في بحر وِتْرِ الكثرة و الملكوت .
:
أعجب
ممّن أسميهم أصحاب الأسلوب الفيزيائي في عرضهم للتحليلات و الأفكار و التفسيرات .
أولئك لا يعلمون أنهم يخاطبون الإنسان ذلك الكائن الحي المكلف , لكنّ الله علم و
بما أنه يعلم فقد راعى طبيعة الكيان الحي فأرسل وحيه لرسله و لهم بأسلوبٍ ناعم
منسجم مع طبيعتهم البيولوجية هذه الطبيعة الحية لا يناسبها إلا أسلوب الأحياء
للإحياء . لاحظ معي دقة تنفس الصبح و تدرجه و انسيابية ظهوره و نعومة ذلك . كذلك
هي الصفة البيولوجية في الكائن الحي . هكذا يكون الوحي و أسلوب الأحياء للإحياء .
أنت لا تحدث آلات و لا ماكينات و لا سيورا و فلاتر . بل أنت تحدث نفسيات و كيمياء
حيوية , فدعكم من أسلوب الفيزياء الصادم المجرد عن رعشة و خفقات الروح في القلب و
العقل .
إنّ
كلمات الحياة تعبّر عن نفسها , تأخذك بعيدا و أنت في مكانك و زمانك لأزمان
ماورائية و أماكن ليست كالأماكن تسافر معك في بحر و تر الكثرة و الملكوت . هي ليست
كلمات فيزيائية الأسلوب , بل هي ذات نفسٍ حي مكتظ بالبيولوجيا و أسلوب الحياة حياة
تنفّسٍ الصبح و دقة طلوعه الناعم , كلماتٍ ليست كالكلمات , بل تكون مفعمة ببصمة
نبض الروح القدس , قد تصلون إلى حائط فهم المعنى المراد , لكن لن يفهمني بقوة و
غزارة إلا من من غرس نفسه في طينة الروح و تلقّى مع المتلقّين , أعلمُ أنه ليس
بإرادتك و لا بقدرتك و لكنها برجائك و تحننك و تلطفك لتحقيق رغبات الروح .
تلك
الروح المطلقة الطاهرة بأصلها , نحن لا نتحدث عن الأنفس فمنها الطاهر و منها
الخبيث , أما الروح فلا تنجس و لا تخبث ابدا , و لو حدث أنّ نبي عبّر عن النفس
بلفظ الروح فقال روح طيبة و أخرى خبيثة فهو من باب المجاز لا الحقيقة . فمقصده
دوما هو النفس . و ذلك مراعاةً لمنهج تدرج الخطاب في الأمم عبر القرون .
نعم
, إنّ الروح لا تنجس و لا تخبث أبدا , فقط قد ترتاح و قد تتأذى من آثار تفاعل
الجسد و العقل و الوجدان معها , إما تفاعلٌ إيجابيّ و إما تفاعلٌ سلبيّ , و
بالناتج تكون طبيعة النفس و درجاتها و نقطتها في السماء , فيا أصحاب الأسلوب
الفيزيائيّ في مخاطبة الناس , فلتكونوا بيولوجيين أصحاب أسلوب بيولوجي منسجم مع
الخلية الحية إنسجام الوحي مع الحياة الكامنة فينا , و ليست الروح هي العقل الباطن
كما يدعي الفيزيائيين بل العقل الباطن هو درجة من درجات العقل المخلوق في الكتاب
منذ الأزل . أما الروح فهي أمر آخر بديع .
و
اعلموا أنّ أعماركم قصيرة يا أصحاب الأسلوب الفيزيائيّ , أعماركم قصيرة قصر أثر
مقالاتكم . لأنّ ما كان من بحر وتر الكثرة و الملكوت يبقى , و ما كان من دونه يفنى
و تذروه الرياح . فيا من تحاولون تفسير الماورائيات بالفيزياء و ما تسمونهبالحقل
الكوني , تفسيراتكم ستظل قاصرة , لأنكم لم تطلقوا لطاقاتكم الحية طاقات الخلية
الحية لم تطلقوا لها العنان لتسبح في السماء , لم تحاولوا أن تتعرفوا على مشكاة
زيت الزيتون , لم تحاولوا أن تقوموا بجسّ الروح و الإحساس بها في عالم الخيال و
الأحلام .
لمْ
تنظروا خلف الحجب عبر الأفق , نظرتكم قصيرة فيما بين الأقدام , ألا فلترفعوا رؤوسكم للأمام ثم ارفعوها مرة أخرى
إلى الأعلى حيث فيض الحياة . لا تفسروا بالفيزياء فتقصر أعماركم , فسروها بالحياة
لتطول أعمار كلماتكم أعمار كلمات النبيين , هي تقول لكم أنها ما ورائيات أي ماوراء
الطبيعة أي الميتا فيزكس أي خلاف الفيزياء المشهودة فكيف تفسرونها بالفيزياء
المعلومة . فلتكن كلماتكم كلمات النبيين لتكون التزكية لمستمعيكم تلك التزكية التي
تجعل العيون تدمع و القلب يخفق و الجلود تقشعرّ .
الحق
و الحق أقول : إنّ أقلامكم تئنّ من رتابة نفوسكم و عقولكم و تكلّس وجدانكم , إنّ
أجسادكم سقيمة و أرواحكم متألمةٌ تألمٌ كامن لن يظهر للعيان إلا حين ترى عيون
أجسادكم رماد ما كتبتموه تذروه الرياح ذروا . حينها تدخل تلك الرمادة خياشيمكم
فتشعرون كم هي سطحية و كئيبة و ساذجة . و كم أنتم مبتعدون عن أصل الحياة في بحر
وتر الكثرة و الملكوت . د محمد ربيع , مصر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق