راية المسيح الموعود

راية المسيح الموعود

الخميس، 14 مايو 2020

درس القرآن و تفسير الوجه الأخير من المائدة .



درس القرآن و تفسير الوجه الأخير من المائدة .

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::

أسماء إبراهيم :

شرح لنا سيدي و حبيبي يوسف بن المسيح ﷺ أثناء جلسة التلاوة المباركة من أحكام التلاوة : أحكام الميم الساكنة  : إدغام متماثلين صغير و الإظهار الشفوي و الإخفاء الشفوي ، ثم قام بقراءة الوجه الأخير من أوجه سورة المائدة و هو الوجه الثاني و العشرون و أجاب عن أسئلتنا بهذا الوجه ثم صحّح لنا تلاوتنا ، و كانت إجابات مجمل الأسئلة كالآتي :

بدأ سيدنا يوسف بن المسيح ﷺ الجلسة بأحكام التلاوة , فقال :

إدغام متماثلين صغير : أي أنه إذا جاء بعد الميم الساكنة ميم أخرى فتدغم الأولى في الثانية .

و الإظهار الشفوي : إذا أتى بعد الميم الساكنة بقيّة حروف الهجاء .

و الإخفاء الشفوي : إذا أتى بعد الميم الساكنة حرف الباء .

__

و ثم تابع سيدنا يوسف ﷺ الجلسة بشرح الوجه لنا فقال :
{قَالَ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَاۤ أَنزِلۡ عَلَیۡنَا مَاۤىِٕدَةࣰ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ تَكُونُ لَنَا عِیدࣰا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَایَةࣰ مِّنكَۖ وَٱرۡزُقۡنَا وَأَنتَ خَیۡرُ ٱلرَّ ٰ⁠زِقِینَ} :

قال عيسى - عليه السلام - بعد ما سأله الحواريون بأن يُنزّل عليهم الطعام أي يرزقهم الله طعاماً ليأكلوه , و ليس كما يظن بعض الناس بأنها مائدة تنزل من بين السحب بل أن يرزقهم الله بالطعام الوفير الذي يكفيهم و هذا ما حدث , فدعى عيسى الله عز و جل بأن يُنزّل عليهم مائدة من السماء و يكون اليوم الذي نزلت فيه عيداً لهم في كل عام , عيداً لأولهم و أخرهم أي لهم و للناس التي ستأتي بعدهم , فاستجاب الله و رزقه السمك و الخبز .

__

{قَالَ ٱللَّهُ إِنِّی مُنَزِّلُهَا عَلَیۡكُمۡۖ فَمَن یَكۡفُرۡ بَعۡدُ مِنكُمۡ فَإِنِّیۤ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابࣰا لَّاۤ أُعَذِّبُهُۥۤ أَحَدࣰا مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ} :

يقول الله لهم سأرزقكم و أزيد في الطعام , و الذين كفروا من قوم عيسى فإن الله سيعذبهم عذاباً شديداً لأنهم رأوا الآية و ثم عادوا عيسى و كفروا فإن قلوبهم شديدة القسوة و يستحقوا العذاب أي يجب أن يعذبوا .

و هنا توجد لطيفة من اللطائف : كيف نجمع بين هذه الآية (فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين) و آية (و يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) فمن أكثر عذاب آل فرعون أم الذي حضر آية مائدة عيسى و كفر ؟؟ الجواب هو أنهم بنفس درجة العذاب و الدليل على ذلك بأن إيمانهم لم ينفعهم بعد كفرهم .

__

{وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَـٰهَیۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالَ سُبۡحَـٰنَكَ مَا یَكُونُ لِیۤ أَنۡ أَقُولَ مَا لَیۡسَ لِی بِحَقٍّۚ إِن كُنتُ قُلۡتُهُۥ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُۥۚ تَعۡلَمُ مَا فِی نَفۡسِی وَلَاۤ أَعۡلَمُ مَا فِی نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُیُوبِ} :

هنا سؤال إستنكاري من الله عز و جل فهو يعلم الإجابة و يعلم بأن عيسى لم يقل ذلك , و يسأل الله هذا السؤال حتى يُظهر للعالم و للناس بأن حتى عيسى و أمه يسألون من لدن الله عز و جل , و في هذا السؤال تبكيت مبطن بأن يا عيسى هل قلت أنت و والدتك للناس اتخذونا إلهين من غير الله ؟ فيجيب عيسى (سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) , لماذا هذا السؤال و هذه الإجابة أي لماذا هذا المشهد التصويري ؟ حتى يُظهر للناس بأن عيسى هو دليل لله و تجربة عملية للناس و تصوير قرآني يُظهر للعالمين أن عيسى عبد ذليل هو و أمه لا يستحقان العبادة , صحيح أنهم أطهار و أبرار لكنهم ليسوا بآلهة بدون الله عز و جل أو مع الله , و هذا المشهد التصويري يُقرّب الله فيه الصورة للمتفرجين و هم من يقرأون القرآن و الموجودون في يوم العرض يوم الدينونة الكبرى . (إن كنتُ قلته فقد علمته) يقول عيسى لله بأنه لو قال للناس أن يتخذوه هو و أمه إلهين فأنت يا ربي تعلم أنني قلته لكنني لم أفعل , (تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما في نفسك إنك أنت علّام الغيوب) هنا تنزيه من عيسى لله , فهو يُعظم الله عز و جل و يزيد في تقديس الله بقوله علّام الغيوب و هي صفة عظيمة لله عز و جل لأن من هذه الصفة أعطى الله عز و جل الأولياء و الأنبياء و المحدثين أي جزء من علم الغيب و ذلك ليجعلهم الألفى .@ الألفى في المجتمع أي الأعلون بين أقوامهم فيتنبؤا عليهم و عندما تتحقق النبوءة تشدهم و يُجذب ناظرهم إلى الأنبياء فيستمعوا إليهم و هذه فائدة النبوءة . يشدهون ثم يدهشون , لذلك في الكتاب المقدس يوصي الله النبي على قومه و يقول له : تنبأ عليهم أي أن الله سيعطيه نبوءات يخبرهم بها و ذلك عندما تحدث النبوءة سيقدسونك و يستمعون إليك , و هذا جزء بسيط من صفة علّام الغيوب , و من خلال هذه الصفة يكون النبي عظيماً .

{مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَاۤ أَمَرۡتَنِی بِهِۦۤ أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبَّكُمۡۚ وَكُنتُ عَلَیۡهِمۡ شَهِیدࣰا مَّا دُمۡتُ فِیهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّیۡتَنِی كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِیبَ عَلَیۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ} :

و يُكمل عيسى حديثه مع الله عز و جل في المشهد التصويري (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي و ربكم و كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) شهيدا أي شاهد عليهم و هي صيغة مبالغة , و الشهيد ليس الذي مات في سبيل الله فقط بل الشهيد هو كل من شاهد الغيب و عَلِمَ الشهود أي علم الشهادة أي الذي رأى الغيب و رأى الله عز و جل و الملائكة و النبوءات , و الشهيد ليس بينه و بين الله حجاب , فالله يكشف عنه الحجاب فنسمع من يقول عن الأولياء : "هذا الشخص مكشوف عنه الحجاب" . و عيسى كان شاهد على قومه عندما كان بينهم فكان يمنعهم من الشرك .

{إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَۖ وَإِن تَغۡفِرۡ لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ} :

و ثم يقول عيسى كلام يزيد من عظمة الله أمام المتفرجين في المشهد التصويري , هنا يتحدث عن الذين أشركوا و عبدوا عيسى مع الله , فيقول عيسى لله (إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) , و هنا أيضاً لطيفة من اللطائف : كيف نجمع هذه الآية مع الآية (إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء) : لا يغفر أن يشرك به أي الشرك الأكبر [و هو أن تعبد أحد آخر مع الله عبادة صريحة أو تعبده من غير الله , مثل كفار قريش و كما فعل قوم عيسى] و ليس الشرك الخفي القلبي [الذي هو الرياء و العُجب فإن الله عز و جل يغفره يوم القيامة و يشفعه و يجبره] , و نجمعهما : (إن الله لا يغفر أن يشرك به) أي ابتداءً لن يدخل الجنة بل يجب أن يدخل النار , و نحن نعلم أن كل من في النار حتى الملحدين سيخرجون من النار و سيدخلون الجنة , و بعد أن دخلوا النار يستعطف عيسى فهو يعلم بأنهم سيدخلونها نتيجة الشرك الأكبر و كما أن عيسى يعلم بأن جهنم ستفنى فيقول (و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) , و هذا هو الفهم الصحيح للقرآن الكريم الذي يلهمه الله للأنبياء .

(قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا یَوۡمُ یَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِینَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۖ رَّضِیَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُوا۟ عَنۡهُۚ ذَ ٰ⁠لِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ) :

أي يوم القيامة , المؤمنون خالدون في الجنة إلى أبد معيّن ليس خلوداً تاماً إلا الخُلّص من المؤمنين هم الذين سيعبرون إلى الكون التالي و البقية سيفنون فناءً تاماً , (رضي الله عنهم و رضوا عنه) فلمّا دخلوا الجنة رضي الله عنهم و رضوا عنه , شعروا بالرضا و معنى الرضا .

و ختم الله سورة المائدة بالآية :

{لِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا فِیهِنَّۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرُۢ} :

(و ما فيهن) حرف (ما) هنا هي لغير العاقل و هو أشد عموماً من لو قال الله عز و جل (لله ملك السماوات و الأرض و من فيهن) هنا يقصد الله بالعاقل أي المكلّفين من الإنس و الجن و الأمم الأخرى المكلّفة التي لا نعلم عنها شيئا , و حرف (ما) هنا تشمل العاقل لأنه عندما تنفصل أجزائه تصبح غير عاقلة يعني العين بمفردها كذلك الرأس و اليد و غيرها , و العاقل عبارة عن عدة غير عواقل مجتمعة و عندما اجتمعت أصبحت عاقل , و غير العاقل أي الجماد و الأشجار و الحيوانات و غيرها .

لماذا ختم الله عز و جل سورة المائدة بـ " قدير " ؟؟ قدير هي صيغة مبالغة لكلمة قادر , لأن سورة المائدة تتكلم عن أناس أشركت عيسى مع الله , و الله قادر عليهم , قدير هذا الإسم بحد ذاته بأن تُختم سورة المائدة به هو تهديد مبطن لكل من أشرك بالله عز و جل .

و ثم تابع سيدي يوسف ﷺ الجلسة بأحاديث من (كتاب رياض الصالحين) للشيخ النووي - رحمه الله - باب (فضل السلام و الأمر بإفشاءه) , فقال :
قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها)

و قال تعالى (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) لذلك الأفضل عند دخولك أحد البيوت و حتى بيتك و حتى لو لم يكن فيه أحد بأن تقول : السلام عليكم و كذلك إذا دخلت السيارة .

و من الأحاديث :

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رجلاً سأل رسول الله ﷺ : أي الإسلام خير ؟ قال : "أن تطعم الطعام و تقرأ السلام على من عرفت و من لم تعرف." الأفضل أن تفدي رمضان طعاما سواء أكان مطهو أو غير مطهو من حبوب أو لحم للمساكين , و أن تفشي السلام و تدعو للسلام , فتقوم على إطعام الناس و هو جبر خاطر و تُسلّم عليهم كذلك جبر خاطر فالدين هو جبر الخواطر , و الدين هو تحقق صفة فاطمة جابر : أن تفطم نفسك عن كل الناس إلا الله , و جابر أي أن تجبر الخواطر فيَجبُر الله كسرك و جرحك و يَجبر ذنوبك و يبدّلها حسنات .

ثم أنهى قمر الأنبياء سيدنا يوسف الثاني ﷺ الجلسة إذ طلب من رفيدة و مروان و أرسلان إعراب مقاطع قرآنية من هذا الوجه و قاموا بإعرابها على أحسن وجه :

إذ أعربت رفيدة المقطع القرآني {إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُیُوبِ} :
إن : حرف ناسخ , ك : ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب إسم إن , أنت : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ , علام : خبر مرفوع و علامة رفعه الضمة و هو مضاف , الغيوب : مضاف إليه مجرور و علامة جره الكسرة , و علام الغيوب : خبر أنت . و الجملة الإسمية (أنت علام الغيوب) في محل رفع خبر إن .

و أعرب مروان {كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِیبَ} :
كنت : كان : فعل ماضي مبني على الفتح , التاء هي تاء المحدث لا محل لها من الاعراب , أنت : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع إسم كان , الرقيب : خبر كان منصوب و علامة نصبه الفتحة .

و أعرب أرسلان {وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرُۢ} :
و : حرف عطف , هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ , على : حرف جر , كل : اسم مجرور و علامة جره الكسرة و هو مضاف , شيء : مضاف إليه مجرور و علامة جره الكسرة , قدير : خبر هو مؤخر و علامة رفعه الضمة و كذلك ممكن أن نقول بأنه مبتدأ مؤخر للشبه الجملة , و شبه الجملة (على كل شيء) في محل رفع خبر مقدم . 
__

و بعد الجلسة أخبرنا سيدي يوسف ﷺ بأن الإسم الأعظم للشخص يقوم على تبكيت و إكمال النواقص و التحذير منها و تعظيم الكوامل فيه و تجديدها حينا بعد حين .

و الحمد لله رب العالمين .

__ 

أرجو أن أكون قد أحسنت النقل عنكم يا نبي الله , رضاكم عنا يا حبيبي و سيدي , صلوات ربي و سلامه عليكم أبد الدهر , و أسأل ربي البر الحسيب أن يفرجها عليكم و يخفف عنكم و يعطيكم الصحة و العافية و يمدكم بالقوة و ينصركم بالفتوح المباركة و يحفظكم لنا من كل ضر و شر و يثبتنا على اتباعكم و خدمتكم . آمين آمين 💙🌿

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق