من حافة الموت ِ إلى قعر الحياة .
:
ملاحظةٌ لاحظتها في الأنماط السوسيولوجية للشعوب البشرية في تعاملاتها مع الحيوانات , يعلم كثيرٌ من
المؤمنين الأحمديين و غير الأحمديين أنّ الشعوب الأوروبية تحب الكلب لدرجة التقديس
. و التقديسُ هذا لا ينبري للظهور من وجدان تلك الشعوب إلا لشيءٍ لازال قديما في
الأزمان البعيدة يحافظ على حياتهم و استمراريتها . و هذه العلاقة الحية سجلتها أصابع البيولوجيا
على الشريط النووي في الخلية البشرية , نعلمُ أنّ الكلاب كانت هي حارسة الأمّة
المسيحية في قرون الكهف الثلاثة في سراديب الموتى و التي أبرزها لنا الخليفة
الثاني الحبيب , و صارت أوروبا بعدها كلها مسيحية لكنها لم تنس تلك العاطفة
المتقدة المليئة بالشكر و حمل الجميل و العرفان لجنس الكلب الذي كانوا يربطونه
بحبل على فوهة كل سرداب من السراديب , و فور نباح الكلب يقومون بإبعاد السلم الخشبي
عن فوهة السرداب نظرا لاقتراب الخطر القادم من الجند الروماني المباغت و المهاجم
لهم . ظلت تلك العلاقة متوهجة توهج النور دافئة دفء النار في أعماق الوجدان عبر
الزمان . تلك العلاقة التي جلبت لأصول الحضارة الأوروبية و أجدادها المسيحيين
الحياة و النجاة , فانطبع ذلك تلقائيا في سلوك الأوروبيين الذي نشهده تجاه الكلب و
هو حب و تعلق غريب قد تقشعر منه أجساد المسلمين اشمئزازا . و عندما تتخيل لحظات
يشعر فيها الإنسان بأنه ميت لا محالة و بسبب تحذير الكلب نجى من موت محقق تستطيع
حينها أن تفهم تلك الذبذبة المتصلة بين الكائنين هذين , الأوروبي المسيحي و الكلب
. و على نسق ذلك كانت الكلاب تجر زلاجات الجليد لتعين شعوب شمالي روسيا و سيبيريا
على إكمال حياتهم و هم من المسيحيين أيضا , فكانت العلاقة لا تزال كمجلبة من حافة
الموت إلى قعر الحياة .
كذلك حدث مع بدو الجزيرة العربية ذات الصحاري القاتلة , فلولا سفينة
الصحراء الإبل لاستحالت حياتهم . فمنها يشربون الماء المخزن فيها وقت الجفاف و
يشربون اللبن و يأكلون اللحم و يستدفئون بجلودها و يستظلون بوبرها في الخيام . و
يسميها العربان بالبعير و هم يحبونه حبا جما غفيرا , تجد ذلك في سلوك أهل الجزيرة
العربية , تجد تلك العلاقة ذات الحنين بين العربي البدوي و الحضري من جهة و البعير
من جهة أخرى . إنها عاطفتهم تجاه ما يسمونها بالبعران , حتى أنهم أحدثوا في العصر
الحديث مهرجانا تراثيا ثقافيا لتكريمه و الاحتفاء به و الفخر بعلاقتهم به و هو
احتفال الجنادرية السنوي , العلاقة بين الإنسان و الحيوان يكتبها الزمن البيولوجي
على الشريط النووي لتظهر صفات تلك العلاقة و آثارها في سلوك الأجيال جيلا بعد جيل
. و لا تُكتبُ صفة على الشريط النووي شريط الحياة إلا إذا كانت تلك الصفة قد
استنقذت الجسد البشري من حافة الموت إلى قعر الحياة كما أسلفت . كذلك قدست الشعوب
الهندية و المصرية القديمة حيوان البقر حتى تطور الأمر بالهندوس إلى عبادتها و إلى
الفراعنة إلى تمجيد الثور آبيس في المعابد . لأنّ العلاقة بينهم كانت علاقة
استنقاذ حياة من حافة الموت إلى قعر الحياة , فالبقرة و الثور يحرثان الأرض
الزراعية في الهند و مصر و تعطي البقرة اللبن و يعطي كلاهما اللحم , و بلغ حد
التقديس الهندي للبقر حد تحريم ذبحها من فرط الحب و العرفان و حمل الجميل . إنّ
تلك العلاقة بين الإنسان و الحيوان لها من الأسرار ما الله به عليم . ذلك الموجّهُ
القويم . د محمد ربيع , مصر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق