راية المسيح الموعود

راية المسيح الموعود

الأربعاء، 24 فبراير 2016

مشرط الجرّاح المتمكّن ...




مشرط الجرّاح المتمكّن ...
:
أحكي أحاسيسي الجراحية أثناء الأداء الجراحي , أشعر بلذّة عامرة و عارمة كلما أقفلتُ موسكيتو , تكّاتُ الآلة الجراحية تنعشني , أستمتع عندما أربط وريدا أو شريانا , اسعد عندما أسلّك ناصورا أو ساكا , أتحرك بأصابعي لأكلات المشرط الصارمة , أحنو على الأنسجة كأنها ابنتي أو ولدي . أحترمها و أرحمها لتنجو . عندما آخذ الغرز المختلفة و كأنني آكل جاتوها أو أمضغ علكة حلوة . أشمّ أنفاس الدياثيرمي و أتراقص به في كل اتجاه بحذر و ارتياح . أجفف الدماء و أمنع تسربها , احفظها و أبقيها . أحب عملي و جراحاتي المختلفة . كل عملية كسيمفونية , موسيقى تنفذ إلى أعصابي و عقلي تشدّ وجداني فتسمو معها روحي كسبب من أسباب سموّها الآني . إنساني كلماتي , غرزي و ربطاتي , تكّاتي و حياتي .
أقصّ و أربط , أحكي و أسكت . لحظات جراحية ممتعة تنسلخ وحدها ككائن حي أنظر إليه . أنظر لتلك اللحظات و تلك الدّقّات لأسير نحو الإبداع و الإتقان و التّمكّن . جزء من شخصيّتي و نظراتي و همساتي .
أذكر تلك الأوقات التي كنتُ أُطعِمُ فيها العصافير في المدينة الجامعية كسر الخبز الجاف . أكسر كسر الخبز الجاف كسرا أصغر و أصغر بيديّ منتظرا تلك العصافير التي كانت تحل في شرفة غرفتي ضحى كل يوم . أنثر تلك الكسرات على أرض الشرفة و أجلس على السرير ساندا ظهري إلى الحائط أنظر إليها و هي تأكل ملتقطة خبزي بكل رقة و سرعة , إحساس رائع يهزّ وجداني ذلك الذي كنت أشعر به فور التقاط تلك العصافير لكسرات خبزي . حتى لما انتقلت لمنزلي بالقاهرة كنت أجلس وحيدا أتأمل و أفكر و أدرس , لطالما نزلت دموعي ساخنة  هنا أو هناك . أربّتُ على كتف وجداني و رياح الذكريات , تذكّرت أبي الحبيب فبكيت , تذكّرت حنين طفولتي فبكيت و تذكرت جبل موسى و مكالمات النبيين فبكيت . لي محاورات و خبرات مع دمعاتي تلك التي تسير في مسارات الدنيا و الدين .
و كما كنت أطعم العصافير كسرات الخبز الجاف كذلك كنت أجلب ملعقة الشاي و أغرف بها غرفة من السكر على رخامة النملية لأطعم النمل الفارسي في المطبخ , كنت أجلس على كرسيٍّ بجوار تلك الرخامة و أراقب أكلات تلك النملات , كنت ساعات أخرى أملأ الملعقة بالعسل و أراقب تلك النملات و هي تشرب ببطء و حنان , كنت أدرس و أراقب , كذلك هي حالتي السائدة . ثم أخلد إلى السرير و بعد استيقاظي أذهب لها لأرى وقع مرور الزمن على محتوى تلك الملعقة . لقد اختفى العسل و السكر . فأفيض بزيادة في دائرة مستمرة . أملأها مرة أخرى و أستمتع بالعطاء دوما .
العصافير و النمل كائنات حنونة منظمة و دقيقة تعلمك السرعة و الصبر و الدقة دقة مشرط الجراح المتمكّن . د محمد ربيع , مصر .

=========

أعجبنيتعليقمشاركة

Ahmed Atta

ممتاز.... ربي يجعلك من المقبولين في السماء.
تم تعديله · إلغاء إعجابي · ‏1‏ · رد · حذف · إبلاغ · منذ ‏9‏ ساعات

د.محمدربيع طنطاوي-

آمين يا رب العالمين , نحن و إياكم أخي الحبيب
أعجبني · ‏1‏ · رد · تعديل · منذ ‏9‏ ساعات

Hany Gendy

الطب في الاساس هو الرحمة وهو الحكمة ...أسأل الله تعالي أن يحفظكم ويبارك فيكم..اللهم اّمين
إلغاء إعجابي · ‏1‏ · رد · حذف · إبلاغ · منذ ‏9‏ ساعات

د.محمدربيع طنطاوي-

جزاكم الله خيرا و أحسن الرحمن إليكم. آمييييين .
أعجبني · ‏1‏ · رد · تعديل · منذ ‏8‏ ساعات

Atef Nour

كم هو جميل حبك لمهنتك دكتور محمد ربنا يوفقك
إلغاء إعجابي · ‏1‏ · رد · حذف · إبلاغ · منذ ‏8‏ ساعات

دافو الشبلي

حقا انك مبدع حماك الله ورعاك وجعلك الله رحمة لعباده باركك الله وزادك عمرا وفضلا ونعبما امين
إلغاء إعجابي · ‏1‏ · رد · حذف · إبلاغ · منذ ‏6‏ ساعات

د.محمدربيع طنطاوي-

أحسن الرحمن إليك أخي عاطف
أعجبني · رد · تعديل · منذ ‏5‏ ساعات

د.محمدربيع طنطاوي-

شكرا جزيلا دافو الشبلي جزاكم الله خيرا و لكم بمثل ما دعوتم به لي آمييين . جزانا و إياكم أختي الكريمة المباركة . سلامي إلى بلاد الشام أرض نبوءات النهاية
تم تعديله · أعجبني · ‏1‏ · رد · تعديل · منذ ‏5‏ ساعات

عهد البراقي

متناثر ة الأفكار .. تشتد لتوترنا ثم تنخفض لتهدئتنا وتحكي بنغماتها عشرات الحكايات والمشاعر الإنسانية ..هكذا هو الجراح هكذا هو ملاك الرحمة يجد نفسه حينما يتولى إنقاذ نفس أخرى ويسعد حينما يزيل ألم الآخر ..سمفونية غنية بالنغمات
تم تعديله · إلغاء إعجابي · ‏1‏ · رد · حذف · إبلاغ · منذ ‏4‏ ساعات

د.محمدربيع طنطاوي-

أحسنت أختي الكريمة . تعبير رائع يحمل نسمات الشام و ياسمينه العطر
أعجبني · رد · تعديل · الآن

سليم كردي

مبضع الجراح . يامبضع الجراح كم انت تؤلم . لكن المك يشفي القروح المتعفنة في الاجساد الصلبة . لذلك كم من مبضع يحتاج اليه جسد هذه الامة الصلبة التي ارهقتها القروح فاخذت تترنح من ثقل المصاب . لطفا رباه بمبضعك على هذه الامة فقد ترامت اطرافها وغزاها جيوش من الجراثيم لثبوت مناعتها ونوم مقاومتها . فاعمل بها لطفك ليزول المها .

د.محمدربيع طنطاوي-

آمييين . نظرة عميقة , جزاكم الله خيرا و أحسن إليكم آميين آمييين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق