جلسة التلاوة و تفسير الوجه الثاني من الأنعام .
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
أسماء إبراهيم :
شرح لنا سيدي و حبيبي يوسف بن المسيح ﷺ أثناء جلسة التلاوة المباركة من أحكام التلاوة : أحكام المد ، ثم قام بقراءة الوجه الثاني من أوجه سورة الأنعام و أجاب عن أسئلتنا بهذا الوجه ثم صحح لنا تلاوتنا ، و كانت إجابات مجمل الأسئلة كالآتي :
بدأ سيدنا يوسف بن المسيح ﷺ الجلسة بأحكام التلاوة , فقال :
أحكام المد و نوعيه : مد أصلي طبيعي و مد فرعي , المد الأصلي يُمد بمقدار حركتين و حروفه (الألف , الواو , الياء) , و المد الفرعي يكون بسبب الهمزة أو السكون .أما الذي بسبب الهمزة فهو نوعان (مد متصل و مقداره ٤ إلى ٥ حركات , و مد منفصل جائز مقداره ٤ إلى ه حركات , و مد صلة كبرى مقداره ٤ إلى ٥ حركات جوازاً , و مد صلة صغرى مقداره حركتان .
__
و ثم تابع سيدنا يوسف ﷺ الجلسة بشرح الوجه لنا فقال :
يتحدث الله عز و جل في هذا الوجه عن سيرة الكفار عبر العصور مع الأنبياء و المرسلين بأن سيرتهم هي سيرة استهزاء فهم دائما يستهزءون بمن يقول لهم كلمة الحق و من ينزل عليه الوحي , فلا يوجد نبي إلا و أستهزئ به و يعتبر هذا من أدلة صدق النبي , و في هذا الوجه الله عز و جل يصف المسيرة و يصف العقاب الذي يطال من يسلك هذا السلوك أو من ينحى هذا المنحى , و في الوجه الثالث من سورة الأنعام ربنا يقول فيه الحل للخصام في الوجه الثاني و هو أن الكفار يستهزءون و شكوى الأنبياء لله عز و جل عن الذي يحدث و ثم الله يهدد و يتوعد الكفار و يُعزي و يُسلي الأنبياء في نهاية الوجه , و في الوجه الثالث يأتي الله عز و جل بالحل و الخُلاصة إذ يقول إسألوا الشاهد (و هي إسم مقالة كتبتها بالمدونة) من هو الشاهد ؟؟ هو الله , و نسأله باستخارة أو صلاة ركعتين و الدعاء فيهما عن هذا الأمر , و أنا أقوم بالتمهيد للشهادة أو الحل في الوجه الثالث لأنه أمر عظيم جداً و يقول الله عز و جل في بداية الوجه الثالث : {قُلۡ أَیُّ شَیۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَـٰدَةࣰۖ قُلِ ٱللَّهُۖ شَهِیدُۢ بَیۡنِی وَبَیۡنَكُمۡۚ} و سؤال الله عز و جل هو من تمام التوحيد و كمال الإيمان بأن نلجأ إلى الله عز و جل بالسؤال و ذلك حتى نعرف, و نحن قمنا بهذه التجربة كثيراً إذ سألنا الله عز و جل و أجابنا أنا (يوسف بن المسيح) و كل من آمن بي , اسألوا الشاهد لأنه الحل لهذا الخصام التاريخي الذي يأتي مع أي نبي و هذا الخصام موجود بين الحق و الباطل و بين الله و الشيطان .
{وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِینَ سَخِرُوا۟ مِنۡهُم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ} :
هنا يقول الله عز و جل بأن هذا الإستهزاء سيرة و شيمة الكفار و المنكرين و أصحاب الأنفس الخبيثة فقد استهزءوا بالأنبياء و المبعوثين و المزكين , و عندما قاموا بالاستهزاء تمثل عملهم هذا كما تتمثل الاعمال يوم القيامة فالله عز و جل يأتي بصورة تصويرية أو مشهد تصويري للعمل فنحن نعلم بأن العمل يتمثل يوم القيامة و في الدنيا أيضاً بتمثلات مادية أو تمثلات روحية في الرؤى مثلاً على حسب العمل فإن كان صالحا يتمثل في شيء جميل و مثال بسيط على ذلك الحمامة البيضاء و إن كان عملا سيئا و العياذ بالله يتمثل في شيء قبيح و مثال على ذلك الأفعى , و غيرها من الأمثلة الكثيرة التي توضح التناقض و التباين بين الحق و الباطل , (فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون) : عمل الاستهزاء تمثل و تحول إلى كلبش و هو حلقة و قيد في أيدي و رقاب المستهزءين فأصبحوا مسجونين في أنفسهم داخل أسوار ذنوبهم المتمثلة و هو أعظم من السجن الحقيقي في غرفة أو السجن , و انتبهوا فإن الجزاء من جنس العمل و أنا (يوسف بن المسيح) رأيت ذلك كثيراً .
{قُلۡ سِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ ٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِینَ} :
هنا الله يأمر الناس بشكل عام و الحكماء في العالم و أصحاب الحكمة و العقل و أصحاب السلوك و التدبر و التأمل و التفكر و يقول لهم و هذا خطاب للحكماء من المكلفين : (سيروا في الأرض) أي استفيدوا من خبرات حياتكم و تجارب ممارساتكم في هذه الدنيا و خذوا العبرة , (ثم انظروا) على مهلكم و حرف (ثم) أي على التراخي اي خذوا العبرة على تمهل دون استعجال , (كيف كانت عاقبة المكذبين) أي ناس كذبت برسول أو نبي فحلت عليهم لعنة الله و نزع منهم البركة و جعل جزاءهم من جنس أعمالهم , و في مناسبة هذه الآية العظيمة نذكر أن رجلاً من الصالحين المؤمنين الطاهرين المبعوثين من الله عز و جل ذهب إلى أناس كفروا به و قالوا له أنت لست مرغوبا بك هنا فما كان من الله عز و جل إلا أن أنزل عليهم العذاب في بيتهم و الوباء في دارهم و أصبحوا هم غير المرغوب بهم من كل من حولهم فكان هنا الجزاء من جنس العمل لأن الله يبطش من خلال يد النبي و النبي يبطش بيد الله و ينظر بعين الله و يمشي بقدم الله و يرى نور الله بعين الله ، لماذا ؟؟ لأن النبي ليس كأي أحد و لو كان مثلهم ما بعثه الله و لن يكون حجة على العالمين , فالنبي و الولي تتمثل فيه أخلاق الله عز و جل و يقوم الله على نصره نصراً مؤزراً مبيناً ليستبين الحق من الباطل . و أنتم تعلمون هذه القصة و تعلمون عمن أتحدث و ستخبرون بها من حولكم في مستقبل الأيام .
{قُل لِّمَن مَّا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُل لِّلَّهِۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَۚ لَیَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ لَا رَیۡبَ فِیهِۚ ٱلَّذِینَ خَسِرُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ} :
في الآية السابقة (قل سيروا) يخاطب الحكماء من المكلفين و في هذه الآية (قل لمن ما في السماوات و الأرض) هنا جمع الله عز و جل ما بين العاقل و غير العاقل , (من) خطاب للعقلاء من المكلفين و (ما) لغير العاقل من نباتات و جماد و جبال و أراضي و بحار و أنهار و زهور و ليل و نهار , فهنا لعظمة الخطاب قام الله بتعميمه للعاقل و غير العاقل , و قلنا سابقاً بأن الخطاب عندما يكون للعاقل فهو خطاب مخصوص و لما يكون الخطاب لوحده لغير العاقل فيقصد أيضاً العاقل و غير العاقل لأن العاقل هو عبارة عن مجموعة غير عواقل متصلة مع بعضها البعض أنتجت ذلك العاقل , إذاً تخيلوا عندما يأتي الخطاب في آية يتكلم عن العاقل و غير العاقل فهنا يكون الخطاب أشد و أعظم و جذب الإنتباه هنا أشد فالله عز و جل يريد هنا أن يُلفت نظرننا فيقول (قل لمن ما في السماوات و الأرض) قل أي قل يا أيها النبي أو يا أيها الولي أو يا أيها المتفرج على هذه الأحداث في القرآن الكريم و أنت قد آمنت بها قل لكل شيء عاقل و غير عاقل في السماوات و الأرض , (قل لله) أي قل لله عز و جل أي فلتكن حياتكم و مقال أفعالك لله و هذا هو التفسير أو المعنى الأول للآية أما المعنى الثاني فهو : (قل لمن ما في السماوات و الأرض) أي قل من الذي يملك ما في السماوات و الأرض , و قال الله هنا (ما) استفهام لـ (لمن) , و (ما) هنا تقصد غير العاقل أو عدة غير عواقل للعاقل اي من يملكها ؟ و الجواب (قل لله) اي قولهم يكون لله و هم مملوكين لله .
مرة أخرى : إما هي سؤال (لمن) يعني كل شيء في الدنيا من صاحبها فالجواب هو (قل لله) , أو قل للذين في السماوات و الأرض من العواقل و غير العواقل أن يقولوا كلمة هي لله , هي لله , هي لله , هي لله يعني موحد و مخلص , و هنا خطاب للنبي أن يوجه كل العقلاء و غير العقلاء بأن يقولوا لله أي أن حياتهم هي لله أي أخلصوا النية لله . (كتب على نفسه الرحمة) و الخطاب هنا ممكن يكون من النبي أو الله سبحانه و تعالى بذاته هو الذي يقول و يتكلم عن نفسه , أي ربنا كتب على نفسه الرحمة و جعل الرحمة فوق العرش يعني جعل صفة الرحمة مسيطرة و مهيمنة على كافة صفاته , فالعرش هو الصفات و الكرسي و هو المسند الذي يضع الملك عليه قدميه عند جلوسه على العرش و قال ابن عباس بأن الكرسي هو العلم , فجعل صفة الرحمة فوق صفات العرش لذلك جهنم ستنتهي لأنها للعلاج و التطهير و ليست عذاباً لا ينتهي . (ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) هنا أيضاً كلام النبي أو كلام الله عز و جل , و هو خطاب تهديد مبطن و وعيد , فإن الله يتوعد الكفار بأنه سيجمعهم يوم القيامة فلا يوجد شك في هذا الأمر , و هنا إشارة من الله (الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون) فالذين خسروا أنفسهم و لم يزكوها و ثم تدهورت إلى الجذبات الأرضية و إلى وحل الشهوات المحرمة فإن هذه النفوس خسرت و بارت و خربت فتكون النتيجة بأنهم الذين سيحيق بهم استهزاءهم و يحيق بهم توعد الله عز و جل و تهديد الله لهم يوم القيامة .
{وَلَهُ مَا سَكَنَ فِی ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ} :
هنا الله سبحانه و تعالى أو النبي يتكلم عن الله , (و هو السميع العليم) هنا قال الله السميع لأن يسمع الدعاء و يسمع الطلبات و يسمع الاستغاثات و يسمع الإستخارات , و نتيجة هذا السماع يوحي الله لعباده بالوصال فيصابون بالعلم و يكونون في حالة علم و استفاض من العلم نتيجة سماع الله له لذلك دائما يُعبر عن الوحي بالأذن و هذه أيضاً لم تسلم من إستهزاء المستهزءين فكانوا يقولون عن النبي محمد ﷺ "قل هو أذن" أي هو عبارة عن مرسال يسمع و يقول فكان رد الله عز و جل عليهم (قل هو أذن خير) فالأذن دلالة الوحي لذلك قال الله عن نفسه السميع من السماع لأنه عندما يسمع الدعاء يُسمعنا الإجابة بالوحي بأشكاله المختلفة من رؤى و مكالمات و اشارات و رؤى أثناء اليقظة و غيرها و ينتج عنها حالة العلم لذلك قال الله السميع العليم , (و له ما سكن في الليل و النهار) في هذه الجملة صفة خفية لله عز و جل وهي أن الله لا ينام لأنه قال (و له ما سكن في الليل و النهار) فأي شيء أتى عليه الليل و النهار يجب عليها أن تنام إلا الله فهو لا ينام , سكن أي نام إذاً ربنا هنا يقول كل عاقل و غير عاقل يجب أن ينام , تأتيه حالة سبات أو نوم بشكل أو بآخر و لا يوجد شيء في العالم أو العوالم إلا و تعرض لليل أو نهار و نحن قلنا الأصل الظلمة و أن النور هو الطارئ نتيجة الانفجارات النووية للنجوم , فكل من أتى عليه الظلام و هذا أكيد أو أتى عليه النهار و هم أجزاء فليس كل المخلوقات أتى عليها النهار فكلهم ناموا و كل الذين ناموا هم ملك ربنا لأنه لا ينام , و هو يملك كل الساكنات التي لهم فترة يناموا فيها فكل الحيوانات و الطيور و الأسماك تنام و حتى النباتات تنام و كذلك الصخور و الجبال و السحب تنام فأي شيء في العالم ينام إلا الله عز و جل . و واجب و لازم هذه الحقيقة أنه حتى الملائكة و الشياطين تصيبها الغفلة و الغفوة و النوم و السبات بشكل لا ندرك كنهه . لان المنتبه الوحيد الكامل هو الله . ففي هذه الآية معنى خفي أن الله لا ينام , و كذلك فيها معنى عظيم شامل و كامل بأن كل الموجودات سواء عاقل أو غير عاقل يجب أن تنام أو تأتيها فترة نوم أو سبات , و عبر الله عن المخلوقات أو الموجودات بأنها تسكن و أنها واجبة السكون و النوم في فترة من الفترات و الله عز و جل يسيطر عليها فجميعها ملك له و هو المسؤول عنها و هو الذي أوجدها . حتى أصحاب النعيم و الجحيم تاتيهم فترات الغفلة و عدم الادراك . في الجنة و النار . فعندما تنضج جلود الكفار في جهنم يبدلها الله لكي لا يسبتو و يكملوا غفوتهم . و كذا اهل الجنة يدركون فاذا غفلوا يتداركهم الله ليدركوا .
{قُلۡ أَغَیۡرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِیࣰّا فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَهُوَ یُطۡعِمُ وَلَا یُطۡعَمُۗ قُلۡ إِنِّیۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَسۡلَمَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ} :
هنا يقول الله عز و جل للنبي بأن يقول للمؤمنين و غير المؤمنين (قل أغير الله اتخذ ولياً) أي بعد كل هذا أأعبد آخر غير الله أو أتقوى بغير الله و أتخذ غيره سنداً ؟؟ و العلة و السبب بعدم اتخاذ غير الله سنداً : لأنه فاطر السماوات و الأرض و أنه يُطعِم و لا يُطعَم , (فاطر السماوات و الأرض) أي أن الله الذي خلق السماوات و الأرض و ما فيها الذين هم في صفاتهم أنهم دائما يناموا , و كلمة فاطر ينتج و ينبثق عنها معنى و هو أن السماوات و الأرض و الكواكب و النجوم و المجرات تنتج عن انفجار عظيم , فاطر أي فطر كأن شيئاً تأفف و طار و عمل قطع غليظ و نحن رأيناه و نراه كل يوم في اتساع الكون و اتساع الكواكب عن بعضها , يعني هذا الرتق العظيم كان كتلة عظيمة و قام الله بفطرها و فجرها , و تحليل كلمة فاطر من أصوات الكلمات : الطاء قطع غليظ و الراء رؤية و الفاء تأفف أي أن هذه الكتلة أصابها الملل والتأفف من بعضها البعض و تناثرت فحدث فيها قوة تنافر عظيمة أدت إلى إنفجار عظيم و تبعاد , كواكب تبتعد عن بعضها البعض و تتنافر و تتأفف من بعضها و تحاول أن تقطع العلاقات مع بعضها لكنها لا تقدر فهي في اتساع عظيم و يقول الله عز و جل (و السماء بنيناها بأيد و إنا لموسعون) اي لموسعون المسافات بين الكواكب و المجرات و في كل يوم يحدث اتساع و تباعد غير ملحوظ لا يرى لكن بالحسابات العلمية تلاحظ , فكلمة فاطر أي خالق من إنفجار عظيم . (و هو يُطعِم و لا يُطعَم) فكما خلق الله المسكونات فهو لا ينام كذلك جعل كل شيء يتغذى فكل شيء له مصدر من مصادر غذاء تعتمد عليه إلا الله فهو لا يتغذى , فهو يُطعِم المسكونات التي تحتاج إلى النوم و لا يُطعَم فلا أحد يُطعِمه لأنه لا يحتاج إلى الطعام لأنه لا ينام . فكما أن اهل الجنة يطعمون كذلك اهل النار ياكلون طينة الخبال عصارة اهل النار . فالكل ياكل و كل حسب عمله ياكل .
و أقول لكم بأن لا تمروا على أي كلمة في القرآن مرورا عابر ا, فكل كلمة في القرآن و تراكيب القرآن يكون خلفها معاني خفية و معاني باطنة عظيمة و حكم كثيرة .
(قل إني أُمرت أن أكون أول من أسلم) أي أُمرت من الله عز و جل , و دائما يكون النبي في منطقته هو أول شخص يُسلم , و أسلم يعني أسلم أمره لله و توكل تمام التوكل على الله و ثم يأتي بعد النبي المؤمنون الذين حوله بالتدريج حتى تنفجر الدعوة في العالم كله , فيكون انفجار روحي و روحانية تعم العالم كله من نقطة (شخص) مثل الكون كان عبارة عن نقطة مظلمة و ثم قام الله عز و جل بفعل فاطر و انفجر داخله طاقات روحية فعمت على الذين حوله و من حوله عمموها على من حولهم و هكذا حتى تنبعث تلك الأمواج الروحية في العالم أجمع , فالنبي هو النقطة الأولى في قومه أو في الزمن الذي هو فيه و يقيم الله عز و جل في هذه النقطة تفاعلات روحية معينة فيصطفيه و يتجلى عليه و تحدث فيه تفاعلات روحية و انفجار روحي تعم على من حوله و الذين بدورهم يذوقوا هذه النعمة و يصدقونه لأنه صادق و قوته تنتج من صدقه لأنه يشعر بالأمر و لا يُمثل و لا يكذب و بعد ذلك من حوله يشعرون بالإيمان و يترقوا و يتزكوا و يصبحوا عظماء في الروح و ثم يتجلوا بروحانيتهم على من حولهم و هكذا حتى تموج الأمواج الروحية في العالم أجمع , فالانفجار العظيم ممكن أن يكون في الكون و يمكن أن يكون في النبي نفسه فهو نقطة البداية التي انفجر منها الروح للعالم أجمع , (و لا تكونن من المشركين) هنا الله يحذر النبي نفسه و يقول له إياك أن يأتي في قلبك شرك خفي و يحذره من أن يتعلق قلبه بأحد غير الله و أن يُصاب بالرياء أو العُجب و الكِبر فهذه من أبواب الشرك الخفي يحذر النبي منها فحتى النبي يحذره الله من الشرك الخفي .
فهذه كلها وصايا من الله عز و جل للنبي و أتباع النبي و المستهزءين .
{قُلۡ إِنِّیۤ أَخَافُ إِنۡ عَصَیۡتُ رَبِّی عَذَابَ یَوۡمٍ عَظِیمࣲ} :
حتى النبي ممكن أن تكون في داخله إرادات المعصية فالله عز و جل يقول هذا و كذلك قال الإمام المهدي ﷺ .
{مَّن یُصۡرَفۡ عَنۡهُ یَوۡمَىِٕذࣲ فَقَدۡ رَحِمَهُۥۚ وَذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِینُ} :
يعني العذاب الذي سيَنصرف عنه و يبتعد عنه فقد رحمه الله , و ما الفرق بين الفوز المبين و الفوز الكبير و الفوز العظيم ؟؟ الفوز المبين أي أن يرحمك الله و تبتعد عن جهنم فقط , الفوز الكبير أي أن تدخل الجنة بعد عبورك للصراط المستقيم , و الفوز العظيم أي دخول الفردوس و أن تكون من الخُلص الذين سيعبرون اللحظة الكونية الدقيقة , و الأنواع الثلاثة مذكورة في القرآن في عدة مواضع .
{وَإِن یَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرࣲّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥۤ إِلَّا هُوَۖ وَإِن یَمۡسَسۡكَ بِخَیۡرࣲ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ} :
يقول الله عز و جل إن أصابك إبتلاء أو عقاب , من سيصرفه ؟؟ الله , و لمن تذهب حتى يُصرفه عنك ؟؟ الله , إذاً فلا ملجأ لك من الله إلا إليه , و هذا بحد ذاته تربية , و الله هو الذي يُعطي الخير كله و هو الذي يصرف الشر كله .
{وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِیمُ ٱلۡخَبِیرُ} :
هنا يؤكد الله عز و جل بأنه القاهر فوق عباده , قاهر بقوة الضر و الإبتلاء و العقاب و كذلك بعظمة الخير و النعمة فهو قاهر بالإثنين , يعطيك نِعَم عظيمة و تخاف أن تؤخذ و تنسحب منك إذاً فالله قاهرك , و إذا أذنبت فإن الله سيأخذ منك النعمة فيجعلك في حالة خوف و رعب و قهر , أو إنك مذنب و مجرم فبعث الله عليك عقاب أو ابتلاء على حسب , إذاً تكون مقهور بالعذاب أو الإبتلاء أو مقهور بوجود النعمة أي تخاف أن تضيع النعمة منك , و ثم قال الله عز و جل (و هو الحكيم الخبير) أي أن الله فعل ذلك نتيجة الحكمة لأنه يعلم بأن هناك أناس لا تسير إلا بالنعمة و أناس لا تسير إلا بالعذاب و العقاب فهو حكيم , و الحكمة نتجت من الخبرة أي خبير . و هذا الكلام أول مرة أقوله بأن صفات الله يولد بعضها بعضاً , فالله يُولد صفاته الفيضية و هي (الرب , الرحمن , الرحيم , مالك يوم الدين) و هذه الصفات من بعضها البعض تولد صفات أخرى و التي تولد من بعضها صفات أخرى و هكذا , إذاً لأنه خبير فاضت منه الحكمة .
و تابع قمر الأنبياء سيدنا يوسف الثاني ﷺ الجلسة إذ طلب من رفيدة و مروان و أرسلان إعراب مقاطع قرآنية من هذا الوجه و قاموا بإعرابها على أحسن وجه :
إذ أعربت رفيدة المقطع القرآني {وَذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِینُ} : و : حرف عطف , ذلك : إسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ , الفوز : خبر مرفوع و علامة رفعه الضمة , المبين : نعت مرفوع و علامة رفعه الضمة .
و أعرب مروان {وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِ} : و : حرف عطف , هو : ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ , القاهر : خبر مرفوع و علامة رفعه الضمة , فوق : ظرف مكان مبني على الفتح و هو مضاف , عباد : مضاف إليه مجرور و علامة جره الكسرة و هو مضاف , و الهاء : ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه , و شبه جملة (فوق عباده) في محل نصب حال .
وأعرب أرسلان {وَهُوَ ٱلۡحَكِیمُ ٱلۡخَبِیرُ} : و : حرف عطف , هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ , الحكيم : خبر مرفوع و علامة رفعه الضمة , الخبير : نعت للحكيم مرفوع و علامة رفعه الضمة .
و ثم أنهى سيدي يوسف ﷺ الجلسة بأحاديث من (كتاب رياض الصالحين) للشيخ النووي - رحمه الله - باب (فضل العلم تعلماً و تعليماً) , فقال :
هنا الشيخ النووي يقصد بالعلم حفظ القرآن و الأحاديث و معرفة الفقه و غيره , لكن العلم معناه أعظم من ذلك و أشمل من ذلك, فالعلم الحقيقي هو علم الوصال بالله عز و جل و العرفان الإلهي و هؤلاء هم العلماء و ليس العَالِم من يقول حدثنا فلان عن فلان إذ ممكن أن يكونوا كاذبين و لا الذين يحفظون القرآن حفظ ظاهري و لا يفهم فيه شيئاً كما يقول الله عز و جل (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً) فهم حمير يحفظون و لا يفهمون , و لا العلم أيضاً معرفة الرياضيات و الطب و أن تصبح جراحاً و دكتور و عالم كيمياء و فيزياء و غيرها فكل هذه علوم مجازية و العلم الحقيقي هو العرفان الإلهي و الوصال أي أنني عندما أسأل الله أجد الإجابة , فأصل الفيض أن أجد الإجابة و أسمعها و أراها فهذا هو العالِم , و الأنبياء هم العلماء , و يوجد حديث : عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : " من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة (فالعلم هنا معناه الوصال بالله) و إن الملائكة للتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع (أي لطالب المعرفة الإلهية) و إن العالم ليستغفر له من في السماوات و من في الأرض حتى الحيتان في الماء و فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب و إن العلماء ورثة الأنبياء و أن الأنبياء لم يورثوا درهما و لا ديناراً (بماذا يرثوهم؟؟ في نعمة الوحي و تلقي الوحي) و إنما ورثوا العلم (أي العرفان الإلهي) فمن أخذه أخذ بحظ وافر ." و الرسول ﷺ عندما يقول الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا فهذا على المجاز أي ليس الأصل أن يورث النبي دينار و درهم لكن هذا لا يعني أن أبناء الأنبياء لا يرثون بل يرثوا الأمور المادية عن والدهم فلذلك أخطأ أبو بكر الصديق لما أن منع أرض فدك عن فاطمة و أحزنها و جعلها تموت حزينة لأنها كانت فقيرة و أرادت أن تغني أبناءها من تلك الأرض التي ورثتها عن أبيها , فكان يجب على أبو بكر أن يخطئ لأنه ليس بنبي .
قال تعالى (و قل ربي زدني علما) يعني زدني وصالا بك , و قال تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون) سؤال استنكاري و استفهامي من الله عز و جل فالعارفين و الواصلين بالله عز وجل غير الناس الذين لا وصال لديهم و لا يعرفون , و قال تعالى (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء) فتكون الخشية من الله في قلوب العارفين بالله و الواصلين الذين جربوا الله و تعرفوا عليه و عرفوا شخصيته و صفاته و عرفوا كيف يتصرف فيخشوه و يعرفوه و يحبونه, و لهذه الآية قراءة أخرى كتبتها في المدونة (إنما يخشى اللهُ من عباده العلماء) فالله أيضاً يخشى من عباده هؤلاء أي الأنبياء و العارفين و ذلك لأن دعوة واحدة منهم تغير القدر و يلهمون الله عز و جل بتغير القضاء لقدر مقدور .
و الحمد لله رب العالمين .💙🌿
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق