درس القرآن و تفسير الوجه الثالث من النور .
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
أسماء إبراهيم :
شرح سيدي و حبيبي نبي الله يوسف بن المسيح ﷺ الوجه الثالث من سورة النور المباركة ، و بدأ نبي الله الحبيب جلسة التلاوة المباركة بقوله :
الحمد لله ، الحمد لله وحده ، الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و من تبعه من أنبياء عهده و بعد ، لدينا اليوم الوجه الثالث من أوجه سورة النور .
___
و ثم قام نبي الله يوسف الثاني ﷺ بشرح الوجه فيقول :
في هذا الوجه المبارك ، يقول تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} :
(يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان و من يتبع خطوات الشيطان) فيتبين من اللفظ القرآني المبارك أن الشيطان يأتي للإنسان بالتدريج و يأتيه خطوة خطوة ، فيُحذر الله سبحانه و تعالى عباده من كيد الشيطان و من حربه الخفية و من وسوسته ومن طرقه و من تدريجاته و من تدرجاته ، (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان و من يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء و المنكر) فإن أصل وسوسة الشياطين و طرق الشياطين و خطوات الشياطين ؛ الأمر بالفحش و المنكر من الفعل و القول ، (و لولا فضل الله عليكم و رحمته ما زكا منكم من أحد أبداً) أي و لولا فضل الله من وصاياه و عظاته و أنبياءه و تعاليمه و كتبه و رسله ما تزكى أحد منكم و ما تطهر أحد منكم و ما ترقى أحد منكم أبداً ، (و لكن الله يزكي من يشاء) الله سبحانه و تعالى يُزكي من أراد ، من كانت عنده الإرادة للتزكي فإن الله يُزكيه و يُطهره و يُعلمه و يُعطيه من علمه العظيم و من عرفانه المبين ، (و الله سميع عليم) الله سميع يفيض من صفة سماعه على المؤمنين فيتلقون الوحي ، و عليم يفيض من صفة علمه على المؤمنين فيتلقون العلم و هو أيضاً الوحي ، و في الوجهين السابقين قال تعالى : (و لولا فضل الله عليكم و رحمته و أن الله رؤوف رحيم) و في الوجه الآخر قال تعالى : (و لولا فضل الله و رحمته و أن الله تواب حكيم) الآيتان تريدان أن تقولا أنه لولا فضل الله عليكم و رحمته لنزل بكم عذاب أليم ، و لكن الله رؤوف رحيم ، و لكن الله تواب حكيم .
___
{وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} :
(و لا يأتل أولوا الفضل منكم و السعة أن يؤتوا أولي القربى و المساكين و المهاجرين في سبيل الله و ليعفوا و ليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم و الله غفور رحيم) هذه الآية نزلت في أحد أقارب أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- و كان يسمى مِسطَح ، و مِسطَح هذا كان يتلفظ بالقول السّيّيء في حادثة الإفك ، و كان يتكلم بما ليس له به علم ، و كان ممن وقع عليه حد القذف فجُلد ثمانين جلدة ، هو و غيره من الذين وقعوا في النفاق و خاضوا في عِرض عائشة -رضي الله عنها- ، و كان مسطح هذا من أقارب أبي بكر ، و كان من الأقارب و كان أيضاً مسكيناً و من المهاجرين ، و كان أبو بكر يعطف عليه و يُعطيه من الأموال و النفقات بإستمرار ، فأقسم أبو بكر و حلف بالله عز و جل بعد تلك الحادثة ألا ينفق على مسطح مرة أخرى ، و لكن الله أنزل (و لا يأتل أولوا الفضل منكم) أي لا يحلف أولي الفضل منكم ، و السعة أن يؤتوا أولي القربى و المساكين و المهاجرين في سبيل الله و ليعفوا و ليصفحوا) و هنا يُبين الله سبحانه و تعالى أنه قَبِلَ توبة مسطح و قَبِلَ توبة الذين حُدُّوا في حد القذف ، و قال تعالى : (و ليعفوا و ليصفحوا) لأن الله عفا و صفح و قَبِلَ منهم التوبة ، و لأن الحد في حد ذاته يُطهر من الذنب ، (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) هنا يُحبب الله سبحانه و تعالى الغفران ، يُحبب الغفران لبني البشر لكي يغفر الله لهم ، (ألا تحبون أن يغفر الله لكم و الله غفور رحيم) الله غفور و يُفيض من غفرانه عليكم فكونوا غفورين ، و هو رحيم يُفيض من رحمته على المؤمنين فكونوا رحيمين .
___
{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} :
(إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا و الآخرة و لهم عذاب عظيم) هنا تأكيد و تخصيص لعذاب أليم لمن يقع في قذف أو لمن يقع في حد القذف لمحصنة غافلة مؤمنة ، بأنه ملعون في الدنيا و الآخرة و له عذاب عظيم ، و كان الله سبحانه و تعالى قد قال في الوجه الأول من سورة النور : (و الذين يرمون المحصنات) فقال المحصنات بشكل عام أي العفيفات بشكل عام و لم يقل المؤمنات ، فهنا في هذه الآية خصص التغليظ و التعنيف في ذنب القذف الخاص بالمؤمنات ، (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات) أي أن الله سبحانه و تعالى يُحذر من قذف المحصنات بشكل عام و كذلك هنا يُحذر من قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ، تأكيداً على حُرمة هذا الذنب و عِظَمه عند الله عز و جل ، و هددهم و قال بأن لعنة سبحانه ستسير عليهم و تحل عليهم في الدنيا و الآخرة و أن عذاب عظيم آتيهم لا محالة ، إن لم يتوبوا و يستغفروا .
___
{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} :
(يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون) يوم القيامة تتكلم ألسنتهم و تتكلم أيديهم و تتكلم أرجلهم بما كانوا يفعلون من آثام و ذنوب ، و من ذلك الحد ، حد القذف الذي وقعوا فيه ، فيُهدد سبحانه و تعالى بعذاب عظيم و بفضيحة عُظمى أن تشهد أعضاءهم عليهم يوم القيامة ، ليكون ذلك زاجراً لهم كي ينتهوا عن هذا الذنب في الدنيا .
___
{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} :
(يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق و يعلمون أن الله هو الحق المبين) يوم القيامة ، يوم الدينونة يوفي الله سبحانه و تعالى الإنسان على قدر ما صَلُحَ من دينه و هو (دينهم الحق) أي ما صَلُحَ من دين الإنسان و كان مُخلصاً خالصاً و كان داخلاً في درجة الإحسان ، (و يعلمون أن الله هو الحق المبين) في ذلك اليوم يتيقنون أن الله هو الحق و هو المُبين و هو المُرسل و هو الباعث .
___
{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} :
و يؤكد سبحانه و تعالى فيقول : (الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات و الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات) و درج عند كثير من الناس أن هذا معناه ؛ أن الخبيث يتزوج خبيثة بالضرورة و أن الطيب يتزوج الطيبة بالضرورة ، و هذا تفسير غير صحيح ، إنما الصحيح : (الخبيثات) أي الأخلاق الخبيثة هي للخبيثين ، (و الخبيثون للخبيثات) أي الخبيثون لهم الأخلاق الخبيثة تخرج منهم و تأتيهم ، (و الطيبات للطيبين) أي أن الصفات الحميدة و الأخلاق الطيبة و الأعمال الطيبة هي للطيبين و من الطيبين ، (و الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات أؤلئك مبرؤون مما يقولون) أي هؤلاء الطيبون مبرؤون مما يقول عنهم الناس من أذى و سبٍ و قذفٍ و إفتراءٍ و سخريةٍ ، (لهم مغفرة و رزق كريم) هؤلاء الطيبون لهم مغفرة بقدر ما صبروا و رزق كريم في الدنيا و الآخرة .
___
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} :
(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون) هنا سبحانه و تعالى يضع قواعد الإستئذان التي ميز الله سبحانه و تعالى بها هذه الأمة ، (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها) أي حتى تقولوا السلام عليكم ، السلام عليكم ، السلام عليكم ، يقولها ثلاث مرات ، فإن أُذِن له و إلا فليرجع ، فلا يجوز له أن يدخل بيتاً لم يؤذن له فيه الدخول ، فإن أُذِن له و إلا فليرجع ، كيف يعلم أنه أُذِن له أو لم يؤذن؟؟ فإن لم يرد أحد من البيت عليه سلامه ، فمعنى ذلك أنه لم يؤذن له ، فليُسلم ثلاث مرات ، فإن لم يرد عليه أحد فليرجع ، كذلك فليُسلم ثلاث مرات فإن رد عليه أحد و قال له إرجع فليرجع أيضاً ، (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم) أي بيوت ليست لكم و ليست بملككم ، (حتى تستأنسوا) أي حتى تذكروا الله عز و جل أو حتى تتنحنحوا و تُبينوا أنكم موجودون بالقرب من البيت ، (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون) هذا الفعل فيه خير لكم و لأصحاب البيت الذين تستأذنون بالدخول عليهم لكي يحفظ الله سبحانه و تعالى الحُرمات و لكي يستر العورات و لكي يحفظ كرامة البشر فيما بينهم ، (لعلكم تذكرون) أي لعلكم تَمَيَّزون بالذكرى و التقوى و الإيمان و ذكر الله التام في كل وقت و كل حين .
___
{فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} :
(فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم) إن كانت هناك بيوت ليس فيها أحد أو خالية و ليست ملككم ، لا تدخلوها حتى تطلبوا الإذن من أصحابها إن كانوا خارج ذلك البيت أو ذلك المنزل ، (و إن قيل لكم ارجعوا فارجعوا) إذا قيل لكم ارجعوا فارجعوا ، (هو أزكى لكم) أي هو أطهر لكم و أطهر لهم ، (و الله بما تعملون عليم) هنا يحث الله سبحانه و تعالى على صفة الإحسان و يخبرنا و يؤكد علينا بأنه مراقب لنا ، عليم بأفعالنا و نياتنا و أقوالنا .
___
{لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} :
ثم يقول تعالى : (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم) البيوت غير مسكونة التي فيها متاعاً لنا هي كبيت الضيافة و بيت ابن السبيل ، و بيوت الحج في مكة ، و ما إلى ذلك من البيوت العامة ، (ليس عليكم جناح أن تدخلوا تلك البيوت بغير إستئذان و خصوصاً إن كان لكم فيها متاع و بضاعة تخصكم ، كبيوت التجارة أيضاً ، (و الله يعلم ما تبدون و ما تكتمون) يحث الله سبحانه و تعالى مرة أخرى على المراقبة و على الإحسان ، فيقول : (و الله يعلم) أي يعرف ، (ما تبدون) أي ما تظهرون ،(و ما تكتمون) أي و ما تبطنون .
___
و اختتم نبي الله الجلسة المباركة بقوله المبارك :
هذا و صلِّ اللَّهم و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم ، سبحانك اللهم و بحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك و أتوب إليك .
___
و الحمد لله رب العالمين . و صلِّ يا ربي و سلم على أنبياءك الكرام محمد و أحمد و يوسف بن المسيح صلوات تلو صلوات طيبات مباركات ، و على أنبياء عهد محمد الآتين في مستقبل قرون السنين أجمعين . آمين .🌿💙
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق