًا، ولسنا من الذين يقرّون به مقلّدين كالعمين.
فالحاصل أنه ليس من عقائدنا، بل إنما هو من عقائد شيخ بطالوي صاحبِ "الإشاعة" مضلِّ الجماعة، أعني محمد حسين وأمثاله الذين هُمْ فُلاّح تلك الزراعة. فالملخص أن هذا المسلك من مساعيهم التي يسعون، وآرائهم التي ترون، وأنهم قد رسوا عليه وليسوا بالمنتهين الراجعين، بل يخبرون عنه على المنابر ويذكرونه مُتباشِرين. ومِن أعظم مُنْيتهم النفسانية أن يجيء مسيحهم الموهوم كالمليك الجبّار، ويقتل كلَّ من في الأرض من الكفار، ويجمع غنائم كثيرة قنطارا على القنطار، ثم يجعل البطالويَّ وإخوانه من المتمولين. وأما نحن فلا نعتقد كذلك، بل نعلم أنهم أخطأوا في هذه الآراء، وأجنّهم الليل وبعدوا عن الضياء، فما فهموا وما مسّوا مسلك المتبصرين، وما سُقوا من المعارف النبوية والأسرار الإلهية، بل أكلوا فُضلاتِ قومٍ ضلوا من قبل ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ورضوا بأقوال الختّارين.
وكان سرّ هذه العقيدة من أدقّ المسائل وأصعبها، فما فهِمه آراءٌ سطحية وعقول ناقصة، واختاروا طرقًا دون ذلك مستعجلين. فتمَّ ما جاء في "فَيْجٍ أعوَجَ" مِن أصدقِ الصادقين، وإن في هذا برهانا للمتفكرين. ثم تفضّلَ الله علينا وكشف هذا السر فضلا ورحما وهو أرحم الراحمين. يرقّي من يشاء، ويحطّ من يشاء، ويجعل من يشاء من العارفين. وعلِمنا بتعليمه وفهِمنا بتفهيمه وأُيِّدْنا بتكريمه وهو خير المؤيّدين. وألهمَنا أن الحرب حرب روحاني بنظر روحاني. وأعجبني أنهم يقرّون أن عيسى لا يقاتل يأجوج ومأجوج، بل يدعو عليهم عند اشتداد المصائب وهجوم الأعداء كالسهم الصائب، وكذلك يقرأون لفظ النظر في كتب الأحاديث ثم ينسونه ولا يتدبرون كالعاقلين. ختم الله على قلوبهم، فلا يفهمون دقيقة من دقائق المعرفة، ولا نكتة من نكات الحكمة، بل نرى أن ذهنهم مزمهرّ، ودَجْنُه مكفهرّ، فلا يستشفّون لآلئَ الحقائق، ولا يُمعِنون في الدقائق، ويسبَحون على سطح الألفاظ، وليسوا في بحر المعاني غوّاصين. ومن يفهّم رجلاً ما فهّمه اللهُ؟! ومن لم يهده الله فكيف يكون من المهتدين؟!
ثم جلس سيدنا يوسف بن المسيح قليلا ثم تابع الخطبة فقال : الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد يقول الإمام المهدي الحبيب : " هذه هي العقيدة التي أشهرناها في كتبنا غير مرة، ولأجل ذلك كُفّرنا وأُوذينا وكُذّبنا وأُفْردنا كالذي يُترك في البوادي والفلوات منفردا، فنحن في هذه الأوان كغريب في خان، لا كشَغِبٍ في حماية إخوان. لا نريد الرياسة بل آثرنا الخصاصة، ونبذنا فروةَ إمارة، ورضينا بعباءةِ فقرٍ وما بالَيْنا طَعْنَ نظّارةٍ، ولا لومَ اللائمين. فلا تُبادِرْ يا لاهِسَ كأسِ قسيسين إلى ظن السوء، ولا تنفُضْ مِذْرَوَيْك، فإنّ أمرنا متبين واضح وليس شيء في يديك، ولست من الحاكمين. فإن كنت تشتاق أن تستقري طرق النميمة، فاعلم أنك خائب ولا يحصل لك شيء من غير ظهور سِيَرِك الذميمة، ولا تقدر أن تُخفي ما أبداه ربنا، ولا تضرّ مَن حفظه الله وهو خير الحافظين. فأَعرِضْ عنها واشتغِلْ بنضرة دنياك وخضرتها، واصطبِحْ واغتبِقْ وافرَحْ على جيفتها، ولا تدخُلْ فيما لستَ أهله، ولا تغضب ولا تشتعل، فإن مقت الله أكبر من مقتك، وإن ناره تحرق الظالمين.
والعجب أن أكابر المسيحيين خُدعوا فيك، وما عرفوك حق المعرفة إلى هذا الوقت، وعجزوا عن فَضِّ سرِّك وكشفِ دعواك وإدراكِ عمقك، وأكلتَهم كالخادعين. يا حسرة عليهم! لِم يضيّعون أموالهم على أمثالك، ولم لا يرجعون إلى اليقظة بعد التجارب المؤلمة، ولم لا يعرفون البطّالين؟
وأما قولك أن قسّيسي هذا الزمان ليسوا دجّالاً معهودًا، فهذا دجلك الأكبر. وسألت عني دليلا عليه فاعلم أن هذا ليس قولي بل قاله المسيح من قبلي، فانظر في إنجيل لوقا في الإصحاح الثالث من آية 24 إلى 30، فستجد ما قلنا بمزاياه وهو هذا يا عدو الطيبين:
"فقال لهم اجتهِدوا أن تدخلوا من الباب الضيق، فإني أقول لكم إن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون مِن بعدما يكون رب البيت قد قام وأغلق البابَ. وابتدأتم تقِفون خارجا وتقرعون الباب قائلين: يا رب، يا رب، افتحْ لنا. يجيب ويقول لكم: لا أعرفكم مِن أين أنتم. حينئذ تبتدئون تقولون: أكَلْنا قدّامك، وعلّمتَ في شوارعنا. فيقول: أقول لكم لا أعرفكم من أين أنتم، تباعَدوا عني يا جميع فاعلي الظلم. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. متى رأيتم إبراهيم وإسحاق ويعقوب وجميع الأنبياء في ملكوت الله وأنتم مطروحون خارجا ويأتون من المشارق والمغارب ومن الشمال ومن الجنوب ويتّكئون في ملكوت الله، وهو ذا آخرون يكونون أولين، وأولون يكونون آخرين".
يقول الإمام المهدي : " هذا ما كتبنا من كتابكم إنجيل لوقا بعبارته العربية، وما زدنا وما نقصنا بل رقمنا كما هو هو كالناقلين. وللمستنكرين المستعرفين أن يرجعوا إلى ذلك الكتاب إن كانوا من المرتابين.
فلا تضرِبْ عنه صفحًا ولا يلفَحْك الحقدُ لفحًا، وفكِّرْ كالمنصفين. وانظر أن المسيح سماكم في هذه الآية "فاعلي الظلم"، وقال أُعرِض عنكم في يوم القيامة وأتصدى بالصدود وأقول لستم مني ولا من هذا الجنود، فاخسأوا يا معشر الظالمين الكافرين. وأشار إلى أنكم لبَستم الحق بالباطل وتركتم أمره وكنتم قومًا دجّالين. وأنت تعلم أن حقيقة الظلم وضعُ الشيء في غير موضعه عمدًا وبالإرادة لينتقب وجهُ المحجّة ويُسَدّ طريق الاستفادة ويلتبس الأمر على السالكين. فالظالم هو الذي يحلّ محلّ المحرّفين ويبدّل العبارات كالخائنين، ويجترئ على الزيادة في موضع التقليل والتقليل في موضع الزيادة كَيْفًا وكَمًّا، أو ينقل الكلمات من معنى إلى معنى ظلمًا وزورًا مِن غير وجودِ قرينة صارفة إليه، ثم يأخذ يدعو الناسَ إلى مفترياته كالخادعين. وما معنى الدجل والدجالة إلا هذا، فليفكّر من كان من المفكّرين.
وأُلقِيَ في روعي أن المسيح سمى الآخرين من النصارى الدجالين لا الأولين، وإن كان الأولون أيضا داخلين في الضالّين المحرّفين. والسر في ذلك أن الأولين ما كانوا مجتهدين ساعين لإضلال الخَلق كمثل الآخرين، بل ما كانوا عليها قادرين. وكانوا كرجل مصفَّد في السلاسل ومقرَّن في الحبال وكالمسجونين. وأما الذين جاءوا بعدهم في زماننا هذا ففاقوا أسلافهم في الدجل والكذب، ووضَع الله عنهم أياصرهم وأغلالهم، ونجّاهم عن السلاسل التي كانت في أرجلهم ابتلاءً من عنده، وكان قدرًا مقضيًّا من رب العالمين. وكان قدرُ الله أن يبرزوا بعد ألف سنة من الهجرة حتى ظهروا في هذه الأيام كغُولٍ خُلِّصَ وأُخرِجَ من السجن، ثم استوى على راحلته لاويًا إلى زافرته وحزبٍ خُلقوا على شاكلته، وكانوا لقبوله مستعدّين. ثم أشاعوا كيف شاءوا من أنواع الكفر وأصناف الوسواس وكانوا قوما متموّلين. وهذا هو الذي كُتِبَ في الصحف الأولى.. أن الثعبان الذي هو الدجال يلبث في السجن إلى ألف سنة ثم يخرج بفوج من الشياطين، فليتذكر من كان من المتذكرين. كذلك خُلِّصوا بعد الألف وتناسَوا ذمام الله ونكثوا عهوده وأحفظوا ربهم مجترئين. وجمعوا كل جهدهم لإضلال الناس، واستجدّوا المكائد كالخنّاس، وجاءوا بسحر مبين. وأضاعوا التقوى والعمل الصالح، واتّكأوا على كَفّارة لا أصل لها، واتبعوا كل إثم واستعذبوا كل عذاب، وكذّبوا المقدسين. وتجنَّوا وقالوا نحن عباد المسيح وأحباؤه، وهيهات أن تُراجع الفاسقين مِقَةُ الصالحين. وقد سمعتَ آنفًا أن المسيح سماهم فاعلي الظلم، وسمعت أن الظلم والدجل شيء واحد، وقد قال الله تعالى: (آتَتْ أُكُلَها ولم تَظْلِمْ منه شيئًا)، أي لم تنقص، وإطلاق الظلم على النقص الذي كان في غير محله أو الزيادة التي ليست في موضعها أمرٌ شائع متعارف في القوم، وهذا هو الدجل كما لا يخفى على المتبصرين.
فلا شك أن قسّيسي هذا الزمان دجّالون كذّابون يُهلكون عوامّ الناس من نفثاتِ فيهم، وكلِّ نوعِ خداعٍ فيهم. الخَتْر يلمع من جبهتم، والتلبيس من صورتهم، ولا نجد في مكايدهم ودجلهم نظيرهم في تصاريف الزمان، ولا مثيلَهم في نوع الإنسان. يقتحمون الأخطار ليُضلّوا الديار، ويبذلون المال للذي رغب إلى دينهم ومال، وتجدهم في كل تلبيس وسيع المورد، وفي كل خداع مبسوط ((( أو مبسوطة ))) اليد، وتجدهم في كل كيد ماهرين. وكما أن المسيح يسميهم الدجالين فاعلي الظلم كذلك القرآن سماهم دجالين، وقال: (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) يعني لم لا تتجافون عن الاشتطاط في تحريف كلمات الله وأنتم تعلمون أن الصدق وسيلة الفلاح والكذب من آثار الطلاح؛ وفي التزام الحق نباهة وفي اختيار الزور عاهة، فإياكم وطرقَ الكذّابين. فأشار الله في هذا أن علماء النصارى هم الدجالون المفسدون أعداء الحق وأهله. نسوا ظلمة الرمس فلا يذكرون ما ثَمَّ، وحبُّ الشهوات فيهم عَمَّ وتَمَّ وغاب أثر الدين. وأُشرِبَ حسّي ونَبَّأَني حدسي أنهم لا يمتنعون ولا ينتهون حتى يروا مثلَ سننِ الله التي خلت من قبل، ويروا أبا غمرة، الذي يُضرِم في الأحشاء الجمرةَ، ويكونوا كجريحٍ نُوِّبَ متألمين.
فحاصل الكلام أنهم الدجال المعهود وأنا المسيح الموعود. وهذا فيصلة اتفق عليها القرآن والإنجيل، وأكّدها الرب الجليل، فما لكم لا تقبلون فيصلةً اتفق عليها حكمين عدلين ((( أو اتفق عليها حكمان عدلان ))). أتفرّون من الأمر الواضح وتَعرِضون عِرضكم للمفاضِح، وتُعرِضون عن نصاحة الناصح، وتسبّون مشتعلين؟ ما لكم لا تتنبهون على هذا ولا تخافون، ولا تدمع أجفانكم ولا يبدأ رجفانكم ولا تتوبون متندمين؟ ألا ترون أنكم أغربتم وشذذتم في هذه العقائد، وتركتم الأصل وتمايلتم على الزوائد، وخالفتم الأولين والآخرين؟ لِم لا تسمعون قول الداعي ولا تتبعون الراعي، بل تلدغون كالأفاعي، وتثِبون كالذئب الساعي، وتمشون صُمًّا بكمًا عميًا متكبرين مغرورين؟ وإنما مثلنا في دعوتكم كمثل الذي يحاور عجماءَ أو ينادي صخرةً صمّاءَ أو يكلّم الميّتين. يا حسرة وآهًا على هؤلاء المتنصرين! كيف يعرضون عن الحق الصريح، ويضطجعون ضِجْعةَ المستريح، ويتركون ذيل الصبيح المليح، ويميلون إلى الشنيع القبيح، ويأبون الله مغمطين. نبذوا أمره نَبْذَ الحذاء المرقّع، وكفروا بالكتاب الموقّع مجترئين.
وأقم الصلاة.
ثم قام بلال اليوسفيين بإقامة الصلاة وصلى نبي الله الجمعة ركعتين وقرء في الركعة الأولى سورة الفاتحة والوجه الثالث من سورة الحديد .
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ * إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ * ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ * صِرَ ٰطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ .
(یَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ یَسۡعَىٰ نُورُهُم بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَبِأَیۡمَـٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡیَوۡمَ جَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ یَوۡمَ یَقُولُ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَـٰفِقَـٰتُ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِیلَ ٱرۡجِعُوا۟ وَرَاۤءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُوا۟ نُورࣰاۖ فَضُرِبَ بَیۡنَهُم بِسُورࣲ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِیهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَـٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ یُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِیُّ حَتَّىٰ جَاۤءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ فَٱلۡیَوۡمَ لَا یُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡیَةࣱ وَلَا مِنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۚ مَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُۖ هِیَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ ۞ أَلَمۡ یَأۡنِ لِلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا یَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡ فَـٰسِقُونَ ٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یُحۡیِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ قَدۡ بَیَّنَّا لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ إِنَّ ٱلۡمُصَّدِّقِینَ وَٱلۡمُصَّدِّقَـٰتِ وَأَقۡرَضُوا۟ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰا یُضَـٰعَفُ لَهُمۡ وَلَهُمۡ أَجۡرࣱ كَرِیمࣱ)
وقرء في الركعة الثانية سورة الفاتحة وسورة العصر .
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ * إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ * ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ * صِرَ ٰطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ .
(بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ وَٱلۡعَصۡرِ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِی خُسۡرٍ إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلصَّبۡرِ)
ثم جمعَ صلاة العصر .
===============
والحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق