يوشع بن نون :
صلاة الجمعة ٢٠٢١/٥/١٤
○○○○○○○○○
صلاة الجمعة لخليفة المسيح الموعود السادس سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام بتاريخ ٢٠٢٠١/٥/١٤
يقول سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته . أذان .
قام بلال اليوسفيين برفع الأذان :
الله اكبر الله اكبر
الله اكبر الله اكبر
اشهد ان لا اله الا الله
اشهد ان لا اله الا الله
اشهد ان محمدا رسول الله
اشهد ان محمدا رسول الله
حى على الصلاة
حى على الصلاة
حى على الفلاح
حى على الفلاح
الله اكبر الله اكبر
لا اله الا الله
ثم قام سيدنا يوسف بن المسيح عليه الصلاة والسلام خطيبا فقال : الحمد لله الحمد لله وحده الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد ; يقول المهدي الحبيب في كتاب حقيقة الوحي :
ثم انظروا إلى خطأ المسيحيين أيضا؛ إنهم جعلوا عيسى عليه السلام إلها من جهة، ويعتقدون أنه ملعون من جهة أخرى، بينما اللعنة أمر روحاني بحسب إجماع أهل اللغة كافة، والملعون هو المردود من حضرة الأحدية، أي الذي لا يمكن رفعه إلى الله تعالى ولا تبقى لقلبه أدنى علاقة حب بالله تعالى أو طاعة، فيتبرأ الله منه ويتبرأ هو من الله، لذا سمِّي الشيطان لعينا. فهل لعاقل أن يجوِّز أن تكون علاقة قلب عيسى عليه السلام مع الله تعالى قد انقطعت تماما، وتبرأ الله منه كليا؟ والغريب في الأمر أن المسيحيين يقولون من ناحية -بناء على الأناجيل- إن حادث عيسى يماثل حادث يونس وإسحاق عليهم السلام، ومن ناحية أخرى يعتقدون بما يتنافى مع هذه المماثلة. هل يسعهم أن يخبرونا فيما إذا كان يونس قد دخل بطن الحوت ميتا وبقي في بطنه ميتا إلى يومين أو ثلاثة أيام. في هذه الحالة ما هو وجه الشبه بين ما حدث ليسوع وما حدث ليونس؟ وأين المماثلة بين الحي والميت؟ وهل للمسيحيين أن يخبرونا فيما إذا كان إسحاق قد ذُبح حقيقةً ثم أُحيي؟ وإلا أين المماثلة بين حادثته وحادثة يسوع؟
يقول يسوع المسيح في الإنجيل: "لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ" (مَتَّى 17 : 20)، أما دعاؤه هو من أجل إنقاذ نفسه فقد ذهب كله سدى. فانظروا الآن ما هي حال إيمان يسوع من حيث الإنجيل. ليس صحيحا أبدا أن دعاء يسوع كان من أجل أن يموت على الصليب بدون فزع واضطراب وقلق. هل الدعاء الذي قام به في البستان كان لإزالة الخوف فقط؟ فإذا كان الأمر كذلك فلماذا دعا عند الصلب قائلا: إيلي إيلي لِمَ شبقتني؟ ((( اي إلهي إلهي لما تركتني وهي بالآرامية . كأنه عتاب بين عيسى والله عزوجل ))) هل تدل هذه الجملة على أن خوفه كان قد زال عنه عندئذ؟ حتّامَ ينفع التزوير والزيف؟ إن دعاء يسوع يشمل كلمات واضحة وهي: "فلتعبر عني هذه الكأس"، فعبر الله تلك الكأس وهيأ أسبابا كانت كافية لإنقاذه، منها أنه لم يعلَّق على الصليب إلى ستة أو سبعة أيام كالمعتاد، بل أُنزِل عنه فورا. ومن تلك الأسباب أن عظامه لم تكسَر كما كانت تكسر عظام بقية الناس دائما. ومن المستبعد تماما أن تزهق نفسه نتيجة أذى بسيط.
إن اعتقاد معارضينا أن عيسى عليه السلام صعد إلى السماء بجسده المادي محفوظا من الصلب اعتقادٌ يصبح بسببه القرآن الكريم عرضة لاعتراض شديد؛ لأن القرآن الكريم يدحض في كل مكان دعاوى المسيحيين التي يحاولون بها إثبات ألوهية عيسى، مثل ولادته بلا أب، الأمر الذي يُستدَّل به على ألوهيته، لكن القرآن الكريم يدحض هذه الحجة بقوله تعالى: ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) فإذا كان عيسى قد صعد بالجسد إلى السماء فعلا وسينـزل منها فهذه ميزة خاصة به وحده ومن شأنها أن توقِع في الخطأ أكثر من ولادته بلا أب. فأجيبوا بالله عليكم، أين قدَّم القرآن الكريم نظيره ثم دحضه. أو هل عجز الله عن إبطال هذه الخصوصية؟
والآن نعود إلى صُلب الموضوع ونقول: إن ما أجمع عليه الصحابة كان اعتقادهم أن الأنبياء كلهم قد ماتوا دون أن يكون أي واحد منهم حيا. هذا هو الاعتقاد الذي مات عليه الصحابة كلهم، وكان هذا الاعتقاد متطابقا تماما مع نص قرآني صريح.
بعد إجماع الصحابة على وفاة المسيح فلا كذبَ أكبرُ من القول إن الأمة أجمعت في وقت من الأوقات على وجود عيسى عليه السلام في السماء حيا بجسده المادي. ومن قال ذلك صدق فيه قول الإمام أحمد بن حنبل بأن الذي يدعي الإجماع على مسألة بعد الصحابة فهو كذاب.
(يقول الامام المهدي في الحاشية : اعلموا أنه لا يثبت بآية قطعية الدلالة أو حديث صحيح مرفوع متصل أن عيسى قد رُفع في الحقيقة إلى السماء حيا بجسده المادي. والذي لم يثبت رفعه، فالأمل في عودته أمل فارغ. عليكم أن تُثبتوا أولا صعود عيسى عليه السلام إلى السماء بآية قطعية الدلالة أو حديث صحيح متصل مرفوع، وإلا فالعداوة بغير دليل عمل بعيد عن التقوى)
يقول الامام المهدي الحبيب : الحق أن الأمة بعد القرون الثلاثة الأولى قد افترقت إلى 73 فرقة، وانتشرت فيهم مئات المعتقدات التي يعارض بعضها بعضاً لدرجة أنهم لم يتفقوا على كلمة واحدة حتى حول عقيدة ظهور المهدي وبعثة المسيح. فإن المهدي عند الشيعة مختفٍ في الغار وبحوزته القرآن الأصلي وسيظهر عندما يُحيى الصحابةُ مرة أخرى فينتقم منهم لسلبهم الخلافةَ. كذلك إن المهدي عند أهل السنة لن يولَد في عائلة معينة على وجه القطعية بحسب معتقدهم، ولن يظهر في زمن عيسى على وجه القطعية. فيقول البعض إنه سيكون من بني فاطمة، ويرى آخرون أنه سيُبعث من بني العباس، ويظن غيرهم بناء على الحديث أنه أحد من الأمة. ويعتقد بعضهم بأنه لا بد من مجيئه في الزمن الوسطي وسيأتي المسيحُ الموعود بعده، ويقدمون الأحاديث على موقفهم. ويقول الآخرون إن المسيح والمهدي ليسا شخصين منفصلين بل المسيح هو المهدي، ويقدمون على موقفهم هذا حديث: "لا مهدي إلا عيسى". وكذلك يعتقد البعض أن ابن صياد هو الدجال وهو مختفٍ وسيظهر في الزمن الأخير، مع أن المسكين قد أسلم ومات على الإسلام وصلّى عليه المسلمون صلاة الجنازة. ويرى البعض أن الدجال أسيرٌ في كنيسة من الكنائس وسيخرج منها في نهاية المطاف. إن هذا القول الأخير كان صحيحا، ولكن المؤسف أن المفسرين أفسدوا معناه مع كونه واضحا صريحا. مما لا شك فيه أن المراد من الدجال هو شبح المسيحية الذي ظل محبوسا في الكنيسة إلى مدة من الزمن وممتنعا عن تصرفاته الدجالية، ولكنه في هذا الزمن الأخير تحرر من الأسر كليا، وفُكّ إساره ليقوم بما كان مقدرا له من هجمات. ويعتقد البعض أن الدجال ليس من بني الإنسان بل هو اسم آخر للشيطان.
( يقول الامام المهدي في الحاشية : لقد ثبت أن ابن صياد قام بالحج وكان مسلما أيضا، ولكن مع كونه مسلما لم يستطع أن يخلِّص نفسه من إطلاق تسمية "الدجال" عليه.
ويقول في الحاشية ايضا : إن هذا الشيطان يُسمى شبح النصرانية بكلمات أخرى. وهذا الشبح كان أسيرا في الكنيسة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان يطلع على الأخبار عن الإسلام بواسطة "جساسة" فقط. ثم بعد القرون الثلاثة تحرر هذا الشبح بحسب نبوءات الأنبياء وظل يزداد قوة يوما بعد يوم حتى خرج بكل قوة في القرن الثالث عشر من الهجرة. وهذا الشبح سمِّي دجالا، فليفهم من كان من الفاهمين. وهذا هو الشبح الذي حذّر الله منه في نهاية سورة الفاتحة في الدعاء: (ولا الضالين). )
يقول الامام المهدي الحبيب : ويزعم غيرهم أن عيسى عليه السلام حي في السماء، وهناك بعض فِرق المسلمين مثل المعتزلة الذين يعتقدون بموته أيضا. كما يعتقد بعض الصوفية منذ القِدم أن المراد من المسيح المقبل هو أن شخصا سيُولد في هذه الأمة. فتأملوا الآن في الاختلاف الموجود في الأمة حول المسيح والمهدي والدجال. وكل فرقة تدعي الإجماع على عقيدتها بحسب منطوق الآية: ( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) والحق أنه عندما تحدث خلافات كثيرة في شريعة ما فإنها تتطلب بصورة طبيعية أن يأتي شخص من الله للحُكم فيها، لأن هذه هي سنة الله من قديم الزمان. فعندما وقعت خلافات كبيرة في اليهود جاء عيسى عليه السلام حَكَمًا لهم. وعندما تعاظمت النـزاعات بين النصارى واليهود بُعث إليهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حَكَما لهم من الله تعالى.
ففي هذا الزمن مُلئت الدنيا بالخلافات، إذ يقول اليهود شيئا ويقول النصارى شيئا آخر، ومن جانب آخر هناك خلافات داخلية في الأمة المحمدية. أما المشركون الآخرون فيبدون آراء تخالف الجميع. ولقد وُجدت في هذه الأيام مذاهب جديدة ومعتقدات جديدة وكأن لكل شخص مذهبا خاصا به. فكان ضروريا بحسب سنة الله أن يأتي حَكَم للحُكم في هذه الخلافات. فقد سمِّي هذا الحَكَم مسيحا موعودا ومهديا معهودا، أي قد سمِّي مسيحا نظرا إلى تسويته الخلافات الخارجية، وسمِّي مهديا معهودا بناء على تسويته الخلافات الداخلية. مع أن سنة الله في حقه كانت متواترة بحيث لم تكن هناك حاجة لأن يقال في الأحاديث أن شخصا سيأتي حَكَمًا وسيسمَّى مسيحا، ولكن مع ذلك توجد في الأحاديث نبوءة أن المسيح الموعود الذي سيكون من هذه الأمة سيأتي حَكَما من الله تعالى. أي سيرسله الله لرفع الخلافات الخارجية والداخلية كلها. والاعتقاد الذي سيُثبَّت عليه (المسيح الموعود) يكون هو الاعتقاد الصحيح دون غيره، لأن الله تعالى سوف يثبِّته على الصدق والحق. وكل ما يقوله فإنه يقوله على بصيرة، ولا يحقّ لأية فرقة أن تجادله بناء على الاختلاف معه في المعتقدات، لأن المسائل المنقولة التي لم يأتِ التصريح عنها في القرآن الكريم سيكون مشكوكا فيها بسبب الاختلاف في المعتقدات في ذلك الزمن. والمتخاصمون من الداخل أو أصحاب الخلافات من الخارج -بسبب كثرة الخلافات- سيكونون بحاجة إلى حَكَم يظهَر صدقُه بشهادة سماوية كما حدث في زمن عيسى عليه السلام وبعده في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا ما سيحدث في زمن الموعود الأخير أيضا.
هنا لا بد من الانتباه إلى سنة الله أنه كلما جاءت نبوءة عن بعثة مرسَل عظيم الشأن صحبها أيضا ابتلاء كامن حتما لبعض الناس. كما كانت هناك نبوءة في كتب اليهود عن عيسى عليه السلام أنه سيأتي حين نزول إيليا من السماء ثانيةً. هذه النبوءة موجودة إلى الآن في كتاب النبي ملاخي، وكانت سبب عثرة كبيرة لليهود، إذ ما زالوا ينتظرون نزول إيليا من السماء ويقولون بأنه لا بد من نزوله قبل أن يأتي مسيحهم الصادق. ولكن ما عاد النبي إيليا إلى الأرض إلى يومنا هذا ولم يأت مسيح ليحقق هذا الشرط.
كذلك كانت هناك نبوءة في التوراة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون من عائلة اليهود، أي من أولاد إبراهيم عليه السلام وسيُبعث فيهم من إخوتهم. وكافة الأنبياء الذين جاءوا في بني إسرائيل فهموا من هذه النبوءة أن نبيَّ آخرِ الزمان سيكون من بني إسرائيل ولكنه (صلى الله عليه وسلم) وُلد في بني إسماعيل، الأمر الذي سبب عثرة كبيرة لليهود. لو وردت في التوراة كلماتٌ صريحة تقول إن ذلك النبي سيكون من بني إسماعيل، وسيولَد في مكة واسمه محمد صلى الله عليه وسلم واسم أبيه عبد الله لما وقع اليهود في هذه الفتنة.
ما دام هناك مثالان على أن الله تعالى يريد ابتلاء عباده أيضا نوعا ما في مثل هذه النبوءات، فالعجب كل العجب أن معارضينا - مع وجود اختلاف كثير في الأحاديث الموجودة عند كل فرقة عن المسيح الموعود من ناحية، ومن ناحية أخرى اعتباره من الأمة بالإجماع - مطمئنون بأن المسيح سينـزل من السماء حتما، مع أن النـزول من السماء أمر لا يُعقل في حد ذاته ويتنافى مع نصوص القرآن. يقول الله تعالى: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا ) ( يقول الامام المهدي : لا يثبت من أي حديث مرفوع متصل أن عيسى سينـزل من السماء. أما كلمة النـزول فتُستخدَم للإكرام والإجلال. كقولهم: نزل الجيش بمكان كذا. كذلك يقال للمسافر: النـزيل. فمن أقصى درجات الغباوة والجهل الاستدلال أن المراد من كملة النـزول وحدها هو النـزول من السماء. )
يقول الامام المهدي : فإذا كان رفع البشر إلى السماء بجسده من عادة الله فلماذا رُفض طلبُ الكفار من قريش بذلك؟ ألم يكن عيسى بشرا، والنبي صلى الله عليه وسلم بشر؟ ألم يذكر الله عند رفعه عيسى عليه السلام إلى السماء وعده القائل: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا)؟ وهل تذكَّر قولَه فورا حين طُلب منه رفعُ النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء؟ مَن كان لديه علم كتاب الله يعرف جيدا أن القرآن الكريم قد شهد بنصه وفصه بموت عيسى، والنبي صلى الله عليه وسلم أيضا شهد الشهادةَ نفسها بفعله أي برؤيته، إذ قد صرّح أنه رأى المسيح عليه السلام في جماعة الأنبياء الأموات. وعلاوة على هاتين الشهادتين هناك شهادة ثالثة وهي شهادتي أنا وهي مبنية على إلهام من الله. فلو لم تظهر لي الآيات من السماء ولم تشهد لي الأرض لكنتُ كاذبا، ولكن إذا ظهرت لي آيات الله وصرّح الزمان بحاجته إليَّ فإن إنكاري بمثابة ضرب اليد على حد سيف بتار.
لقد وقع الكسوف والخسوف في عهدي أنا. وفي زمني تفشى الطاعون حسبما جاء في الأحاديث الصحيحة والقرآن الكريم والكتب السابقة. وفي زمني أنا اكتُشف مركب جديد.. أي القطار. وفي زمني أيضا وقعت الزلازل المخيفة حسب نبوءاتي. أفليس من مقتضى التقوى إذن ألا يتجاسروا على تكذيبي؟
أقول حلفا بالله إنه قد ظهرت ولا تزال وستظهر في المستقبل أيضا ألوف من الآيات لتصديقي. لو كان ذلك من كيد إنسان لما نال تأييدا ونصرة إلى هذه الدرجة. ومما يتنافى مع مقتضى العدل والإيمان خداعُ الناس بتقديم آية أو آيتين فقط من ألوف الآيات التي ظهرت جليا، والقولُ إن نبوءة كذا وكذا لم تتحقق. أيها الجهال والعَمهون والبعيدون عن العدل والأمانة، هل تُعذَرون عند الله إن لم تفهموا كنهَ تحقق نبوءة أو نبوءتين من بين ألوف منها. توبوا فإن أيام الله قريبة، والآيات التي ستهزّ الأرض موشكة على الظهور.
(يقول الامام المهدي في الحاشية : لو عُدَّت آيات الله التي ظهرت تأييدا لي إلى اليوم لكانت أكثر من ثلاث مئة آية. فهل من مقتضى تقواهم إثارة الضجة - عن آية أو آيتين فقط اشتبهتا على معاند - وعدم الاستفادة من هذا القدر الهائل من الآيات؟ ألا يوجد لذلك نظير في نبوءات الأنبياء؟)
يقول الامام المهدي : هذه آيات الله التي أقدمها، فتفكروا هل في أيديكم حجة للمعارضة؟ لكنكم تقدمون أحاديث يشهد القرآن ضدها وتوجد مقابلها أحاديث أخرى، وقد وقعت الأحداث على عكسها تماما. أين الدجال الذي تُرهبون به؟ أمّا الدجال المذكور في: (ولا الضالين) فيحرز التقدم في الدنيا يوما إثر يوم، وتكاد السماء والأرض يتفطرن بفتنته. فلو كانت في قلوبكم خشية الله لكفاكم التأمل في سورة الفاتحة وحدها. ألا يمكن أن يكون فهمكم نبوءةَ المسيح الموعود خاطئا؟ ألا توجد نماذج هذه الأخطاء في اليهود والنصارى؟ فكيف يمكن ألا تخطئوا أنتم؟ ثم أليس من سنة الله أن يمتحن عباده أحيانا بمثل هذه النبوءات كما امتُحن اليهود والنصارى بالتوراة ونبوءة النبي ملاخي، ونبوءة الإنجيل؟ فلا تخرجوا من دائرة التقوى. هل جاء النبي الأخير من بني إسرائيل أو عاد النبي إيليا إلى الأرض كما فهم اليهود وأنبياؤهم؟ كلا، بل أخطأ اليهود في فهم كِلا الأمرين. احذروا فأن الله يحذركم في سورة الفاتحة أن تكونوا مثل اليهود. كان اليهود أيضا متمسكين بظاهر كلمات كتاب الله مثل دعواكم، ولكنهم أُخِذوا ولم يُقبل منهم عذرٌ بما لم يقبلوا ما قاله الحَكَم ولم يستفيدوا من الآيات.
والجدير بالذكر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بُعث في القرن السابع بعد عيسى عليه السلام لأن الله رأى انتشار الضلال على نطاق واسع في اليهود والنصارى إلى القرن السابع. فبعث الله النبي صلى الله عليه وسلم حَكَما لكِلا القومَين. أما الحَكَم الذي كان مقدرا للمسلمين فقد جُعلت مدته ضعف المدة الأولى. وفي ذلك إشارة إلى أن اليهود والنصارى فسدوا إلى القرن السابع، أما المسلمون فستفسد حالتهم في مدة تقدَّر بضعف تلك المدة وسيُبعث حَكَمهم على رأس القرن الرابع عشر.
ثم جلس سيدنا يوسف بن المسيح قليلا ثم تابع الخطبة فقال : الحمد لله - الحمد لله وحده - الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد يقول الإمام المهدي الحبيب :
أعود إلى صميم الموضوع وأقول، كما قلت من قبل أيضا، إن الوحي الأكمل والأتم من أنواعه الثلاثة هو ذلك الذي يدخل في النوع الثالث من العلم، ويكون متلقيه مستغرقا تماما في الأنوار السبحانية. ويسمى هذا النوع من الوحي "حق اليقين". وقد قلت آنفا إن النوع الأول للوحي أو الرؤيا يوصل صاحبه إلى علم اليقين فقط. كأن يرى أحدٌ دخانا في ليلة حالكة الظلام ويستنتج منه على سبيل الظن أنه قد تكون في ذاك المكان نارٌ. وهذا الاستنتاج لا يكون يقينيا قط، لأنه من الممكن ألا يكون ما رآه دخانا، بل قد يكون غبارا يشبه الدخان، أو قد يكون دخانا ولكنه يخرج من أرض فيها مادة نارية. إذن، فإن هذا العلم لا يخلِّص العاقل من الظنون، ولا يسبب له أي تقدم، بل إنما هو بمثابة فكرة تخطر بباله فقط. فالرؤى والإلهامات التي يتلقاها الحائز على هذه الدرجة من العلم تكون نتيجة تكوين دماغي معين ولا تصحبها حالة عملية.
هذا مثال علم اليقين، ومَن كانت هذه الدرجةُ مصدر رؤاه وإلهاماته سيطر الشيطان على قلبه في معظم الأحيان، وعرض عليه أحيانا رؤى وإلهامات لإضلاله فيعتبر صاحبُها نفسَه - بناء عليها - مقتدى القوم أو رسولهم ويهلك. وهذا مثل شخص شقي كان من سكان جامون اسمه جراغ دين الذي كان من جماعتي من قبل ولكنه هلك للسبب نفسه؛ فقد تلقى إلهاما من الشيطان أنه رسول ومن المرسَلين، وأن عيسى عليه السلام أعطاه عصا ليقتل بها الدجال، وقد اعتبرني دجالا، فمات مع ابنيه في عز شبابه بالطاعون حسب نبوءة سجلتُها في كتيب "دافع البلاء ومعيار أهل الاصطفاء". وقرْب أيام موته كتب مقالا بصورة المباهلة ونشره بذكر اسمي وقال: ليهلك الله مَن كان كاذبا بيننا. فهلك مع ابنيه بالطاعون بتاريخ 4 نيسان/أبريل عام 1906م. فاتقوا الله يا معشر الملهَمين.
والحالة الثانية هي كأنْ يرى أحد ضوءا من بعيد في ليلة حالكة الظلام شديدة البرودة، ولكن الضوء لا يزيل برده وإن كان يساعده على رؤية الطريق. هذه المرتبة تسمى عين اليقين. والعارف الحائز على هذه الدرجة يكون على علاقة مع الله تعالى نوعا ما ولكنها لا تكون كاملة. وفي هذه الدرجة يتلقى صاحبها إلهامات شيطانية بكثرة لأن علاقته مع الله لا تكون بقدر ما تكون مع الشيطان.
وفي الحالة الثالثة لا يرى الإنسان ضوء النار في ليلة حالكة الظلام شديدة البرودة فحسب، بل يدخل أيضا في حلقة النار ويشعر بوجودها في الحقيقة، ويزيل بها برده. فهذه هي الدرجة الكاملة التي لا يجتمع الظن معها. وهذه الدرجة تزيل الفتور والانقباض. هذه الحالة تسمَّى حق اليقين ولا ينالها إلا الكُمَّل الذين يدخلون حلقة التجليات الإلهية فتنصلح حالتهم العلمية والعملية.
لا تبلغ الحالةُ العلمية ولا الحالة العملية كمالهما قبل الوصول إلى هذه الدرجة التي لا يحوزها إلا الذين هم على علاقة كاملة مع الله تعالى، ولا يُطلق مفهومُ "الوحي" حقيقيةً إلا على وحيهم، لأنه يكون خلوا من التصرفات الشيطانية، ولا يكون في درجة الظن، بل يكون يقينيا وقطعيا، وهو نور يُعطَونه من الله تعالى. وترافقهم ألوف البركات ويحظون ببصيرة صحيحة لأنهم لا يرون من بعيد بل يُدخَلون في حلقة النور، وتكون لقلوبهم صلة خاصة مع الله سبحانه وتعالى. وكما يريد الله لنفسه أن يُعرَف كذلك يريد لهم أيضا أن يعرفهم عبادُه. لذا يُري لتأييدهم ونصرتهم آيات عظيمة، فكل من يبارزهم يهلك، وكلُّ من يعاديهم يُجعَل ترابا في نهاية المطاف. يبارك الله في كل قولهم وتصرفهم ولباسهم وبيتهم، ويوالي أولياءهم ويعادي أعداءهم، ويسخِّر الأرض والسماء لخدمتهم. وكما لا يسع -بالنظر إلى ما في الأرض والسماء من مخلوقات- إلا الاعتراف أن لها إلها، كذلك نظرا إلى كافة أنواع النصرة والتأييدات والآيات التي يظهرها الله تعالى من أجلهم لا يسع إلا أحدا الاعتراف بأنهم مقبولون في حضرة الله. فيُعرَفون بتلك النصرة والتأييدات والآيات لأنها تكون من الكثرة والجلاء بحيث لا يسع أحدا أن يشاركهم فيها.
وكما يريد الله أن يرسخ حبه في القلوب بصفاته الأخلاقية كذلك يضع في صفاتهم الأخلاقية تأثيرا معجزا فتنجذب إليهم القلوب تلقائيا. إنهم قوم غرباء، فهُم بعد الممات يحيون وبعد الفَقْد ينالون. ويسلكون مسالك الصدق والوفاء بقوة بحيث تعمل لهم سنة الله على وجه أخصّ، وكأن لهم إلـهًا آخر تماما لا تعرفه الدنيا. فيعاملهم سبحانه وتعالى معاملة لا يعامل بها أحدا غيرهم قط. فمثلا لما كان سيدنا إبراهيم عبدا صادقا ووفيا لله فقد أعانه سبحانه وتعالى في كل موطن ابتلاء. وحين ألقي في النار ظلما أبردها الله له. وحين أراد ملِكٌ سيئ الأخلاق سوءا بزوجته أنزل الله بلاء على الأيدي التي أراد بها إتمام نيته السيئة. ثم حين ترك إبراهيم ابنه الحبيب بأمر من الله تعالى في واد في منطقة جبلية لا ماء فيه ولا زرع ولا طعام، هيأ الله له من الغيب ماءً وطعاما.
من الواضح أن هناك كثير من الناس يقتلهم الظالمون أو يلقونهم في النار أو يُغرقونهم في الماء ولا يصلهم من الله عونٌ مع كونهم أبرارا؛ منهم مَن يغتصب الخبثاءُ زوجاتهم، ومنهم مَن يموت أولادهم عطشا في الفلاة ولا يُهيَّأ لهم ماءُ زمزم من الغيب. فمن هنا يُفهَم أن معاملة الله مع كل شخص تختلف بحسب طبيعة علاقته معه تعالى . مع أن المصائب تحل بأحباء الله أيضا ولكن نصرة الله تكون حليفة لهم بصورة واضحة. ولا تقبل غيرة الله بحال من الأحوال خزيهم وذلتهم، ولا يقبل حبُّه لهم أن يُمحى اسمهم من الدنيا.
وأصل الكرامات أن الإنسان عندما يصبح لله بكل وجوده ولا يبقى بينه وبين ربه حجاب، ويتخطى جميع مراتب الصدق والوفاء التي تحرق الحجب، عندها يُجعَل وارثا لله وقدراته سبحانه وتعالى، ويُظهر الله تعالى من أجله أنواع الآيات التي يكون بعضها لدفع الشر وبعضها الآخر لإفاضة الخير. ومنها ما يتعلق بنفسه ومنها ما يتعلق بأهله. وغيرها يتعلق بأعدائه والأخرى بأصدقائه. وبعضها يتعلق بمواطنيه، وبعضها ذو طابع عالمي. وبعضها متعلق بالأرض والآخر بالسماء. فباختصار، لا تكاد تكون آية إلا وتُظهَر من أجله. وهذه المرحلة لا تتطلب جهدا مضنيا، ولا حاجة لأي كلام عنها هنا، لأنه لو نال أحد هذه الدرجة في الحقيقة لما وسع الدنيا أن تبارزه قط. ومَن سَقط عليه يَترَضَّض، ومَن سَقَطَ هو عليه يَسْحَقه، لأن يده تصبح يد الله، ووجهه وجه الله، ولا يسع أحدا أن يبلغ مقامه.
والظاهر أن كثيرا من الناس (الأثرياء منهم) يملكون الدراهم والدنانير ولكن لو تجاسروا على منافسة الملك الذي كنوزه منتشرة في الشرق والغرب، فماذا عسى أن تكون نتيجة هذه المنافسة إلا الخزي والهوان؟ لا شك أن أمثال هؤلاء المنافسين يهلكون حتما وستُصادَر دراهمُهم ودنانيرهم القليلة أيضا.
من أسماء الله الحسنى "العزيز" ولا يُكرم بعزته أحدا إلا الذين يفنون في حبه. ومن أسمائه تعالى "الظاهر" ولا يُنعم أحدا بظهوره إلا الذين هم بمنـزلة توحيده وتفريده، وفنوا في حبه حتى أصبحوا بمثابة صفاته، فيهبهم نورا من نوره وعلما من علمه فيعبدون هذا الحبيب تعالى بكل قلبهم وروحهم وجُلِّ محبتهم ويبتغون مرضاته كما يريد.
إن الإنسان يدّعي عبادة الله، ولكن هل يمكن أداء حق العبادة بمجرد كثرة السجود والقيام والركوع؟ أو هل يمكن أن يُعدَّ من عباد الله أولئك الذين يمرِّرون حبات السُّبحة بكثرة؟ بل الحق أنه لا يمكن أن يؤدي حق العبادة إلا الذي جذبه حب الله حتى يزول وجوده من الطريق نهائيا.
أولا، لا بد من اليقين الكامل بذات الله ثم الاطلاع الكامل على حسنه وإحسانه، ثم تتقوى علاقة الحب معه سبحانه وتعالى حتى يغلي الصدر بحرقة الحب دائما، وتتراءى هذه الحالة في الوجه على الدوام، وتترسخ عظمة الله في القلب لدرجة تصبح الدنيا إزاءه تعالى كجيفة. ويرتبط كل نوع من الخوف بذاته سبحانه وتعالى ويتمتع الإنسان بالألم من أجله، وتكون المناجاة معه مدعاة لراحته ولا يطمئن القلب ولا يستقر له قرار إلا معه تعالى. فإذا تحققت هذه الحالة فهي التي تسمَّى العبادة الحقيقية. ولكن أنّى لها أن تتحقق دون عون الله الخالص. لذا فقد علَّمنا الله تعالى دعاء (إياك نعبد وإياك نستعين).. صحيح أننا نعبدك يا ربّ ولكن أنّى لنا أن نؤدي حق العبادة ما لم نحظ بعون خاص منك. إن عبادة الله باعتباره المحبوب الحقيقي هي الولاية التي لا مقام بعدها. ولكن هذا لمقام لا يُنال إلا بعونه تعالى. والعلامة على نيله أن تترسخ عظمة الله وحبه في القلب، ويتوكل الإنسان عليه تعالى وحده ولا يحب إلا إياه، ويؤثره على كل شيء، ويجعل ذكره هدف حياته. وإذا أُمر مثل إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه العزيز بيده أو طُلب منه إلقاء نفسه في النار فينفِّذ مثل هذه الأوامر القاسية أيضا بدافع المحبة ويسعى لنيل مرضاة ربه بحيث لا يدخِّر في طاعته جهدا. إن هذا الباب ضيق جدا، وهذا الشراب مُرٌّ شديد المرارة، فقليل هم الذين يدخلون هذا الباب أو يشربون هذا الشراب. تجنب الزنا ليس بالمهمة الكبيرة، وعدم قتل أحد بوجه غير حق ليس من الأمور العظام، والامتناع عن الإدلاء بشهادة الزور ليس بالعمل الجبار، أما إيثار الله تعالى على كل شيء واختيار أنواع مرارة الدنيا من أجله بحب صادق وحماس حقيقي، بل خلْق الإنسانِ أنواعَ المرارة لنفسه بيده مرتبة لا ينالها إلا الصادقون. وهذه هي العبادة التي أُمر بها الإنسان. والذي يؤدي هذه العبادة يترتب على فعْله هذا فعلٌ من الله، ويسمَّى إنعاما كما يعلِّمنا تعالى في القرآن الكريم دعاء: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ). فمن سنة الله سبحانه وتعالى أنه حين تُقبَل في حضرته خدمةٌ يترتب عليها إنعام حتمًا. فالخوارق والآيات التي لا يسع الآخرين أن يأتوا بنظيرها هي أيضا إنعامات إلهية تنـزل على خواص عباده.
ولله در من قال في بيتين – بالفارسية - تعريبهما:
"يا من كان أسير الهوى في حياته كلها، أنّى لك أن تحظى بالنصرة الإلهية مع سواد نفسك. فإن أبديت الصدق مثل موسى فليس غريبا أن يغرق فرعون". (انتهت الترجمة)
فملخص الكلام أنه لا ينال أحد إنعامَ وحيٍ مقدس وطاهر دون الوصول إلى الدرجة الثالثة. ولا يفوز بهذا الإنعام إلا الذين يفنى وجودهم وينالون من الله حياة جديدة. إنهم يقطعون علاقات نفوسهم كلها وينشئون علاقة كاملة مع الله تعالى. عندها يصير وجودهم مظهرا للتجليات الإلهية، ويحبهم الله. ومهما أخفَوا أنفسهم أظهرهم الله على الملأ. وتظهر بواسطتهم آيات تؤكد أنه تعالى يحبهم. لا يسع الدنيا أن تبارزهم في أي شيء، لأن الله يكون معهم في كل موطن، ويد الله تعينهم في كل مجال. تظهر لتأييدهم ونصرتهم ألوف من الآيات. وكل من لا يتوقف عن معاداتهم يُهلَك في نهاية المطاف بخزي كبير، لأن الله يعتبر عدوهم عدوا له. إن الله حليم ويعمل بحِلم، ولكن الذي لا يتوقف عن عداوتهم بل يشمر عن ساعديه لإيذائهم قصدا يصول الله تعالى لاستئصاله كما تصول اللبؤة بغضب وحماس على مَن أراد أن يقتل شبلها ولا تتركه مالم تمزقه إربا. إن أحباء الله وأولياءه يُعرفون عند المصائب حين يعزم أحد على إيذائهم ويصر على تعذيبهم ولا يتوقف، عندها ينـزل الله عليه كصاعقة ويحيطه بغضبه كما يحيط الطوفان، ويُظهر سريعا أنه معه. كما ترون أنه لا مجال للاشتباه بين ضوء الشمس وضوء اليراعة. كذلك لا مجال للاشتباه بين النور الذي يُعطَونه والآيات التي تُظهَر لهم والنعم الروحانية التي يُعطَونها وبين أي شيء آخر. ولا يوجد لهم نظير في أي شخص آخر. الله تعالى ينـزل عليهم، وقلبُهم يصبح عرشه ويصيرون شيئا آخر تماما لا تدرك الدنيا كنهه.
أما السؤال: لماذا يقوي الله سبحانه وتعالى العلاقة معهم على هذا النحو، فجوابه أن الله قد خلق فطرة الإنسان على شاكلة وعاء لا يمكن خلوُّه من الحب أيًا كان نوعه، أي أن بقاءه خاليا وفارغا مستحيل. فإذا خلا قلب تماما من حب النفس وأمانيها وحب الدنيا وأمنياتها، وتخلص من شوائب الحب السفلي وحب غير الله، ملأه سبحانه وتعالى بحبه بواسطة تجليات حسنه وجماله. الدنيا تعاديه، وبما أنها تمضي تحت ظل الشيطان لذا لا يمكن لها أن تحب الصادقَ. ولكن الله تعالى يحمله في حضن عطوفته كما يُحمَل الطفلُ. ويُري له أعمال القوة الإلهية التي برؤيتها تبصر كل عين مبصرة وجهه. فباختصار، إن وجوده يكون مظهرا لله تعالى، وبه يُعلم أن الله موجود فعلا.
والجدير بالذكر أيضا أنه كما تكون رؤى الحائزين على الدرجة الثالثة واضحة تماما، ونبوءاتهم تتحقق أكثر من غيرهم وتكون متعلقة بالأمور العظام ومن الكثرة كأنها بحر زخّار، كذلك تكون معارفهم أيضا أكثر من كافة بني البشر كيفًا وكمًّا. ويعثرون بكلام الله على معارف لا يعثر عليها الآخرون لأنهم يُنصرون بروح القدس. ويعثرون بكلام الله على معارف لا يعثر عليها الآخرون لأنهم يُنصرون بروح القدس. وكما يُعطَون قلبا حيا كذلك يُعطَون لسانا ناطقا. وتخرج معارفهم من ينبوع الحال وليس من وحل القال. توجد فيهم كافة حالات الفطرة الإنسانية الطيبة، لذا يُنصرون بجميع أنواع النصرة. تُفتح صدورُهم ويوهَبون شجاعة غير عادية في سبيل الله. لا يخافون الموت في سبيل الله، ولا يهابون الاحتراق في النار. يرتوي العالَمُ بلبنهم وتتقوى بهم القلوب الضعيفة. قلوبهم فداء ابتغاء مرضاة الله. يصبحون لله وحده فيصبح الله لهم. وحين يخضعون لله بكل قلوبهم يتوب الله عليهم بالمثل فيعلم كل إنسان أن الله يقف معهم في كل موطن. الحق أنه لا يَعرف رجالَ الله إلا الإله القدير الذي ينظر إلى القلوب. فالقلب الذي يجده تعالى قد أتى إليه حقيقة يُري له أمورا عجيبة وغريبة، ويقف لنصرته في كل موطن، ويُري له قدرات تكون خافية على الدنيا، ويري له غيرة لا يمكن لقريب أن يُريها لقريب. يرزقه تعالى علما من علمه وفطنة من فطنته، ويجعله فانيا فيه (أي في الله) بحيث تنقطع علاقاته بالناس كافة. فهؤلاء الناس يموتون في حب الله تعالى ويولَدون ولادة جديدة ويرثون وجودا جديدا بعد الفناء. يخفيهم الله عن أعين الأغيار كما هو سبحانه وتعالى مخفي بنفسه. ومع ذلك يُلقي نوره على وجوههم وينير جباههم فلا يبقون في خفاء. وإذا حلّت بهم مصيبة لا يتقاعسون بل يتقدمون إلى الأمام. ويكون يومهم الحاضر أفضل من يومهم الماضي من حيث المعرفة والحب، وتكون علاقة حبهم في ازدياد مستمر. لا تُردُّ أدعيتهم ولا تضاع لشدة حبهم وتوكلهم وتقواهم لأنهم يفنون في ابتغاء مرضاة الله ويتخلون عن مبتغاهم، فيبتغي الله تعالى أيضا رضاهم. يكونون مختفين في الحجب فلا تعرفهم الدنيا لأنهم يذهبون بعيدا عنها كثيرا. وكل مَن يُبدي عنهم آراء سطحية يهلك. لا يصل كنههم صديق ولا عدو، لأنهم يكونون مستورين تحت رداء الله الواحد الأحد. لا يعرف حقيقتهم الكاملة إلا الذين صاروا في حبه نشوانين. إنهم قوم ليسوا إلها، ومع ذلك ليسوا منفصلين عن الله ولو لحظة واحدة. إنهم أكثر الناس خشيةً لله، وأكثر الناس وفاء لله، وأكثر الناس صدقا وصمودا في سبيله تعالى. إنهم أكثر الناس توكلا على الله سبحانه وتعالى وأكثرهم ابتغاء لمرضاته وأكثرهم صحبة له تعالى، وأكثرهم حبا لربهم العزيز. ويصلون في العلاقة بالله تعالى مقاما لا تدركه نظرة الإنسان؛ فيجري الله تعالى إليهم بنصرة خارقة وكأنه إله آخر تماما، ويُري من أجلهم أمورا لم يُرها للغير منذ أن خُلقت الدنيا.
وأقم الصلاة.
ثم قام بلال اليوسفيين بإقامة الصلاة وصلى نبي الله الجمعة ركعتين وقرء في الركعة الأولى سورة الفاتحة وسورة الإنفطار .
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ * إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ * ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ * صِرَ ٰطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ .
(بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ إِذَا ٱلسَّمَاۤءُ ٱنفَطَرَتۡ وَإِذَا ٱلۡكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتۡ وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ فُجِّرَتۡ وَإِذَا ٱلۡقُبُورُ بُعۡثِرَتۡ عَلِمَتۡ نَفۡسࣱ مَّا قَدَّمَتۡ وَأَخَّرَتۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡإِنسَـٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِیمِ ٱلَّذِی خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ فِیۤ أَیِّ صُورَةࣲ مَّا شَاۤءَ رَكَّبَكَ كَلَّا بَلۡ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّینِ وَإِنَّ عَلَیۡكُمۡ لَحَـٰفِظِینَ كِرَامࣰا كَـٰتِبِینَ یَعۡلَمُونَ مَا تَفۡعَلُونَ إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِی نَعِیمࣲ وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِی جَحِیمࣲ یَصۡلَوۡنَهَا یَوۡمَ ٱلدِّینِ وَمَا هُمۡ عَنۡهَا بِغَاۤىِٕبِینَ وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا یَوۡمُ ٱلدِّینِ ثُمَّ مَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا یَوۡمُ ٱلدِّینِ یَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسࣱ لِّنَفۡسࣲ شَیۡـࣰٔاۖ وَٱلۡأَمۡرُ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلَّهِ)
وقرء في الركعة الثانية سورة الفاتحة وسورة العصر .
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ * إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ * ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ * صِرَ ٰطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ .
(بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ وَٱلۡعَصۡرِ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِی خُسۡرٍ إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلصَّبۡرِ)
ثم جمعَ صلاة العصر .
والحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق